النتائج التكتيكية والاستراتيجية للهجوم الصاروخي الإيراني على كيان العدو

|| صحافة ||

زلزال كبير جدًا ومن العيار الثقيل خلّفته الضربات الصاروخية الإيرانية على الكيان الصهيوني؛ متسببةّ بانقلاب “جيوسياسي” وعسكري وسياسي إقليمي على صعيد المواجهة المباشرة والمستمرة منذ انطلاق طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي مع الكيان الصهيوني.

في التفاصيل؛ أعلن الحرس الثوري الإيراني في بيان له مساء الثلاثاء أنه نفذ هجومًا بعشرات الصواريخ المتنوعة على أهداف عسكرية في الكيان “الإسرائيلي” ردًا على قيامه باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس “اسماعيل هنية” في طهران، واغتيال الأمين العام لحزب الله السيد “حسن نصرالله” والقائد في الحرس الثوري “عباس نيلوفرشان” في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت. كما أعلن الحرس الثوري أنه حصل على تأييد من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني ودعم من الجيش، وأكد بيان لاحق للحرس الثوري بأنّ 90% من الصواريخ قد أصابت أهدافها العسكرية بدقة.

 

السياق الزمني للهجوم:

ليست المرة الأولى التي تشنّ فيها إيران هجومًا مباشرًا بالصواريخ على الكيان الصهيوني، ففي نيسان/إبريل الماضي نفذت إيران هجومًا بالصواريخ والمسيرات على أهداف عسكرية داخل الكيان “الإسرائيلي” ردًا على قيام “إسرائيل” بقصف القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، غير أن الكيان “الإسرائيلي” المجرم استمرّ وبدعم وتأييد مطلق من الولايات المتحدة بارتكاب الجرائم الوحشية ضد الفلسطينين في غزة والضفة الغربية، رافضًا كل الدعوات المتكررة لوقف إطلاق النار، لينتقل لاحقًا إلى توسيع خارطة جرائمه لتشمل الاعتداءات على لبنان عبر مخطط همجي بالتنسيق والشراكة مع واشنطن بدأه بجريمة تفجير “البيجرات” وأجهزة اللاسلكي وتبعه باغتيال العديد من قادة المقاومة، وصولًا إلى اغتيال الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قبل أيام عبر قصف جوي واسع وبربري للضاحية الجنوبية لبيروت استخدم خلاله ما يزيد عن 80 قنبلة أعماق بزنة 2000 رطل لكل منها، كانت واشنطن قد زودته بها.

 

الموقف ما قبل الهجوم الإيراني :

بعيد جرائم الضاحية الجنوبية خرج نتنياهو مزهوًّا منتشيًا، وأعلن عن مخططه اللاحق بالتنسيق مع واشنطن وراح يطرح شروطه الجديدة مستغلًا نتاىج إجرامه، ومتوعدًا بتغيير خريطة الشرق الأوسط ظنًا منه أن المقاومة اللبنانية قد كسرت، وأن ذلك كفيل باستباحة المنطقة برمتها وإعلان انتصار كيانه.

إذ طالب بإقامة منطقة عازلة في جنوب لبنان، وبتفكيك حزب الله، وهدد بالاجتياح البري الذي بدأت هجماته في الليلة التي سبقت الهجوم الصاروخي الإيراني حيث تعرّضت قواته لانتكاسة سريعة ومقاومة عنيفة منعتها من اجتياز الشريط الحدودي، ووصل به وهم القوة إلى حد إطلاق التهديدات بإستهداف إيران وإسقاط نظامها قبل أن تصله صواريخها المباركة بعد ساعات من إطلاقه تلك التهديدات، وتجبره وحكومته وقادته إلى جانب ثلاثة ملايين “إسراىيلي” بالنزول هربًا وخوفًا إلى الملاجئ .

 

نتائج الهجوم الإيراني:

في ظلّ تلك الأحداث المتسارعة والجرائم الوحشية، وفي ظلّ حساسية هذه المرحلة من الصراع بعد مضي عام على انطلاقها وانسداد الأفق السياسي والتملّق الأميركي والغطرسة “الإسرائيلية”، والصمت الدولي والإقليمي شبه التام على جرائم الكيان “الإسرائيلي” جاء الرد الإيراني انتقاميًا وداعمًا ومساندًا لجبهات المقاومة، وليعيد الصراع إلى معادلاته الجديدة التي كانت فرضتها معركة طوفان الأقصى وجبهات الإسناد.

يمكن لنا استقراء نتائج الهجوم الصاروخي الإيراني سياسيًا وعسكريًا وجيوسياسيًا على الشكل الآتي:

أولًا؛ استعادة معادلات الردع العسكرية؛ بعد أن ظنت “تل أبيب” وواشنطن بأنهما قادرتان على تغييرها بعد جرائمهما بحق المقاومة اللبنانية، واغتيال السيد نصرالله، وخاصة أن حزب الله أثبت سلامة منظومة التحكم والسيطرة، وأن بنيته وهيكله الداخلي وسلاحه في كامل الجاهزية والاستعداد .

