أساليب أهل الكتاب في معاداتهم لهدى الله
إن ما بذله أهل الكتاب ويبذلونه من جهود كبيرة في محاربتهم لهدى الله ومحاولاتهم للقضاء عليه إنما هو بدافع الحسد للأخرين أن ينعموا بهذا الهدى العظيم ثم بدافع الكراهة المتجذرة في قرارة أنفسهم لهذا الهدى فهم يريدون أن يعيشوا في جو من الفساد والتسلط والأثرة وسفك الدماء والظلم لعباد الله لأن أنفسهم جبلت على ذلك وهدى الله يعريهم ويكشفهم على حقيقتهم.
ثم هو يقف حاجزا وحائلا بينهم وبين تطبيق أراءهم ورغباتهم وفي نفس الوقت يعمل على حماية بقية البشرية من شرهم وفسادهم فهم من جانب يرون فيه عائقا لهم عن تحقيق رغباتهم في التسلط والسيطرة ومن جانب آخر يرون فيه وسيلة ضغط تقيدهم وتحد من استمتاعهم بالحياة وخيراتها كما يحلوا لهم وكما يرونه متناسبا ومتناسقا مع نفسياتهم الفاسدة وتقاليدهم الهدامة.
ولهذا لم يألُوا جهدا في تصفية هدى الله من واقعهم ثم من واقع البشرية من حولهم و من أساليبهم التي اتبعوها وابتكروها في حربهم على هدى الله:
أسلوب الإضلال
يقول الله سبحانه وتعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِّنَ الكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ} [النساء آية 44
{ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ} يقول الله سبحانه وتعالى عن أهل الكتاب أنهم يشترون الضلالة ببيع الدين، بعد أن أُوتوا نصيبا وافرا من الكتاب، لكن أصبح الكتاب لا قيمة له لديهم، وأصبحوا هم يشترون الضلالة، يبحثون عن الضلالة، سواء الضلالة في أنفسهم، أو الضلالة ليصدروها للآخرين {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}، والذي يريد لي أن أضل أليس سيعمل على إضلالي عندما يتمكن ويحصل على الإمكانيات التي يستطيع بها أن يضلني؟ لأن إرادة الاضلال موجودة عنده، إذاً فهم يريدون أن نضل، خاصة وقد أصبحوا يمتلكون إمكانيات هائلة جدا من الآليات والماديات التي تساعدهم على اضلال الأخرين، فأضحت تلك الإمكانيات تشكل دافعا مهما بالنسبة لهم لتصدير الضلالة إلينا.
فعلا هم يمتلكون مليارات، ويمتلكون شركات السينما، ويمتلكون القنوات الفضائية الكثيرة، يمتلكون الآليات بمختلف أنواعها.. وهي كلها تُجَنَّد من قبلهم لإضلال الآخرين وخاصة الشعوب الإسلامية حتى صرنا نعاني من إضلال كبير يأتي من مختلف وسائل إعلامهم ومن مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، ومن مختلف وسائل النشر ومن الأقلام الكثيرة التي تكتب، وفي كل بلد وبكل وسيلة.
لأن عبارة {الضَّلالَةَ} تعني أنهم عندما يريدون أن نضل السبيل، فكل وسيلة سيسلكونها لأنهم لن يتحرجوا إذاً، وما الذي سيدفعهم إلى أن يتحرجوا من أن يستخدموا كل وسيلة فيها إضلالنا؟
هل دينهم سيمنعهم؟ لقد نبذوا الدين وراء ظهورهم، إنهم يستخدمون حتى بناتهم ونسائهم لإضلال الآخرين، إنهم يستخدمون اليهوديات المصابات بمرض (الإيدز) لينتشرن في بلدان عربية وإسلامية كثيرة كما هو الحاصل في مصر من أجل أن ينتشر ذلك المرض الفتاك، ومن أجل أن يفسدوا شباب المسلمين زيادة على ما قد حصل.
