الكيان يبدأ بخطة “الشرق الأوسط الجديد” والأنظمة العربية في الانتظار
موقع أنصار الله . تقرير | وديع العبسي
يكشف كل هذا الاستهداف المستمر والممنهج للأمة العربية والإسلامية حجم الاستلاب الذي تعيشه الأنظمة، فمع ما يتضح من خطوات السحق والامتهان تبقى هذه الأنظمة تراهن على “إنسانية” الغرب وشعارات أمريكا وصداقة الكيان.
مع بدء معركة طوفان الأقصى وما قبل ذلك حذّر السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي من مثل المشهد الذي تعيشه سوريا اليوم ومما هو أسوأ منه، وتحذير السيد القائد لا يتستر على ظلم، ولا يُزين انتهاكاً، وإنما يستشرف المستقبل من معطيات اليوم بالاستناد إلى ثقافة القرآن، ويعني رؤية الأمور على نصابها الواقعي، فأمريكا -التي تقتل وتدعم الإبادة والإرهاب وكل ما هو متعلق بامتهان ما هو عربي وما هو مسلم- لا يمكن أن تكون صاحبة شهادة حق كي نُسلِّمَ بتوجهاتها لصُنع الاستقرار.
سوريا اليوم واحدة من ضحايا المخطط الذي يسير في اتجاه رسم الخارطة الجديدة لما يسمى “الشرق الأوسط”، وقد بدأ الكيان الصهيوني بالتهام حصته من كعكة سوريا بنهم كبير. في المقابل -وهو غاية القول- لا تزال الأنظمة تشاهد وهي في حالة استلاب غير قادرة على إدراك دلالة ما يجري ومغزاه، أو هي تعلم لكنها تدسُّ رأسها في التراب، إما لضعفها وعجزها وخوفها، أو لتصالحها مع كل ما يجري، مكتفية بصداقة -تتصورها نافعة لها- مع أعداء الأمة وفي مقدمتهم امريكا و”إسرائيل”.
ما قبل سوريا وما بعدها، ستبقى التحذيرات تتواصل بأنه -في الوقت الذي عاد فيه للأمة الأمل بأن تكون في المستقبل أكثر قوة وحضوراً في المشهد الدولي- أحاطت بها المؤامرات وأعادتها إلى مربع الاهتمام الكلي بالمأكل والمشرب، تاركة صناعة المستقبل للغرب وثقافته، وحساب ذلك لن يظهر فقط في الدنيا وإنما أيضاً في الآخرة.
بلد بـ(37) فصيلاً
ما حدث في سوريا وما يمكن أن يحدث في دول عربية من مشاهد مماثلة لا يمكن أن يُعَدَّ انتصاراً لشعب، وإنما انتصار لأهداف أمريكية، وهي التي تتعمد -لتحقيق مقاصدها- إغراق المنطقة في لهيب مستمر لا ينطفئ، فصُنع الفوضى يعني إمكانية أكبر لفرض السيطرة والهيمنة. مع ذلك فإنه يمكن للسوريين جميعاً السير لبناء واقع جديد يحقق للشعب حياة أفضل ومستقبلاً واعداً.
على أن ما جرى لا ينبغي أن يصرف الأنظار عن الربط -على الأقل- بين مضامين ردود الفعل والواقع المتحول في سوريا، فبالنظر إلى التصريحات أولاً، يتبين الوقوف الغربي والأمريكي الواضح خلف ما يجري، فالواقع يعطي إشاراتٍ جليةً بأن ما هو قائم وما يمكن أن تؤول إليه الأحداث هو مبني على ذلك، وينسجم كثيراً مع طموحات أمريكا لسوريا، فهناك اليوم (37) فصيلاً وتياراً يتنازعون الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي، وينذر تباينهم بكارثة إن هم انفجروا عصبيةً وتطرفا، وتنادي أمريكا وتشدد على حق كل فصيل في أن يكون له دور في بناء مستقبل البلد، وهذا ظاهر التشديد بينما باطنه أن ما يقود إلى ثقة أمريكية بأن الاتفاق حتما سيكون مستحيلا فكل فصيل له رؤيته، ما يعني استمرار حالة التجاذب وعدم الاستقرار لفترة طويلة وهي المسألة المطلوبة والكفيلة بإضعاف الدولة.
