من القمم إلى القيعان.. انحدار المؤتمرات العربية

موقع أنصار الله . تقرير|  علي الدرواني

منذ أن تأسست جامعة الدول العربية في 22 مارس 1945، بموجب ميثاق الجامعة العربية، الذي وقعت عليه سبع دول عربية هي: اليمن ومصر والعراق وسوريا ولبنان والسعودية والأردن، وذلك من أجل تحقيق عدة أهداف، أهمها تعزيز الوحدة العربية والتضامن العربي والأمن القومي العربي والدفاع المشترك ضد التهديدات الخارجية، فقد مرت الجامعة ومؤتمرات القمة بتحولات كبيرة، ومحطات مفصلية، كانت تبتعد يوما بعد آخر عن تلك الأهداف، وإذا قاربتها فمن باب إسقاط العتب ليس أكثر.

من الملاحظ أن أغلب مؤتمرات القمة العربية التي وصلت إلى 38 مؤتمرا، كانت مخصصة أو تركز على القضية الفلسطينية ودعمها، عدا بعض القمم الاقتصادية، أو التي لها علاقة بالخلافات العربية الداخلية، مثل قمتي القاهرة 1990، 1991، والتي كانت مخصصة لإدانة ضم العراق للكويت، وإرسال قوات عربية مشتركة إلى الخليج.

أبرز المحطات والقمم

 قائمة مؤتمرات القمة العربية هي سلسلة من الاجتماعات التي تجري بين رؤساء الدول العربية لمناقشة القضايا المشتركة والتحديات التي تواجه المنطقة. إليك بعض المحطات الرئيسية في تاريخ القمم العربية:

– قمة أنشاص (1946): عُقدت في أنشاص المصرية بدعوة من الملك فاروق، وحضرتها الدول السبع المؤسسة للجامعة العربية، ركزت القمة على القضية الفلسطينية وتعزيز التعاون العربي.

وتعد قمة طارئة، وقوية في نفس الوقت، حيث أكدت على “عروبة فلسطين”، وأن “مصير فلسطين هو مصير كل دول الجامعة العربية”. وقررت القمة: ضرورة الوقوف أمام الصهيونية، باعتبارها خطرا لا يداهم فلسطين وحسب، وإنما جميع البلاد العربية والإسلامية.

كما اعتبرت هذه القمة، أي سياسة عدوانية من قبل أمريكا وبريطانيا تجاه فلسطين هي سياسة عدوانية تجاه كافة دول الجامعة العربية.

– قمّة القاهرة (1964): عُقدت بدعوة من الرئيس جمال عبدالناصر، وتركزت على تعزيز الوحدة العربية وتحقيق الاستقرار في المنطقة. وخرج القادة ببيان ختامي تضمن نقاطاً عدة، أهمها: “قيام إسرائيل خطر أساسي يجب دفعه سياسيا واقتصاديا وإعلاميا. وكذلك إنشاء قيادة عربية موحدة لجيوش الدول العربية،”، و”دعوة دول العالم وشعوبها إلى دفع العدوان الإسرائيلي”، و”الدعوة إلى إنشاء قيادة عربية موحدة لجيوش الدول العربية، ردا على تحويل إسرائيل مجرى نهر الأردن”.

–  قمة اللاءات الثلاث (1967): عُقدت في الخرطوم بالسودان، وجاءت استجابة للنكسة العربية في حرب (1967): وهي من أشهر القمم العربية، لتأكيدها على التمسك بالثوابت من خلال لاءات ثلاثة: لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه.

–  قمة بغداد (1978): عُقدت في العاصمة العراقية، إثر التوصل إلى اتفاق “إطار” للسلام بين مصر و”إسرائيل”. ومن أبرز قرارات هذه القمة: رفض اتفاقية كامب ديفيد، ودعوة مصر إلى العودة عنها، وحظر عقد صلح منفرد مع “إسرائيل”، ونقل مقر الجامعة العربية من القاهرة، وتعليق عضوية مصر في الجامعة العربية.

–  قمة  تونس (1979): في العام التالي انعقدت القمة في تونس، بدعوة من الرئيس التونسي حبيب بورقيبة تأكيدا على رفض اتفاقية كامب ديفيد. وجاء في البيان الختامي لهذه القمة أن الصراع مع “إسرائيل” طويل الأمد، وهو عسكري وسياسي واقتصادي وحضاري، وتجديد الإدانة لاتفاقية كامب ديفيد، وإدانة القرار المصري تزويد “إسرائيل” من مياه النيل.

الانحدار إلى القيعان:

رغم أن المؤتمرات العربية كانت تركز على القضية الفلسطينية، وتظهر الدعم المطلق لها، إلا أنها بدأت في مغازلة الكيان الإسرائيلي، بإلقاء حبال السلام الموهوم، والبداية كانت من قمة الجزائر(1973)، التي بدأت تتحدث عن السلام المشروط، حيث اتفق المجتمعون على شرطين للسلام مع الكيان، وهما: انسحاب “إسرائيل” من جميع الأراضي العربية المحتلة، وفي مقدمتها القدس، واستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه الوطنية الثابتة.

 ثم تلتها قمة فاس (1982)، التي أقرت مشروعا عربيا للسلام مع الكيان، من بين بنوده انسحاب “إسرائيل” من جميع الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967 (وليس عام 1948). وكانت هذه بذرة لما عرف لاحقا بمبادرة السلام العربية التي قدمت في مؤتمر بيروت 2002، التي أطلقها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، وتنص على: إقامة دولة فلسطينية معترف بها دوليا على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينين، وانسحاب “إسرائيل” من هضبة الجولان السورية المحتلة والأراضي التي لا تزال محتلة جنوبي لبنان، مقابل اعتراف الدول العربية بـ”إسرائيل” وتطبيع العلاقات معها.  وشهدت هذه القمة أولَ حديثٍ عربي عن القدس الشرقية عاصمةً لدولة فلسطين المأمولة بدلاً عن القدس كلها.

أخطر مستويات الانحدار:

إن أخطر مستوى انحدار للمؤتمرات العربية هي تلك التي كانت تنعقد بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على غزة، مثل قمة الدوحة 2009 التي انعقدت بشكل طارئ إثر العدوان الإسرائيلي على غزة، فإلى جانب أنها لم تكن تؤثر على حجم العدوان أو شكله أو نوعه، من قريب ولا من بعيد، فإن دعوة قطر لم تلق تجاوبا لحضور القمة إلا من 13 دولة، حيث رفضت مصر والسعودية عقد القمة، وانعقدت القمة بغياب دول الخليج الأربع، ومصر واليمن وتونس والسلطة الفلسطينية، ووصفها حسني مبارك -الرئيس المصري حينها- بأنها قمة الأقوال وليس الأفعال.

ربما كان مبارك محقا، فما أكثر الأقوال وما أبعد الأفعال، لا سيما عندما نتابع ثلاث قمم عربية انعقدت أثناء أكثر عدوان إسرائيلي وحشية على غزة، منذ أكتوبر 2023 حتى اليوم، حيث انعقدت قمتان في الرياض بشكل مشترك بين جامعة الدول العربية والإسلامية، وواحدة في المنامة، وكلها بدون استثناء كانت مخرجاتها أدنى من مستوى بيانات منظمات إنسانية، أو حتى طابور الصباح للتلاميذ اليمنيين المتعاطفين مع أطفال غزة.

هاهي القمة الرابعة في القاهرة، فهل ترفع الأمة العربية من القيعان السحيقة؟

 

قد يعجبك ايضا