فضل شهر رمضان الـمبارك وأهمية الاستعداد النفسي والذهني لصيامه وقيامه

 

 

يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة183

عن أمير المؤمنين عليٍّ “عليه السلام” قال : ((خطب رسول الله “صلى الله عليه وآله” في آخر جمعةٍ من شهر شعبان، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

(أيُّها الناس، إنه قد أظلَّكم شهرٌ فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، وهو شهر رمضان فرض الله عزَّ وجل صيامه، وجعل قيام ليلةٍ منه بتطوع صلاةٍ كمن تطوع سبعين ليلةً فيما سواه من الشهور، وجعل لمن تطوَّع فيه بخصلةٍ من خصال الخير والبر؛ كأجر من أدَّى فريضةً من فرائض الله عزَّ وجل فيما سواه، ومن أدَّى فريضةً من فرائض الله عزَّ وجل؛ كمن أدَّى سبعين فريضةً من فرائض الله عزَّ وجل فيما سواه من الشهور، وهو شهر الصبر، وإنَّ الصبر ثوابه الجنة، وهو شهر المواساة، وهو شهرٌ يزيد الله تعالى فيه في رزق المؤمن، ومن فطَّر فيه مؤمناً صائماً كان له عند الله «عزَّ وجلَّ» بذلك عتق رقبة، ومغفرةٌ لذنوبه فيما مضى». قيل: يا رسول الله. ليس كلنا يقدر على أن يفطِّر صائماً. فقال: (إنَّ الله تعالى كريم، يعطي هذا الثواب من لا يقدر إلَّا على مذقةٍ من لبنٍ يفطِّر بها صائماً، أو بشربةٍ من ماءٍ عذبٍ، أو تميراتٍ لا يقدر على أكثر من ذلك، فهو شهرٌ أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره إجابةٌ وعِتقٌ من النار، ومن خفف فيه عن مملوكه، خفف الله «عزَّ وجلَّ» حسابه).

 

وعن فضل هذا الشهر الكريم وحاجة الناس فيه للبينات، يقول الشهيد القائد -رضوان الله عليه-: «بمناسبة نزول القرآن في شهر رمضان أصبح شهر رمضان شهراً مقدساً وشهراً عظيماً وهذه الأهمية، أهمية القرآن الكريم هي تتمثل في أهمية وعظمة البينات والهدى التي هي مضامين، وهي الغاية من إنزاله، والبينات والهدى هي في الأخير لمن؟ للناس. فيدل على الحاجة الماسة، الحاجة الملحة بالنسبة للناس، حاجتهم إلى هذه البينات، وهذا الهدى. أن تكون الفريضة التي فرضت في هذا الشهر العظيم هي الصيام، وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن، يدل على أن هناك علاقة ما بين الصيام، وما بين القرآن الكريم من حيث أن ما في القرآن الكريم من البينات والهدى، أن الالتزام بهذه البينات والهدى، أن القيام بالدين على أساس هذا القرآن العظيم يحتاج من الإنسان إلى أن تكون لديه قوة إرادة، وكبح لشهوات نفسه، وترويض لنفسه على الصبر، وعلى التحمل.»

وأكد سلام الله عليه على الاهتمام بتدبر القرآن والاهتداء بكتاب الله، وأثر ذلك الاهتداء على واقع المسلمين والعرب بقوله  «وفي شهر رمضان ما يزال الناس في أول الشهر فيحاول الناس أن يهتموا بتدبر القرآن الكريم, وسيعرفون أن الأشياء تكون هامة جداً, هامة جداً مسألة أن يكون الإنسان ملتزماً بكتاب الله, وأن يهتدي بكتاب الله, قضية تتوقف عليها نجاته، وهدايته في الدنيا وفي الآخرة, ويتوقف عليها عزة المسلمين، وعزة العرب بالذات, عزة العرب بالذات وقوتهم وتمكينهم يتوقف على الاهتمام بالقرآن الكريم, بغيره لا يمكن أن تقوم لهم قائمة ولا يمكن أن ترتفع لهم راية، إطلاقاَ؛ لأنهم ربطوا بالدين, ربط مصير العرب بالدين.»

