انهيار اقتصادي يعزز الفشل العسكري الإسرائيلي
موقع أنصار الله . تقرير | يحيى الربيعي
مع إعلان محمد الضيف عن بدء عملية “طوفان الأقصى” في الـ7 من أكتوبر 2023م ردًا على الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني، انطلقت شرارة الحرب التي تُعد واحدة من الأكثر دموية في تاريخ الصراع مع العدو الإسرائيلي. كان يوم السابع من أكتوبر 2023 يومًا لن ينساه الصهاينة، حيث بدأ الهجوم المفاجئ الذي أسفر عن عدد كبير من الخسائر. في أيام قليلة، بلغت حصيلة قتلى العدو نحو 1200 قتيل، بالإضافة إلى أسر حوالي 250 صهيونيا. ومع استمرار القتال، ارتفعت الأرقام بشكل كبير، حيث تجاوز عدد القتلى الذين سقطوا في العمليات النوعية للمجاهدين في فلسطين أكثر من 1830، بالإضافة إلى 23,700 مصاب. ومنذ بدء التوغل البري في قطاع غزة، قُتل أكثر من 830 ضابط وجندي.
لم يتوقف الأثر عند الجانب العسكري فقط، فالعدوان على غزة أثّر بشكل كبير على الاقتصاد الإسرائيلي. أعلنت ما تسمى بوزارة المالية الإسرائيلية أن “تل أبيب” تكبدت خسائر تتجاوز 34 مليار دولار منذ بدء العدوان. وقد أدى ذلك إلى تسجيل عجز في الميزانية تفوق قيمته 5 مليارات دولار في ديسمبر الماضي، ما زاد من الضغوط على الخزينة الإسرائيلية.
تُظهر التقارير أن العجز المالي الذي أعلنته “حكومة العدو وصل إلى 6.9% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2024، أي ما يعادل حوالي 136 مليار” شيكل” (36.1 مليار دولار). وأكدت التحليلات أن العجز الحقيقي قد يكون أسوأ مما تم الإعلان عنه، حيث يُرجح أن يصل إلى 7.2% من الناتج المحلي الإجمالي، أو حوالي 142 مليار شيكل (37.7 مليار دولار).
عدا عن الأثر الاقتصادي، فقد أدت الحرب إلى انقسامات سياسية في داخل الكيان. ووجّهت اتهامات لما يسمى بحكومة المجرم نتنياهو بإدارة الحرب بتهور، وهو ما أدى إلى انتقادات واسعة لطريقة تعاملها مع الصراع، بما في ذلك اتهامات بالتقاعس عن تحقيق صفقة مع حماس لاسترجاع الأسرى الإسرائيليين في غزة.
تتزايد الضغوط السياسية على سلطات كيان العدو الاسرائيلي، بينما يسعى الشارع الإسرائيلي لفهم الطريقة التي تدار بها الحرب، ما يزيد من الارتباك وعوامل عدم الاستقرار الداخلي. إن عملية “طوفان الأقصى” كشفت عن واقع جديد في الصراع مع العدو الإسرائيلي. فقد تحولت الحرب من مجرد صراع عسكري إلى أزمة سياسية واقتصادية وسياسية عميقة، ستبقى آثارها الواضحة على كل الداخل المحتل على المدى الطويل. في الأيام المقبلة، فإن السؤال الأكثر إلحاحًا هو: كيف ستكون ردود الفعل والسياسات مقابل استمرار النزاع والانقسامات الداخلية؟
ارتفاع العجز المالي والتكاليف المباشرة للحرب
شهدت الميزانية الإسرائيلية تقلبات ملحوظة خلال عام 2024، وكانت هذه التقلبات نتيجة مباشرة لتصعيد العمليات العسكرية والقتالية، حيث تم تعديل الأولويات المالية لمواجهة التوترات المتزايدة على حدود فلسطين المحتلة.