ثانيًا؛ تثبيت معادلات الاشتباك من خلال الرد على كل عدوان او جريمة “إسرائيلية” بعمل عسكري مقابل يوازي أو يزيد على حجمها، وهو ما يعني استمرارًا إلزاميًا لاستراتيجية الاستنزاف العسكرية التي يعيشها الكيان “الإسرائيلي” ومنعه من الخروج منها.

ثالثًا؛ حفظ وتثبيت الإنجازات “الجيوسياسية” لطوفان الأقصى، والتي تشمل الجغرافيا الممتدة من شرق المتوسط إلى البحر الأحمر وبحر العرب والخليج، وصولًا إلى المحيط الهندي بما تحتويه من ممرات بحرية وبرية ومصادر للطاقة.

رابعًا؛ التأكيد على استراتيجية وحدة الساحات التي حاول العدو كسرها وفصل الجبهات عن بعضها عبر ضرب المقاومة اللبنانية والاستفراد بها بعد غزة، وهو الذي يخشى تحول هذه الاستراتيجية إلى نهج دائم تفرضه جبهة المقاومة على المدى الطويل، ما يعني أنه لن يكون قادرًا بعد اليوم على التفرد بالاعتداء على إحدى الجبهات وخاصة في فلسطين المحتلة.

خامسًا؛ قطع الطريق على الحرب الشاملة بعد أن اعتقدت واشنطن و”تل ابيب” أنّ الحرب الشاملة باتت ممكنة، وأن بمقدورهما تنفيذ هجوم شامل على كامل الجبهات، حيث حشدت واشنطن المزيد من قواتها وأوصى “البنتاغون” بإرسال آلاف الجنود والمئات من القطع البحرية والمعدات العسكرية للمنطقة استعدادًا لذلك.

سادسًا؛ إفشال المخطط الأميركي “الإسرائيلي” في الإقليم، والذي يهدف لإعادة النفوذ والسيطرة بعد أن تراجعت سمعة واشنطن وهيبتها وبدأت دول الإقليم بالتململ والتفكير بتغيير استراتيجياتها للتشبيك السياسي والاقتصادي والأمني، وخاصة مع قرب انعقاد قمة “بريكس” في روسيا، وما تشكّله من فرصة لدول المنطقة.

سابعًا؛ إضعاف قدرات العدو “الإسرائيلي” العسكرية وشلّ قدرته على استخدام مصادر قوته الجوية والاستخباراتية، خاصة أن الضربات الإيرانية استهدفت المطارات والقواعد العسكرية الجوية الرئيسة وتسببت بأضرار بالغة في بنيتها ومنشآتها وطائراتها، وخروج العديد منها من الخدمة، ومنها “حتساريم” و”نتساريم” و”نيفاتيم”. وهذه الأخيرة تعدّ المقرّ الرئيسي لطائرات F35 إلى جانب طائرات F15  التي استخدمت في تنفيذ جريمة اغتيال السيد نصرالله، كما استهدف الهجوم ثلاثة قواعد عسكرية أخرى في “تل أبيب” ومنها قاعدة “تل نوف” الجوية، ومقرات لـ”الموساد” والوحدة 8200 التي وضعت خطة الاغتيال.

ثامنًا؛ قطع الطريق على واشنطن و”تل أبيب” لتحسين شروطهم السياسية بعد جرائمهم في لبنان وحاولوا فرصها على جبهة المقاومة أساسًا لوقف العدوان.

تاسعًا؛ دعم وإسناد غزة ومقاومتها عسكريًا عبر استهداف الصواريخ الإيرانية لتجمعات الجنود والدبابات والآليات الإسراىيلية في قطاع غزة، وهو ما يعني أن إيران ملتزمة بشكل قاطع بما أعلنته منذ بداية الطوفان بأنها لن تسمح بهزيمة المقاومة الفلسطينية في غزة .

في الختام؛ لا بد لنا من الإشارة إلى أن الهجوم الصاروخي الإيراني جاء ليقول بأنّ مكونات جبهة المقاومة تحوّلت لجبهة متراصة لها وزنها الإقليمي، ولها وزنها وموقعها في العالم الجديد، وأن زمن العربدة “الإسراىيلية” والهيمنة الأمريكية في المنطقة قد ولّى إلى غير رجعة، وأن القادمات من الأيام لن تحمل لواشنطن و”تل أبيب” سوى مزيد من الخسران، وللمنطقة وشعوبها المزيد من العزة و التحرر، وأنه مهما بلغ مستوى الصراع؛ لن تتراجع جبهة المقاومة قيد أنملة إلى الوراء.

 

العهد الاخباري: حيان نيوف

 

قد يعجبك ايضا