عمليةُ “طوفان الأقصى”.. فاتحةُ المواجهة مع الأعداء الأصليين

||صحافة||

مسارٌ متصاعدٌ من الأحداث قد يدفعُ نحو حرب كبرى

فتحت عمليةُ “طوفان الأقصى” البابَ على مصراعَيْه؛ للفت أنظار الأُمَّــة نحو الأعداء الأصليين: أمريكا وإسرائيل، مدشّـنةً بدايةً جديدةً نحو التحرير الكبير لمقدساتنا وأراضينا المحتلّة في عموم الوطن العربي.

وتمثل العملية متغيراً استراتيجياً في تاريخ الصراع الفلسطيني الصهيوني من بعد العام 2008م، حَيثُ يؤكّـد عدد من المحللين السياسيين والكتاب والخبراء العسكريين والناشطين أن عملية “طوفان الأقصى” أثبتت أن هذا الكيان أوهن من بيت العنكبوت، فالعملية سحقت القوة الاستخباراتية التي لطالما تباهت بأنها الأقوى في المنطقة ومن أقوى أجهزة المخابرات في العالم.

ويبدي المحلل السياسي الدكتور أنيس الأصبحي إعجابه فيما حدث قائلاً: إن “طوفان الأقصى فتحت صفحة جديدة في مجال مقاومة الشعب الفلسطيني ضد الصهاينة، حَيثُ استخدمت عنصر المفاجأة وأساليبَ مشتركة أُخرى، وهذا يدل على الثقة بالنفس لدى الشعب الفلسطيني أمام المحتلّين؛ وهو ما أصاب الصهاينة بمفاجأة خطيرة، حَيثُ أثبتت من جديد درجة هشاشة الصهاينة في إطار إجراء عملي خطير وعدم تمتعهم بالمعنويات اللازمة للمقاومة”.

ويتابع قائلاً: “لقد حقّقت المقاومة انتصارات باهرة حتى الآن، من خلال هذه العملية، وهذا الملف هو نقطة مشرقة في تاريخ نضالات الشعب الفلسطيني مع الصهاينة، وأثبتت أن هذا الكيان أوهن من بيت العنكبوت”، مشيراً إلى أن “المطلوب من المقاومة في كُـلّ المحاور، كما طالبها القائد العام محمد الضيف، هو استغلال هذا الحدث بشكل كبير وواسع والالتحام والاشتباك مع هذا العدوّ وتشتيت جهوده، لعلها تكون معركة وعد الآخرة، ولينالوا شرف هذا المجد، وللحفاظ على ما حقّقته المقاومة هذا اليوم، كما أنه مطلوب من الشعوب العربية الدعم العلني ومساندة المقاومة ورفض التطبيع وأعوانه”، مؤكّـداً أن “هذا هو المسار الصحيح، الذي يجب أن تمضي فيه كُـلّ حركات الجهاد في محور المقاومة لاستئصال الغدة السرطانية في قلب الأُمَّــة، والمتمثلة بكيان العدوّ الصهيوني المؤقت”.

ويرى الأصبحي أن “الشعب اليمني عبَّر -بخروجه المتواصل في كُـلّ المحافظات- عن دعمه للعملية ومساندته لها ولتطلعات الشعب الفلسطيني”، مؤكّـداً أنها “القضية الأَسَاسية والمحورية والتي عبر عنها السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- في أكثر من مناسبة ومن قبله الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي -رحمه الله-“، لافتاً إلى أن “الخروج الجماهيري يعبر عن حالة الاستنفار الشامل شعبيًّا وعسكريًّا؛ استعدادًا لأي تطور ميداني يتطلب المشاركة المباشرة إلى جانب الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة”.

