سيناريوهات العاصفة الوشيكة في مأساة الاقتصاد الإسرائيلي

 

 

 

أنصار الله. تقرير|| يحيى الربيعي

مع بزوغ شمس كل صباح أعقب السابع من أكتوبر العام الماضي، تزايد في شوارع “تل أبيب” ارتفاع أصوات القلق والحيرة. كيان العدو الإسرائيلي يواجه كابوسًا مذهلاً يسعى فيه إلى النجاة من بين كومة الأنقاض المالية. حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة، التي قررت “حكومة” العدو خوضها، بدأت تؤتي ثمارها المرة. الأنباء تتوالى من الصحف العبرية ، بينها صحيفة “هآرتس” التي أوضحت أن الاقتصاد الإسرائيلي انكمش بنسبة 1.5% منذ بداية الحرب، ليغرق في مستنقع ركود غير مسبوق.

كلما أمعنت النظار في العمارات الشاهقة التي كانت يومًا رموزًا للقوة والنمو، تذكر كيف أن الفنادق الفاخرة والأسواق المزدهرة قد تحولت إلى مجرد ذكريات حقيقية لعصر ذهبي. فقد دخلت المليارات في مضمار الحرب، لكن النتيجة كانت تكبد الخسائر فقط، حيث تراجعت الصادرات والاستثمارات بشكل جعل الناتج المحلي الإجمالي في الكيان يتقلص إلى مستويات ينذر خطرها المستقبل.

بينما كانت الوكالات الكبرى، مثل “موديز” و”ستاندرد آند بورز” و”فيتش”، تقرع ناقوس الخطر، تشير إلى تزايد العجز المالي كجمر تحت الرماد. قلبت هذه الوكالات الأسطوانة، لتخفيض التصنيف الائتماني للاحتلال، مما زاد من تعقيد الوضع ودفعه نحو هاوية مظلمة.

“قد يسجل الاقتصاد الإسرائيلي نموًا صفريًا في عام 2024″، هكذا حذرت وكالة “ستاندرد آند بورز”، مضيفة بأن النسبة المتوقعة لنمو عام 2025 كانت أقل بكثير من الآمال المركونة في سراديب السياسة الاقتصادية.

وفي مشهد مأساوي آخر، حاولت “حكومة” الاحتلال تفسير الانفاق العسكري المجنون الذي كلف البلاد ميزانيات ضخمة، في وقت تواجه فيه أزمة طاحنة. مئات الملايين من “الشواكل” أُنفقت على تأمين إمدادات الطاقة في حالات الطوارئ، لكن معاناة شركة الكهرباء المحلية بسبب التكاليف الضخمة المتزايدة كانت تعكس واقعًا مريرًا لا مهرب منه، حيث تحمل الاقتصاد الإسرائيلي الأعباء الثقيلة لسنوات قادمة.

علاوة على ذلك، ومع بدء عملية “طوفان الأقصى” والتي رسمت ملامح الخراب على المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، كانت الأعين تتجه نحو تكاليف إعادة البناء. على الرغم من أن بعض تلك التكاليف قد تتلقى دعمًا دوليًا، إلا أن الثقل الأكبر سيبقى متروكًا على كاهل الاقتصاد المتضرر، والذي تقيد بسبب تخفيض التصنيف الائتماني وأصبح يخشى الاقتراض بأسعار فائدة مناسبة.

 

الحرب والشركات الناشئة في “إسرائيل”

أفادت شبكة “سي إن إن” بأن الوضع الاقتصادي في “إسرائيل” يواجه تهديدات حقيقية تتعارض مع الصورة الوردية التي يحاول المستوى السياسي رسمها. تتزايد التحديات الاقتصادية التي تواجه كيان الاحتلال بشكل ملحوظ، خصوصًا مع مرور عام على الحرب، وقد بدأت هذه التحديات تُظهر آثارها السلبية بشكل ملموس في الفترة الأخيرة.

وفقًا للتقرير، كان من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 3.4% في بداية العام وفق تقديرات صندوق النقد الدولي، ولكن التوقعات الحالية تشير إلى تراجع النمو ليصل ما بين 1% و1.9%. ومن المتوقع أيضًا أن تكون هذه الأرقام أضعف من التوقعات السابقة في العام المقبل.

