حيثياتُ الدفع الصهيوني للغرب الكافر نحو تكرار الإساءة للإسلام والقرآن.. مؤشراتُ مسار عدائي طويل
||صحافة||
جرائمُ إحراق المصحف الشريف في السويد والدنمارك تكرّرت، خلال هذا العام، بشكل ملفت، وهذا تَحَدٍّ واضحٌ ومستفزٌّ لمشاعر المسلمين!، ففي 21 يناير 2023م قام زعيم حركة اليمين المتطرف في السويد (راسموس بالودان) بحرق نسخة من القرآن الكريم أمام السفارة التركية بالعاصمة السويدية ستوكهولم، وفي 28 يونيو 2023 قام أَيْـضاً (سلوان موميكا) وهو مسيحي من أصول عراقية، بتمزيق وحرق نسخة من المصحف الشريف في ستوكهولم في أول أَيَّـام عيد الأضحى بعد أن منحته الشرطة السويدية تصريحاً لارتكاب هذا الفعل الشنيع، ما يؤكّـد تواطؤ رسمي سويدي في الأمر، وفي 20 يوليو 2023 كرّر (سلوان موميكا) نفس الجريمة البشعة بحرق المصحف الشريف ودهس وحرق العلم العراقي أمام السفارة العراقية في السويد، ولم يمضِ على هذه الجريمة سوى يومين حتى يفاجَأ المسلمون بقيام مجموعة متطرفي الدنمارك مدفوعة من اللوبي الصهيوني في الغرب، بحرق نسخة من القرآن الكريم أمام السفارة العراقية في العاصمة الدنماركية كوبنهاجن، وكرّرت نفس هذه الجماعة الإجرامية نفس الجريمة أمام السفارة التركية والمصرية في الدنمارك، وبعد ثلاثة أَيَّـام فقط من زمن الجريمة السابقة؛ وهو ما يشير إلى وجود توجّـه غربي رسمي بدفع صهيوني لفتح مسارات عدائية ضد الإسلام والمسلمين.
جرائمُ لم تأتِ صدفة.. مآلات تكرار الجرم:
هذه الجرائمُ الشنيعة، المدفوعة من اللوبي الصهيوني في الغرب، ليست جرائمَ عابرةً، أَو عملاً فردياً لشخص معتوه أَو جماعة عبثية متطرفة، تبحث عن الشهرة، بل هي قطعاً أجندات ومخطّطات مدروسة للوبي الصهيوني المحرك والمتحكم في الغرب الكافر، يريد من وراء هذه الجرائم المتكرّرة ترسيخ حالة من الامتهان، والاستحقار، والاستخفاف بالمقدس الديني للمسلمين (المصحف الشريف) وتمرير مخطّطات وأجندات صهيونية تآمرية على البلدان والأمة الإسلامية، إضافة إلى إيقاعِ الغرب المترنح اليوم تحت أزماته وخيباته، في فخ الدعشنة بنسختها المطورة في المجتمعات الغربية، الممتدة أصلاً عبر تأريخ طويل لها، مع الصهيونية وأمريكا، الذين صنعوا للبلدان الإسلامية، إرهاباً وسرقوا ثرواتها، ودمّـروا جغرافية أوطانها، باسم محاربة الإرهاب.
كما أن هناك معطيات تؤكّـد أن اللوبي الصهيوني يهدف إلى توريط الدول الأُورُوبية أكثر مما هي عليه؛ ليقودَها نحو مزيد من الأزمات، فما يحدث اليوم في الغرب من إسقاطات، ما هو إلَّا تجييش الصهيونية للشعوب الغربية لاستجلاب حروب دينية تخدم بها، ومن خلالها ومن حَيثُ تدري أَو لا تدري الأجندات والمخطّطات الصهيونية، فاللوبيات الصهيونية في الغرب ساهمت بدور كبير في تقويض قيم العدالة والتي على رأسها حرية التعبير والراي، وعززت بشكل مباشر، أَو غير مباشر بتغذية الحقد والكراهية والخوف من الإسلام والمسلمين والقرآن الكريم، من خلال صناعة وإبراز ظاهرة ما يسمى بـ «الإسلامو فوبيا».
حريةُ التعبير بالمفهوم الغربي:
حريةُ التعبير التي يتم استخدامُها على نطاقٍ واسعٍ، هذه الأيّام، في العالم الغربي كذريعة سخيفة لحرق المصحف الشريف، هذه الحرية التي يدعي الغرب بأنها عنوان وأيقونة ديمقراطيته التي يتباهى بها أمام شعوب العالم، هي اليوم بهذه الجرائم التي يرتكبها ضد العالم الإسلامي ومقدساته، ديمقراطية تتآكل بشكل متسارع، تزامنناً مع تحريك اللوبي الصهيوني في الغرب للأحزاب اليمينية الفاشية وتصعيدها سياسيًّا، في معظم الدول الأُورُوبية لكي تقوم بهذه الجرائم الشنيعة وتنفيذ أجنداته ومخطّطاته، تجاه العالم الإسلامي خُصُوصاً والعالم عُمُـومًا.
