من كربلاء إلى غزة .. تداعيات التفريط والانحراف على واقع الأمة الإسلامية
في تاريخ الأمة الإسلامية، هناك محطات مفصلية عكست مآلات التفريط والانحرافات المبكرة عن المبادئ التي أرسى دعائمها رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله. ومن تلك المحطات الفاصلة، معركة كربلاء التي جسدت أعظم ملحمة في تاريخ الإنسانية، حيث استشهد الإمام الحسين بن علي عليه السلام في سبيل الحق والعدل. ثم تتابعت سلسلة من الأحداث والمآسي التي كشفت عما خسرته الأمة جراء التفريط في توجيهات الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” وتوجيهات الإمام علي بن أبي طالب “عليه السلام” من بعده، وصولاً إلى مأساة غزة.
دما تخلت الأمة عمن قال فيه رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) “علي مع الحق والحق مع علي”. بدأت مؤشرات الانحراف وإن كانت في ذلك الوقت ما تزال في نظر البعض مسألة عادية، لكنها كانت بداية خطيرة انحرفت بالأمة عن منهج الله وعن تعاليم رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله.
وهكذا لم تمر فترة طويلة على وفاة رسول الله حتى تفاجأت الأمة باغتيال الإمام علي ” عليه السلام” وهو من عنه الرسول الأعظم ذلك اليوم المشهود في حجة الوداع “من كنت مولاه فهذا علي مولاه”، وكان ذلك بتخطيط ممن قيل عنه ووصف بأنه “كسرى العرب”، معاوية بن أبي سفيان الطليق ابن الطليق.
ثم تتوالى المآسي على الأمة فيتربع عليها يزيد بن معاوية المشهور بالمجون والسفه والطيش، ليكون أول إنجازاته قتل سبط رسول الله وأهل بيته في أشهر مظلومية حدثت على وجه الأرض، وفي شهر الله الحرام. وباستشهاد الإمام الحسين عليه السلام توالت الانحرافات وتعاظمت، ونزلت بالأمة المآسي الكبيرة على أيدي من ولتهم عليها، فانتهكوا كرامتها واستحلوا محارمها وقتلوا وسفكوا دماء الصالحين من عباد الله، وانحرفوا بها عن الإسلام المحمدي الأصيل لتواصل السقوط إلى أن تحولت إلى أرذل الأمم.
إن ذلك التفريط وتلك الانحرافات قادت الأمة إلى مربع السقوط تحت هيمنة أعدائها، فهاجمها المغول والصليبيون والسلاجقة، مستغلين ضعفها وتفرقها. ثم تلا ذلك الاستعمار الغربي، وتصارعت القوى الاستعمارية على أراضي الأمة وثرواتها. وفي منتصف القرن العشرين، زُرع الكيان الصهيوني في قلب الأمة الإسلامية، وفي أقدس مناطقها، بفلسطين. هذا كان نتيجة لاستمرار التفريط في المبادئ الإسلامية، مما جعل الأمة عاجزة عن مواجهة أعدائها لأنها افتقدت أسباب قوتها ومنعتها..
العرب والتفريط في الشرف العظيم
قبل أن يحظى العرب بشرف نزول القرآن الكريم بلسانهم، كانوا عبارة عن مجموعة من القبائل المتناثرة، التي تعيش حياة بدوية تعتمد على الترحال بحثًا عن الماء والكلأ، أو حياة مستقرة في بعض المدن مثل مكة ويثرب وكانت التقاليد والأعراف القبلية هي السائدة، وكان العرب أميون وتتسم حياتهم بممارسة العادات السلبية مثل الثأر، العصبية القبلية، ووأد البنات وكانوا يعبدون الأصنام والأوثان، و لكل قبيلة صنم مقدس. باستثناء قلة قليلة ممن كانوا موحدين وما زالوا على دين نبي الله إبراهيم” عليه السلام”.
ولذلك كان نزول القرآن الكريم بلغتهم وارسال الله نبي بلسانهم شرف عظيم نقلهم من جاهلية جهلاء وتقاليد عمياء إلى نور الإسلام العظيم بمبادئه وقيمه العظيمة.