وعلى الرغم من تصريحات “وزير مالية” الاحتلال في أواخر سبتمبر، التي أكد فيها قدرة الاقتصاد الإسرائيلي على الصمود في وجه الضغوط، فقد أظهر تقرير “البنك الإسرائيلي” أن النفقات الحكومية ستصل إلى 250 مليار “شيكل” (حوالي 66 مليار دولار أميركي) بحلول نهاية العام المقبل. هذا الرقم يعادل تقريبًا 12% من الناتج المحلي الإجمالي، ويتضمن نفقات عسكرية ومدنية، بما في ذلك الإسكان للمستوطنين الذين اضطروا لإخلاء مناطقهم.

كما أضافت “سي إن إن” أن “البنك المركزي” في الكيان يمتنع عن خفض أسعار الفائدة بهدف دعم الاقتصاد، خشية أن يؤدي ذلك إلى زيادة التضخم نتيجة ارتفاع الأجور وزيادة الإنفاق الحكومي.

وفي ضوء هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، توقعت الشبكة أن يُغلق حوالي 60 ألف شركة ناشئة في “إسرائيل” خلال عام 2024، في ظل تراجع عدد الموظفين والضغوط الاقتصادية المتزايدة، مما يعكس حجم الأزمة التي يواجهها القطاع الخاص نتيجة الحرب القائمة.

 

التصعيد مع حزب الله وإيران

وتحدثت صحيفة “هآرتس” العبرية عن الأعباء الاقتصادية الثقيلة التي تواجهها “إسرائيل” في ظل التصعيد العسكري المستمر مع حزب الله وإيران. وأشارت الصحيفة إلى أن الميزانية ستتعرض للاختراق للمرة الثالثة هذا العام، بينما يبدو أن “الحكومة” لم تُعد العدة لتوسيع نطاق المواجهة.

وحسب التقديرات، فإن التصعيد الأخير مع حزب الله وإيران قد أسفر عن تكاليف تتراوح بين 10 إلى 20 مليار “شيكل” (أي ما يعادل أكثر من 2.6 مليار و620 مليون دولار إلى 5 مليار و241 مليون دولار). ومن اللافت أن هذه التكاليف تأتي قبل احتساب أي ضرر محتمل على عائدات الضرائب، وقبل وجود علامات استفهام بشأن 18 مليار “شيكل” (أكثر من 4.7 مليار دولار) من المساعدات الأمريكية التي لم تتأكد وصولها بعد.

في سياق متصل، أعلنت شركة “ستاندارد آند بورز”، التي تُعدّ من أكبر شركات التصنيف الائتماني في العالم، في 2 أكتوبر الحالي، عن تخفيض فوري للتصنيف الائتماني لكيان الاحتلال مع إضافة توقعات سلبية، وذلك بعد أيام من تخفيض وكالة “موديز” لتصنيفاتها أيضًا.

ويُظهر تقرير بنك “إسرائيل” الصادر في مايو أن التكاليف الناتجة عن الحرب قد تبلغ 250 مليار “شيكل” (حوالي 66 مليار دولار) حتى نهاية العام المقبل. ويتضمن هذا التقدير النفقات العسكرية والنفقات الحكومية، بما في ذلك الإسكان لآلاف المستوطنين الذين اضطروا للفرار من الشمال والجنوب المحتل. ويمثل هذا المبلغ تقريبًا 12% من الناتج المحلي الإجمالي لـ “إسرائيل”.

ومن المتوقع أن تزداد هذه التكاليف مع استمرار الحرب وتوسعها، مما سيزيد من الأعباء المالية على “حكومة” الكيان، ويؤخر عودة المستوطنين إلى مناطقهم في الشمال.

 

تداعيات توسيع المواجهة والوعد الصادق

تسلط صحيفة “نيويورك تايمز” الضوء على المخاطر المتزايدة لتوسيع دائرة المواجهة في “الشرق الأوسط” وتأثيرها العميق على الاقتصاد العالمي، مركزّةً بشكل خاص على الارتفاع المستمر في أسعار النفط الذي يعتبر المصدر الأكبر للقلق الاقتصادي.

في أعقاب بدء المواجهات في قطاع غزة قبل عام، أطلق استراتيجيو الاستثمار تحذيرات مبكرة حول احتمالية اندلاع صراع أوسع يشمل المنطقة، مما قد يقلص إمدادات النفط العالمية ويسبب صدمات اقتصادية في مختلف أنحاء العالم. ورغم ذلك، شهدت الأسواق تجاهلاً نسبياً لهذا الخطر، حيث بقيت أسعار النفط منخفضة، مما أعطى انطباعًا بالاستقرار في ظل وفرة الكميات المعروضة.