مع بداية عام 2024، بدأ العجز يظهر بوضوح، حيث سجل 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي للكيان في يناير. ومع تصاعد التوترات، ارتفع العجز بشكل متتالٍ، ليصل في فبراير إلى 4.8% نتيجة لزيادة الإنفاق العسكري. وفي مارس استمرت هذه الاتجاهات فبلغ العجز 5.2%، بينما وصل في أبريل إلى 5.7% بسبب المخاوف الأمنية. في مايو، ساهمت تدابير الإنفاق الإضافية في ارتفاع العجز إلى 6.1%، ليبلغ في يونيو 6.6%.
ولم يتوقف الوضع في الكيان عند هذا الحد؛ إذ استمر العجز في يوليو في التحليق، مسجلاً 7.0%. في أغسطس، تخطى العجز 7.5%، بينما شهد سبتمبر قفزة جديدة وصلت بالعجز إلى 8.5%، نتيجة لتصاعد الحرب على غزة ولبنان، وقد بلغت النفقات في ذلك الشهر 103.4 مليارات شيكل (28 مليار دولار). على الرغم من بعض التراجعات الطفيفة في أكتوبر إلى 7.9%، إلا أن العجز عاد للارتفاع في نوفمبر إلى 8.2%، ليثبت في ديسمبر عند 7.7%.
بحسب تصريحات ما تسمى وزارة المالية الإسرائيلية، فقد تكبدت سلطات الاحتلال ما يصل إلى 125 مليار “شيكل” (34.09 مليار دولار) منذ بدء الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023. وسجّلت “الوزارة” عجزًا في الميزانية قدره 19.2 مليار “شيكل” (5.2 مليارات دولار) في ديسمبر، مشيرةً إلى ارتفاع النفقات المخصصة لتمويل العمليات العدوانية في غزة ولبنان.
ومع ذلك، فإن التكاليف التي أعلنتها سلطات العدو الإسرائيلي تُظهر صورة أقل من الواقع، حيث تشير تقديرات صحيفة كالكاليست الاقتصادية إلى أن تكلفة الحرب على غزة وحدها بلغت نحو 250 مليار “شيكل” (67.57 مليار دولار) حتى نهاية عام 2024. يثير هذا الفارق بين التقديرات “الرسمية” والواقع تساؤلات حول شفافية ما يسمى بالحكومة الإسرائيلية وكفاءة إدارتها للأزمات، خاصة وأن الخبراء يشككون في صحة الأرقام المعلنة ويعُدونها مجرد جزء من الحقيقة.
إن التحديات المالية التي تواجهها “إسرائيل” نتيجة للعدوان لم تكن مجرد أرقام على ورق؛ وإنما واقعًا معقدًا يتجاوز مجرد القضايا المالية ليشمل الانعكاسات الاجتماعية والسياسية. فالعجز المتزايد يثير قلقًا كبيرًا في الداخل الإسرائيلي، ويزيد من المناقشات حول كيفية التعامل مع التحديات المستقبلية ومعالجة القضايا الداخلية التي جعلت من عمليات الحرب عبئًا ماليًا ونفسيًا على الكيان.
تدهور قطاع السياحة أغلق الشركات
يعاني قطاع السياحة في كيان العدو من تدهور كبير نتيجة الأحداث المتزايدة والتهديدات العسكرية التي واجهها العدو الصهيوني جراء التقدم النوعي في الأسلحة التي امتلكتها المقاومة ، ما ألقى بظلاله على الاقتصاد الصهيوني بشكل عام. إن الخسائر الناجمة عن العدوان على غزة، سواء كانت قليلة أو كثيرة، أضعفت جميع جوانب الاقتصاد، وليس فقط الجوانب البشرية أو العسكرية.
بحسب بيانات ما يسمى بمكتب إحصاء كيان العدو الإسرائيلي، شهدت صناعة السياحة انخفاضًا حادًا حيث تراجعت السياحة الوافدة بنسبة تفوق 70% خلال العام الماضي. استمر هذا التراجع بشكل ملحوظ مقارنة بعام الذروة 2019، الذي سبق جائحة كورونا، حيث انخفضت الأعداد بأكثر من 80%.
