لقد تجرأ اليمني على فعل ما عجزت عنه دول وجيوش بأكملها؛ مد يده إلى شرايين الاقتصاد الصهيو-أمريكي في البحر الأحمر، وأصابها بالشلل، زاد من جرأته وجعل الكيان الصهيوني بأكمله تحت خط النار من حيفا إلى "إيلات" إلى يافا، ليس طمعًا في مكاسب دنيوية، بل نصرةً لغزة الجريحة، وإغاثةً لإخوانٍ طُحنوا تحت أنياب آلة الحرب الصهيونية. إن هذه الضربات ليست عشوائية، بل هي رسائل مشفرة مشبعة بالوعيد، تفضح عجز التحالفات الهشة التي تتهاوى أمام صمود الإرادَة الإلهية التي تجلت في إرادَة شعب اليمن.
إن البحر الأحمر، ومطار اللد صارا مرآة تعكس هزيمة القوى العظمى التي ارتضت لنفسها أن تكون ذيلًا للكيان الصهيوني الغاصب، فباتت سفنها تجوب المياه مرعوبة، ومصالحها الاقتصادية تتهاوى، وصورتها العسكرية تتلطخ بالعار. لقد كسر اليقين اليمني أُسطورة الجبروت، وشرخ وهم السيطرة المطلقة، ليعلن للعالم بأسره أن كلمة الفصل سوف يراها العالم في فلسطين المحتلة والبحر الأحمر، وأن العصر الذي كانت فيه أمريكا تملي شروطها قد ولى إلى غير رجعة. هذا هو فجر الانتصار، وهيهات أن يتراجع من كان قرآنه نبراسه ورب العزة سنده.
ليست هذه مجرد أقاويل بل حقائق أثبتها الواقع وأقر بها العدو قبل الصديق. صحيفة "ديلي ميل" البريطانية أكدت أن الهجمات اليمنية تمثل تحولًا نوعيًا في مسار المعركة المفتوحة، وأن تداعياتها باتت تتجاوز الحسابات العسكرية المباشرة إلى فضح هشاشة المنظومة الغربية وقدرتها على حماية مصالحها في الممرات الدولية، وأن الهجمات التي ينفذها اليمنيون باستخدام الصواريخ المضادة للسفن والطائرات المسيّرة – الجوية والبحرية – المحملة بالمتفجرات، كشفت محدودية فعالية الإجراءات الدفاعية الأمريكية والإسرائيلية، وفشل الغارات الجوية في تجريد اليمن من قدراته القتالية أو الحد من استهدافه المتصاعد للسفن.
ونقلت "ديلي ميل" عن محللين تأكيدهم أن هذه العمليات تشير إلى إخفاق مزدوج للولايات المتحدة و"إسرائيل"، إذ إن تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقضاء على جماعة أنصار الله لم تؤتِ ثمارها، بل قابلها الطرف اليمني بإعادة هيكلة عملياته وتنفيذ هجمات أكثر تعقيدًا.
صحيفة "وول ستريت جورنال" قالت: إنه في الوقت الذي كانت فيه السفينتان تتعرضان للقصف من اليمن، لم تكن هناك أي قطعة بحرية أمريكية أو بريطانية قريبة من مسرح العمليات، بحسب ما نقلته الصحيفة عن مسؤولين في البحرية الأميركية والاتحاد الأوروبي، الذين اعترفوا بعدم وجود سفنهم في المنطقة. ونقلت الصحيفة عن ضابط بريطاني سابق يعمل في شركة أمن بحرية تأكيده أن السفن التجارية باتت مكشوفة تمامًا في أكثر مناطق البحر الأحمر خطورة، مضيفًا: "أنتم وحدكم".
وفي السياق نفسه، ذكرت وكالة «رويترز» أنّ السفن التجارية التي لا تزال تمرّ عبر البحر الأحمر تلتزم ببعث رسائل عن جنسيات أفراد طواقمها، بل ودياناتهم، على أنظمة التتبّع الموجودة فيها، مع تأكيد عدم ارتباطها بإسرائيل لتجنّب استهدافها.