من جهة ثانية، دعم وجود فصائل وتيارات مختلفة في البلاد، يعني دخول أطراف خارجية كثيرة في شئون البلد، فكل فصيل أو حتى مجموعة سيكون لها اتصالها بالجهات الخارجية الداعمة لها، وهكذا سيصب استمرار إضعاف الدولة في صحن تمكين العدو من تحقيق حلم التوسع سواء جغرافيا أو بالسيطرة على القرار.
تحرُّك الأطماع الصهيونية
عقب سقوط نظام الأسد بساعات تحركت أطماع الكيان الصهيوني بابتلاع المنطقة العازلة للجولان وما جاورها، ثم السيطرة على بعض القرى، ومن بعده الوصول إلى ريف دمشق، وذكرت وكالة “رويترز” الثلاثاء عن 3 مصادر أمنية أن التوغل العسكري الإسرائيلي في سوريا وصل إلى نحو 25 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من دمشق، كما وصلت قوات العدو الإسرائيلي إلى (قطنا) التي تقع على مسافة 10 كيلومترات داخل الأراضي السورية إلى الشرق من المنطقة العازلة.
فيما قال الإعلام العبري إنّ “الجيش وصل إلى قرب بلدة قطنا في ريف دمشق على مسافة 10 كلم (نحو 6 أميال) من أحياء دمشق و15 كلم (نحو 9 أميال) من مركز المدينة”. مضيفةً أنّ “الجيش موجود في المناطق الداخلية لسوريا”.
تزامن مع ذلك، شن غارات على المواقع والقواعد والمنشآت العسكرية والاستخباراتية الجوية والبرية السورية ومستودعات الصواريخ والذخائر، فضلا عن المطارات ومراكز بحثية وحتى بعض السجون، ووصلت عدد الغارات خلال يومين من خروج الأسد إلى (300) غارة، وقد شمل الاستهداف العاصمة دمشق ومناطق في الرقة وحلب وجرمايا، ومحيط مدينة السلمية في الريف الشرقي لمدينة حماة وسط سوريا، ومطار وريف محافظة حمص، وريف محافظة الرقة.
وحُجّة الكيان المفضوحة أن ذلك يأتي -من جهة- تأمينا لما يَعُدّه حدودا لكيانه، ومن جهة ثانية “مخافة أن تقع الأسلحة بيد متشددين قد يستخدمونها ضده” حسب زعمه. ونقل المرصد السوري لحقوق الإنسان أنّ “الجيش” الإسرائيلي “دمّر أهمّ المواقع العسكرية في سوريا”، وأضاف المرصد أنّه “وثّق نحو 310 غارات إسرائيلية على الأراضي السورية منذ سقوط نظام بشار الأسد الأحد”. فيما نقلت وكالة “فرانس برس” أن مركز البحوث العلمية في دمشق (التابع لوزارة الدفاع السورية، والذي استهدفته غارات إسرائيلية مساء الاثنين) دُمِّر بشكل كامل.
يؤكد نائب مدير دائرة التوجيه المعنوي في صنعاء العميد عبد الله بن عامر أن “ما دمرته “اسرائيل” في سوريا الآن يصعب تعويضه أو الحصول على مثله مستقبلاً فستكون هناك قيود مفروضة حتى للحصول على أبسط الأسلحة “.
وقال بن عامر “كل ذلك حتى تصبح سوريا دولة وفق الشروط الاسرائيلية بلا سلاح ثقيل وبلا طيران أو دفاعات أو صواريخ. فقط سلاح خفيف ومتوسط. فهل يعي الجميع خطورة ما يحدث الآن؟! “.
في كل الأحوال يمثل العدوان الصهيوني على سوريا تعديا وانتهاكا سافرا ينتهك سيادة الدولة ويتعارض مع الاتفاقات، حتى وإن تحت عنوان (خطوات احترازية)، وتبرز في هذا السياق اتفاقية (74) مع سوريا التي ضرب بها الصهاينة عرض الحائط، فكيف ونتنياهو يؤكد أن احتلال المناطق الجديدة سيكون دائما وليس مؤقتا.
