موقع أنصار الله . تقرير يحيى الشامي
في تطوّر نوعي يعكس تحولاً استراتيجياً في موازين القوى، دخلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية مرحلة جديدة من الرد على العدوان الصهيوني، مستخدمة صواريخ متطورة وطائرات مسيّرة دقيقة، قادرة على اختراق عمق كيان العدو والاستهداف النُقطي لمراكز القيادة الحساسة. هذا التحوّل شكّل صدمة حقيقية لدى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وكسر جدار الوهم الذي اعتمد عليه الكيان الغاصب لعقود.
في بياناته ضمن عملية "الوعد الصادق 3"، أعلن الحرس الثوري الإسلامي تنفيذ ضربة استثنائية استهدفت مركز القيادة والمعلومات التابع لجيش العدو قبل يومين بالقرب من مستشفى "سوروكا" العسكري في" تل أبيب"، باستخدام صواريخ استراتيجية وطائرات انتحارية موجهة بدقة عالية، هذه الضربة، التي لم تكن الأولى وظهر لاحقاً أنها لن تكون الأخيرة، جاءت لتؤكد أن إيران لم تعد ترد فقط بفعل الدفاع، بل بفعل الهجوم النوعي، وتُعيد رسم خريطة المواجهة من الداخل إلى الخارج.
ما يلفت النظر في الجولة الحالية هو استخدام إيران لأسلحة متقدمة تقنيًا، تدمّر كل ادّعاءات العدو الإسرائيلي حول فعالية "القبة الحديدية" ومنظومات الاعتراض المتقدمة، فقد أثبتت التجارب العملية أن تلك المنظومات عاجزة أمام الصواريخ الباليستية الانشطارية، والتي تحتوي على رؤوس حربية صغيرة تنفصل في الجو وتغطي مساحات واسعة، ما يسبب دمارًا كبيرًا حتى وإن كانت القنابل خفيفة الوزن.
الصواريخ الإيرانية، من طراز "خرّمشهر" و"فتّاح"، تمكّنت من الوصول إلى قلب يافا المحتلّة "تل أبيب"، واستهدفت مواقع استراتيجية في بئر السبع وحيفا، وألحقت أضراراً مباشرة بمطارات وقواعد عسكرية، بما فيها منشآت تابعة للموساد والشاباك ومعهد وايزمان، الدماغ المفكر الأول لكيان العدو، كل ذلك دل على أن الاستخبارات الإيرانية تمتلك الآن قدرات استهداف دقيقة، لم تكن متاحة لها في السابق، وبنت بنك أهداف كبيرا ومتنوّعا داخل كيان العدو من جنوبه إلى شماله، ظهر في هذه الجولة أن أهمها وأخطرها هي ما تعرف بوادي السليكون مجمع الصناعات التكنولوجية الواقع في الخط الرابط بين حيفا ويافا المحتلتين، والذي يمثل عصب الصناعة التقنية للكيان.
لم تقتصر آثار هذه الضربات على الجانب العسكري، بل امتدت إلى الجبهة الداخلية الإسرائيلية، حيث تعيش المجتمعات في مختلف المغتصبات حالة من الخوف والهلع غير المسبوق، آلاف المغتصبين أجبروا على الفرار من المنازل، وتم إجلاؤهم إلى الفنادق أو الملاجئ، بينما تضررت عشرات المنشآت الاقتصادية، بما فيها بورصة "تل أبيب"، ما ساهم في هزة اقتصادية داخل الكيان.
خبراء مهتمون في تحليل الوضع الداخلي لكيان العدو الإسرائيلي أشاروا إلى أن العدوان الإسرائيلي كان له تأثيرات عكسية، من بينها أنه وحد الإيرانيين وعزز إجماعهم الوطني، في حين زاد من التصدع الداخلي لدى العدو، وقد خرجت تظاهرات في كندا وأوروبا، شارك فيها معارضون إيرانيون دعمًا لبلادهم في وجه العدوان، وهو مؤشر على أن الشعب الإيراني بأكمله، دون تمييز سياسي، يقف اليوم صفاً واحداً في وجه التهديد الخارجي.
على الرغم من تصريحات نتنياهو وبن غفير التي تروّج لـ"النصر القريب"، فإن الواقع على الأرض يقول إن العدو الإسرائيلي يغرق في حرب استنزاف طويلة الأمد، لا يبدو أنها ستنتهي قريبًا. فالجمهورية الإسلامية، بحسب تحليلات الخبراء، تعمل ضمن استراتيجية مدروسة، تقوم على التصعيد المتدرج، واستخدام عدد محدود من الصواريخ في كل مرة، ما يتيح لها الحفاظ على الزخم الناري لأشهر قادمة.
كما أن إيران ليست فقط مستعدة لهذا السيناريو، بل أعدّت نفسها له بكل أبعاده العسكرية والاقتصادية والنفسية، فيما يعاني كيان الاحتلال من انهيار في الروح المعنوية، وانهيار أكثر عمقًا في فكرة "الردع" التي كان يبني عليها وجوده، كما قال بن غوريون ذات مرة: "عندما يسقط الردع، تسقط إسرائيل".
إذا كان هناك شيء واضح اليوم، فهو أن كيان العدو يقف على حافة أزمة وجودية حقيقية، فالمواجهة المباشرة مع إيران، بشروطها الجديدة، لم تعد مجرد تبادل ضربات، بل تحولت إلى معركة كشف الهشاشة، وكسر الهيبة، وتآكل الأسطورة.
الضربات الإيرانية المتلاحقة، والتطور النوعي في منظوماتها الصاروخية، تؤكد أن إيران لم تستخدم كامل ترسانتها بعد، وأنها تملك القدرة على التصعيد أكثر، إذا استمر العدوان.
أما كيان العدو، فبات واضحاً أنه يفتقر إلى خطة خروج من الحرب، ويعاني من تصدع داخلي عميق، وعجز عن توفير الحماية لمواطنيه، ما يفتح الباب أمام موجات هجرة جديدة من داخل الأراضي المحتلة نحو الدول المجاورة، خصوصًا قبرص، وهو ما بدأ يتكشّف في سلسلة تقارير نشرتها الصحف العبرية
وهو ما يؤكد صوابية ما ذهب إليه أنصار المحور من أنّ ما يجري هو بالضبط إعادة تشكيل شاملة لمعادلات المنطقة، حيث أن إيران تفرض نفسها كقوة إقليمية لا يمكن تجاوزها، بينما يتهاوى كيان العدو الإسرائيلي، تدريجيًا، تحت وزن عجزه الاستخباري، وضعف منظوماته الدفاعية، وتفكك جبهته الداخلية.