وأبدت الوكالة قلقاً من قرار طواقم بعض السفن رفع شعارات كـ «نحن مسلمون» أو «لا علاقة لنا بإسرائيل»، معتبرة تلك إشارة سيئة على عدم رغبة السفن في الإبحار صوب الموانئ الإسرائيلية مجدّداً خشية تعرّضها للاستهداف.
أما صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية فخلصت إلى أن عدم تحرك الأساطيل الأجنبية للدفاع عن السفن أو الردع السريع يكشف أن الهجمات لم تعد تُقابل بالأولوية التي تدعيها واشنطن أو "تل أبيب"، وأن اليمنيين يدركون ذلك، ما يجعلهم أكثر استعدادًا وجسارة لتنفيذ المزيد من العمليات النوعية. وأضافت أن ما جرى الأسبوع الماضي يثير تساؤلات عميقة حول الجاهزية الغربية ومصداقية تحالف "الازدهار"، في وقت تتقدم فيه صنعاء نحو فرض معادلتها السيادية في البحر الأحمر، ليس فقط كشعار بل كواقع ميداني يعيد تعريف موازين الردع الإقليمي والدولي.
شركة "Azure Strategy" البريطانية المخصصة للاستشارات الاستراتيجية ذكرت في تقرير لها أن الهجمات الأخيرة التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية على سفن الشحن في البحر الأحمر أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك أن اليمن اليوم بات يمتلك يدًا طولى في معادلات الأمن الإقليمي والدولي، وأن جماعة أنصار الله لم تعد مجرد قوة محلية، بل باتت رقماً إقليميًا مؤثرًا يصعب على العالم تجاهله أو تجاوزه.
واعتبر التقرير أن هذه الهجمات لا تُظهر فقط الصلابة العسكرية والسياسية للجماعة، بل تكشف عن تطور لافت في أدوات الردع والمناورة التي باتت تمتلكها، في ظل تحولات دولية عميقة وتراجع تدريجي للهيمنة الغربية.
وأشار التقرير إلى أن أنصار الله لا تنفذ هذه العمليات من منطلق تكتيكي فقط، بل ضمن استراتيجية مزدوجة؛ الأولى تهدف لتذكير العالم بأن البحر الأحمر لم يعد ممرًا آمنًا للاحتلال الإسرائيلي وحلفائه طالما استمر العدوان والحصار على غزة.
واعتبر التقرير أن الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، فشل في كبح جماح القوات اليمنية رغم تنفيذ عمليات عسكرية كبرى مثل "حارس الرخاء" و"بوسيدون آرتشر"، وكذلك بعد إعادة تصنيف أنصار الله كـ"منظمة إرهابية أجنبية". وقد أثبتت هذه المقاربات فشلها في خلق ردع حقيقي، لأن اليمن لا تعتمد على البنية التقليدية ولا على مقاربات الجيوش النظامية، بل على مرونة عالية وهندسة قتالية تستفيد من الجغرافيا والدعم الشعبي. واعتبر التقرير أن "الحوثيين تحولوا إلى ثقب أسود في الحسابات الغربية، فهم عصيون على الاختراق، والمعلومات الاستخباراتية عنهم نادرة، وقدرتهم على الصمود أمام الضربات المتتالية تدل على عمق تموضعهم في الواقع اليمني".
حتى أوساط العدو الصهيوني تقر صراحة بفاعلية الضربات اليمنية وعجز التحالفات الغربية عن إحداث أي فارق في المعركة مع اليمن. الإعلامي الصهيوني "أودي عتصيون" كشف في حديثه لإذاعة 103FM عن انهيار جديد تتعرض له المنظومة الصهيونية، مؤكداً أن ميناء "إيلات" الاستراتيجي تم إغلاقه بفعل الحصار الذي يفرضه اليمن. وأقرّ "عتصيون" بأن ما يحدث هو "حدث دراماتيكي بكل معنى الكلمة"، وأن "الحوثيين انتصروا هنا، وأغلقوا الميناء في وجهنا حرفيًا"، بعد أن فشل الاحتلال في تأمين الممرات البحرية وخضع لحالة شلل بحري استمرت لثلاث سنوات متتالية".
