تداعياتٍ اقتصادية كبيرةً لإغلاق البحر الأحمر أمام السفن الإسرائيلية
تقرير
فرضت الجمهوريةُ اليمنيةُ قرارَها السيادي وأغلقت مضيقَ باب المندب أمامَ السفن الإسرائيلية بمختلف أنواعها وتشكيلاتها، في قرار تاريخي استثنائي لم يألفه العدوُّ الصهيوني إلا في لحظاتٍ معدودةٍ إبَّانَ حربِ أُكتوبر سنة 1973م.
وتعد الخطوةُ اليمنيةُ هي الأشجعَ على مدى الصراع مع العدو الإسرائيلي، حَيثُ جاءت في ظل أجواء من التهويل الإعلامي الأمريكي الغربي، والانتشار العسكري الأمريكي في المنطقة العربية في الخليج والمتوسط والبحر الأحمر في حماية واضحة للكيان الصهيوني الذي يحاول إبادة سكان غزة وتهجيرهم والقضاء على فصائل المقاومة الفلسطينية هناك.
ويأتي الاستيلاء على السفينة الإسرائيلية في عمق مياه البحر الأحمر، ليكسر شوكة العنجهية الأمريكية التي تحاول الحفاظ على هيمنتها في المنطقة والعالم كما كانت قبل، كما أنها رسالة لها العديد من الأبعاد والدلالات سواء على المستوى الداخلي أَو الإقليمي أَو العالمي، وهي تثبت بما لا يدعُ مجالاً للشك مدى الجاهزية والقدرات الكبيرة التي وصلت إليها القوات المسلحة اليمنية وقواتها البحرية، وقدرتها على التأثير في مسار العدوان الصهيوني على قطاع غزة، حتى أصبحت اليمن أحد أبرز أدوات محور المقاومة الضاغطة، والتي أجبرت العدوّ الإسرائيلي على التراجع والقبول بالهدنة لمدة أربعة أَيَّـام قابلة للتمديد.
خسائر العدو الاقتصادية
خلق قرارُ القوات المسلحة اليمنية بإغلاق البحر الأحمر أمام سفن العدوّ الصهيوني تداعياتٍ كبيرةً على حركة الشحن “الإسرائيلية”، حَيثُ ارتفعت أقساط التأمين بشكل كبير على سفن العدوّ مع انخفاض حجم التعامل معها؛ الأمر الذي يمثل ضربة كبيرة لاقتصاد كيان العدو، خُصُوصاً وأن القرار اليمني لا يزال قائماً حتى انتهاء العدوان على قطاع غزة.
بعد العملية النوعية للقوات البحرية برزت نتائج عدّة انعكست على حركة الملاحة من وإلى “إسرائيل”، وامتدّت لتؤثّر على حركة الملاحة العالمية. وكانت لتلك النتائج ارتدادات على الحياة الاقتصادية الإسرائيلية، وذلك من خلال ارتفاع كلفة نقل البضائع من وإلى “إسرائيل”، على خلفية تغيير المسارات البحرية التي تسلكها البواخر القادمة إلى سواحل فلسطين المحتلّة، أو تلك المبحرة من الموانئ الإسرائيلية إلى دول العالم.
وخلال الأسبوعَين الماضيَين، قامت عدّة شركات نقل “إسرائيلية ” بالإعلان عن تغيير مساراتها البحرية، متلافيةً المرور عبر مضيق باب المندب، مضطرّةً للالتفاف حول القارة الأفريقية. ومن أهمّ هذه الشركات: «زيم»، شركة الشحن الدولي “الإسرائيلية” المملوكة للقطاع العام “الإسرائيلي”، وهي واحدة من أكبر 20 شركة نقل عالمية، وقد فرضت علاوةً إضافية على أسعار تأمين الشحنات ضمن بند مخاطر الحرب.
وهذه هي المرّة الثانية التي تلجأ فيها الشركة، خلال شهر واحد، إلى تعديل الأسعار، إذ كانت قد رفعتها 10 أضعاف، بالتوازي مع ارتفاع أسعار الشحن بشكل غير مسبوق.
وفي هذا الإطار، يقول رئيس قسم الأبحاث في شركة «فريتوس»، يهودا ليفين، لصحيفة «غلوبس» العبرية، إن «العديد من السفن التي لها روابط مع إسرائيل، اضطرّت، بسبب الظروف الحالية، للإبحار حول أفريقيا، بدلاً من المرور عبر البحر الأحمر، وهو طريق يمكن أن يطيل الرحلة لمدّة أسبوعين، ويرفع كلفة النقل بشكل كبير».
وكانت شركة شحن الحاويات الدنماركية العملاقة، «ميرسك»، والتي تحتلّ المرتبة الثانية عالمياً في هذا المجال، بتملّكها حصّة 14.8% من إجمالي التجارة، أعلنت قرارها بتحويل باخرتَين من البحر الأحمر بسبب الشبهة الإسرائيلية: السفينة «ليزا» التي وصلت من الهند وتمّ توجيهها إلى ميناء صلالة في عمان، والسفينة «ميرسك باجاني» التي انطلقت من كيب تاون وتمّ تحويلها إلى موندرا في الهند.
وقد اتّخذت الشركة هذه الخطوة، لأن السفينتين لهما علاقة بـ”إسرائيل”، وتستأجرهما مجموعة «XT»، بقيادة أودي آنجل (50% مملوكة لشركة آنجل، و50% لإيدان عوفر).
وبفعل تلك العوامل، ارتفعت أسعار الشحن من وإلى “إسرائيل” بشكل إضافي، بعدما كانت شهدت ارتفاعات في أعقاب اندلاع العدوان على غزة، بسبب المخاطر (غير المتحقّقة في ذلك الوقت).