يقول السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه): مذكرا بهذه القيمة التي اضافها نزول القرآن الكريم بلغة العرب: ((شرف عظيم للعرب، شرف عظيم لمحمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) شرف عظيم لآل محمد، ألم يقل الله سبحانه وتعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}؟ شرف عظيم أن كان الإسلام بكتابه، ونبيه نزل بلغتنا، وبُعِث بين أظهرنا، ومن أنفسنا، ألم يقل الله سبحانه وتعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}؟ كنتم أيها العرب – وإن كان البعض يفسرها بالنسبة للمهاجرين، عندما انطلقوا إلى المدينة – هي جاءت بعد الحديث عن آيات حول بني إسرائيل وهو يتحدث عن تأهيل المؤمنين ليكونوا في مستوى المواجهة، يذكِّرهم بمسؤوليتهم أنها مسؤولية عالمية: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} أخرجت للناس جميعاً.
ويضيف الشهيد القائد: “فنحن عندما فرطنا كعرب في هذا الشرف العظيم، عندما فرطنا كعرب في هذه الرسالة العظيمة التي كان المراد أن نكون نحن من نحمل شرف حملها إلى الآخرين في مختلف بقاع الدنيا، وعندما فرطنا نحن من نسمي أنفسنا صفوة هذه الأمة (الزيدية) وعندما فرطنا نحن من نسمي أنفسنا نحن عترة رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) نحن فرطنا في مسؤولية كبيرة، أتاحت الفرصة لليهود أن يتحركوا هم، وبمختلف الفئات الضالة والمضلة في هذه الدنيا، أن تتحرك هي فتمتلئ الدنيا فساداً وظلماً، ويكون الباطل هو الذي يسود، ويكون الفساد هو الذي يحكم، وهو الذي ينتشر، وهو الذي يمتلك القوة، ويمتلك الهيمنة أنا أعتقد أنه لولا أن هناك مسؤولية جسيمة جداً علينا أدى التفريط فيها إلى أن يصبح التفريط ذلك جريمة أعظم مما عليه الآخرون لَمَا استحققنا أن نكون تحت أقدام من قد ضرِبت عليهم الذلة والمسكنة. أليس العرب الآن أذل من اليهود؟ أليس العرب الآن أذل من النصارى؟ أوَلسنا نحن الزيدية، ونحن أهل البيت أذل العرب؟ حقيقة)).
محاولات بنو أمية طمس معالم الدين
كانت حساسية المرحلة ومكانة الإمام الحسين، وبمقتضى إيمانه ومسؤوليته، ومن موقعه في القدوة والقيادة والهداية، تدفعه لاتخاذ قراره وحسم خياره في مواجهة الطغيان الأموي، الذي وصل إلى مرحلة يمثل فيها تهديداً للأمة في هويتها الإسلامية وفي مسيرة حياتها، فقد عمل بنو أمية على:
- تغييب رسالة الإسلام من واقع الأمة، فيما تقدِّمه من هدايةٍ ونور ومعرفةٍ صحيحة.
- تقديم بدائل من الضلال وثقافة التدجين التي قدمت المفاهيم المعوجة الظلامية، والباطل الذي يلبَّس ثوب الحق ويحمل عناوينه،
- الممارسات المفسدة للنفوس، والهابطة بالإنسان، والمنتجة للرذائل.
- الظلم والجور، والإجرام والطغيان،
- التخلف والضياع، واقتياد الأمة إلى مربع العبودية للطاغوت
- من هنا ندرك أهمية نهضة الإمام الحسين وثورته وتقديم نفسه وأهله وخلص أصحابه لمواجهة هذه الكيان الطاغوتي الإجرامي الذي يحكم الأمة باسم الإسلام وباسم القرآن وباسم رسول الله..