حريةُ التعبير الغربية الصهيوأمريكية من منظورهم هي كُـلّ ما يتكيف مع سياساتهم ومواقفهم العنصرية تجاه الآخرين، وهي اليوم بهذه الجرائم النكراء ضد أقدس مقدسات المسلمين (القرآن الكريم) لا تنطبق أَو تصنف بأنها جرائم من منظورهم؛ لأَنَّ حرية التعبير تجاه هذا لها مفاهيم منتقاة مزدوجة ومتناقضة في سياساتهم وهي تبدو ظاهرة، وبارزة ووقحه تجاه كُـلّ القضايا العادلة، وفي القضية الفلسطينية على وجه الخصوص، فقد لعبت إسرائيل المحتلّة ولوبياتها اليهودية الصهيونية، دوراً كَبيراً ووقحاً، في هذا الصدد، في ظل غياب شبه كامل لأي تحَرّك عربي إسلامي جدي لمواجهة وردع هذه الإساءَات المتكرّرة وإيقافها، بعد اتساع نطاق دائرة التطبيع مع الكيان الغاصب من قبل بعض الأنظمة المحسوبة على العرب والمسلمين، وفي مقدمتها دول العدوان على اليمن، إضافة إلى محاولة تمرير وفرض ما يسمى بسلام أبراهام، على العالم الإسلامي.
في المفهوم الغربي الشاذ والمتناقض مع حرية التعبير والرأي، تظهر المعايير المختلة والمواقف المنحازة، فالمجتمع الغربي يستطيع انتقاد حكوماته، لكنه يمنع ويرفض رسميًّا وشعبيًّا أن ينتقد أو يندّد بالمجازر الصهيونية في حق أطفال فلسطين وهدم منازلهم واحتلال الأرض الفلسطينية واستباحة وتدنيس القدس الشريف ومقدسات المسلمين، كما يغض الطرف ويتجاهل كُـلّ تلك الجرائم البشعة التي ارتكبتها أمريكا في العالم الإسلامي، وما حدث في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن خير شاهد على وقاحة وشذوذ السياسة الغربية وسقوطها الأخلاقي والإنساني تجاه هذه المجازر بحق البلدان والشعوب الإسلامية، فإذا ما كان هناك انتقادات من أي بلد إسلامي أَو بلدان أُخرى للجرائم الصهيونية بحق الفلسطينيين أَو غيرهم ينهق الغرب المنافق مع أمريكا ليقولوا بأن كُـلّ من ينتقد أَو يندّد بالممارسات الإجرامية الصهيونية، يعتبر منتهكًا لقانون أَو ما يسمى «معادَاة السامية»، ويشكل ذلك انتهاكاً للقوانين ويستحقذُ للعقاب وفق هذا القانون بالسجن 15 عاماً؛ لأَنَّه يحرض على الكراهية ويرتقي إلى إثم دعم الإرهاب، حَــدّ زعمهم.
ردودُ الفعل العربي الإسلامي بين الموقف واللا موقف.. اليمن استثنائي قيادةً وشعباً:
إن جريمة إحراق المصحف الشريف في السويد والدنمارك ستكرّر وقد تتوسع في ظل عدم وجود التحَرّك العملي للدول الإسلامية؛ فهذه الإساءَات المتكرّرة لأقدس مقدسات المسلمين (القرآن الكريم) تشير إلى وجود توجّـه غربي صهيوني عدائي يستهدف الأُمَّــة، في ظل صمت وجمود وخضوع معظم الأنظمة العربية والإسلامية، وعلى الرغم من أن عدداً من الحكومات الإسلامية والعربية قد أصدرت تجاه هذه الجريمة بيانات الإدانة، لكن هذه الإدانات لا قيمة لها؛ لأَنَّها لم تمنع هذه الدول من تكرار ارتكاب هذه الجريمة ومعاقبة جناة مرتكبيها، والاستثناء لهذه المواقف الهزيلة يبرز الموقف العراقي والإيراني القوي في قطع علاقتيهما الدبلوماسية مع دولة السويد وهي خطوة وتحَرّك سليم ومسؤول تجاه هذا الفعل الشنيع، يستدعي ويستوجب معه من جميع الحكومات في العالم الإسلامي أن تتخذ مثل هذا القرار وتخطو وتتحَرّك في هذا الاتّجاه الصحيح لردع كُـلّ دولة تسيءُ إلى مقدسات ورموز المسلمين.
