الشيطان عدوٌ مبين لبني آدم
خصص السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي في محاضراته الرمضانية لهذا العام 1444هـ بعض محاضرات الهامة جدًا، للحديث عن خطورة اتباع خطوات الشيطان وأنه عدوٌ مبين لبني آدم، وفي معرض حديثة أكد أن الحديث عن الشيطان في القرآن حديثٌ مهمٌ جدًا، وبيَّن لهم أنه عدوٌ مبين لهم، وأنه يستهدف كل المجتمع البشري وأشار إلى حالة الغفلة لدى الكثير من الناس عن خطورة الشيطان، ومساعيه لاستهدافهم
الله “سبحانه وتعالى” حذّر بني آدم من الشيطان:
يُبيِّن السيد القائد في (المحاضرة الرمضانية التاسعة، 1444هـ) أن الله “سبحانه وتعالى” حذّر بني آدم من الشيطان، وبيَّن لهم أنه عدوٌ مبين لهم، وأنه يستهدف كل المجتمع البشري، ومع معرفة البشر جميعًا بأنه عدوٌ لهم، فإنهم يذمونه، ويلعنونه، وينظرون إليه كعنصر شر، وعدو، وسيء، حيث يقول:
“الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” حذّر البشر جميعًا، حذّر بني آدم من الشيطان، وبيَّن لهم أنه عدوٌ مبين لهم، يستهدفهم جميعًا، يستهدف كل المجتمع البشري، والحديث عن الشيطان في القرآن حديثٌ مهمٌ جدًا، ومع معرفة البشر جميعًا بأنه عدوٌ لهم، وهم يذمونه، ويلعنونه، وينظرون إليه كعنصر شر، وعدو، وسيء، ورمز للشر، ورمز للسوء، ورمز للفجور، ورمز للكفر، لكن الكثير منهم يتأثرون به، وتغيب- في كثيرٍ من الأحوال- لدى الكثير من الناس في ذهنيتهم حالة الاستحضار للشيطان، وعدائه الشديد، ومساعيه المستمرة لإغواء الإنسان”.
ويشير السيد القائد إلى حالة الغفلة لدى الكثير من الناس عن خطورة الشيطان، ومساعيه لاستهدافهم، وصولاً إلى درجة أن البعض من الناس عندما تذكره وتحذره من الشيطان وذلك عندما يتأثر نفسيًا في حالةٍ معينة نحو اتجاهٍ سيء، أو عملٍ سيء، أو موقفٍ سيء، أو تصرفٍ سيء، فإنه قد يسخر منك، ويرى نفسه وكأنه بمنأى عن مسألة أن يؤثر فيه الشيطان، إذ يقول:
“ما أكثر حالة الغفلة لدى الكثير من الناس، عن خطورة الشيطان، عن مساعيه لاستهدافهم، بل البعض في حالةٍ معينة، أو مقامٍ معين، وهو يتأثر نفسيًا، سواءً وراء رغبة، أو وراء انفعال، نحو اتجاهٍ سيء، أو عملٍ سيء، أو موقفٍ سيء، أو تصرفٍ سيء، عندما تذكره وتحذره من الشيطان، قد يسخر منك، ويرى نفسه وكأنه بمنأى عن مسألة أن يؤثر فيه الشيطان وهو في تلك الحالة السلبية.
ولذلك من المهم جدًا أن يلحظ الإنسان ما ورد في القرآن الكريم، عن الشيطان، وعن خطورته، وعن عدائه الشديد للإنسان، وعن أساليبه في الاستهداف للإنسان، وعن الثغرات التي ينفذ من خلالها للتأثير على الإنسان”.
الغَرُور هو الشيطان:
عند قوله تعالى: {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ}، يبين السي القائد أن الغَرُور: هو الشيطان، الذي يسعى لأن يغر الناس، وأن يجعلهم يغفلون عن الله “سبحانه وتعالى”، وعن وعده، ووعيده، حيث يؤكد: “{فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ}[فاطر: من الآية 5]، الغَرور من هو؟ الذي قد يسعى لأن يغركم، لأن يجعلكم تغفلون عن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وعن المسؤولية ما بينكم وبين الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويسعى لإبعادكم عن طاعة الله، وعمَّا فيه الخير لكم.
{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[فاطر: الآية6]، هو الشيطان، الغَرُور: هو الشيطان، الذي يسعى لأن يغركم، لأن يجعلكم تغفلون عن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وعن وعده، وعن وعيده، وعن المسؤولية أمامه، ويسعى أن يجركم إلى هلاككم، إلى خسرانكم”.
وتظهر عداوة الشيطان الشديدة لبني آدم بأنه حاقدٌ عليهم، ويسعى لهلاكهم، وخسارتهم، وإلحاق أكبر الضرر بهم، وهذا ما يفقده الكثير من الناس: عندما لا يتخذونه عدوًا؛ ولذلك فإن حالهم مهيأ لأن يؤثر عليهم، ولأن ينفذوا مؤامراته عليهم، يقول السيد القائد عند قوله تعالى: “{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ}، عدو بكل ما تعنيه الكلمة، عدوٌ مبين، حاقدٌ عليكم، يسعى لهلاككم، يسعى لخسارتكم، يسعى لإلحاق أكبر الضرر بكم، يسعى لمضرتكم، ولما فيه الخطر عليكم، هو عدو بكل ما تعنيه الكلمة، وعداء شديد جدًا.
