ما بعد “السفينة”: تداعياتٌ استراتيجية تهُــزُّ العدوَّ وتضاعِفُ مخاوفَه المستقبلية

||صحافة||

تردَّدت أصداءُ عملية السيطرة على سفينة صهيونية التي نفَّذتها القواتُ المسلحةُ اليمنيةُ بالبحر الأحمر، في كافةِ أرجاء العالم، وتصدرت عناوينَ وسائل الإعلام الغربية والصهيونية التي عبرت بصورة واضحة عن اندهاش كبير من احترافية العملية، وعن مخاوفَ أكبرَ من تطورات هذا الجبهة المخيفة التي فتحها اليمن، على مستوى المرحلة الراهنة وفي المستقبل، خُصُوصاً وأن العملية قد حقّقت تداعيات فورية كبيرة، حَيثُ أجبرت سفينتين تابعتين لنفس الشركة “الإسرائيلية” على تحويل مسارهما بعيدًا عن البحر الأحمر.

ونشر الإعلام الحربي مشاهدَ وثَّقت جانبًا من تفاصيل السيطرة على السفينة “الإسرائيلية” جالاكسي ليدر في البحر الأحمر، حَيثُ قامت مروحية عسكرية للقوات المسلحة بإنزال عدد المجاهدين الذين تحَرّكوا باحترافية على سطح السفينة وتوجّـهوا إلى قمرة القيادة؛ لتنتهي العملية باقتياد السفينة إلى الشواطئ اليمنية، في صورة تأريخية غير مسبوقة حملت الكثيرَ من الأبعاد والرسائل المهمة كان أبرزها أن القيادة الوطنية لا تمزح وأن اليمن يمتلك استقلالية القرار والإمْكَانات والإقدام لتنفيذ عمليات لم تكن في حسبان العدوّ ورعاته.

وقد نقلت وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية عن مسؤول دفاعي أمريكي قوله: إن “هذا شيء لم نره من قبل”، مُشيراً إلى أن ما تم عرضه يحمل دلائل على احترافية القوات التي نفذت العملية.

وبعد ساعات قليلة من نشر المشاهد، قالت وكالة رويترز: “إن سفينتين مرتبطين بالشركة التي تملك السفينة التي تمت السيطرة عليها قبالة اليمن، قامتا بتحويل مسارهما بعيدًا عن منطقة البحر الأحمر”، مشيرة إلى أن “إحدى السفينتين كانت قد حدّدت مسارًا للإبحار إلى الجنوب من ميناء نشطون في اليمن عندما حوّلت رحلتها وعادت من حَيثُ أتت”.

هذا الخبرُ أكّـد بوضوحٍ أن المعادلةَ التي فرضها اليمنُ والمتمثلةَ بإغلاق البحر الأحمر وباب المندب أمام حركة التجارة “الإسرائيلية” قد أصبحت أمرًا واقعًا لم يعد بالإمْكَان تجاوُزُه، وأن اليمن أصبح لاْعبًا مباشرًا في الصراع وبأوراق استراتيجية لا جدوى من محاولة إنكارها أَو التقليل من شأنها.

وهذا أَيْـضاً ما أكّـدته صحيفة “معاريف” العبرية، الثلاثاء، في تقرير اعتبر أن “السيطرة على سفينة غالاكسي ليدر “تمثل فتح جبهة أُخرى في البحر ضد إسرائيل”.

وأشَارَت الصحيفة إلى أن هذه الجبهة الجديدة تضع الكيان الصهيوني أمام ضغط جديد إلى جانب جبهة جنوب لبنان، حَيثُ رجح التقرير أن “تحاول إسرائيل احتواء هذه الجبهة كما تحاول احتواء الجبهة الشمالية لعدم الإضرار بالجهد الرئيسي في قطاع غزة”، في إشارة إلى محاولة تجنب التصعيد الذي قد يؤدي إلى استنزاف أكبر لإمْكَانات جيش العدوّ وقدراته؛ وهو ما يؤكّـد أن دخول اليمن على الخط وفتح مسار الضغط البحري قد مثّل ثقلًا إضافيًّا كَبيراً أربك حسابات العدوّ وجعل الأمور أكثرَ صعوبة عليه.

وأشَارَت “معاريف” إلى أن هذا التحدي الجديد لا يقتصر على الوقت الراهن، حَيثُ قالت: إنه “من المرجح أن يظل التهديد (اليمني) قائمًا وأن يرافق إسرائيل حتى بعد انتهاء القتال في غزة” وهو تأكيد واضحٌ على أن دور اليمن ومعادلاته أصبحت ثابتةً في كافة الحسابات المستقبلية للصراع.

وأضافت الصحيفةُ العبرية في هذا الشأن أنه “على إسرائيل أن تقوم بصياغة سياسة واستراتيجية للتعامل مع هذا التهديد” مشيرة إلى أن “التطورات الأخيرة في البحر الأحمر تجبر المؤسّسة الأمنية والبحرية الإسرائيلية على إجراء تقييم للوضع فيما يتعلق بمسار العمل الواجب اتِّخاذه لمنع هذا النوع من العمل في المستقبل”.