نشر الفساد الأخلاقي
هم من يعملون على نشر الفساد الأخلاقي في مختلف البلاد العربية، هم من دفعوا المرأة المسلمة، المرأة المحتشمة، المرأة التي يُلزِمُها دينها وقيمها العربية أن تكون متأدبة ومحتشمة، هي من أصبحت الآن تتبرج، وتكشف شعرها وبدنها، وتزاحم الرجل في جميع مناحي الحياة بحجة مشاركته في مختلف المجالات.
الآن في جميع البلدان الإسلامية أصبحت المرأة تزاحم الرجل في المكاتب والمصانع والأسواق وجميع الأماكن، وصارت المكاتب الحكومية مطعمة بالنساء هنا مدير وهناك سكرتيرة لتكون أجواء المكتب لطيفة، وعاطفية ورومانسية.
تلك المشاركة التي تقوم بها المرأة في الريف هي المشاركة الحقيقية، فهي من تربي الأبقار، والأغنام، وتوفر لأسرتها الكثير من الأشياء التي يحتاج رب الأسرة إلى دفع فلوس كثيرة في توفيرها، كالماء والحطب، والمشاركة في المجال الزراعي.
وهذه هي المشاركة التي ارتضاها رسول الله(صلوات الله عليه وعلى آله) لأبنته فاطمة الزهراء سيدة نساء الدنيا والأخرى حينما قضى عليها بالأعمال المنزلية وعلى الإمام علي عليه السلام بالأعمال الخارجية أي خارج المنزل.
وهكذا المرأة في اليمن تشارك الرجل في جميع مناحي الحياة .. مشاركة حقيقية، يلمس جميع الأهل بركتها
لكن اليهود يتجهون عن طريق المرأة لمحاولة اضلالنا وافسادنا التي تعد فعلا أخطر وسائل الاضلال على المجتمع ككل ولذلك تراهم دائما يغزونها من كل ناحية فتارة يصفون ما تقوم به من مشاركة للرجل في الأعمال المنزلية والزراعية بأنه امتهان للمرأة، لأن المشاركة عندهم هي أن تكشف نفسها ووجهها، وتزاحم الرجل في كل المكاتب، وفي محطات التلفزيون، وفي كل مناحي الأعمال الأخرى.
وهذه أخطر أساليب الاضلال حيث ذكرت بعض الإحصائيات عما يحصل في أجواء كهذه في بلدان أوربا، أرقام كبيرة من النساء اللائي يتعرض للاغتصاب نتيجة مشاركتهن للرجال في الأعمال المكتبية، من قِبَل مدراء المكاتب، ومن قبل المشاركين في هذه المكاتب، أضف إلى ذلك أنهم حولا المرأة إلى سلعة تباع في مزاد الإعلانات والترويجات في شتى المجالات، فهذا هو الامتهان الحقيقي لكرامة المرأة وللأسرة كلها.
ومما يدل على خطورة هذا الجانب هو عملية التضليل المتنامية والمتسارعة في البلدان العربية حيث نلحظ أن الضلال والفساد ينتشر فيها بشكل رهيب فكل سنة هي أسوء من سابقتها وأن بيع الدين بالدنيا أصبح القضية السائدة داخل أوساط المسلمين.
من أين جاء هذا؟ ألم يأتي من عند أولئك الذين قال الله عنهم : {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ} يريدون أن نضل فيعملون جاهدين على أن يخرجوا بناتنا ونساءنا ليزاحمن الآخرين في كل كتب ومنشأة.
المرأة التي أصبحت متبرجة، من أين جاء هذا؟ هل القرآن الكريم هو الذي أمرها؟ أم القرآن هو الذي أمر رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أن يأمر نساءه وبناته ونساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن، وأن يضربن بخُمُرهن على جيوبهن، وأمرهن بأن يحفظن فروجهن، وأن يغضضن من أبصارهن عن الرجال الأجانب، أليس هذا هو منطق القرآن؟ من أين جاء التبرج؟ من أين جاء السفور؟ ألم يأت من عند من يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل؟ أولم نضل؟.