وعن أثر الصيام في مجال ترويض النفس، يقول رضوان الله عليه «فالصيام له أثره في هذا المجال، في مجال ترويض النفس. لأنك في أثناء نهار شهر رمضان تكبح شهوات نفسك، وتعود نفسك الصبر، والتجلد، والتحمل، تعود نفسك أنك أنت الذي تسيطر عليها، أنك الذي تسيطر عليها. فمن المهم جداً بالنسبة لنا عندما نصوم في شهر رمضان، عندما نصوم أن يستشعر الإنسان هذه الغاية من شرعية الصيام، يستشعر أنه يتجلد، ويتصبر، ويتحمل، ليعلم نفسه، يعلمها أنه هو الذي سيسيطر عليها بناءً على توجيهات الله، بينات الله، هدى الله. تعود نفسك أنت الذي تقهرها، وتخضعها لهدى الله وبيناته.»

أما من حيث الأثر النفسي وعلاقته بالقرب من الله يؤكد -سلام الله عليه- أن «الصيام له أثر فيما يتعلق بصفاء وجدان الإنسان، وذهنيته، ويحس الإنسان في شهر رمضان، أليس الناس يحسون وكأنهم أقرب إلى الله من أي وقت آخر؟ هذه فرصةً للدعاء، تلاحظ كيف أن الصيام مهم فيما يتعلق بالقرآن الكريم، القرآن الكريم مهم فيما يتعلق بمعرفة الله حتى يجعلك تشعر بالقرب من الله سبحانه وتعالى.»

ومن ناحية الأثر الكبير للصيام في نيل الرعاية الإلهية أكثر يقول رضوان الله عليه «{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ} لأنه {كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ}. في المسالة أمام صيام، يجب أن نأخذ من هذا بأنه أمام ما هو أشد صعوبة من الصيام، أن رعاية الله تكون أكثر، أن رعاية الله للناس تكون أكثر فعلاً. لأنه هو سبحانه وتعالى الذي شرَّع الصيام، والذي شرع الجهاد. فعندما تجد بأنه أحل للصائمين في ليل رمضان ما كانت على أساس الصيام من صيام شهر رمضان قضية الأول ممنوعة، أليس هذا نوع تسهيل أليس هذا نوع تسهيل له علاقة بماذا؟ بعملية الصيام تبدو سهلة، ليكون أداؤها سهلاً، فيبدو سهلة، أن يعرف الناس: أن الله سبحانه وتعالى هو يعرف حاجات الإنسان، يعرف متطلبات حياة الإنسان، فعندما يقول لعباده: أن يكونوا أنصاراً له، أليس الكثير منا يأتي يقدم قائمة طويلة عريضة! [لكن إحنا وما معنا وكيف يعمل واحد وأموال واحد يصعب عليه مفارقتها وقد يحصل وقد وقد] وأشياء من هذه.»

أما من ناحية علاقة هذا الشهر الكريم بالدعاء فيقول سلام الله عليه «تحدث عن الصيام وعن هذا الشهر شهر رمضان أنه محط للسؤال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} (البقرة: من الآية186) وهذه في محلها أيضاً ذكر أن الباري يقدم مثلما قال هناك: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} (البقرة: من الآية57) يأتي هنا يبرز في الصورة بأنه أيضاً أنتم قد عرض عليكم موسم معين هو من أفضل المواسم للدعاء {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي} (البقرة: من الآية186) يستجيبون لي عندما أهديهم وأشرع لهم في كل ما قدم {لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.»

 

 مكاسب التقوى

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} من أهم ثمار فريضة الصيام، وأهم ما يخرج به المؤمن من نتائج على المستوى النفسي والسلوكي في شهر رمضان الكريم؛ ثمرة (التقوى)، ويؤكد ذلك القرآن الكريم في ختام الآية الكريمة السابقة بعبارة {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

والتقوى هي أهم ما يحرص عليه المؤمنون عامة، والمجاهدون خاصة، لما لها من مكاسب، أهمها:-

أولاً/ المكاسب والنتائج الإيجابية في واقع الفرد والمجتمع ومنها:-

 التقوى مفتاح الخير والبركة: قال تعالى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ}.

المحبة والتكريم من الله: قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ} وقال تعلى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.