وتُظهر بيانات شركة «فريتوس»، ارتفاع سعر الشحن لأيّ حاوية من الصين إلى ميناء أشدود، بنسبة تراوح بين 9% و14%، في الأسبوعين الأخيرين من شهر تشرين الأول الماضي، أي قبل الخطوة التي قامت بها البحرية اليمنية ضدّ البواخر الإسرائيلية.
********
ولعل أكثر المسارات البحرية المتضرّرة من هذه التطوّرات، تلك التي تربط الكيان المحتلّ بدول شرق آسيا والهند، والتي لا بدّ من أن يمرّ إبحارها عبر باب المندب.
من جانبه أكد مركز أبحاث الأمن القومي الصهيوني، أنّ المخاوف بشأن سلامة أي سفينة لها أي صلة بـ” إسرائيل” تبحر في البحر الأحمر تزداد بعد الهجمات الأخيرة ضد سفنها.. لافتا إلى أن الشركات الإسرائيلية غيّرت وجهتها وهذا القرار يؤدي إلى تمديد مسار الإبحار، وتأخير توصيل الحاويات إلى عملاء الشركة من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، في كلّ اتجاه، مقارنةً بمتوسط مدة الإبحار عبر قناة السويس، ونتيجةً لذلك، سيكون هناك تدهور كبير في الخدمة المقدمة لعملاء الشركة، وأيضاً في نتائجها المالية، مقابل زيادة في نفقاتها الثابتة دون التعويض الملائم في أجور الشحن الموجودة في هذه التجارة”.
ويوضح أنه “في الواقع، فإنّ تغيير مسار هذا الخط ينطوي على عبء اقتصادي كبير – فالتكلفة الإضافية لنحو 30 يوماً من الإبحار والاستهلاك الإضافي للوقود للرحلة حول أفريقيا والعودة، بدلاً من المرور عبر قناة السويس، تعتبر كبيرة للغاية”.. مؤكدا أنها نفقات أعلى بكثير من توفير عدم المرور في قناة السويس الذي قد يصل إلى نصف مليون دولار أو أكثر للسفينة الواحدة في الرحلة الواحدة، وعدم دفع التأمين الحربي بسبب عدم المرور في البحر الأحمر.
********
وتجدر الإشارة إلى أن “إسرائيل” تستورد أكثر من 50% من وارداتها من دول شرق آسيا والهند، فيما يمرّ جزء كبير من هذه البضائع عبر طريق باب المندب، علماً أن قيمتها بلغت نحو 46 مليار دولار في عام 2021. وفي المقابل، تُصدّر “إسرائيل” نحو 24.6% من بضائعها نحو دول شرق آسيا والهند، والتي بلغت قيمتها، في عام 2021، نحو 15.8 مليار دولار.
والضرر الحاصل يأتي من عاملَين: الأوّل، هو إطالة مسافة الرحلة، أي ارتفاع كلفة النقل؛ والثاني، هو أن المخاطر التي تتعرّض لها البواخر تعني ارتفاع قيمة التأمين على البضائع، بالإضافة إلى الضرر غير المباشر الحاصل بسبب تأخّر وصولها.
وفي كلتا الحالتَين، ينعكس هذا الأمر على كلفة نقل البضائع، وهو ما يتحوّل مباشرة إلى ارتفاع في أسعار السلع المستورَدة والمُصدَّرة، ما يؤثّر سلباً على الاقتصاد. فارتفاع أسعار البضائع المستوردة يعني ارتفاعاً في معدلات تضخّم الأسعار، فيما ارتفاع أسعار البضائع المُصدّرة يعني فقدان تنافسية البضائع الإسرائيلية، وهو ما قد يُحوّل أنظار مستوردي هذه البضائع إلى أماكن أخرى أقلّ كلفةً.
ارتفاع أقساط التأمين
ونشرت وكالة “ستاندرد اند بورز” للتصنيف الائتماني تقريراً جديدًا أكّـدت فيه أن عملية استيلاء القوات المسلحة على سفينة “غالاكسي ليدر” التابعة للعدو الصهيوني في البحر الأحمر “رفعت أقساط التأمين البحري بالنسبة للناقلات المرتبطة بإسرائيل”، مُشيراً إلى أن سفن العدوّ ستحتاج إلى تقديم خصومات على الرحلات الفورية لتظل قادرة على المنافسة.
وكانت العديد من التقارير الاقتصادية قد أفادت سابقًا بأن تكاليف التأمين على الشحن من وإلى الأراضي المحتلّة قد ارتفعت إلى عشرة أضعاف منذ بداية الحرب؛ وهو ما يجعل الارتفاع الجديد؛ بسَببِ العملية اليمنية ضربة إضافية على حركة الشحن “الإسرائيلية”.
ويمثل ارتفاع أقساط التأمين على سفن العدوّ وهروب شركات الشحن من التعامل معها، ضربة كبيرة للتجارة البحرية “الإسرائيلية” التي يعتمد عليها كيان العدو في الحصول على 70 % من الغذاء بحسب تقارير عبرية، خُصُوصاً وأنه لا يمتلك أية خيارات بديلة فعالة لتعويض خسائر إغلاق البحر الأحمر وباب المندب أمام سفنه؛ فالطريقُ البديل الوحيد عبر رأس الرجاء الصالح لا يمثل حلاً؛ لأَنَّه سيكلف العدوّ الإسرائيلي المزيد من الوقت والمزيد من التكاليف مع بقاء نفس رسوم المخاطر المرتفعة من قبل بدء العمليات اليمنية في البحر الأحمر أصلاً.