سافر إلى القاهرة، أو إلى عمان، أو إلى دمشق، أو إلى بغداد، أو إلى أي بلد عربي إسلامي تجد المرأة العربية المسلمة لا تفرق بين مظهرها وشكلها وبين المرأة الأوربية المسيحية أو اليهودية، حتى النساء في فلسطين وفي (البوسنة) ترى المرأة التي تصرخ وتبكي على ابنها وهو قتيل، أو جريح، أو تبكي على بيتها وهو مهدم على أيدي اليهود هي في شكلها لا تختلف عن أم ذلك اليهودي، عن زوجة ذلك اليهودي الذي هدم بيتها وقتل ابنها.
لنقول أيضا: أنه حتى عندما نسير وراء الآخرين فيما نعتبره حضارة وتقدماً يجب أن لا نبيع ديننا، نقول للمرأة عندما تخرجين متبرجة، عندما تخرجين سافرة لوجهك وبدنك مكشوف هل رحموكِ؟ هل رحموها في البوسنة وفلسطين وكشمير وغيرها؟ هل كفوا عن تدمير منزلها؟ لأنها أصبحت قد لحقت بركابهم؟ إنهم يرْكُلُون كل من لحق بركابهم من عندنا.
هل كفوا عن ابنها؟ هل كفوا عن زوجها؟ ثم هل تريدين أنت أن يكف الله عنك وأنت من تسيرين وراء ضلالة هؤلاء أكثر مما تسيرين وراء هدي الله؟ الله لن يكف عنك، الله لن ينقذك وأنت من تسيرين وراء من يريدون أن تضلي، ويريدون أن تهاني، ويريدون أن تظلمي، وأنت تقلدينهم في كل مظاهر الحياة.. أليس هذا هو ما يحصل؟ إن الله لن يكف عن تلك النساء المتبرجات.
حتى أصبح البعض منا فعلا يوم كنا نشاهد ما يحصل في البوسنة على شاشة التلفزيون، ألم تكن ترى المرأة المسلمة كالمرأة الصربية شكل واحد، وزي واحد، ترى الفلسطينيات وهن يهربن أمام الإسرائيليين كالإسرائيليات سواء، حاول أن تشاهد فيما لو تمكنت أن تشاهد شاشة التلفزيون الإسرائيلي ستجد أنه لا يختلف لا يختلف أبداً عما تشاهده في شاشة أي تلفزيون آخر في البلاد العربية. لقد ضللنا السبيل، سبيل ديننا، سبيل عزتنا، سبيل كرامتنا، السبيل كل ما تعنيه كلمة {السَّبِيلَ} الذي يهدي إلى التي هي أقوم، الذي يهدي إلى العزة والكرامة {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}.
وهم عندما يريدون أن نضل السبيل، هم كالشيطان يعرفون سبيل عزتنا ليصرفونا عنه، هم لا يغلطون، يعرفون سبيل الحق فيصرفوننا عنه، يعرفون سبيل تنميتنا الحقيقية فيصرفوننا عنها، يعرفون سبيل زكاء نفوسنا، وسمو أرواحنا فيصرفوننا عنه، يعرفون سبيل قوتنا في توحدنا فيصرفوننا عنها {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}.
وخلاصة القول في الأخير أننا بحاجة ماسة إلى ما يلي
- العودة الجادة إلى الله حتى يكف عنى مكر أعدائنا وكيدهم لأنه خير الماكرين.
- أن نفهم ونعي حقيقة استهدافهم لنا وهذا يحتم علينا أن نرفع من منسوب الوعي لدينا تجاه خططهم ومكرهم ولن يتحقق لنا هذا إلا بالعودة إلى القرآن الكريم كأهم مصدر لمعرفتهم على حقيقتهم وكأهم مصدر أيضا لاستقاء الحلول الناجحة في مواجهة موجة التضليل العاتية من قبلهم
- أن تعي نساؤنا جيد ماذا يريد العدو من خلال استمالتها والتأثير عليها بالدعايات والشائعات المكذوبة والغير واقعية وأن عليها أن تعود بقوة نحو دينها الإسلامي الذي حفظ لها كرامتها ومكانتها وأن أولئك لا يريدون منها سوى أن تكون سلعة رخيصة في سوق المتعة المحرمة وأداة فعالة في ضرب أمتها ودينها.