وأضاف بأن "الميناء الذي كان يُعتبر بوابة استراتيجية للكيان نحو الشرق – تمرّ عبره معظم السيارات اليابانية والصينية – بات الآن عاجزًا عن تسديد الضرائب وفاقدًا للسيولة، بعد أن قامت بلدية "إيلات" بمصادرة حساباته المصرفية وإصدار قرار بإغلاقه بدءًا من يوم الأحد 20 يوليو. وقال: إن إدارة الميناء تقول صراحة: "ليست لدينا أموال، الحسابات مُصادرة، وسنُغلق".
صحيفة "بيزنس إنسايدر" من جهتها قالت: إن أوروبا باتت عاجزة فعليًا عن حماية خطوط الملاحة في البحر الأحمر، معترفة بفشل مهمة "أسبيدس" التي يقودها الاتحاد الأوروبي في التصدي لهجمات القوات البحرية اليمنية. ووفقًا لتصريحات الأدميرال البحري فاسيليوس جريباريس، قائد المهمة الأوروبية، فإن متوسط عدد السفن الحربية التي تعمل ضمن العملية في البحر الأحمر لا يتجاوز سفينة واحدة في اليوم، وهو ما اعتبره "غير كافٍ لتأمين مساحة عمليات شاسعة تمتد من البحر الأحمر إلى الخليج".
واعترف القائد الأوروبي بأن المهمة تعتمد على مساهمات تطوعية من الدول الأعضاء، ولا تمتلك سلطة فرض إرسال سفن أو تعزيز الانتشار البحري. وأشار إلى أن السفن التي تُهاجم ولا تطلب الحماية تسير إلى مصيرها منفردة، مفضّلة المجازفة على انتظار "فرصة الحماية التالية المتاحة".
وبينما تسوّق أوروبا لمهمة "أسبيدس" على أنها درع دفاعي لحماية الشحن التجاري، فإن الواقع – كما تنقله الصحيفة – يُظهر أنها مجرّد وجود رمزي في مواجهة تصاعد عمليات الجيش اليمني، الذي يستمر في هجماته النوعية في البحر الأحمر، وأغرق مؤخراً سفينتين خلال أسبوع"، وتؤكد "بيزنس إنسايدر" أن الهجمات مثلت "تطورًا مقلقًا" بحسب وصف جريباريس، لكنها لم تفاجئ المتابعين، خصوصًا بعد انسحاب الولايات المتحدة من العمليات الهجومية في مايو الماضي بموجب وقف إطلاق النار مع صنعاء.
ونشرت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية تقريرًا يكشف عن تنامي قوة اليمن البحرية، واستمرارها في توجيه ضربات نوعية للسفن التابعة للكيان أو المتعاملة معه في البحر الأحمر، وأضافت الصحيفة: "رغم ادعاءات واشنطن مؤخرا بهزيمة الحوثيين إلا أن اليمن يستمر في العمليات البحرية، ونفذ في أقل من أسبوع عمليتين نوعيتين استهدفت خلالهما سفينتين تجاريتين، في السادس والسابع من يوليو/تموز، هما "ماجيك سيز" و"إترنيتي سي"، وإغراقهما.
وقالت المجلة: اللافت أن الهجومين أتيا بعد شهرين كاملين من إعلان ترامب، الذي زعم أن أنصار الله "استسلموا" وتعهدوا بعدم ضرب السفن مجددًا. إلا أن الوقائع على الأرض أكدت أن المعركة لم تتوقف.
المجلة وصفت الهجمات الأخيرة بأنها بمثابة رسالة واضحة للعالم مفادها أن من يهيمن على باب المندب هو اليمن، لا واشنطن.
وأشارت "الإيكونوميست" إلى أن رد الفعل العالمي جاء باردًا، بل أقرب إلى اللامبالاة، مما يعكس عمق المأزق الغربي أمام اليمن، وصعوبة كسر قدراته عبر القوة العسكرية. كما أوضحت أن أمريكا قامت بتقليص قواتها في المنطقة، وسحبت بعض المدمرات التي كانت تحمي السفن التجارية، ما أفسح المجال لأنصار الله لإثبات قوة الردع اليمنية مجدداً.