لقد أراد طغاة بنو أمية أن يكون الإسلام مجرد عنوانٍ قابلٍ للتبديل في يومٍ من الأيام، وأن يكون إسلاماً لا يحق حقاً، ولا يبطل باطلاً، ولا يقيم عدلاً، ولا يصلح واقعاً، ولا يحل مشكلةً، ولا مشروع له في الحياة، ولا دور له في بناء الأمة، ولا يزكي النفوس، ولا يصنع الوعي، ولا يستبصر بنوره المجتمع، ولا يحرر الإنسان.
فهم أرادوا أن تكون الأمة مدجَّنةً لهم، وكانت سياساتهم التي يعتمدون عليها لتحقيق هذا الهدف وفق ما عبَّر عنه الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” في تحذيره للأمة منهم، في عباراتٍ جامعةٍ وعميقةٍ ومهمةٍ وشاملةٍ: ((فقد اتخذوا دين الله دَغَلا، وعباده خَوَلَا، وماله دُوَلَا))، فماذا يمكن أن يبقى للأمة بعد ذلك؟ وماذا يمكن أن يبقى بعد ذلك للإسلام من أثرٍ في واقع الأمة؟ وهذه الحالة هي التي عبَّر عنها الإمام الحسين “عليه السلام” بقوله: ((أَلَا ترون أنَّ الحق لا يعمل به، وأنَّ الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً، فإني لا أرى الموت إلَّا سعادة، ولا الحياة مع الظالمين إلَّا برما))، وعندما يغيب الحق من واقع الحياة فلا يعمل به، ويحل الباطل بدلاً عنه فلا يتناهى عنه، يتغير واقع الحياة، فيصير مظلماً، ويحل مع الباطل الضلال، والظلم، والفساد، والمنكر، ولا يبقى للحياة قيمة، ويطغى الظلم، ويطغى الشر والإجرام.
التفريط يجهض محاولات الإمام الحسين عليه السلام
يقول الشهيد القائد في محاضرة [دروس من وحي عاشوراء]: ((لولا تفريط أولئك لما كان أبو بكر من البداية، ولولا تفريط أهل العراق يوم كانوا يسمعون عليًّا يتحدث، ومن أبلغ من علي بعد القرآن وبعد الرسول؟! ومن أبلغ من منطقه؟! ومن أعظم أثراً – إن كان هناك ما يمكن أن يترك أثراً – بعد القرآن وبعد كلام الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)) من مثل كلام علي عليه السلام) !
ذلك التفريط هو الذي جعل أهل العراق قبل أهل الشام يصلون إلى كربلاء فيحاصرون الحسين (عليه السلام) وأهل بيته، وجعلهم قبل أهل الشام يوجهون النبال إلى صدره، وهم من عاش بينهم علي (عليه السلام) سنين سنين يحدثهم ويعظهم ويرشدهم، لماذا؟ ما الذي أوصلهم إلى هذا الحد؟ هم فرّطوا، وعندما يفرّط الإنسان فيما يسمع ستأتي البدائل المغلوطة، إما أن يتلقاها من أمثاله ممن يفهمون الأمور فهماً مغلوطاً، ممن لا يعرفون عواقب الأمور، أو من جهة نفسه هو فيكون هو من يحلل، ومن يحاول أن يضع لكل قضية حدّاً معيناً، يظن أنها لا تتجاوزه، ربما كانوا يتصورون أن الحسين هو المشكلة، يمكن أن يُصَفَّى الحسين وتبقى الأجواء طبيعية)).
ويضيف الشهيد القائد قائلا: “ولقد نجحوا في تصفية ذلك الرجل العظيم الذي كان بإمكانه، لو التف حوله العرب كما فعلوا مع يزيد ومعاوية، أن يعيد لهم كرامتهم وللإسلام رونقه وأصالته. ولكن الانحراف والضلال يؤديان إلى نتائج مأساوية، حيث يتم تصفية عظماء الأمة ليسود شرارها. فهل استقامت الأمور لهم؟ هل كان بديل الإمام الحسين (عليه السلام) هو ما تحتاجه الأمة في تلك المرحلة؟ أم أن النتائج كانت كارثية ليس فقط على من خذلوا الإمام الحسين (عليه السلام)، بل حتى على أولئك الذين خرجوا لقتاله: ((بعد أن قُتل الحسين.. (عليه السلام) هل بقيت الأجواء طبيعية؟ هل استقر وضع أهل العراق؟ أم بدأ العراق يغلي، أم بدأت النكبات, والكوارث تتابع على أهل العراق جيلاً بعد جيل إلى هذا العصر الذي نحن فيه. لم يسلم أهل العراق، لم يسلم لهم دينهم، لم تسلم لهم دنياهم، لم تسلم أنفسهم.