وكشف ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمم المتحدة -في بيان- أن القوة الأممية المكلفة بمراقبة فض الاشتباك (يوندوف) قد أبلغت نظراءها الصهاينة بأن هذه الأفعال تشكل انتهاكا لاتفاق 1974 حول فض الاشتباك؛ مُشيراً إلى أن القوات الصهيونية التي دخلت المنطقة العازلة ما زالت تنتشر في ثلاثة أماكن.
وطالب دوجاريك كلاً من الكيان الصهيوني وسوريا بعدم وجود أي قوات أو أنشطة عسكرية في منطقة الفصل؛ مشدداً على الاستمرار في تنفيذ بنود اتفاق 1974 والحفاظ على استقرار الجولان.
لفرض واقع جديد
مخططات العدو هي الأساس الذي ينبغي على العرب والمسلمين أن يبنوا عليه مواقفهم تجاه ما يجري عموماً، وتجاه التعدي الإسرائيلي على سوريا بشكل خاص، فالواضح أن أمريكا تسير بربيبتها قدما في اتجاه ما يريدون، ومن ذلك التمكين في اليمن، وفرض الارادة على شعوب المنطقة.
اعتبر المكتب السياسي لأنصار الله ان العدوان الصهيوني الإجرامي على سوريا يشكل انتهاكا صارخا لسيادة سوريا وتعديا سافرا على أراضيها ومنشآتها الحيوية يهدف إلى فرض واقع جديد في سوريا مستغلا الظروف التي تمر بها البلاد.
وأكد المكتب السياسي لأنصار الله أن التصعيد الإسرائيلي في سوريا قد لا يتوقف عند حدود معينة بل يتجاوزها إلى بقية دول المنطقة في ظل استمرار الدعم الأمريكي والغربي لمخططات الكيان الصهيوني الاجرامية الهادفة إلى فرض الهيمنة الإسرائيلية والأمريكية على المنطقة.
وأكد الوقوف إلى جانب سوريا في مواجهة العدوان الإسرائيلي . محذرا من تجاهل الأنظمة العربية والإسلامية لهذا التصعيد الخطير.
زحف عاصفة المؤامرة
ذروة الخذلان العربي لأراضيه بالسماح للكيان الصهيوني بانتهاكها المتجسد اليوم في سوريا، يكشف وسيكشف عنها مصير سوريا العربية، والحديث هنا عن دولة بأرضها وشعبها، لا عن نظام كانت له طريقته في الحكم والزمن والتاريخ كفيلان بمحاسبته، ومسألة تغييره أو إسقاطه -أيا كانت المسميات- ليست بالغريبة أو الاعجازية، فالتغيير سنة الكون ولا دائم إلا الله، إلا أن خذلان الشعب السوري وعدم الوقوف معه ولو بشجب الانتهاك الصهيوني ورفضه، أمر يفوق حد الوصف، إذ تتجلى كسلبية تثير سخرية كل الغرب واحتقاره، إذ كيف لا يكون لهذه الأمة موقف تجاه ما يحدث من استباحة جديدة والتهام للأراضي العربية في سوريا فضلا عن ضرب قدراتها العسكرية الدفاعية.
أما هذه المكونات التي أنشأتها دول الأطماع والتي تُطل برأسها في البلد العربي الشقيق على أسس تمزيقية و عرقية ومذهبية، فإنها كفيلة بأن توسّع من دائرة التأثير فتصل إلى كل المجتمعات وتعمل على حلحلة بُنية كل مجتمع ووحدته ونسيجه الاجتماعي، ما يجعل سقوط أي نظام بالأمر السهل، وكلما سقطت دولة ستنتقل عاصفة المؤامرة إلى دولة أخرى.
الخضوع لإرادة الشعوب أمر لا جدال فيه، والتعامل مع هذه الارادة بلا مبالاة لا يمكن بأي حال أن يبني دولة قوية ثابتة وراسخة بنظامها ولحمة مجتمعها وبالتالي بقدرتها على مواجهة التحديات ورد العدوان والاعتماد على الذات الإمكانات المتاحة، وهذه الأهداف -على سموّها- لا تشرعن تدخل الأطراف الخارجية في رسم ملامح الدولة الجديدة، لأن كل ما سيُبنى بالاعتماد على الأعداء لا يمكن أن يكون في صالح الأمة، ومصيرُها دائما إلى الزوال، وقد أثبتت التجارب في هذا الجانب بأن الاعتماد على كائنات كأمريكا و”إسرائيل” لا يجلب إلا العجز والفشل والوهن والعيش على ما تجود به هذه الكائنات من وسائل الحياة، ومتى ما أرادت قَطَعتها وتركت الشعوب تستجدي المساعدات من أجل البقاء.