{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً}، وهذا ما يفقده الكثير من الناس: هم لا يتخذونه عدوًا؛ ولذلك فحالهم مهيأ لأن يؤثر عليهم، ولأن تنفذ مؤامراته عليهم، ولأن يستطيع أن يدفع بهم إلى ما فيه خطرٌ عليهم وشرٌ لهم”.
شدة عدائه الشيطان وحقده:
من شدة عدائه وحقده يؤكد السيد القائد بالقول: “من شدة عدائه وحقده، هو كما قال عنه: {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}، وهم حزبه، الذين استجابوا له، الذين اتجهوا في الاتجاه السيء، الذي أراد أن يتجهوا فيه، وسعى لأن يتجهوا فيه، وأصبحوا يوالونه في واقعهم، أصبحوا في واقعهم موالين له؛ لأنهم يتجهون الاتجاه الذي يريده، ويعملون في واقع الناس- في واقع المجتمع البشري- الأعمال التي يريدها هو: ينشرون الفساد، يضلون عباد الله، ينشرون الفتن.
يفعلون الأفاعيل السيئة، التي يسعى لأن تكون هي سائدةً في واقع المجتمع البشري، فهم يعملون ما يرغب هو أن يعملوه، ويتجهون الاتجاه الذي يريد هو أن يتجهوا فيه، مع هذا لا يقدر لهم ذلك، ولا تتغير نفسيته تجاههم، فيقول: [بما أنهم أصبحوا يوالونه، يتجهون اتجاهه، وهم في نفس الطريق الذي يريد منهم، فيغيِّر موقفه نحوهم بشكلٍ إيجابي]، لا، هو يرتاح بأنه نجح في أن يتجه بهم إلى حيث يصل بهم إلى قعر جهنم، إلى أكبر خطر، إلى أشد العذاب، إلى أكبر الخسران، هذا حاله مع من؟ مع حزبه، يدعوهم، ويسعى لأن يصل بهم وأن يورطهم ليكونوا من أصحاب السعير (من أصحاب جهنم)، ليصل بهم إلى نار جهنم، ليحترقوا فيها، ويتعذبوا فيها، وهو يعتبر هذه أشد طريقة لإلحاق أكبر الضرر بالإنسان، وفعلًا لا يوجد طريقة أخرى أكبر ضرر منها، تُلحق أكبر ضرر بالإنسان منها، أكبر ضرر بالإنسان: أن يوصله إلى جهنم، إلى نار جهنم، ليتعذب للأبد، ليلقى أشد العذاب، ليخسر الجنة، ويخسر رضوان الله، ويعيش شقيًا للأبد، يرى أنها أكبر طريقة يوجه بها أكبر ضربة للإنسان، هذا حاله مع حزبه، إذًا هو عدوٌ شديد العداء للبشر جميعًا”.
خطورة عداوة الشيطان الشديدة لبني آدم
إن العداوة بين الشيطان وبين بني آدم هي عداوة قديمة، وقد أظهر إبليس تلك العداوة، وأعلن بها حين أمره الله “سبحانه وتعالى” والملائكة بالسجود لآدم، فسجد الملائكة أجمعون وأبى إبليس واستكبر؛ فأخرجه الله من جنته، وطرده من رحمته.
ويصوّر القرآن الكريم في العديد من آياته بأن الشيطان هو العدو الأول للإنسان، وهو الذي لعنه الله سبحانه وتعالى على استكباره ورفض السجود لآدم، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾.
ولخطورة عداوة الشيطان الشديدة لبني آدم، يُبيِّن القرآن الكريم كيف بدأت المشكلة مع الشيطان، حيث يوضح السيد القائد في (المحاضرة الرمضانية التاسعة، 1444هـ) أن المشكلة بدأت منذ استخلاف الإنسان على الأرض، والإشكال الذي حصل نتيجةً لذلك، فعندما استخلف الله الإنسان على الأرض، وهيأ له فيها معايشه، ومكَّنه في الأرض، وأتى الأمر بالسجود لآدم، فقد سجد الملائكة كلهم أجمعون، إلا إبليس امتنع عن السجود لآدم، حيث يقول: “في القرآن الكريم يبين أيضًا بداية المشكلة، كيف بدأت المشكلة مع الشيطان، يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10) وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[الأعراف: 10-12].