 

تطوُّرُ البرنامج الصاروخي للمقاومة:

من جانبه يؤكّـد الباحث والكاتب أنس القاضي أن “العملية الفلسطينية “طوفان الأقصى” تعد عملية نوعية وتمثل متغيراً استراتيجياً في تاريخ الصراع الفلسطيني الصهيوني من بعد العام 2008م”، موضحًا أنها “نتيجة نضج التجارب، وتراكم الخبرات الميدانية، وتطور الترسانة العسكرية والبشرية للفصائل الفلسطينية المقاومة في قطاع غزة، التي تتصدَّرُها كُـلٌّ من حركة المقاومة الإسلامية حماس وحركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، كفصائل رئيسة إلى جانب عدد من الفصائل الأُخرى، منها جناح عسكري منشق عن حركة فتح “شهداء الأقصى””.

ويقول القاضي في تصريحٍ خاص لصحيفة “المسيرة”: “إن المقاومة الفلسطينية في غزة خاضت 6 حروب مباشرة كمواجهات عسكرية كبرى، إلى جانب عشرات الاعتداءات الصهيونية والردود المقاومة، وطيلة هذه الفترة من العام 2008م حتى العام الحالي 2023م تطورت الخبرة الفلسطينية، وأعادت بناء كياناتها العسكرية لمواجهة المتغيرات، وتطور البرنامج الصاروخي من صواريخ بدائية تستهدف مستوطنات غلاف غزة، إلى صواريخ رد وتهديد فعلية تصل إلى تل أبيب المحتلّة وما بعدها”.

ويزيد: “وعلى الرغم من أن هذه العمليات كانت تخرج المقاومة الفلسطينية أقوى وتكتسب المزيد من الخبرات، والكيان الصهيوني كان ولا يزال خائفاً من التطور الكبير في البرنامج الصاروخي للمقاومة الفلسطينية، بدأ البرنامج الصاروخي مع حركة حماس، مُشيراً إلى أنه في 26 أُكتوبر/تشرين الأول 2001م، انطلق أول صاروخ لكتائب عز الدين القسام، باتّجاه مستوطنة سديروت في الأراضي المحتلّة، حمل اسم “قسام 1” والذي كان بدائياً، حَيثُ تراوح مداه بين 2 و3 كيلو مترات، وفي العام 2022م أزيح الستار عن الصاروخ الأحدث “عيّاش 250″ فهو الأبعد مدى حتى الآن انطلق للمرة الأولى اليوم الموافق 13 مايو/أيار 2021م، تجاه مطار رامون جنوب فلسطين وعلى بعد نحو 220 كلم من غزة، وبين سام1 وعياش عشرات الصواريخ قصيرة المدى”.

ويؤكّـد أن “البرنامج الصاروخي لم يعد حكراً على حماس، بل بات لدى بقية الحركات الفلسطينية الأُخرى، وأبرزها حركة الجهاد الإسلامي”، مبينًا أنَّ “الخوف الصهيوني الراهن هو من انتقال البرنامج الصاروخي إلى الضفة الغربية، خُصُوصاً أن المقاومة الفلسطينية في الضفة استخدمت مؤخّراً صواريخ بدائية تذكّر العدوّ بالتطور الذي جرى سابقًا في غزة”.

ويضيف بالقول: “فيما يَظهر برنامج الطيران المسيَّر الناشئ كخطرٍ أكبر؛ إذ من شأنه أن يغيِّرَ معادلةَ الصراع، فالطائرات المسيرة تظل الهاجس الأخطر الذي يؤرق تل أبيب، لطابعها المزدوج فهي قادرة على الهجوم والإصابة الدقيقة في مديات أبعد وقادرة على جمع المعلومات الاستخباراتية؛ لتزيد بذلك من فاعلية القوى الصاروخية والمدفعية”.

 

مسارٌ لمعركة شاملة:

ويمكنُ القولُ: “إن عملية “طوفان الأقصى” تجاوزت المتغيرات، وأسّست لمرحلة جديدة من المواجهة ونسفت الرهانات ومعادلاته التي حاول كيان العدوّ الصهيوني تثبيتها جغرافياً وعسكريًّا واستراتيجياً في فلسطين طيلة العقود والفترات الماضية وفي ظل الحماية والدعم الواسع من معسكر الغرب الكافر أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وغيرها”.