معية الله سبحانه وتعالى: يقول الله سبحانه وتعالى {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ} ففي مواجهة التحديات والأخطار، والمؤامرات والمكائد، الله سبحانه وتعالى مع المتقين؛ معهم ينصرهم، يكيد لهم، يضرب أعداءهم، يلقي في قلوب أعدائهم الرعب، يدفع عنهم الكثير من الأخطار، يعزهم، يمنحهم المنعة وهو القوي العزيز، هذا مكسب كبير جداً.

قبول الأعمال: من مكاسب التقوى المهمة قبول العمل؛ الله سبحانه وتعالى يقول {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ} الإنسان الذي لا يتقبل التقوى في واقع حياته مهما عمل ومهما سعى ومهما جهد، مهما قدم من الأعمال الصالحة فهو جهد ضائع يجعله الله يوم القيامة هباء منثورا {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُوراً}

تكفير السيئات: من مكاسب التقوى المهمة ما قاله الله سبحانه وتعالى {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً} فالتزام التقوى سبب لتكفير السيئات، والتزام حالة التقوى يكفر الله بها السيئات بكل ما كان سيترتب عليها.

البصيرة العالية: من المكاسب المهمة للتقوى ما حكاه الله سبحانه وتعالى وهو يخاطب عباده المؤمنين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً}، يمنحهم نوراً في قلوبهم، وبصيرة عالية، فيفرقون بين الأمور، وبها يميزون الحق من الباطل، وعندها لا يمكن أن يكونوا عرضة لأن يضلهم المضلون مهما كان لديهم من إمكانيات وقدرات على التضليل والتزييف والخداع وقلب الحقائق، فالمؤمنون-بالتقوى-متنوّرون بنور الله.

 

أهمية الاستعداد النفسي والذهني لاستقبال شهر الله

وبما أننا على مقربةٍ من قدوم الشهر المبارك (شهر رمضان)، يجب علينا الاستعداد الذهني والنفسي لاستقباله، وأجمل ما يجب أن نستوحيه من السيرة النبوية الطاهرة أن نستذكر خطاب رسول الله «صلوات الله عليه وعلى آله» في آخر جمعةٍ من شهر شعبان، لأن خطبته تلك إنما أتت بهدف لفت الانتباه والاستعداد الذهني والنفسي المسبق قبل دخول شهر رمضان المبارك.

 

خطورة استقبال شهر الصيام بشكل روتيني

البعض-للأسف-قد يدخل إلى شهر رمضان المبارك دخولاً اعتيادياً روتينياً، وهذه الحالة الروتينية الاعتيادية قد أفقدت الكثير من الناس قيمة وأهمية الكثير من الأمور المهمة في دينهم، مما قد يفقد الإنسان استشعار عظمته، وقيمته، وأهميته، وعطائه التربوي والروحي، وهذه مشكلة تجعل الإنسان يخسر الكثير من أثره التربوي المهم.

فعندما يدخل الإنسان بشكلٍ اعتيادي روتيني إلى شهر رمضان المبارك، بدون أن يكون مستعداً، متهيئاً نفسياً، ومدركاً عظمة هذه الفرصة، أهمية هذه النعمة، وما فيها من عطاء الله الواسع الكبير، فهذا يجعل الإنسان يفوِّت هذه الفرصة، ويَضِيع شهر رمضان في اهتمامات ثانية لا قيمة لها، والبعض قد يقع في المعاصي.

 

علاقة الاستعداد الذهني والنفسي بالتوفيق الإلهي

إذا أردت أن تظفر بليلة القدر، لا بدَّ لك من الاهتمام بهذا الشهر من بدايته إلى نهايته، مع كامل الاستعداد نفسيا وذهنيا لهذا الشهر الكريم، وما يترافق مع ذلك الاستعداد من إقبال على الطاعات والعبادات والذكر بكل اهتمام ورغبة وإخلاص.

فلو اتجهت إلى أن تتحيل، أو أن تهمل، فيدخل شهر رمضان وأنت ما زلت ذلك المهمل، وذلك المفرِّط، ثم يمر الكثير منه، تأتي العشر الأواخر وتظن في نفسك أنك ستهتم فيها فحسب، أو في بعض الليالي منها، التي عادةً ما يأتي التركيز عليها، فقد لا تتوفق، قد لا تهتم بالشكل المطلوب، لأنك قد لا تكون على المستوى الذهني والنفسي والإيماني قد ارتقيت وتهيأت، لأن تكون محط هذه العناية الإلهية الكبيرة جداً.

