القروض الربوية تخفي وراءها أهدافاً استعمارية (2)
|| تقارير || أحمد يحيى الديلمي
لم تكن القروض الربوية بريئة أو مجانية، فهي تأتي بناء على أولويات المانحين، وليس الدول الممنوحة، إذ تُرمى الدول النامية في مصيدة الديون الربوية، حيث برزت مؤخراً مشكلة دولية تسمى بديون العالم الثالث (الدول النامية) التي ازدادت بشكل كبير جداً، حيث إن تلك الدول شرعت بالاستدانة منذ استقلالها، وتقوم دول الغرب الرأسمالية بإغراء دول العالم الثالث بطلب القروض الربوية، بل وتجبرها أحياناً، كما كانت تفعل أمريكا في الخمسينات من القرن العشرين.
معظم الشعوب العربية مليئة بالديون:
إن من أكبر المشاكل التي تواجه الدول المقترضة هي الفشل في سداد مديونياتها، وذلك بسبب عدم الاستفادة المثلى من الأموال المقترضة، أي إن القروض لم تنجح في توفير عائد ربح مرض من استثمارها بعد سداد القرض، أو حتى ما يكفي لسداد قيمة القرض. حيث إن المساعدات التي تعتمد على القروض الربوية لا تسهم في تقليل عجز الدولة وتحسين وضعها الاقتصادي، وهذا يؤدي في بعض الحالات لأن تتنازل دولة عن عوائد أحد مواردها لفترة ليست بالقصيرة في سبيل تسديد قيمة بعض قروضها المالية، بمعنى أن الوضع الاقتصادي لبعض الدول النامية زاد في التأزم عما كانت عليه منذ سنين مضت، وذلك لتراكم ديونها وتردي اقتصادها، بسبب تزايد الديون عليها لعدم قدرتها على سداد قيمة قروضها السابقة.
ونجد الآن أن معظم الشعوب العربية مليئة بالديون، وأن الشعوب الذي تقترض بالربا تتحمل الزيادات التي صارت أكثر من المبلغ الأصلي، ولم يعد يستطيع الناس التخلص منه، يقول الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه” في (الدرس الثاني عشر من دروس شهر رمضان المبارك): “عندما تجد هنا في موضوع الربا فيما يتعلق بالتعامل فيما بين الشعوب نفسها، شعب من الشعوب يقترض مبالغ وتكون على هذا النحو فيها ربا فلا تدري إلا وقد المبالغ التي هي الربا وحده، الزيادات قد صارت أكثر من المبلغ الأصلي، من المبلغ الرئيسي الذي استلمه أو حول له بشكل مواد أخرى، لم يعد يستطيع الناس يتخلصون منه! الآن معظم الشعوب العربية مليئة بالديون، ترى ما يمثله رأس المال الحقيقي، المبلغ الحقيقي لم يعد يعتبر إلا ربما نصف أو أقل من النصف! صارت الزيادة تلك الأرقام الكبيرة التي تطلع مليارات الدولارات كلها ربا كلها الزيادات التي في كل سنة، نسب معينة”.
من يتحمل أعباء وفوائد القروض اربوية؟
يشير الباحث “أحمد عزت محمود المتولي” في تقرير أعده حمل عنوان: (المديونية الخارجية وأثرها على النمو الاقتصادي)، أن آثار الديون الخارجية لا تقتصر علي الجانب الاقتصادي والسياسي فقط بل تمتد لتشمل النواحي الاجتماعية للأفراد، حيثُ تؤثر على العدالة بين الأجيال من الأفراد فعادةً ما يتم الاقتراض في وقت ويتم السداد في زمن آخر تالِ له، وإذا كان الجيل الذى حدث في ظله الاقتراض يستفيد بالأموال المقترضة في غير الاستثمار ورفع معدلات النمو فإن الجيل التالي له هو الذي يتحمل أعباء خدمة هذه القروض دون توفر موارد جديدة وبالتالي يلجأ للاقتطاع من الأموال المتاحة للإنفاق على الخدمات اللازمة له، أما اذا استخدمت القروض في الاستثمار والمشروعات التنموية، فيمكن القول أن الجيل التالي قد أنتفع حيثُ يَطول أمد الانتفاع بها إلى سنوات تزيد عن سنوات سداد القرض.
