معركة الضفة وارتداداتها على الكيان
|| خاص || أنس القاضي
بدأ العدو الصهيوني عملية عسكرية واسعة عدوانية على الضفة الغربية، أواخر أغسطس 2024، أطلق الكيان هذه العملية تحت اسم “معسكرات الصيف”، وهي تستهدف بالأساس المقاومة الفلسطينية في جنين، طولكرم وطوباس، ومناطق أخرى في شمال الضفة.
العملية شهدت من العدو استخداماً مكثفاً للقوات البرية، الطائرات بدون طيار، والمروحيات. وردت المقاومة الفلسطينية الفلسطينية بإطلاق عملية مضادة أسموها “رعب المخيمات”.
وصفت وسائل الإعلام “الإسرائيلية” العملية بالأوسع منذ عملية “السور الواقي” في عام 2002م. فيما ودعت الفصائل الفلسطينية الشعب الفلسطيني والأجهزة الأمنية في الضفة للنفير العام والوقوف عند مسؤولياتهم في التصدّي للعدوان الإسرائيلي الواسع شمالي الضفة الغربية.
خصوصية الضفة
للمعارك في الضفة بُعد ثقافي يهودي، إذ يسمونها “يوهذا والسامرة”، على افتراض مزعوم أن الضفة الغربية الحالية، هي ذاتها أرض امارات يهودية قديمة، ويسعى الصهاينة لإعادة بناء هذه الإمارات اليهودية من جديد عبر الاستيطان، يتشابك هذا البُعد والمحرك الديني للعملية العسكرية في الضفة، مع منطق التوسع الاستعماري الاحتلالي في فلسطين التاريخية عموماً. واطلق العدو تصريحات صهيونية وفاشية بخصوص المعركة، منها دعوة وزير الخارجية الصهيوني إلى إخلائها من سُكانها على غرار غزة.
المستجد العسكري والسياسي
يهدف العدو من معركة الضفة إلى القيام بعملية استباقية للقضاء على المقاومة الفلسطينية المتنامية، إذ تعمل المقاومة الفلسطينية على توسيع قاعدة المقاومة في الضفة ونقل الأسلحة والتدريب على صناعة العبوات الناسفة، وهذا الهدف لم يتحقق له حتى الآن، ولا يَظهر أن تحقيقه ممكن، من خلال مجريات معارك الأيام الماضية، التي خسر فيها العدو أكثر من مكاسبه المخطط لها.
يستشعر العدو هذه المتغيرات في الضفة، المماثلة للتطورات في غزة قبل العام 2005م، والتي دفعت شارون إلى الانسحاب وتفكيك المستوطنات بعد الانهاك الأمني اليومي؟
وظَهر هذا التقدير جلياً لدى الصهاينة عندما اعطى وزير الحرب الصهيوني مؤخراً الضوء الأخضر لاستخدام الطيران الحربي في الضفة ما يعني أن المقاومة بالقوة التي تتطلب استهدافاً من الجو، وخسران جيش الاحتلال قدرة التحرك في أراضي الضفة بالكيفية التي كانت عليه سابقاً إبان سيطرته القوية على الوضع الأمني في مدن الضفة.
واقعياً باتت بعض المخيمات الفلسطينية في الضفة مناطق أقرب ما تكون إلى المحررة عسكرياً من الاحتلال، وبات من الصعب عليها التحرك فيها بسهولة، ما يضطره لإجراء عمليات واسعة المداهمة يتعرض فيها لضربات موجعة.
قرار العملية العسكرية في الضفة، جاء بعد أيام من قرار بناء كنيس يهودي في القدس الشريف، وبعد شهر من اصدار الكنيست قانوناً يمنع قيام دولة فلسطينية، وشهر من لقاء فتح وحماس وبقية الفصائل الفلسطينية الرئيسة في بكين، فمن الناحية الموضوعية هناك بيئة ملائمة للانتفاضة، لكن الأمر يتوقف على التنفيذ ومدى استعداد فتح والأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية إلى دعم المقاومة ووقف التنسيق الأمني مع العدو، واثبات صدق بياناتها وتصريحاتها الايجابية الصادرة تعليقا على عملية العدو في الضفة.
ضراوة المعركة:
طوال المعارك في الضفة، عرضت المقاومة الفلسطينية مشاهد من المعارك الضارية التي تدور المجاهدون في معركة “رعب المخيمات” في الضفة الغربية. تتضمن المشاهد:
- الاشتباك من مسافة صفر.
- إطلاق النار بشكل مكثف على القوات المتوغلة في شوارع المخيمات.
- استخدام العبوات الناسفة ضد آليات العدو.
- استخدم الصواريخ المحولة على كتف لاستهداف آليات العدو.
- الخروج من الأزقة للاشتباك مع العدو.
يُستنتج من المشاهد، أن المقاومة في الضفة تمتلك قدر كبير من الذخيرة لتستخدمها بذلك الكم، وكذلك امتلاك القذائف والعبوات الناسفة ومن المرجح صناعتها محليات في الضفة أو القدرة على تهريبها. وكذلك عمق الحاضنة الاجتماعية للمقاومة المنتشرة في الأزقة والشوارع.
مشاهد الاشتباك لا تقل ضراوة وبسالة بالنسبة للمقاومة عن تلك التي تجري في قطاع غزة. وهو ما يعني أن مستقبل المواجهات سيكون في الضفة الغربية حيث الرخوة الضعيفة للعدو، والتماس المباشر ما بين المجتمع الفلسطيني ومجتمع المستوطنين، ما يجعل من استطاعة جيش العدو حمايتهم مكلف جداً وصعباً.
ارتدادات المعركة
قبل أيام قُتل جندي صهيوني في عملية دهس، نفذها فلسطيني في “غفعات أساف” شرق رام الله والبيرة في الضفة الغربية المحتلة. وقبلها نفذ الشهيد ذياب الجازي عملية فردية عند معبر الكرامة الرابط بين الأردن وفلسطين المحتلة. وهذه العمليات الفردية اكثر اقلاقاً للعدو الذي يعجز عن تحديد الخصم.
اتضح للصهاينة أن العملية العسكرية العدوانية الأخيرة في الضفة رغم مكاسبهم منها، المتعلقة بتصفية قيادات ميدانية للمقاومة ارتقوا شهداء، إلا أنها زادت الأمر سوءً فقد حذر وزير الحرب الصهيوني وقادة الأجهزة “الأمنية” من تدهور الأوضاع في الضفة الغربية، ومخاوفهم من “انفجار قريب للأوضاع”.
استمرار خطر دول الطوق
عملية معبر الكرامة في الأردن، وعملية مصر الغامضة التي نُقلت على أساس أنها مطاردة مع مهربي مخدرات، وكذلك عملية الشهيد محمد صالح في مصر قبل طوفان الأقصى تشير إلى أن اتفاقيات التطبيع لم تجعل العدو جزءاً طبيعيا من المنطقة خصوصاً بالنسبة للشعوب، كما أن التهديد من لبنان وسوريا مستمر، وهو ما يعني أن دول الطوق المحيطة بفلسطين المحتلة لازالت تمثل خطراً على الكيان، وهو ما ينسف عقود من العمل الأمني والسياسي والثقافي الصهيوني لخلق بيئة آمنة له.