وعن أهمية هذه العلاقة-بين الاستعداد النفسي والذهني والتوفيق الإلهي-يؤكد السيد القائد عبد الملك بدر الدين -يحفظه الله- أن ((من يدخل في شهر رمضان، ثم يخرج وهو ذلك لم يتغير شيء؛ لم يتحسّن شيء في واقعه، لا زال قلبه كما هو عليه من قساوة، سلوكه لم يتحسن فيه شيء، إقباله إلى الله سبحانه وتعالى على ذلك المستوى الذي كان قبل دخول هذا الشهر، فلربما قد سُلِبَ التوفيق والعياذ بالله)).

 

كيف تنظر الأمة الإسلامية لهذه الفريضة المهمة

النظرة السائدة لهذه الفريضة في أوساط الساحة الإسلامية-عموما-هي نظرة إجلالٍ، ونظرة تقديس لهذا الشهر المبارك بصيامه وقيامه، ونظرة اعترافٍ بفضله وعظيم منزلته، وكذلك النظرة إليه على أنه ركنٌ من أركان الإسلام.

وتتنوع النظرة بحسب كيفية التعامل مع شهر الصيام إلى:-

-النظرة الروتينية وهي النظرة السائدة لدى الأكثر من أبناء الأمة لهذه الفريضة المباركة ولهذا الشهر الفضيل من حيث الاعتياد لصيامه، والاعتياد لبعض الأعمال الصالحة فيه، وأنَّ الأجر فيه مضاعف، والالتفات بشكلٍ أكثر إلى القرآن الكريم، وإلى ذكر الله «سبحانه وتعالى».

-التركيز على جانب القربة إلى الله «سبحانه وتعالى» وهذه نظرة متقدِّمة بعض الشيء، ولكنها لا تزال ناقصة. فيتجه البعض عملياً إلى الأعمال الصالحة، فتركيزهم يتجه-بشكلٍ رئيسي-نحو ما في هذا الشهر المبارك من أجرٍ كبير على الأعمال الصالحة فيه، وإلى ما فيه من مضاعفة للحسنات والأجور، والاستفادة من الأجواء الروحية فيه، التي تعالج عند الإنسان قسوة القلب، وتساعده على الخشوع، والشعور بالقرب من الله «سبحانه وتعالى» على نحوٍ أفضل مما عداه من الشهور.

-النظرة إلى هذا الشهر أنه مشكلة وعبء: هناك من ينظر إلى هذا الشهر الكريم بصيامه وقيامه، إلى أنه يمثِّل بالنسبة لهم مشكلة، ويعتبرونه شيئاً لا علاقة له في واقع الحياة؛ وإنما هو بهدف الآخرة، وأتى بشكلٍ يمثِّل عبئاً عليهم، وأنه يعرقل عليهم الكثير من برامج عملهم في اهتماماتهم في هذه الدنيا: اهتماماتهم التجارية، والاقتصادية والمعيشية…الخ. وقد يتضايقون إلى حدٍ كبير من فريضة الصيام، وما فيها من التزامات، مثل: الامتناع عن الطعام والشراب وغيرها.

خطورة الرؤية الناقصة: الرؤية الناقصة قد تجعل الإنسان يخرج من هذا الشهر المبارك بتوجهٍ عمليٍ ناقص، وبنتائج ناقصة، وقد تصل الحالة في بعض الأمور إلى أن يخرج الإنسان خاسراً غير رابح (رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامه إلَّا الجوع والظمأ، ورُبَّ قائمٍ ليس له من قيامه إلَّا السهر والتعب).

النظرة القرآنية: وهي النظرة التي ينبغي أن نستوعبها جيداً كمسلمين؛ حتى نستفيد بشكلٍ أفضل، وحتى نستغل هذه الفريضة المباركة وهذا الشهر العظيم على نحوٍ متكامل؛ وهي ما يقدِّمه لنا القرآن الكريم، وما ركَّز عليه الرسول «صلوات الله عليه وعلى آله» بخطاباته وأقواله على ضوء القرآن الكريم الذي يقدِّم لنا رؤيةً متكاملةً عن هذا الشهر المبارك، وعن صيامه وقيامه.