وأصبحت القروض الربوية تُشكل أهم معضلة في حياة شعوب الدول العربية والإسلامية؛ لأنها لم تستفد منها بالقدر الكافي بعد تبديدها واستخدامها في مشاريع هامشية غير إنتاجية، لاسّيما وأنها مطالبة سنوياً بدفع عشرات الملايين كفوائد ربوية تسجل على الشعوب وملزمة بدفعها، وهكذا تؤدي القروض الربوية إلى إفلاس الدولة، لأن القرض هو عبارة عن مضاعفة الدين الأساسي، فلو افترضنا قرضاً بفائدة 5% مثلاً، ففي عشرين سنة سوف تدفع مبلغاً يعادل القرض، وفي أربعين سنة سوف تدفع ضعفين، وفي الوقت نفسه، يبقى القرض كما هو لم يُسدد بعد.
وفي هذا السياق، يُشير الشهيد القائد في درس (اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً) إلى من هذه الوضعية الخطيرة التي حلّت بالأمة العربية والإسلامية، يقول: “القروض التي يعطوننا قروضا منهكة، مثقلة، وهل تعتقدون أن القروض تسجل على الدولة الفلانية، أو على الرئيس الفلاني، وعلى رئيس الوزراء الفلاني؟، تسجل على الشعب، وهي في الأخير من ستدفع من أجساد الشعب نفسه في حالة التقشف التي مرت بها بلدان أخرى أنهكتها القروض، يفرضون حالة من التقشف.
ألسنا متقشفين؟ ستفرض حالات أسوأ مما نحن فيها تحت عناوين أخرى، ستدفع أنت ثمن تلك القروض من شحمك ولحمك أنت وأبناؤك، تذبل أجسامنا من سوء التغذية، فندفع تلك الفوائد الربوية، من أين؟ من شحمنا ولحمنا ودمائنا، ألستم تسمعون بأن هناك بلدانا كالبرازيل وبلد كتركيا أصبحت الآن مشرفة على أن تعلن عن حالة التقشف؟ واليمن ألستم تسمعون كل شهر قروض؟”
قراءة سريعة لحجم الدين العام الخارجي لليمن:
في قراءة سريعة لحجم الدين العام الخارجي للجمهورية اليمنية، فقد كان الدين العام الخارجي في نهاية مارس 1999م ما يُعادل (4721.3) مليون دولار، وفي العام 2008م، كشف تقرير رسمي أن حجم الدين الخارجي في اليمن بلغ بنهاية عام 2008م 5 مليارات و886 مليون دولار، وبلغ الرصيد القائم للدين الخارجي 6.1 مليار دولار في العام 2010م، وارتفع الرصيد القائم للدين الخارجي في العام 2014م إلى 7.3 مليار دولار، وفي ضوء هذا، دخلت اليمن في بوتقة المديونية وستظل فوائدها محسوبة على الأجيال القادمة.
وفي ضوء ما سبق، فإن مشكلة الديون بصفة عامة وتراكمها وقت الاستحقاق وترحيلها من سنة إلى أخرى سواء بأصل القرض أو فوائده والرسوم الأخرى تجعل الحكومة تخصص جزءً كبيراً من أموالها لسداد الأقساط المترتبة عن القروض والأتعاب الإدارية من موازنتها السنوية ما يعني زيادة العبء على النفقات العامة.
وبالنظر إلى نسبة أعباء الدين العام إلى إجمالي النفقات العامة للدولة نلاحظ أنها قد حققت مؤشراً خطيراً، حيث شكلت نسبة أعباء الدين العام إلى إجمالي النفقات العامة خلال الأعوام (2014-2015-2016م) على التوالي (23.4 % و35.1 % و51.1 %) من جملة النفقات العامة، وهذا يعني أن عبء الدين العام تجاوز الحدود الآمنة (25%)، حيث أصبحت أعباء الدين العام تلتهم أكثر من النصف من جملة النفقات العامة، بل ان جزء من تلك النفقات يمول عن طريق قروض جديدة نظراً لأن الإيرادات العامة لم تعد قادرة على تمويل الإنفاق العام