ما أسوء الإنسان أن يسمع كلمة الحق ثم يرى نفسه في يوم من الأيام يقف في وجه الحق يضربه بسيفه، إنه أسوء من ذلك الذي تربى على الضلال من يومه الأول، إنه أسوء من أولئك؛ ولذلك تجد مثلاًً واضحاً على هذا.. أليس تاريخ العراق أسوء من تاريخ سوريا, أليس العراقيون في كل عصر لا تجد شعباً من الشعوب في البلاد العربية أكثر نكبات, وأكثر مآسي من شعب العراق نفسه؟ لأن شعب العراق هو الذي سمع علياً أكثر من أي شعب آخر.
وعندما يكون الإنسان من هذه النوعية فقد يصحوا في يوم من الأيام لكن في الوقت الذي لا ينفع. أهل العراق ندموا بعد، وتاب الكثير من تفريطهم في الإمام الحسين إذ لم ينصروه وخرجوا ثائرين، وقتلوا مَنْ قتلوا الحسين (عليه السلام) وثاروا, ثأروا لقتله لكن بعد فوات الأوان، بعد فوات شخصية عظيمة كالحسين.
لو كانت تلك التضحية، لو كان ذلك الصمود، لو كان ذلك التفاني، لو كان ذلك الإهتمام، لو كان ذلك الوعي في وقته، يوم كان الحسين متوجهاً إلى الكوفة لاستطاعوا أن يغيروا وجه التاريخ بأكمله، وليس فقط وجه العراق، لاستطاعوا أن يعيدوا الأمة إلى ما كان يريد لها الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) أن تكون عليه)).
أثمان باهظة دفعتها الأمة نتيجة تفريطها
لم يتوقف الأمر عند قتل الإمام الحسين وأهل بيته، بل امتد الإجرام اليزيدي ليطال مدينة رسول الله، حيث اقتحمها وأباحها لمدة ثلاثة أيام بلياليها. في هذه الفترة، انتهكت المحرمات، واغتصبت آلاف النساء، ونهبت الممتلكات، وعاثوا في مدينة رسول الله فساداً وإجراماً.
وواصل يزيد ـ لعنه الله ـ سياسة والده في تصفية من تبقى من أصحاب رسول الله، ممن شهدوا معه معركة بدر. كما حاصر مكة المكرمة، وقصفها بالمنجنيق مما أدى إلى تدمير جزء منها. تُعتبر هذه الحادثة واحدة من الجرائم الكبيرة ضد المقدسات الإسلامية التي اقترفها بنو أمية في حربهم الانتقامية ضد الإسلام والمسلمين وضد رسول الله وأهل بيته. يزيد هو من قال:
“تلعب بالبرية هاشمي .. بلا وحي آتاه ولا كتاب”.
وهكذا، عاينت الأمة البدائل لتفريطها في ورثة الكتاب الذين اصطفاهم الله. فجاءهم بنو أمية، الذين وصفهم القرآن الكريم بالشجرة الملعونة، لشدة بطشهم وجبروتهم واستبدادهم واضطهادهم للمسلمين وعباد الله الصالحين. استمرت الدولة الأموية لأكثر من مائة عام، مارست خلالها كل صنوف الظلم والطغيان والتحريف للإسلام ومفاهيمه، وتزوير الروايات والأحاديث التي تنتقص من رسول الله ومن أهل بيته، وتمجد الطغاة والمجرمين من بني أمية. لقد نسبوا أحاديث إلى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) اعتبر فيها معاوية كاتب الوحي.
ورسخ بنو أمية الكثير من الثقافات والمفاهيم المغلوطة حتى أصبحت مذهباً وديناً يعتنقه الكثير من المسلمين. في زمننا المعاصر، واصلت المؤامرات نشر الأفكار الأموية، حتى أن المناهج في الكثير من الدول الإسلامية تمجد بني أمية، وتصورهم وكأنهم لم يكن لهم من شغل سوى الجهاد في سبيل الله.
ذهبت دولة بني أمية وجاءت بعدها دولة بني العباس لتواصل نفس السلوك، بل وأبشع، بحق أهل البيت والإسلام والمسلمين. كلما قام علم من أعلام دين الله من أهل بيت نبيه محاولاً إصلاح الأمة وإعادتها إلى الطريق التي رسمها الله ورسوله، يلقى نفس ما لاقاه الإمام علي والإمام الحسين من الخذلان والتفريط، ممن هم محسوبون عليهم ومن يتظاهرون بحبهم ومودتهم، بينما الطرف الآخر يحاربهم ويجند نفسه ضدهم ويقف في صف أعدائهم.
الواقع المعاصر امتداد للماضي المظلم
ما تمر به أمتنا اليوم من تحديات على مختلف الساحات ما هو إلا امتداد في شكله ومضمونه لذلك الماضي المظلم الذي كان بدايته بعد موت رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله عندما فرطت الأمة وانحرفت عن تعاليم رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ومن مظاهر ذلك التفريط في واقع الأمة اليوم ما يلي:
- الانقسامات المذهبية والطائفية
إحدى المآسي الكبرى التي بدأت في العهد الأموي ولا تزال تلقي بظلالها على الأمة الإسلامية هي الانقسامات المذهبية والطائفية. الصراعات المذهبية، التي تعود جذورها إلى الخلافات السياسية والدينية في القرون الأولى للإسلام، تفاقمت عبر القرون وأصبحت اليوم جزءًا لا يتجزأ من واقع العديد من الدول الإسلامية. بل تجاوزت حدتها واتاحت الفرصة لأعداء الأمة لاختراقها من هذا الجانب من خلال انشاء جماعات دموية تكفيرية تستهدف المسلمين في مساجدهم وفي اسواقهم بالمفخخات والأحزمة الناسفة وتحت صيحات الله أكبر..
- التحديات السياسية
الأنظمة السياسية في العديد من الدول الإسلامية تمارس السلوك الأموي حيث الفساد والاستبداد والخيانات والعمالة وتركيز السلطة بيد الحاكم وأعوانه. تقمع الحريات وتستأثر بالثروات، وتعادي الناصحين والصادقين بل تقوم بتصفيتهم بأي وسيلة ومن أعظم الشواهد على حالة الخزي والذلة التي تعيشها هذه الأمة أن يذهب زعمائها لتجنيد أنفسهم لخدمة أعداء أمتهم وشعوبهم .. ألسنا نرى الكثير من الأنظمة العربية تساند الإجرام الصهيوني ضد أبناء فلسطين؟ الم يصنف النظام السعودي ومعه الكثير من الأنظمة العربية المقاومة الفلسطينية ضمن قوائم الإرهاب كما يفعل الكيان الصهيوني وكما تفعل أمريكا بل وجدنا إعلامهم يساند الصهاينة ويتحدث بلسانهم في أسوأ مشهد من الخذلان التي تعيشه أمتنا..
- الفقر والتخلف الاقتصادي
الفقر والتخلف الاقتصادي هما واقع مرير تعيشه العديد من الدول الإسلامية اليوم. هذا الواقع هو نتيجة لتراكمات طويلة من سوء الإدارة واستغلال الموارد، حيث الثروات تُستغل من قِبل قلة من الحكام والنخب، تاركة الأغلبية تعاني. هذا النمط من التوزيع غير العادل للثروة له جذور في التاريخ الأموي والعباسي، حيث استأثرت النخبة بالثروات والمناصب.