ويقول الخبير في الشؤون العسكرية زين العابدين عثمان: “إن العملية قدمت نمطاً جديدًا في المواجهة على غير العادة ارتكز على أساليب وتكتيكات حربية لا تتوقف عند قصف كيان العدوّ بالصواريخ وقذائف المدفعية فقط، بل تأخذ مسارات معركة هجومية شاملة ركائزها الترتيب العملياتي الدقيق من حَيثُ التخطيط والتوقيت واختيار الأهداف والأماكن الحسَّاسة، وعنصر المفاجئة والمباغتة التي تم من خلالها مباغتة العدوّ الإسرائيلي بشكل استباقي”.

ويضيف عثمان في تصريحٍ خاص لصحيفة “المسيرة” بالقول: “أما التغطية النارية والجوية المركزة لتدمير الأعماق الحيوية داخل كيان العدوّ الصهيوني واختيار المطارات والمدن والمستوطنات فقد اعتمدت من خلالها على تحقيق قصف صاروخي عالي المستوى يصل إلى آلاف الصواريخ الثقيلة”.

ويزيد بالقول: “فيما يتضح رابعها عبر تفعيل العمليات الشاملة البرية والجوية والبحرية وشن هجوم واسع النطاق باتّجاه القواعد والمواقع التابعة لكيان العدوّ الصهيوني والمستوطنات المنتشرة في محيط غلاف غزه والتي تحتوي حسب التقديرات على أكثر من 50 ألف مستوطن”.

ويؤكّـد عثمان أن “الإنجازات التي حقّقتها العمليةُ -بفضل الله تعالى- دمّـرت بالفعل كُـلّ الخطوط الدفاعية الرئيسية لكيان العدوّ حول محيط غزة وسحقت قواته المشكلة من فرقة كاملة من قوات المشاة والمدرعات التي كانت متمركزه في أكثر من 50 موقعاً عسكريًّا، كما استطاعت كتائب المقاومة بفضل الله تعالى فرض السيطرة الكاملة على عدد من المستوطنات والقواعد والمواقع”.

ويتابع كلامه: “لذلك مثلت عملية “طوفان الأقصى” ضربة قاصمة لكيان العدوّ الصهيوني جعلته يصاب بالشلل ويفقد السيطرة الكاملة على الوضع الأمني والعسكري وعلى وضع قواته على الأرض، حَيثُ أصبحت أَو دخلت قواته في حالة انهيار معنوي وتخبط وهلع إلى مستوى سقطت معظم تشكيلاته وقياداته قتلى وَأسرى بيد المجاهدين المقاومين فيما البعض الآخر فرت بشكل جماعي من خطوط المواجهة والمواقع والقواعد العسكرية”.

ويضيف أن “عملية “طوفان الأقصى” من جانبٍ آخر كشفت ضعف وركاكة كيان العدوّ وجيشه وقواته على الأرض كما كشفت فشل أجهزته الاستخبارية ومعها المخابرات الأمريكية والبريطانية فلم يكن لها أي إدراك بما سيحصل وما يتم الترتيب له طيلة الفترة الماضية”، مُشيراً إلى أن “كيان العدوّ اليوم لا يزال يعيش حالة الصدمة على كُـلّ المستويات عسكريًّا وَأمنيًّا وَاستخباراتياً ويمر بأسوأ حالة ضعف وانهيار ورعب منذ احتلاله لفلسطين”.

ويؤكّـد أن “عملية ومعركة “طوفان الأقصى” لن تتوقف فقط عند هذا المستوى من القتال والاشتباك حسب المعطيات الواردة”، موضحًا أن “ما حصل ليس سوى افتتاحية لمعركة واسعة مفتوحة قد تأخذ مساراً تصاعدياً وستخرج إلى المستوى الإقليمي”.

 

صحيفة المسيرة | محمد الكامل

 

 

 

قد يعجبك ايضا