التأثيرات الاقتصادية السلبية لم تتوقف عند السياحة فقط، بل امتدت أيضًا إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة. وفقًا لتقرير نشره موقع “وصلة للاقتصاد والأعمال”، أغلقت نحو 60 ألف شركة ومشروع صغير ومتوسط أبوابها في عام 2024، بزيادة قدرها 50% مقارنة بالسنوات السابقة.
تأثرت السياحة بشدة بسبب العدوان الصهيوني على غزة ومسارات اعتداءات العدو في لبنان وسوريا واليمن والعراق وإيران، حيث تدهورت أعداد السياح بشكل ملحوظ. على سبيل المثال: في أغسطس 2024، بلغ عدد السياح الوافدين نحو 304.1 آلاف سائح. ليتراجع هذا العدد إلى حوالي 89.7 ألف سائح في سبتمبر، واستمر الانخفاض ليصل إلى 38.3 ألف سائح في أكتوبر. تنعكس هذه التداعيات على الجوانب الاجتماعية والنفسية للمغتصبين الصهاينة ، ما يزيد من الصعوبات أمام الاقتصاد الذي بات ينحدر نحو التدهور والانكماش.
وقدرت تأثيرات إضافية على السياحة والنقل الناتجة عن خسائر جراء إلغاء الرحلات الجوية بحوالي 8.4 مليار دولار بسبب تغيب الموظفين عن العمل، بمعدل 1.2 مليار دولار أسبوعياً. كما تم إلغاء 1135 رحلة طيران من أصل 2662 كانت مجدولة حتى تاريخ 19 أكتوبر، ما أثر بشكل مباشر على قطاع السياحة. وارتفعت أجور تأمينات السفن والنقل البحري إلى 10 أضعاف قيمتها المعتادة.
تراجع الاستثمارات وأرقام الخسائر الاقتصادية
يعاني اقتصاد كيان العدو الإسرائيلي من تراجع حاد في الاستثمارات الأجنبية والمحلية، ما يشير إلى تداعيات العدوان الإسرائيلي على الاقتصاد. ووفقًا لمصادر متعددة، شهد الاقتصاد الصهيوني انخفاضًا ملحوظًا في قيمة الاستثمارات وارتفاعًا في الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الوضع الأمني المتقلب.
ذكرت وكالة أسوشيتد برس أن الاقتصاد الإسرائيلي بدأ يعاني من انخفاض كبير في الاستثمارات الأجنبية بسبب المخاوف الأمنية. ووفقًا لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، فقد انخفضت قيمة صفقات الاستثمار الأجنبي بنسبة 28% على أساس سنوي في النصف الأول من 2024، لتصل إلى 11.8 مليار دولار. بالإضافة إلى ذلك، أشارت صحيفة “غلوبس” إلى تراجع الاستثمار في رأس المال المخاطر (الشركات الناشئة) بنسبة 6% من أكتوبر 2023 إلى سبتمبر 2024، بالإضافة إلى انخفاض حاد بنسبة 30% في عدد الاستثمارات.
كما تظهر الإحصائيات التالية الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي جراء الحرب، حيث قدرت الخسائر الشهرية بمبلغ 20 مليار دولار، فيما بلغ العجز في الموازنة 32 مليار دولار، أي 6.8% من الناتج المحلي الإجمالي.
أما الديون، فقد بلغ مجموع الدين من الخارج 60 مليار دولار، بالإضافة إلى ديون سابقة وصلت إلى 300 مليار دولار. وبالنسبة لخسائر عائدات الضرائب، فقد بلغت 7.75 مليار دولار. كما انخفضت البورصة بنحو 15%، وتراجعت أسهم بعض الشركات لأكثر من 35%، كما انخفضت أسهم أكبر 5 بنوك بنسبة 20%، خاسرة أكثر من 25 مليار دولار.