ومع بروز الأحداث الأخيرة، بدءً من عملية “الوعد الصادق 2” التي نفذتها إيران في أكتوبر، بدأت الأسواق تتفاعل مع المخاطر المحتملة، حيث ارتفعت أسعار النفط بشكل ملحوظ. تينا فوردهام، المحللة السياسية السابقة في “Citi“، تشير إلى أن المستثمرين بدأوا في رسم سيناريوهات جديدة تتعلق بالشرق الأوسط بعد فترة من الاستهانة بالأحداث الجارية.

على الرغم من أن الظروف الحالية لا تعكس ظهور “عاصفة” الاقتصادية الوشيكة، فإن التهديدات تتصاعد في الوقت الذي لا تزال فيه الأنظمة المالية تتجنب مستنقع الركود. فإذا ما تضاربت المصالح في المنطقة، فإن العواقب قد تكون وخيمة، خاصةً إذا تعرضت إمدادات النفط للعرقلة.

 وبحسب “نيويورك تايمز”، فإن أي اضطراب في إنتاج النفط، الذي يُعتبر مكوناً حيوياً لأسعار السلع الأساسية، قد يؤدي إلى تفاقم المشاكل التضخمية على مستوى العالم.

في هذا التقرير، سنستعرض التحولات الحاصلة في الاقتصاد العالمي نتيجة هذه الأحداث، ونحلل كيف يمكن أن تؤثر على الاحتياطات النفطية وأسعار الفائدة في ظل وضع اقتصادي متقلب.

 

بايدن ومحاولة ثني “إسرائيل

وفي سياق ما تسعى إليه “إسرائيل”، في ضوء التطورات الحالية على الساحة النفطية والجيوبوليتيكية، يمكن استنتاج أن أسعار النفط شهدت أكبر ارتفاع أسبوعي منذ مارس 2023، وذلك وسط مخاوف متزايدة من تعطل الإمدادات نتيجة للتوترات المتصاعدة في “الشرق الأوسط”. ففي الوقت الذي انخفضت فيه أسعار النفط بعد تصريحات الرئيس بايدن بشأن محاولة ثني “إسرائيل” عن استهداف حقول النفط الإيرانية، عادت الأسعار لتسجل ارتفاعات ملحوظة، حيث ارتفع خام غرب تكساس الوسيط فوق 74 دولارًا للبرميل.

تمثل هذه التطورات اختبارًا حقيقيًا للرهانات السائدة حول اتجاه أسعار النفط. إن الهجوم الصاروخي الإيراني على الكيان الإسرائيلي  يثير مخاوف جدية من تعطيل الإمدادات النفطية، مما يزيد من القلق حول استقرار السوق النفطية. كما أن السوق لم تُقدر بشكل كامل المخاطر المحتملة التي قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، إذا ما تم استهداف منشآت النفط في إيران أو إذا أغلقت طهران مضيق هرمز.

علاوة على ذلك، يشير تخصيص وزارة الدفاع الأمريكية نحو 1.2 مليار دولار لمراجعة العمليات العسكرية في “الشرق الأوسط” إلى أن الوضع الأمني في المنطقة يمثل أولوية قصوى. تساهم هذه الخطوة في تعزيز الوجود العسكري الأمريكي لمواجهة أي تهديدات استراتيجية، مما يزيد من الضغوط على أسعار النفط.

 

سيناريوهات التوترات المتزايدة

بناءً على ما سبق، فإن الخاتمة التي يمكن الوصول إليها تشير إلى ضرورة مراقبة مستجدات السوق وأسعار النفط باعتبارها مؤشرات حيوية تؤثر على الاقتصادات العالمية. مع التوصية بتحليل المخاطر المحتملة بعمق، وعدم الاكتفاء بتوقعات انخفاض الأسعار. من الحيوي تكثيف الجهود الدبلوماسية لتخفيف حدة التوترات في المنطقة وضمان استقرار الإمدادات النفطية. علاوة على ذلك، ينبغي تعزيز التعاون بين الدول المصدرة للنفط لتحقيق توازن مستدام في السوق وضمان عدم تأثر الاقتصاد العالمي بتقلبات غير متوقعة.

ختامًا، فإن الاستعداد لمواجهة أي سيناريوهات طارئة والابتكار في استراتيجيات التخزين والإمداد سيكونان عنصرين أساسيين لضمان استقرار السوق النفطية في مواجهة التوترات المتزايدة في “الشرق الأوسط”.

قد يعجبك ايضا