مع ذلك فلن يكون الأمر بهذه البساطة؛ إذ تقول الصحيفة إنه يجب على الكيان الصهيوني “صياغة سياسة للمنطقة في مجالات التجارة البحرية وحرية الملاحة وأمنها، واستخدام المجال البحري لتحقيق أهداف إسرائيل الاستراتيجية”، وهو هدف صعب التحقّق عمليًّا، بل إنه يؤكّـد أن المعادلة التي فرضها اليمن قد وضعت الكيان الصهيوني في مأزق استراتيجي كبير يحتاج للخروج منه إلى فرض واقع إقليمي جديد كليًّا، وأنى له ذلك!

وحاولت الصحيفة أن تقدم مسارًا محتملًا للاستراتيجية الصهيونية (الإقليمية) في التعامل مع التهديد اليمني، حَيثُ قالت إنه “يجب على إسرائيل تسخير عوامل إضافية لهذه الحملة مثل مصر” وهي إشارة واضحة إلى محاولة تفعيل خط دفاع مصري في البحر الأحمر، وهو طرحٌ يعبر بوضوح عن التخبط والإفلاس؛ لأَنَّه يمثِّلُ ببساطة محاولةً للهروب من التهديد القائم إلى افتعال صدامات إقليمية حتى لو حدثت لن تلغيَ الخطر الذي يواجهه الكيان من جهة اليمن.

ما نشرته صحيفة “معاريف” يعبر بوضوح عن سقوط كافة محاولات التقليل من أثر العملية العسكرية اليمنية في البحر الأحمر، من خلال ادِّعاء أن السفينة “ليست إسرائيلية”، فإلى جانب تأكيد العشرات من وسائل الإعلام الغربية والعبرية على أن السفينة التي تمت السيطرة عليها مملوكة (جزئيًّا أَو كليًّا) لشركة “إسرائيلية” تتبع رجلَ الأعمال الصهيوني أبراهام (رامي) أونغر، يبدو بوضوح أن محاولة إنكار هُـوِيَّة السفينة لم تعد لها أية قيمة؛ لأَنَّ الجبهة البحرية اليمنية قد فُتحت وتداعياتها قد بدأت بالظهور سريعًا على كافة المستويات.

وفيما سلّطت “معاريف” الضوء على التداعيات الاستراتيجية الدائمة والمتعلقة بالصراع، فَــإنَّ التداعيات الاقتصادية المباشرة لا زالت تتصاعد حَـاليًّا، حَيثُ أشَارَت وكالة “ستاندرد آند بورز” للتصنيف الائتماني إلى أن عملية السيطرة على السفينة “غالاكسي ليدر” في البحر الأحمر ستعقد حركة الشحن “الإسرائيلية”.

ونقلت الوكالة عن لوف منغاني، السمسار لدى شركة دبي بلوبيك للسلع والشحن، قوله: “باعتباري وسيط سفن، سيتعين عليَّ القيامُ بالمزيد من الإجراءات عندما أعرض على موكلي سفينة؛ وذلك لمعرفة ما إذَا كانت هناك أية ملكية إسرائيلية في هذه السفينة”.

وكانت مواقع مختصة بالنقل البحري قد كشفت خلال الأيّام الماضية أن أقساط التأمين على حركة الشحن من وإلى “إسرائيل” قد ارتفعت عشرة أضعاف قبل أن يتم الاستيلاء على السفينة في البحر الأحمر؛ وهو ما يعني أن التكاليف سترتفع أكثر بعد العملية، هذا في حال استطاع الكيان أن يجدَ طريقًا للشحن عبر البحر الأحمر، أما الطريق البديل المقترح (عبر رأس الرجاء الصالح) فهو بمثابة كارثة على التجارة البحرية الصهيونية أصلًا.

ووفقًا لكل ما سبق، يتضح بشكل جلي أن القوات المسلحة قد هزت بضربة واحدة كُـلّ الحسابات الاستراتيجية للعدو الصهيوني، سواء فيما يتعلق بالصراع الجاري الآن أَو بالمستقبل، وأن اليمن قد حجز موقعًا ثابتًا ومتقدمًا ومؤثرًا في كُـلّ معادلات أمن واستقرار وموازين القوى في المنطقة، وبرغم أن العدوّ لا يزال يحاول “احتواءَ” الدور اليمني -حسب تعبير “معاريف”- فَــإنَّ كُـلّ الخيارات المتاحة أمامه لفعل ذلك لا تُحقِّقُ النتائجَ المرجوَّةً؛ فحتى محاولة “تدويل” الأمر وتحشيد المواقف الدولية تحت عنوان حماية الملاحة لن تؤديَ في أفضل نتائجها سوى لتصعيد يخلق تهديدات أكبر على الكيان الصهيوني.

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا