الجيش اليمني.. تحدٍ كشف الضعف الأمريكي

|| تقرير || خاص  

 

في قلب البحر الأحمر، حيث تتلاطم الأمواج وتتشابك المصالح، كانت حاملة الطائرات الأمريكية “آيزنهاور” تبحر في مياهٍ مضطربة. لم تكن تعلم أن هناك عيونًا ساهرة تراقب كل تحركاتها، وعزيمةً قويةً تتأهب لمواجهتها. في 31 مايو 2024، انطلقت القوات المسلحة اليمنية في عملية عسكرية غير مسبوقة، حيث اجتمعت القوة الصاروخية والبحرية لتوجيه ضربة قاسية للحاملة، مستخدمةً الصواريخ الباليستية والمجنحة، لتسجل بداية فصل جديد من المواجهة.

مع مرور الأيام، تكررت الهجمات، و استهدفت “آيزنهاور” أربع مرات، مما أجبرها على الفرار من ساحة المعركة، وبينما “آيزنهاور” تجر أذيالها فرارا من ساحة المواجهة وتحمل معها خيبة الأمل، كان السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي يتحدث بثقة، مشيرًا إلى أن عمليات الجيش اليمني في البحر الأحمر ليست مجرد رد فعل، بل هي رسالة واضحة للعالم بأن اليمن لن يتراجع عن الدفاع عن سيادته ومصالحه، ولا عن قراره بحظر مرور السفن الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية من باب المندب حتى ينتهي العدوان على أبناء غزة.

ومع كل استهداف، كانت الحاملة تبتعد أكثر عن شواطئ البحر الأحمر، حتى جاء اليوم الذي غادرت فيه قارة آسيا نهائيًا، تاركةً وراءها دلالات على قوة الإرادة اليمنية وعزمها على مواجهة التحديات.

 في هذا التقرير، نستعرض تفاصيل هذه العمليات العسكرية التي شكلت نقطة تحول في الصراع، ونسلط الضوء على الدوافع والنتائج التي تترتب عليها.

 

زمن الأمان للحاملات ولّى

قائد حاملة الطائرات الأمريكية “آيزنهاور”، كريستوفر “تشوداه” هيل، أقر خلال الأيام الماضية بأن زمن الأمان لحاملات الطائرات قد ولى، مشيرًا إلى أن هذه السفن لم تعد في مأمن من التهديدات المتزايدة، مثل الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة. جاء ذلك بعد سلسلة من الهجمات التاريخية التي نفذها الجيش اليمني على الحاملة في البحر الأحمر، مما أثار قلقًا كبيرًا في الأوساط العسكرية الأمريكية.

وفي حديثه لقناة Ward Carroll على يوتيوب، أكد هيل أن الحاملات مصممة لتحمل الضربات، لكنه اعترف بأن الضغوط المتزايدة على الطاقم أثرت سلبًا على معنوياتهم، خاصة مع استمرار العمليات في البحر الأحمر. وأوضح أن كثافة الضربات اليمنية أجبرت القيادة على إعادة تنظيم جداول الطاقم بسبب الإرهاق المستمر والتنبيهات الليلية.

من جهة أخرى، أفاد موقع “ذا وور زون” العسكري الأمريكي بأن حاملة الطائرات “آيزنهاور” شهدت واحدة من أخطر وأكثر العمليات إرهاقًا في تاريخ الخدمة البحرية الأمريكية منذ الحرب الكورية. حيث واجهت الحاملة عددًا من الأحداث الأولى من نوعها، بما في ذلك أول عملية قتل جو-جو لطائرة حربية إلكترونية ضد الصواريخ الباليستية المضادة للسفن.

كما أشار موقع “ذا أفييشنست” إلى أن “آيزنهاور” تعرضت لوابل من الهجمات بالطائرات المسيرة والزوارق الهجومية وصواريخ كروز، مما أدى إلى استنفاد الذخائر من مدمرات مجموعة الحاملة، واضطرارها لإعادة التزود بالصواريخ من محطات قريبة. وقد واجهت الفرقاطة الألمانية “هيسن” مصيرًا مشابهًا، حيث استنفدت ترسانتها في محاولة لاعتراض العمليات اليمنية. هذه التطورات تعكس تحولًا كبيرًا في موازين القوى في البحر الأحمر، وتسلط الضوء على التحديات التي تواجهها القوات الأمريكية في المنطقة.

 

مكامن الضعف في الجيش الأمريكي

وفي تقريرها الأخير، سلطت وكالة “بلومبرغ” الضوء على التحولات الجذرية التي شهدها البحر الأحمر، مشيرةً إلى أن الولايات المتحدة قد خسرت معركة استراتيجية أمام الجيش اليمني. واعتبرت الوكالة أن الهجمات البحرية التي نفذها الجيش اليمني تمثل أكبر مفاجأة خلال العام الماضي، وأقوى تحدٍ بحري يواجه النظام العالمي منذ عقود.

تحت عنوان “أمريكا تخسر معركة البحر الأحمر”، أوضحت الوكالة أن “الحوثيين”، الذين يعتبرهم الكثيرون جهة فاعلة شبه دولة، قد تمكنوا من قلب موازين القوى في المنطقة، مما أدى إلى كشف مكامن الضعف في الجيش الأمريكي وتآكل المعايير التي اعتبرها المجتمع الدولي ثابتة. وأكد التقرير أن “الحوثيين” لم يكتفوا بتعزيز قوتهم، بل دفعوا أيضًا بميناء “إيلات” في فلسطين المحتلة إلى الإفلاس، مما يعكس الجرأة المتزايدة لهذه “الجماعة” حسب قول الصحيفة.

وأشار التقرير إلى أن “الحوثيين” ليسوا قوة عسكرية تقليدية، حيث لا يسيطرون على كامل الأراضي اليمنية، لكنهم استخدموا الطائرات بدون طيار والصواريخ للسيطرة على الممرات البحرية الحيوية. كما أشار إلى أن النفور الأمريكي من التصعيد العسكري، نتيجة للإفراط في التوسع العسكري، قد ساهم في تحويل الولايات المتحدة من قوة عظمى إلى مجرد طرف في صراع غير حاسم.

وحذرت من أن الوضع في البحر الأحمر يمثل سابقة مروعة، حيث قلب الجيش اليمني حرية البحار رأسًا على عقب في منطقة استراتيجية، مما يضع تحديات جديدة أمام أي إدارة أمريكية مستقبلية. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية في عام 2025، سيكون على القادة الأمريكيين مواجهة حقيقة أن بلادهم تخسر الصراع في البحر الأحمر، مع ما يترتب على ذلك من عواقب عالمية وخيمة.

 

مخاطر بملايين الدولارات

على الجبهة الاقتصادية، أوغرت العمليات اليمنية المساندة لغزة تعميق الألم لدى كيان العدو الصهيوني لدرجة إن وسائل الاعلام العبرية أصبحت تسخر من قدرات الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية التي فشلت في إيقاف قرار حظر مرور السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة.

صحيفة “لويدز ليست” البريطانية المتخصصة في شؤون الملاحة البحرية أن السفن المرتبطة بالولايات المتحدة وبريطانيا و”إسرائيل” تواجه مشاكل تأمينية كبيرة نتيجة العمليات اليمنية الداعمة لغزة. وأشارت الصحيفة إلى أن هذه السفن مضطرة لدفع مبالغ تأمين مرتفعة للغاية، حيث ترفض العديد من شركات التأمين تغطيتها بالكامل بسبب تعرضها للضربات.

في تقرير نشرته الجمعة، ذكرت الصحيفة أن السفن التي يُفترض أن لها علاقات بالمملكة المتحدة أو الولايات المتحدة أو “إسرائيل” اضطرت أيضًا لدفع مبالغ أكبر مقابل التغطية التأمينية، وذلك بسبب العمليات اليمنية التي تستهدف هذه السفن. وأوضحت أن الوضع وصل إلى حد قد لا يتوفر فيه التأمين على الإطلاق لهذه السفن، على الأقل ليس بالمعدلات الاقتصادية المجدية للمشغلين.

منذ بدء العمليات البحرية اليمنية في نوفمبر الماضي، ارتفعت أقساط التأمين على مخاطر الحرب بملايين الدولارات. وأشارت الصحيفة إلى أن الضربات الأمريكية والبريطانية على اليمن، المعروفة بعملية “بوسيدون آرتشر”، لم تفعل الكثير لقمع قدرة “الحوثيين” على شن هجمات بالطائرات بدون طيار والصواريخ ضد السفن.

كما كشفت وكالة “رويترز” أن أقساط التأمين على مخاطر الحرب للسفن المعرضة للاستهداف من قبل القوات المسلحة اليمنية تضاعفت بعد عملية اقتحام وإحراق الناقة “سونيون”، حيث قفزت من 0.4% إلى 0.75% من قيمة السفينة. في المقابل، لا تزال أسعار السفن الأخرى التي لا تواجه مخاطر الهجمات منخفضة.

يساهم ارتفاع أسعار التأمين في زيادة تكاليف الشحن إلى الولايات المتحدة وبريطانيا و”إسرائيل”، حيث قفزت أسعار الشحن إلى هذه الوجهات الثلاثة منذ بدء العمليات اليمنية إلى ما يقارب أربعة أضعاف. بالإضافة إلى ذلك، تؤدي التأخيرات الناتجة عن اضطرار السفن المستهدفة لتحويل مسارها والإبحار حول رأس الرجاء الصالح إلى اضطرابات مستمرة في حركة التجارة الأمريكية والبريطانية والصهيونية.

 

تعطيل التحالف الغربي

وقال موقع “موقع “هماكوم”- ha-makom.co.il “ الاخباري الصهيوني إن  الولايات المتحدة الأمريكية لم تتمكن من هزيمة “الحوثيون” بالفعل، وفشلها في البحر الأحمر يكشف حدود الهيمنة الأمريكية في عالم اليوم، والأداء الضعيف للأساطيل الغربية”.

وأضاف: إن “الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى أعلنتا عن تدخل عسكري في البحر الأحمر، وبعد 8 أشهر من بداية القصة، تفاقم الحصار البحري، فقد أغرق “الحوثيون” السفن وألحقوا أضرارًا بها، في هجمات تحدث كل يوم تقريبًا”.

ونقل موقع “هماكوم” الإخباري الإسرائيلي عن خبير بحري في مركز أبحاث الإستراتيجية البحرية قوله: “أثبت “الحوثيون” أنهم جهة قادرة على تعطيل التحالف الغربي وإلحاق الضرر به بشكل كبير، والآن هم الجهة الأكثر ذكاءً وقوة التي تقاتل الغرب في البحر”.

وتساءل الموقع كيف تمكن “الحوثيون”، الذين من الواضح أن قوتهم أصغر بكثير من قوة الغرب، أن يحققوا مثل هذا الإنجاز؟ ضد البحرية الأمريكية والغربية التي فشلت في البحر الأحمر!”.

وتابع: إن “المحاولات الأمريكية لـ “إضعاف قدرات الحوثيون” جاءت بنتائج عكسية، فقد تبين أن “الحوثيين” متحركون ومجهزون تجهيزًا جيدًا”.

 

إغلاق مضيق باب المندب

كما نقل موقع “هماكوم” الإخباري العبري عن خبير بحري من جامعة كينغز كوليدج في لندن قوله: “بما أن الولايات المتحدة وبريطانيا فشلتا في البحر الأحمر، وبعد أشهر لم يغير “الحوثيون” طريقة عملهم، وترسانتهم لا تزال موجودة، ربما حان الوقت لنسأل أنفسنا لماذا لا نزال نفعل ذلك؟”,

واشار الموقع العبري إلى أن العديد من الدول الأوروبية ليس لديها أسطولا كبيرا بما يكفي للقيام حتى بالدور المحدود المتمثل في حماية السفن في البحر الأحمر، وقد أمضت السفينة الألمانية “جولد ستاندرد” عدة أشهر في البحر الأحمر دون نجاح يذكر حتى أبحرت بعيدًا.

وأكد أنه من جانب الخسائر، حتى لو اعترض الأمريكيون جميع صواريخ “الحوثيون”، فإن كل ضربة من اليمن تعتبر انتصارًا، لأن “الحوثيون” لا يحتاجون سوى موارد محدودة، أما الأمريكيون يحتاجون أكثر بكثير جدًا لمواصلة أعمالهم.

وأختتم الموقع بقولة: إن “الحوثيين” أعلنوا فعلياً عن هدف سياسي وهو إغلاق مضيق باب المندب – لممارسة الضغط على الغرب لإنهاء الحرب في غزة.

فشل جميع الأسلحة

وفي هذا السياق ذكرت صحيفة “فيرا رو” الروسية أن استمرار أنصار الله في اليمن في مهاجمة السفن الحربية التابعة للبحرية الأمريكية بالصواريخ والطائرات بدون طيار أثار تساؤلات حول إمكانية استخدام الليزر كحل لهذه التهديدات. على الرغم من أن الدفاعات التقليدية مثل نظام Phalanx CIWS تعترض هذه الهجمات، إلا أن الفجوة في التكلفة تعتبر جوهر المشكلة.

وأشارت الصحيفة إلى أن أنظمة أسلحة الليزر تعد بحل فعال من حيث التكلفة للدفاع المستمر، لكن نشرها يواجه عقبات كبيرة. مشكلات مثل متطلبات الطاقة العالية والمدى المحدود أدت إلى تأخير دمجها في أنظمة الدفاع البحرية. في الوقت الحالي، يمكن لأشعة الليزر الحالية إصابة أهداف صغيرة، لكن الاستخدام العملي للأنظمة الأكثر تقدمًا القادرة على تحييد الصواريخ الباليستية والصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت لا يزال بعيدًا، وفقًا لتقارير وسائل الإعلام الغربية. حتى يتم التغلب على هذه العوائق التكنولوجية، من المرجح أن يظل الليزر جزءًا من “الاستراتيجية المستقبلية” وليس حلاً فوريًا.

 

زيادة الكلفة وطول المسافة

في سياق متصل، أكدت شركة الشحن الدنماركية “ميرسك” أن استمرار الهجمات اليمنية في البحر الأحمر يفاقم أزمة الشحن العالمية. وفي تقرير نشرته الشركة، أوضحت أن تأثير هذه الهجمات على الشحن البحري وسلاسل التوريد يتزايد، حيث تؤدي التحويلات حول رأس الرجاء الصالح إلى زيادة كبيرة في أوقات العبور وتكاليف التشغيل.

وأضافت “ميرسك” أن هذه الاضطرابات أعادت تشكيل الخدمة وأدت إلى ازدحام الموانئ ونقص القدرة والمعدات. وأكدت الشركة أن الجدول الزمني لتخفيف هذه الاضطرابات والعودة إلى الوضع الطبيعي لا يزال غير مؤكد. كما أشار الرئيس التنفيذي فينسنت كليرك إلى أن الشركة لن تعود إلى الإبحار عبر البحر الأحمر وخليج عدن إلا عندما يمكن ضمان سلامة البحارة والسفن والبضائع.

تجدر الإشارة إلى أن شركة “ميرسك” تعتبر من الشركات المستهدفة بعقوبات قوات صنعاء، حيث يتم استهداف أي سفن تابعة لها في منطقة العمليات البحرية بسبب انتهاكها لقرار حظر الوصول إلى الموانئ الإسرائيلية.

 

قد يعجبك ايضا