- الاستعمار الخارجي
بسبب سياسات الاستبداد وثقافة التدجين للحكام والسلاطين جمدت الأمة في مختلف مناحي الحياة بينما تقدمت أمم أخرى خاصة من وصفهم الله بأنهم أعداء لهذه الأمة من اليهود والنصارى وكان لتطورهم تأثير سلبي على أمتنا حيث تمكنوا استعمارها ونهب ثرواتها والتحكم بها وبالرغم من خروج الوجود العسكري من اغلب الدول العربية والإسلامية إلا أن هيمنة أعدائها ما تزال قائمة مستغلين الانقسامات والصراعات الداخلية فبعد سقوط الدولة العثمانية، تم تقسيم العالم الإسلامي إلى دول تحت سيطرة القوى الغربية.
واقع الأمة الإسلامية اليوم هو انعكاس لماضٍ مليء بالتحديات والصراعات. ولمحاولة من هذا المأزق يجب على المسلمين دراسة تاريخهم بدقة واستخلاص الدروس والعبر.
جهل الأمة بطبيعة الصراع مع أعدائها
إن جهل الأمة بطبيعة الصراع مع أعدائها كما قدمها القرآن الكريم هو نتاج لقرون من التدجين والاهتمام بالشكليات والجدل حولها على حساب الاهتمام بقضايا الأمة الكبرى ومن شواهد أن أكثير من ملياري مسلم يشاهدون ما يحدث في غزة من إجرام لا مثيل له ولم نجد حتى مظاهرة تخرج في الشوارع للتنديد بما يحصل كما تخرج في دول الغرب نفسها اللهم الا في اليمن الذي يخرج الشعب اليمني بشكل أسبوع بفضل استجابته والتفافه حول قيادة ربانية هي امتداد لتلك القيادة التي أمر رسول الله المسلمين بموالاتها وحذر التفريط فيها، وهذه الجرائم ليست جديدة والخلان الإسلامي ليس جديدا بل منذ أكثر من سبعين عام وهم يشاهدون الإجرام الصهيوني وفي الأخير رأينا الأنظمة العربية المعنية بنصرة الشعب الفلسطيني بحكم موقعها ومسؤوليتها ذهبت للتطبيع مع الصهاينة وفتح علاقات سياسية واقتصادية، حتى على مستوى الشعب الفلسطيني نفسه لم يكن يدرك ما يحاك ضده كان يبيع منازله من المهاجرين اليهود ويبيع منهم أرضيه بمبالغ كبيرة وهو لا يدرك ما يحاك ضده .. هذا من الجهل بالقرآن ومن الجهل بسيرة رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله..
غزة من أكبر الشواهد على جريمة التفريط ومآلات الانحراف
إذا كانت مأساة كربلاء تذكرنا بذلك التفريط والانحراف القرن الإسلامي الأول فإن مأساة غزة اليوم تذكرنا بقرون من التفريط فما نراه اليوم من جرائم في فلسطين، وخاصة في غزة، هو امتداد لتلك الفترات من التفريط. غزة تعاني تحت الحصار والاعتداءات المستمرة، والأمة الإسلامية بأسرها تقف شاهدة على معاناة شعبها. إن دماء الأبرياء التي تُراق، والمقاومة البطولية لأهل غزة، تعكس عمق الأزمة التي تعيشها الأمة والتي لا يمكن فصلها عن أولئك الذين فرطوا بعد وفاة رسول الله والذين تجاهلوا توجيهاته وخذلوا أهل بيته.
يقول الشهيد القائد (رضوان الله عليه): ((سنظل دائماً نئن ونتوجع من الأحداث ولا نهتدي لحل, ولا نعرف من الذي وراء ذلك، إذا لم نعد إلى دراسة أسباب الأشياء من أولها, نعود إلى دراسة الأسباب الأولى للأحداث حتى نعرف ما إذا كان هناك في واقعنا شيء من هذه الأسباب متوفر, شيء من هذه الحالة التي أدت إلى تلك النتائج السيئة تعيش عليها الأمة، فإذا ما وجدنا أنفسنا نعيش نفس الشعور، نعيش نفس الحالة فاعرف بأنك إنما ستكون مثل أهل العراق، مثل أهل الشام الذين ظلوا دائماً يتوجعون، مثل هذه الأمة من أولها إلى حاضرها, تتوجع من الأحداث، تتوجع من الكوارث، وتئن وتصرخ ولا ترى مخرجاً, ولا تعرف حلاً.
