أمريكا تموّه الخسائر… وتستلهم الدروس: غموض استراتيجي في اليمن

||صحافة||

على وقع الإعلان عن وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وعشية تسلّم الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، السلطة، لا تزال الخيارات الاستراتيجية الأميركية لكيفية مواجهة التحدّي الذي تشكّله القوات اليمنية في البحر الأحمر، غير واضحة، إذ إن كل الإجراءات العقابية ضد صنعاء لم تؤدّ إلى وقف جبهة الإسناد اليمنية لغزة. وتُعتبر الضغوط التي مارسها ترامب على رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، للقبول بصفقة وقف إطلاق النار في غزة، اختباراً أولَ لتعهدات الأول أثناء الحملة الانتخابية، بإنهاء الصراعات في الشرق الأوسط، لكن المشكلة التي من المرجّح أن تواجهها الإدارة الأميركية المقبلة هي ربط الجانب اليمني رفع الحصار الجزئي عن الكيان الإسرائيلي برفع الحصار عن القطاع.

وإلى حين تبلور الموقف الأميركي، فإن العمليات العسكرية في البحر الأحمر تسلّط الضوء على التحديات الأمنية الكبيرة التي تواجه الولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة. وعلى رغم تكرار الجهود التي تبذلها الآلة العسكرية الأميركية، والمخاطر التي تتجاوز ما يحدق بحياة الجنود والضباط والمعدات، لتطاول الهيبة وقوة الردع، تتعمّد الإدارة الأميركية إخفاء آثار مأزقها في مواجهة اليمن. وبناءً عليه، لا يعبّر كل ما تعلنه المؤسسات الحكومية الأميركية حول النيران اليمنية التي تلاحق القوة الصلبة الموكلة حماية السفن أثناء العبور، وفي مسرح العمليات، عن الواقع الحقيقي على الأرض.

ودائماً ما يضطر الناطقون باسم “البنتاغون” إلى نفي البيانات اليمنية حول تعرّض حاملات الطائرات والمدمّرات للهجمات، على رغم أن ترامب نفسه أكد أثناء الحملة الانتخابية أن “ما أعرفه عن استهداف قواتنا، أكثر مما هو معلن”. وعادة ما تتحدّث وسائل إعلام أميركية وغربية عن خطورة مهمة القوات الأميركية، وكذلك البعثة الأوروبية، والاستنفار الدائم للطواقم العاملة على حاملات الطائرات والمدمّرات، حيث يُشاهَد بوضوح احتراق فتحات منصّات الصواريخ بسبب العمليات المتكررة لها في مواجهة الصواريخ والمُسيّرات اليمنية. وعلى رغم محاولة مسؤولي البنتاغون نفي تعرّض قواتهم لهجمات في البحر الأحمر، إلا أن الضرورات العملياتية والكلفة المرتفعة والاحتياجات التدريبية والاستفادة من الدروس والعبر، وأحياناً مقتضيات الانقسام الداخلي، كلها عوامل تضطر مسؤولي البحرية إلى الاعتراف بالخسائر وتعقيدات مسرح العمليات والأضرار الناتجة من الضربات، أو على الأقل التصريح بأنه من غير المجاز الإدلاء بتفاصيل حول الحوادث القاتلة، كما فعل، الثلاثاء الماضي، قائد القوات البحرية الجوية، نائب الأميرال دانييل تشيفر، الذي قال للصحافيين إنه لا يستطيع الإدلاء بتفاصيل حول الحادث الذي وقع في كانون الأول الماضي، عندما أسقطت الغواصة “غيتيسبيرغ” طائرة مقاتلة من طراز “إف إيه-18”. ومع ذلك، لا تزال التحقيقات جارية في ما حدث، والتفاصيل العامة قليلة.

 

قائد في البحرية يعترف بـ3 هجمات يمنية على مجموعة “ترومان” منذ مطلع العام

وتكرّر النفي الأميركي لتعرّض القطع البحرية لهجمات في الأيام الماضية؛ وفي كل مرة يخرج فيها الناطق باسم الجيش اليمني للإعلان عن استهداف قواته للأصول الأميركية، يتبعه فوراً الناطقون الأميركيون بالنفي واتهام اليمن بالتضليل والكذب. ومنذ أيام قليلة، نفت نائبة السكرتير الصحافي لوزارة الدفاع الأميركية، سابرينا سينغ، تعرّض حاملة الطائرات “هاري ترومان” لهجوم من قبل حركة “أنصار الله” في البحر الأحمر. وأشارت إلى أنها “مصدومة حقاً من المعلومات المضلّلة حول ضرب سفننا”. إلا أن تشيفر اعترف بأن “أنصار الله” هاجموا مجموعة “هاري ترومان” ثلاث مرات حتى الآن في عام 2025، في حين أشارت مواقع أميركية متخصصة إلى تلك السقطة التي وقعت فيها سينغ، وكذلك إلى نفي “القيادة المركزية الأميركية” للضربات اليمنية.

وفي الإطار نفسه، اعترف قائد القوات البحرية السطحية، نائب الأميرال بريندان ماكلين، خلال المؤتمر السنوي لجمعية البحرية السطحية، بالتعقيدات التي تواجهها قواته في البحر الأحمر وباب المندب، بالقول إن إحدى المدمّرات صدّت “ثلاثة صواريخ باليستية مضادة للسفن أُطلقت على مسار منخفض، وثلاثة صواريخ كروز مضادة للسفن، وسبع طائرات بدون طيار هجومية في اتجاه واحد” أثناء العبور في باب المندب، عازياً القدرة على اعتراض الصواريخ والمُسيّرات اليمنية إلى سرعة تحليل الدروس المستفادة من معركة البحر الأحمر وتحويلها إلى تدريب. وكدلالة على جدية المعركة مع اليمن، أقرّ ماكلين بأن لبلاده 26 سفينة من ضمنها مجموعة “نيميتز”، معتبراً أن العدد المذكور يسمح بإعداد السفن الحربية المنتشرة بشكل أفضل في المواجهات العسكرية.

وفي المؤتمر نفسه، أقرّت البحرية الأميركية بشكل غير مسبوق بأنها أطلقت ما يقرب من 400 ذخيرة فردية أثناء القتال في البحر الأحمر على مدى الأشهر الـ15 الماضية. وتوزّعت الذخائر على النحو الآتي: إطلاق 120 صاروخاً من طراز “SM-2″، و80 صاروخاً من طراز “SM-6″، و160 طلقة من مدافع المدمّرات والطرادات الرئيسية من مقاس خمس بوصات، بالإضافة إلى 20 صاروخاً من طراز “ESSM” وصواريخ “SM-3”.

كما اعترف ضباط البحرية الأميركية بأن أسلحة اليمن وتكتيكاته باتت أكثر تعقيداً من السابق، بالقول إنهم لاحظوا توسيعاً ملحوظاً في النطاق، وتعقيداً في تقنيات العدو مع استخدام الصواريخ الباليستية المضادة للسفن والطائرات من دون طيار ذات الاتجاه الواحد. وفي المقابل، تتعلّم البحرية الأميركية من الدروس المستفادة من الحرب مع “أنصار الله”، وتقول: “إننا قمنا بتسريع التعلّم والتدريس الخاص بنا بحيث تكون سفننا المنتشرة مستعدّة دائماً بأحدث التكتيكات والتقنيات والإجراءات قبل أن تتجاوز الأفق”.

 

الاخبار اللبنانية: لقمان عبد الله

قد يعجبك ايضا