البداية بدأت منذ استخلاف الإنسان على الأرض، والإشكال الذي حصل نتيجةً لذلك، والتساؤلات بين أوساط الملائكة، وعندما استخلف الله الإنسان على الأرض، وهيأ له فيها معايشه، ومكَّنه في الأرض، من بداية خلق الإنسان، بخلق الإنسان الأول الذي هو أبونا آدم “عَلَيْهِ السَّلَامُ” أسجَدَ الله له الملائكة، والقصة طويلة (في سورة البقرة) لسنا في سياق الحديث عن تفاصيلها، عندما أتى الأمر بالسجود لآدم سجد الملائكة كلهم أجمعون، إلا إبليس، إبليس امتنع عن السجود لآدم”.
استكبار إبليس:
عندما أتى ذلك الاختبار فقد عاند إبليس، وعصى أمر الله عزَّ وجل، وكشف عن حقيقةٍ كامنةٍ في نفسه هي الكبر والكفر، فاستكبر، وأبى السجود، وامتنع، واعترض على مسألة السجود لآدم، يقول السيد القائد: “عندما أتى ذلك الاختبار عاند، وعصى أمر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وكشف عن حقيقةٍ كامنةٍ في نفسه: هي الكبر والكفر، فاستكبر، وأبى السجود، وامتنع، واعترض على مسألة السجود لآدم، تبعًا لمسألة الاستخلاف في الأرض؛ وحينها طرده الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” من السماء، ولعنه، وخذله: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ}[الأعراف: الآية13]، طُرد بإذلالٍ وإهانة، وأصبح من الصاغرين، هو تكبر، وأراد أن يكون كبيرًا، وأن يتعاظم، فإذا به أُذِلّ وأُهين، وأصبح صاغرًا ذليلًا، مذمومًا مدحورًا، مطرودًا مرجومًا، {فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّٰغِرِينَ}”.
نتيجة كفر إبليس وتكبره:
يشير السيد القائد إلى نتيجةً كفر إبليس وتكبره، وعصيانه بأن طرده الله عزَّ وجل من مقامه ومن السماء صاغرًا، فظهر الحقد الشديد جدًا عنده على كل الناس، وعلى المجتمع البشري بشكلٍ عام، وقد تجلى ذلك في طلبه الإنظار إلى يوم البعث {قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}؛ لأنه يريد أن يسعى لهلاك كل الأجيال في المجتمع البشري، جيلًا بعد جيل، ويريد أن تكون حربه واستهدافه لهم جميعًا، هذا يظهر الحقد الشديد جدًا عنده، حيث يقول: “فما حدث له، نتيجةً لكفره وتكبره، وعصيانه، التي معصيته تلك- ربما- كانت أول معصية يُعصى الله بها، فطرده من مقامه ذلك، ومن السماء صاغرًا، استكبر، وغضب، وحقد أشد الحقد على الإنسان، الإنسان ليس فقط آدم وحده، على المجتمع البشري بشكلٍ عام، حقده على كل الناس، على آدم وذريته إلى آخرهم، إلى آخر إنسان، حقد شديد جدًا، ولذلك ماذا طلب؟ {قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[الأعراف: الآية14]، لماذا طلب الإنظار إلى يوم البعث؟ يريد أن يسعى لهلاك كل المجتمع البشري، لهلاك كل الأجيال في المجتمع البشري، جيلًا بعد جيل، يريد أن تكون حربه وأن يكون استهدافه لهم جميعًا، وليس فقط مع آدم لوحده، أو لجيلٍ وحده، يريد أن يسعى لهلاك أكبر قدر ممكن من البشر، هذا حقد شديد جدًا عنده”.
ولأن إبليس ذهب من السماء مطرودًا، فقد حمَل أشد الحقد والعداء لآدم وذريته عبر الأجيال، ولهذا فقد اتجه إلى السعي والعمل لإهلاك أكبر قدرٍ منهم عن طريق الوسوسة، والإظلال، لاسيما وأنه لا يمتلك القدرة على الإضرار بهم رغمًا عنهم، وإنما يسعى عن طريق الوسوسة إلى استغلال هوى النفس، والميول السيئة، والتوجهات السيئة لدى الإنسان، يقول السيد القائد: “فهو طُرد، وذهب من السماء مطرودًا، وهو يحمل أشد الحقد والعداء، لآدم ولذريته عبر الأجيال، وهو يتجه إلى السعي والعمل لإهلاك أكبر قدرٍ منهم، لكن عن طريق ماذا؟ هل يمتلك القدرة على الإضرار بهم رغمًا عنهم؟ هل يمتلك القدرة على أن يرغمهم ليسيروا في طريق الشر والفساد؟ لا، إنما يسعى عن طريق الوسوسة، عن طريق الإظلال، عن طريق الإفساد، وهو بذلك يسعى إلى استغلال هوى النفس لدى الإنسان، الميول السيئة، التوجهات السيئة، إذا اتجه فيها الإنسان نفسه، حينها يحاول أن يدخل على الخط؛ ليحاول أن يؤثر على الإنسان أكثر فأكثر، فهو يسعى لإغواء الإنسان؛ لأنها أكبر طريقة للاستهداف للإنسان، وإلحاق أكبر الضرر به، ويستخدم الوسوسة في السعي لذلك”.