يمثِّل هذا الشهر المبارك بصيامه، وقيامه، وبرامجه، وبركاته، وآثاره، محطةً تربويةً عظيمةً جداً، حيث نكتسب من هذه الفريضة المباركة:-

قوة في العزم، قوة في الإرادة، قوة في الصبر والتحمل أمام الرغبات والشهوات.

وتكسب الإنسان الأثر الروحي العظيم في زكاء نفسه.

معالجة الكثير من ترسُّبات مشاكل الحياة، التي عادةً ما تكون قد تركت أثراً سلبياً في مشاعر الإنسان واهتماماته وتصرفاته.

ويثمر ثمرةً عظيمة، ويترك أثراً إيجابياً لمن يغتنمه، لمن يتجه منذ البداية إلى اغتنام هذه الفرصة الثمينة جداً، وهذه المحطة العظيمة فيتزود منها التقوى.

كما أن له أهمية كبيرة فيما يمكن أن يشكِّله من تأثير إيجابي وعظيم في نفس واقع حياتنا: في انخفاض نسبة الجرائم، وارتفاع نسبة الأعمال الصالحة بأثرها الصالح والإيجابي في واقع الحياة.

نكتسب مشاعر الطمأنينة، مشاعر السكينة، والقرب من الله «سبحانه وتعالى».

التخفيف إلى حد كبير من مشاعر القلق والشعور بالضيق في واقع النفوس.

أن يروِّينا من حالة الجفاف على المستوى الروحي، فنعيش حالة الاطمئنان بذكر الله «سبحانه وتعالى»، والمشاعر الإيجابية والإنسانية الراقية والمؤثرة إيجاباً في مشاعر الإنسان ونفسيته وأعماله

وسيلة مساعدة لتحصيل الوقاية من كل الشرور.

الارتقاء في واقعنا النفسي والأخلاقي والعملي والسلوكي، لنكتسب منها القوة النفسية في مواجهة أعباء هذه الحياة، وتحدياتها.

نكتسب قوة التحمل للنهوض بمسؤولياتنا في هذه الحياة، وقوة التحمل لمواجهة المشاكل التي نعاني منها في هذه الحياة.

 

كيف نتعامل مع هذا الشـهر الـمبارك؟

أولاً: ينبغي أن يحرص الإنسان على:

أن يدخل في هذا الشهر المبارك بتوجهٍ صادق إلى الله «سبحانه وتعالى»، وسعيٍ للتخلص من المعاصي والذنوب.

أن يبتدئ شهره هذا بالتوبة إلى الله، والاستغفار.

أن يعزم على الإقلاع عن المعاصي، وعن الكبائر، وعن الذنوب، ويحرص على الاستقامة

أن يتخلص من المظاهر السيئة، ومن الأعمال السيئة؛ حتى يتقبل الله منه صيامه وعمله، لأنه إذا دخل هذا الشهر وهو مستمر على الذنوب والمعاصي؛ فاستمراره على ذلك سيحبط عمله.

الاستجابة العملية للنظافة واستقبال الشهر الكريم بالقيام بحملات نظافة للبيوت والشوارع والحارات.

العناية بالإحسان: فالإحسان من أهم القرب إلى الله «سبحانه وتعالى»، ومن أهم الأعمال، وأعظمها، الإحسان بالصدقات، وإخراج الزكاة، العناية بالبر وفعل الخير تجاه الناس، تجاه الضعفاء، تجاه الفقراء، على المستوى الفردي، وعلى المستوى التعاوني والجمعيات الخيرية.

ثانياً/ يجب التركيز على ما يمثله هذا الشهر من قربة عظيمة إلى الله «سبحانه وتعالى».

وما يترتب عليه من عطاء إلهي في الدنيا والآخرة، فهو موسم خيرٍ عظيم، الأجر فيه كبير، الفضل فيه كبير، القيمة للأعمال الصالحة فيه قيمة عالية جداً، فهو موسم تجارةٍ رابحةٍ مع الله «سبحانه وتعالى»، إذ يمكن أن يتحقق للإنسان خلال هذا الشهر المبارك من أثر الأعمال الصالحة، ما لا يتحقق في غيره على مدى عمرٍ كامل وأكثر.