- يجب علينا أن نتسلح جميعا رجالا ونساء باليقظة والحذر الشديد من الضلال لأن في هذا هلاكنا وضياعنا نحن وأجيالنا ومدعاة لتسليطهم علينا فيسومونا سوء العذاب وفي الأخرة جهنم وبئس القرار
أسلوب التكذيب والإنكار المطلق لرسل الله ورسالاته ووقاحتهم في نسبتهم التقصير والقصور إلى الله سبحانه وتعالى وهذا ما أخبرنا الله عنه في القرآن الكريم قال تعالى { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُوا أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)} [الأنعام آية91]
{وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } أي ما عرفوا الله حق معرفته فلم يعطوه ما يستحق من التقدير والإجلال
{إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ } هذا الإنكار فيه تجرؤ كبير على الله سبحانه وتعالى بنسبة التقصير إليه مع أنه لا تقصير ولا قصور من عند الله جل وعلا في كل الجوانب والمجالات ومنها رعاية عباده وهدايتهم
كما أن هذا الإنكار لم يكن نابعا عن جهل بحقيقة وعظمة تلك الرسالات بل هم من عايشوها لفترة طويلة من الزمن قال تعالى مكررا لهم بذلك {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى} أليست هذه تعتبر حجة واضحة عليهم؟ لأنهم يعتبرون أن هناك التوراة أنزلت على موسى، وهذه التوراة هي نور وهدى للناس كما أن القرآن نور وهدى للناس.
وهذا الإنكار يدل على مدى ما وصلوا إليه من تعنت وعداوة لهدى الله وبشكل رهيب
كما يدل على جرأتهم على الله الناتجة عن قسوة قلوبهم جراء نبذهم لكتب الله وراء ظهورهم وعدم الاستفادة منها في واقعهم النفسي والعملي حيث جعلوها قراطيس يبدونها ويخفون كثيرا منها.
وهم إنما عمدوا إلى هذا انكار رسالات الله ورسله كي يصرفوا الناس عن هدى الله فلا يستفيدون منه حسدا من عند أنفسهم وحتى تبقى الساحة مهيأة لشرهم وباطلهم
وهم بذلك إنما يفضحون أنفسهم ويكشفون عما انطوت عليه من خبث وضلال وقسوة وإلا فإنهم يقرون بأن التوراة هي من عند الله
بل ينسبون ما كتبه أحبارهم ورهبانهم من أهواء وضلالات إلى الله وإلى رسله ليضفوا عليه قدسية وشرعية حتى تكون تلك الخرافات مقبولة لديهم هم أنفسهم فيستسيغون التعبد بها مع علمهم بضلالها وبطلانها ولكي يقنعوا العامة أنها من عند الله وما هي من عند الله
البشرية الماسة لها وضرورتها القصوى في حياتهم
كما أن هناك دافع آخر وراء هذا الإنكار الكلي لهدى الله وهو الحسد للآخرين قال تعالى{ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَلاَ المُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ }[البقرة آية 105]
وكذلك محضهم كل عداوتهم لآيات الله وهداه إنما هو دليل على ظلمهم وجبروتهم كما أخبرنا الله سبحانه وتعالى عنهم في قوله { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } [ الأنعام آية 33]
وهذا الجحود نابع عن كراهية لذلك الهدى لما يمثله من بصائر ونور يقض مضاجعهم ويحول بينهم وبين ما تنزع إليه أنفسهم من سطو وظلم وتسلط على عباد الله فهم يرون فيه سدا منيعا يحول بينهم وبين أمانيهم وما تشتهيه أنفسهم قال تعالى مخبرا بذلك { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وَجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا المُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ المَصِيرُ} [الحج آية 72]
ولهذا السبب عمدوا إلى إنكار الهدى بكله فقالوا { مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ}
وترافق مع هذا الانكار اللفظي انكار عملي فغيبوه من واقع حياتهم العملية في كل الجوانب ونظروا إليه نظرة سلبية تنم عن خساسة وحقارة نفوسهم
وبهذا نخلص إلى حقيقة مفادها أن أهل الكتاب هم أعداء حقيقيون وخطيرون للغاية ضد هدى الله يريدون إزاحته من الحياة بل ويسعون لذلك بكل إمكاناتهم وجهدهم إما بتكذيبه وإما بإنكاره
إن أسلوب إنكار الحق وجحده أسلوب يهودي مستمر ولا يزال قائما حتى اليوم وكل من يسعى لإنكار هدى الله إنما هو يستمد تلك الفكرة الشيطانية من أوليائه وفي مقدمتهم اليهود
أسلوب محاولتهم إزاحة هدى الله من واقع الحياة البشرية نفسياً وعملياً.