التحول بلا تدخل خارجي
محك المتصدّرين اليوم للمشهد في سوريا أو على ذمة التدخل في سوريا كأمريكا وفرنسا وروسيا وحتى الكيان، هو الخطوة التالية عقب تشكيل حكومة انتقالية، إذ إن الشعب بحاجة لأن يعيش التحول على صعيد ممارسته لحقوقه الديمقراطية كما يريدها هو، لا كما تأتيه من قوائم لأسماء عربية ولاؤها غربي وثقافتها غربية. ومن ثم تكوين مجلس نيابي وانتخاب رئيس للبلاد، وتمييع هذه المطالب في دهاليز اعادة ترتيب الأوضاع سيُطيل من عمر الأزمة وقد يخلق أزمات للشعب الشقيق.
يتخوف عدد كبير من المراقبين من أن تستغل بعض القوى الأوضاع الجارية لإطالة أمد اللا استقرار في البلاد خصوصا من التنوع للفئات والتوجهات الفكرية التي ظهرت خلال السنوات الماضية، ما سيجعل الاتفاق أمرا معقدا قد يعكس نفسه على تسيير حياة الشعب ومراعاة مصالحه، فـ”هيئة تحرير الشام” لا يمكن أن تبقى المهيمنة، وباقي القوى لن تبقى بدون مشاركة حقيقية في اتخاذ القرار وصنع مستقبل البلد، والشعب السوري لن يبقى طويلا في مدرج المشاهدة والمتابعة، فصنع التحول الان يجب أن يكون وفق المصلحة العليا للوطن بغض النظر عن الانتماءات والولاءات، وبعيدا عن الإملاءات والتدخلات الخارجية، ما لم فإن الحال سيبقى على ما هو عليه وقد يسوء.
بين الغرب والثعابين الملساء
تتجاذب الأنظمة العربية اتجاهات كلها ليست عربية، ويذهب الأغلب في اتجاه الغرب فيما يتجه القلة -وهُم من المخدوعين أيضا- في اتجاه الشرق حيث الثعابين الملساء، كروسيا والصين، مَن نسمع منهما الكثير من الكلام المعسول ولا نرى فعلا، وربما لا تثريب عليهم فليسوا مجبرين على شيء لم يتحرك فيه أصحابه العرب والمسلمون، وبالتالي فإنه ليس هناك أي شكل من أشكال الولاء للخارج يمكن أن يجلب النعيم للشعوب العربية..
العلاقات بين الدول تقوم على المصالح لجهة التكامل وتبادل المنافع، وليس التبعية، وأنظمتنا يبدو أنها اعتادت التبعية، حتى صارت لا تدرك ما الذي يمكن أن تكون عليه لتحقق فاعلية التكامل مع بقية الدول العالمية على قاعدة الندِّية والاحترام المتبادل، ولو أن بلدا عربيا له ولاء لأمريكا تعرضت قطعة من أراضيه للاحتلال من بلد عربي آخر، لشمّرت الدول العربية سواعدها لإثبات وجودها وقدرتها على “إحقاق الحق وإرجاعه لأهله”، لكن لو جاء الاحتلال من عصابة صهيونية أمريكية أو إسرائيلية، فإن الأمر سيخضع للبحث والدراسة والتشاور وعقد الاجتماعات وصولا إلى تمييع القضية واستمرار الاحتلال. والشاهد هو القضية الفلسطينية التي تقول إن العرب والمسلمين منذ (75) عاما لم يتمكنوا من استعادة شبر واحد من الأراضي التي احتلها الكيان الصهيوني، وعلى العكس من ذلك زاد هذا الكيان من الاحتلال للأراضي العربية ويجدد اليوم نهش هذه الأراضي في سوريا، وغدا ربما يقوم بتسويرها بالإعلان عن بناء مستوطنات جديدة. والأنظمة فقط ستنتظر دورها في الخزي والعار.