كذلك الشعب اليمني بما يتميز ويلتصق به من أصالة إسلامية وهُــوِيَّة إيمَـانية كان ولا زال سباقاً في تسطير مواقفه الملفتة والقوية تجاه الدين الإسلامي ومقدساته ورموزه، فقد سجل الشعب اليمني وقيادته تجاه هذه الجريمة الشنيعة موقفاً رسميًّا وشعبيًّا مشرفا ًومتقدماً ومسؤولاً برزت وتجلت هذه المواقف بخطوات قوية على المستوى الرسمي بإصدار قيادة الدولة بيان التنديد والإدانة وبإعلان الحكومة بالمقاطعة الاقتصادية مع دولة السويد، وإعلان وزارة التجارة والصناعة عن الشركات والمنتجات السويدية التي سيتم مقاطعتها اقتصاديًّا وهذه خطوة متقدمة لحكومة الإنقاذ والقيادة السياسية في البلد، وتجسيد عملي وفعال لسلاح المقاطعة مع الدول التي تسمح وتحمي حكوماتها مرتكبي جريمة إحراق المصحف الشريف.
أما على المستوى الشعبي للشعب اليمني فقد برزت هذه المواقف في مسيراته وتظاهراته الكبرى والاستثنائية على مستوى الشعوب الإسلامية، والتي ندّدت بهذه الجرائم وطالبت شعوب العالم الإسلامي وحكوماته بالتحَرّك العملي لردع ومواجهة كُـلّ من يسيء لمقدسات المسلمين، ولم تستثنَ المسيرات والمظاهرات للشعب لليمني، بل رافقها العديد من الوقفات المندّدة بهذه الجريمة لمختلف الفئات الاجتماعية وفي كُـلّ المحافظات اليمنية الحرة.
وعلى مستوى القيادة، فَــإنَّ قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، تجاه جريمة إحراق المصحف الشريف، دعا العالم الإسلامي إلى مقاطعة السويد دبلوماسياً واقتصاديًّا، لردعها عن تشجيع جرائم الإساءة للمقدسات الإسلامية وضرورة تجاوز مرحلة الإدانات، إلى اتِّخاذ مواقف عملية مؤثرة، وقال: «لوكان لصنعاء علاقات دبلوماسية مع السويد فَــإنَّ صنعاء ستقطع هذه العلاقة وتطرد السفير السويدي رداً على جرائم الإساءة للمصحف الشريف».
وقبل هذه الجرائم التي حدثت مؤخّراً في السويد والدنمارك، كان السيد القائد من خلال كلماته ومحاضراته، سباقاً في تحذيره من خطورة هذه الجريمة ومقدماً للأُمَّـة الإسلامية وحكوماتها حلولاً عملية لمواجهة وردع الدول التي تسمح بالإساءة للمقدسات الإسلامية، حَيثُ قال في إحدى كلماته: «لو اجتمعت كلمة المسلمين في أكثر من خمسين دولة، سكانها أكثر من مليار ونصف إنسان لمقاطعة بضائع الدول التي تسمح بإحراق القرآن الكريم، كان بلا شك سيرغم أُولئك على أن يمنعوا منعاً باتاً إحراق القرآن الكريم، وأن يحترموا هذه الأُمَّــة وأن يقدروا لها مقدساتها ودينها».
وعلى السياق قال أيضاً: «ما تتذرع به الأنظمة الغربية تجاه الجريمة الشنيعة في إحراق القرآن الكريم مثلما تتذرع به السلطة في السويد أَو في غيرها من الدول الأُورُوبية أن ذلك يأتي في سياق حرية التعبير، فهو تبرير سخيف وواهٍ ولا مبرّر له أبداً، هذا التصرف هو اعتداء وليس تعبير، وجرم عظيم وشنيع».
وقال أَيْـضاً: «على الإنسان المسلم بشكل شخصي وعلى كُـلّ الذين يحملون الوعي ويستشعرون المسؤولية أن يكون لهم موقف حتى لو لم يحصل الموقف العام أمام هذه الجريمة نتيجة التخاذل والتفريط والتقصير ونقص الاستشعار للمسؤولية، فأن يكون الموقف بالكلام، بالتعبير، بالسخط، بالغضب، بالرد في التوجّـه إلى القرآن الكريم للاهتمام به أكثر حتى يرى أُولئك أن النتيجة هي: أن تندفع هذه الأُمَّــة أكثر وأكثر نحو الاهتمام بالقرآن والتقديس له والصلة الوثيقة به»، وبهذه العبارات يتلخص موقف الشعب اليمني وقراءته بين مواقف الشعوب الأُخرى التي يتحتم عليها الوقوف بصرامة والالتفاف حول كتاب الله وكلمته للتصدي للأعداء.
صحيفة المسيرة: محمد يحيى السياني