ومن ذلك ما ذكره الله عنهم من استهانتهم بهدى الله ونظرتهم القاصرة إليه حيث جعلوه بمثابة قراطيس لا تمثل أي أهمية قال تعالى {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً } بمعنى تفرغونه من مضمونه فلا تجعلون له أي قيمة في واقعكم النفسي والعملي، ولا حتى في واقع الحياة من حولكم حيث جعلوا من التوراة حبراً على ورق لا يوجد لها أي تأثير في واقعهم النفسي والعملي
وأخذوا يستبدلونها بغيرها من الأهواء لتحل محلها وليوهموا الآخرين من العامة والأتباع أن هناك أصولا ومراجع يتم الرجوع إليها وليست الحياة العملية والعقائدية بالنسبة لهم فارغة تماما ولذك أخبرنا الله عن بعض الحيل التي ابتكروها في مجال الخداع هذا قال تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [آل عمران آية 78] وهذا أسلوب خطير فيه لبس الحق بالباطل وتصوير الباطل على أنه حق وعلى أنه من عند الله وهو ليس كذلك وبهذا يتسنى لهم تعميم تلك الأهواء والضلالات وترسيخها لدى العامة كعقائد مقدسة لا يتم الاستهانة بها ولا استبدالها ومن هنا تصبح قوانينهم ودساتيرهم لها حرمتها وقداستها ولا يجوز الخروج عليها بينما آيات الله وشرائعه هي ما يجب نقده والانقلاب عليه.
إذاً فالاستهانة والتهميش للتوراة وغيرها من الكتب السماوية كانت ولا زالت قضية ثابتة لديهم وتعاملا قائما عندهم {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ} ولهذا استطاعوا إزاحتها من واقعهم النفسي والعملي واستبدالها بما يسمونه كتب [العهد القديم] وهي كتب ضلال وباطل كما أسلفنا
وقد شبه الله حالتهم تلك بقوله قال تعالى { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الجمعة آية 5]
ولأن بني إسرائيل تخلوا عن حمل التوراة وأزاحوها وغيبوها من واقعهم بعد أن حملهم الله إياها فقد استحقوا بالفعل أن يضرب الله بهم هذا المثل بكل جدارة { وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [آل عمران من آية 117]
ولذلك نصل إلى نتيجة ثابتة مفادها أن كتب الله وهداه هو لصلاح الحياة فمتى ما غيب من الواقع ضل الناس وأصبحوا يتخبطون في الضلال والفساد
متى ما غلبت الأهواء على صاحبها وتفردت به فإن من السهل عنده التخلي عن هدى الله لأنه لم يعد يمثل عنده أي أهمية بل قد يرى فيه عدوا يجب التخلص منه
إن المضلين من أهل الكتاب وفي مقدمة اليهود لن يكونوا يوما مصدرا لأي خير فإذا كانوا قد حرموا أنفسهم من الاستفادة مما فيه كل الخير فكيف بالآخرين
الأسلوب إخفاء هدى الله:
{ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً } حتى لا يستفيد منه الناس وحتى لا يكون حجة عليهم فيعقهم عن تنفيذ مآربهم الشيطانية أو قد يكون هذا الإخفاء بدافع الكراهية لهدى الله لأن الله قال عنهم في آية أخرى { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ } [التوبة آية 32]