وفي ما يتعلق بالانعكاسات الاقتصادية الإضافية، شهد الاقتصاد الصهيوني انكماشا قدرته مؤسسة “جي بي مورغان تشيس” بـ11%. فيما قدرت تكلفة التعويضات لجميع المتضررين من الأفراد والشركات بـ 4.25 مليار دولار. وقدرت تكلفة إعادة إعمار 30 مستوطنة تضررت بسبب العدوان بـ25 مليار دولار. وسجل قطاع الغاز في الكيان خسائر قدرها 2.5 مليار دولار، ما زاد تكلفة الكهرباء بنسبة 10%.
تشير هذه الأرقام إلى حجم الخسائر الاقتصادية التي تكبدها الكيان المحتل جراء التصعيدات العسكرية، ما أثر بشكل واسع على مختلف القطاعات بما في ذلك السياحة، والطاقة، والصناعة. كما أظهرت الأبعاد العميقة للعدوان الإسرائيلي أثره على الاستثمارات والاقتصاد في الكيان بشكل عام. وبحسب محللين اقتصاديين صهاينة، فإن هذه الخسائر تشمل جميع المستويات تقريبًا، ما يعكس تهديدًا عميقًا للمنظومة الاقتصادية والأمنية الصهيونية في ظل الظروف الحالية.
تداعيات الطوفان على الداخل المحتل
شكلت عملية “طوفان الأقصى” عاملًا مهمًا في توليد الإحباط والانتكاسات المتتالية التي شهدها الداخل الإسرائيلي، ما ساهم في تفاقم الأزمات في مختلف المجالات، حيث أظهرت التداعيات أن الأبعاد الاقتصادية والسياسية والمعنوية والأمنية مترابطة بشكل معقد. وتعكس الأحداث الحالية عدم الاستقرار في الكيان المحتل، ما ينذر بتحديات مستقبلية أكبر. إن التوترات المستمرة تبين أن الاقتصاد والسياسة والأمن الصهيوني في خطر حقيقي وستستمر في المستقبل.
على المستوى السياسي، يتعرض المجرم نتنياهو و”حكومته” لانتقادات حادة من المعارضة، ما أدى إلى تساؤلات حول قدرتهم على إدارة الأزمة. وقد تعالت الأصوات الداعية لاستقالته، ما يعكس حالة من عدم الاستقرار داخل الكيان. فضلا عما يتم الحديث عنه من احتمال تفكك ما يسمى بالحكومة بعد فشلها في تحقيق أهدافها في العدوان على غزة.
وعلى المستوى المعنوي وفقدان قوة الحسم، تشير التقارير إلى انهيار الروح المعنوية في صفوف “الجيش” الإسرائيلي، نتيجة للخسائر المتكررة والانتصارات العسكرية للمقاومة. فقدت قوات العدو الإسرائيلي ثقتها ، وأصبحت أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر” عرضة للتآكل.
وعلى الرغم من المجازر التي ارتكبها العدو الإسرائيلي، إلا أن العدو لم يحقق شيئا من أهدافه، بل أظهرت المقاومة تكتيكات جديدة عكست ضعف قوات العدو، حيث انهارت الأجهزة الاستخباراتية الصهيونية خلال عملية “طوفان الأقصى”، ولم تتمكن من التصدي للاختراقات أو توقع العمليات، ما أظهر ثغرات خطيرة في المنظومة الأمنية.
كما أكدت عمليات محور المقاومة فشل المنظومات الاعتراضية الأمريكية الإسرائيلية وضعفهم السياسي بعد عجزهم من الحد من عمليات المقاومة.
ما يعمق المشهد المتأزم في الكيان الصهيوني أن المؤشرات تؤكد عجزه الفادح عن التصدي للهجمات المكثفة التي يعدها محور المقاومة في الجولة القادمة، الأمر الذي سينعكس سلبا في الكيان خاصة في المجال الاقتصادي والاستثمار.