وحتى نعرف, وحتى يعرف كل واحد منا أنه يعيش نفسية الشخص الذي أغمض عينيه يوم صعد أبو بكر على كرسي الخلافة، وأنك تعيش نفسية ذلك العراقي الذي كان يسمع علياً يتحدث بمسجد الكوفة، وتحمل نفسية ذلك العراقي يوم خرج الحسين متجهاً إلى الكوفة، ويوم دخل عبيد الله بن زياد إلى الكوفة، حتى تعرف أنك لا تختلف عن أولئك، إذا ما وجدت نفسك أمام أي قضية, أمام أي حدث، تجد هناك من يذكرك بمسئوليتك، ويذكرك بخطورة عواقب تلك الأحداث يذكرك بعقوبة تفريطك ثم لا تهتم، فإنك من قد تجد نفسك في يوم من الأيام ليس فقط ضحية لتفريطك، بل تجد نفسك في موقف أسوء من ذلك الموقف، تجد نفسك في صف الباطل تقف في وجه الحق، تساق إلى مواقف الباطل.
نحن – أعتقد – إذا لم ننطلق في مواجهة الباطل، في هذا الزمن فإننا من سنرى أنفسنا نساق جنوداً لأمريكا في ميادين الباطل في مواجهة الحق. لا يجوز بحال إذا كنا نحن من نلوم أولئك، أي واحد منا يلوم أهل الكوفة أليس كذلك؟ يلوم أهل العراق، يلوم ذلك المجتمع الذي لم يصغ لتوجيهات الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) بعد أن ولى علياً, يلوم أهل المدينة، يلوم أهل البصرة، يلوم أهل الشام، يلوم.
إذا كنا فقط إنما نلوم الآخرين، ولا نعرف على ماذا نلومهم، أنت تلومهم لأنهم قتلوا الحسين, أليس كذلك؟ فعلاً يلامون على أنهم قتلوا الحسين, لكن ما الذي جرّهم إلى أن يقتلوا الحسين؟.
أنت تعيش النفسية، تعيش الحالة التي جرتهم إلى أن يخرجوا ليواجهوا الحسين، فَلُمْ أنت نفسك, ولمُهم أنت على تفريطهم يوم كانوا يسمعون علياً، واحذر أنت أن تكون ممن يفرط وهو يتكرر عليك هدي علي، وهدي القرآن الكريم الذي هو فوق كل هدي.
أوليس القرآن الكريم حياً بين أظهرنا؟ أولسنا نقرأه؟ أولسنا نحاول أن نعرض الأحداث على القرآن الكريم لنستلهم من خلال القرآن ما هو الموقف المطلوب منا؟ بل لنحصل من خلال القرآن على وعي وبصيرة نفهم من خلالها ما يدور حولنا؟ فمن يُعرض، من يُفرط، من لا يهتم، من لا يبالي إنه يعيش نفسية من يلومهم قبل ألف سنة وأكثر من ألف سنة.
ويضيف: ((إن الحكمة أن تعود إلى التاريخ، وتعود إلى القرآن، وتأخذ العبر والدروس من خلال تلك الأحداث, وتأخذ المقاييس الثابتة والوعي والبصيرة من خلال القرآن الكريم هنا الحكمة؛ حتى ترى في الأخير أن التفريط, أن السكوت, أن الجمود, أن التفكير في أنك ستسلم كلها متنافية مع الحكمة، كلها ليست واقعية، كلها هي سبب النكال، وسبب الخزي في الدنيا، وسبب أن تكون من يتلقى الضربات تِلْو الضربات من أعدائك، هذه ليست حكمة.))..
في الختام، يجب على الأمة الإسلامية استذكار تلك المحطات التاريخية والدروس المستفادة منها، والعمل بجدية على استعادة المبادئ والقيم التي أرسى دعائمها رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، لتحقيق الوحدة والقوة والتقدم