إذاً هنا كشف لنا طريقة لديهم في التعامل مع أحد كتب الله التي تحمل هداه، وهي التوراة الكتاب الذي نزَّل على موسى الذي يعتبرون أنفسهم أنهم منتمين إليه، وأنه نبيهم، وأن التوراة الكتاب الذي أنزل عليه كتابهم، ألم يكشف طريقة تعاملهم مع التوراة؟ أليس من الطبيعي أن يخفوا من القرآن أكثر مما أخفوا من التوراة، أو أن يخفوه تماماً ـ إذا تمكنوا من ذلك؟
معنى هذا أنك ستراهم يعملون بالقرآن ما هو أسوأ مما عملوه بالتوراة، وفعلاً في إسرائيل يدمرون المساجد، ويقطِّعون المصاحف ويحرقونها، بل أحيانا يرتكبون الفاحشة فوق المصاحف بعدما يمزقوها، ألا يدل هذا على حقدهم الشديد جداً على هدى الله وعلى القرآن الكريم؟ أولسنا مسؤولين عن حماية هدى الله من عبثهم ولعبهم؟
ولذلك فإنه من الغباء أن يعتقد البعض من المسلمين أنه ليس معني بما يقوم به اليهود وما يخططون له من إخفاء هدى الله المتمثل بالقرآن الكريم إما عن طريق تلاعبهم بالمناهج في دول العالم الإسلامي أو عن طريق تشويه القرآن والإسلام بكله ووصفه بالإرهاب والتعصب وعدم الكفاءة لمسيرة التطور البشري وغير ذلك من الدعايات والشائعات التي يشنونها في كل وقت وحين ضد القرآن وضد الإسلام وضد نبي الإسلام بغية التشكيك فيه وحبسة في بوتقة مصغرة من التشريعات التي لا تشكل خطورة عليهم وعلى أهدافهم الخبيثة في التسلط والاستحواذ على مقدرات الأمة الإسلامية.
أسلوب التغرير على الناس وخداعهم:
{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ} [آل عمران من الآية 78] أي أنهم يلحنون كلامهم الذي أحلوه محل هدى الله كما يلحنون ما تبقى لديهم من كتبهم السابقة وهنا يلوون في إطار حديث أو كذا يدخلونها وكأنها من كلام الله وعندما تسمعهم يقرؤون التي يسمونها: [إصحاحات] من الإنجيل يقرأها ويلحنها وهي بينها طامات كبيرة من عندهم هم وهو يلحنها مع باقي الذي يوجد من بواقي الإنجيل { لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ} يقدمها على نمط تقديمه لشيء من الكتاب.
أسلوب الكذب والتزوير على الله :
{وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران : الآية 78] أي أنهم ينسبون باطلهم وضلالهم إلى الله سبحانه وتعالى الملك الحق المبين ليكسبوه رونقا من القداسة لدى عامة الناس وهو في حقيقته باطلا وفجورا وأهواء وضلالات.
أسلوب تحريفهم لكلام الله:
قال تعالى{مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَياًّ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} [النساء آية 46]
فهم يحرفون الكلم إما من خلال المضمون والمقاصد لتلك البينات أو من خلال ليَّ ألسنتهم بهدف التحريف وإيهام السامع أن هذا الهراء والدجل هو من دين الله افتراء عليه أو من خلال قلب المفاهيم لبعض الكلمات المتداولة كما كانوا يطعنون في الدين من خلال قولهم لرسول الله صلوات الله عليه وعلى آله (رَاعِنَا) وهم يعنون بها الرعونة والطيش بينما هي في العربية بمعنى أنظرنا أو أمهلنا.