احترام حدود الله «سبحانه وتعالى»، والحذر من الحرام والمعاصي، والحذر من الأعمال السيئة، والاستقامة على طاعة الله «سبحانه وتعالى»، والحذر مما يسبب له الانزلاق للأعمال الفاسدة، يحذر منها ابتداءً، يحذر من خطوات الشيطان من أول خطوة، ويحرص على الاستقامة والصلاح في هذا الشهر المبارك؛ ليؤسس لذلك فيما بعده.

الحرص على القيام بفرائض الله «سبحانه وتعالى»، وواجباته العملية بكل أنواعها: الصلاة جماعة في المسجد، الصيام، الأعمال الصالحة، الجهاد، الإنفاق… كل الأعمال التي تدخل في نطاق المسؤوليات المهمة والأعمال الأساسية التي فرضها الله «سبحانه وتعالى» علينا.

الاهتمام بشكل كبير جداً بذكر الله «سبحانه وتعالى» باللسان، وبالوجدان وبالقلب وبالمشاعر: بحيث يكثر الإنسان من الاستغفار، ومن التسبيح، وهذا أمرٌ متاح أينما كان الإنسان: في الجبهة يستطيع أن يكثر من ذكر الله «سبحانه وتعالى»، في المنزل، في حركته، في ذهابه، في إيابه، والذكر لله من أفضل العبادات والقرب التي تقرِّب الإنسان من الله «سبحانه وتعالى».

الاهتمام بالقرآن الكريم: شهر رمضان كما قال الله عنه في كتابه الكريم: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}، فينبغي العناية بتلاوة القرآن الكريم بتأمل وتدبر، والحرص على الاستفادة من كتاب الله «سبحانه وتعالى»، والاهتداء به، والنظرة إليه ككتاب هداية، كيف نستفيد منه، كيف نصحح المفاهيم الخاطئة لدينا، كيف نرسخ المبادئ المهمة، كيف نتأثر بما يقدِّمه من الهدى المؤثر على المستوى النفسي والوجداني.

العناية بالدعاء: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}، فالدعاء مهمٌ جداً في كل حال، وفي شهر رمضان هو من أهم ما يركِّز عليه الإنسان، وشهر رمضان من المواسم العظيمة والمهمة للدعاء ولقبول الدعاء، ولا سيما بالأشياء المهمة في عاجل الدنيا وفي آجل الآخرة.

-التركيز على التزكية للنفس: على الإنسان أن يلتفت جيداً إلى واقع نفسه، ويقيِّم نفسه بنفسه، فيستذكر جوانب القصور لديه، الفرائض التي هو مقصرٌ فيها، الأعمال والمسؤوليات المهمة التي هو مُخِلٌ بها أو مقصرٌ فيها، الأخطاء والسلبيات والأعمال السيئة التي تصدر منه، ثم يحاول أن يستعين بالله «سبحانه وتعالى» ويلتجئ إلى الله أن يوفقه للخلاص منها، ويحرص على العودة إلى القرآن، والاستفادة من الصيام، والتوجه العملي للخلاص من تلك السلبيات، أو جوانب التقصير.

الاستعانة بالله والتماس التوفيق منه للإنسان؛ لكي يتمكن من استثمار هذا الشهر المبارك، على الإنسان أن يدعو الله «سبحانه وتعالى» بأن يوفِّقه لاغتنام هذا الشهر للاستفادة منه، وأن يوفِّقه فيه إلى الأعمال الصالحة.

الحذر من قرناء السوء الذين يجرون الإنسان إلى الضياع في أعماله وفي اهتماماته

الحذر في هذا الشهر الكريم مما يساهم في ضياع الوقت على السهرات في حالةٍ من الضياع والفراغ، وفي جوٍ بعيد عن هدى الله، وعن الذكر لله، وعن القرآن الكريم، إما وراء المسلسلات التلفزيونية، أو وراء مواقع التواصل الاجتماعي، والانشغال بها، وتضييع الوقت عليها، أو سهرات في اجتماعات ليس لها أي قيمة إيجابية، ولا تربوية، ولا أخلاقية، ولا دينية، وليس فيها اهتمام لا بهدى الله، ولا بالقرآن الكريم، ولا بعملٍ صالح، فيجب الحذر من كل ذلك.

         

قد يعجبك ايضا