تصحيح التاريخ

موقع أنصار الله  || صحافة عربية ودولية || رفعت البدوي*/ العهد الاخباري

 

علمتنا ممارسة السياسة الاقليمية لعقود طويلة ان اي اتفاق بين الدول الكبرى والمؤثرة في مجرى الاحداث ومآلاتها لن يكون في مصلحة دولنا ومنطقتنا العربية خصوصاً في ظل ضعف الموقف والوهن الذي اصاب القرار العربي الذي بقي دون اي تأثير في المحافل الدولية، واذا ما نظرنا الى شاشة الاحداث الجارية في وطننا العربي سرعان ما نكتشف مدى الضعف في الموقف والقرار العربي الذي يعتبر نتيجة ارتهان قرار ومقدرات وثروات بعض الدول العربية ومنها الدول النفطية للارادة الاميركية الهادفة الى الحفاظ على الكيان الصهيوني وتأمين بقاء هذا الكيان الغريب، سبب العلة الدائمة في الجسد العربي.

 

ان دولاً وممالك وإمارات أُنشئت نتاج اتفاق بين بريطانيا واميركا لن تستطيع الا ان تبقى طيعة ومرتهنة لقرار الدول صاحبة الاتفاق، التي ساهمت في انشاء تلك الدول والممالك والامارات.

لا نحتاج للكثير من التمحيص والتفكير لنكتشف ان تلك الدول ثمرة الاتفاق البريطاني ـ الامريكي لم تكن لتكون لولا حاجة دول الغرب السيطرة على مقدراتها وثرواتها ورهن القرار فيها لمصلحة الدول الغربية وفي مقدمها بريطانيا وأميركا ومن خلفهما الكيان الصهيوني ولأجل تأمين المصالح الغربية ومن خلفها الصهيونية في المنطقة تم تنصيب الملوك والامراء والرؤساء على تلك الدول العربية ذات النشأة الغربية بصفة الحارس الامين على المصالح الغربية المعادية لنهضة الامة العربية وتقدمها ولاستخدامهم في تدجين الامة والعمل على اخماد اصوات تطالب بالحق العربي وبالعزة والكرامة العربية واستعادة فلسطين كل فلسطين المغتصبة من براثن الاحتلال الاسرائيلي، وضرب اي حركة تحرر او مقاومة ضد العدو الاسرائيلي، بالاضافة الى سعي الحراس الدؤوب، المعينين من القوى الغربية لإبقاء الامة العربية في اخر الترتيب العالمي فكرياً وعلمياً وتكنولوجياً واقتصادياً وصناعياً.

لقد بلغ الوهن والتخاذل والتآمر العربي على بعض العرب حداً خطيراً ينذر بتفكك الامة العربية لتصبح امة مسلوبة الارادة وبلا موقف الا من رحم ربي فبقي متمسكاً بثبات موقفه وبإيمانه بالكفاح والنضال من اجل تحقيق التحرر وانتزاع الحقوق العربية من سطوة الغرب ومن الغاصب المحتل لفلسطين.

فها هي القضية الفلسطينية التي من المفترض ان تكون القضية المركزية للعرب  ونقطة ارتكاز تجمع العرب وتدفعهم الى رصّ الصفوف وتوحيد الرؤى لأجل استرداد فلسطين وتحقيق المطالب والحقوق العربية. فباتت القضية المركزية قضايا متناثرة في كل ارجاء الوطن العربي من العراق الى ليبيا واليمن وسوريه ولبنان ومصر وحتى السودان والصومال.

رئيس السلطة الفلسطينية الذي قام بزيارة واشنطن وأعلن عن اغتباطه بالوعود الاميركية بقيام دولة فلسطينية على حدود 1967 معتبراً هذا الامر بمثابة انجاز تاريخي، ومع قناعتنا التامة من خلال ممارستنا للعمل السياسي ومتابعة الشأن العربي والفلسطيني فأننا نقول وبكل تأكيد ان شيئاً من هذا القبيل لن يتحقق وذلك لإيماننا ويقيننا ان طريق المفاوضات والاستجداء والوعود لن تجلب لامتنا الا المزيد من الاذلال والضياع، وان ما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة.

ان بعض الانظمة العربية ومعهم السلطة الفلسطينية باتت الحارس الامين على امن “اسرائيل” تمنع الانتفاضة وتعتقل المنتفضين المتضامنين مع اخوة لهم في النضال الفلسطيني، وباتت بعض الانظمة العربية تعتبر النضال ضد العدو الاسرائيلي مسألة لا تغتفر، بل انه يدخل في صلب الارهاب، وإن تعمد بعض العرب زيارة الكيان الصهيوني والالتقاء ومصافحة رموز الكيان الغاصب والتحالف معهم تحت مسميات اكتشاف افاق السلام بين العرب و”اسرائيل” او بحجة ضوروة التسويق لمبادرات عربية بائدة لن تؤتي اكلها.

نقول .. ان حكام بعض الانظمة العربية امتهنوا خدمة الغرب والعدو الاسرائيلي واحترفوا التآمر على كل نظام او وطن عربي آمن بالعروبة وبالحقوق العربية وبالنضال والكفاح والمقاومة ضد العدو الاسرائيلي.

ان اتفاق بريطانيا واميركا على قيام الطمة تسمى بالعربية على ارضنا العربية وتنصيب حراس وعملاء عليها يجهدون لخدمة مصالح بريطانيا واميركا و”اسرائيل” اضحى مسألة خطرة تهدد بطمس القضية الفلسطينية وبإلغاء حق العودة للفلسطينيين وانقسام المجتمع العربي بين موال لفكرة بقاء “اسرائيل” والعمل على حمايتها وبين مجتمع مقاوم لا يؤمن بمبدأ الاستجداء وتقديم التنازلات المخيبة مؤمناً بمبدأ المقاومة سبيلاً وحيداً لانتزاع الحقوق من اعداء الامة.

 

ان امكانية إصلاح الامة واعادة تصويب بوصلتها نحو فلسطين يحتاج الى قيادة عملية اعادة انتاج حقيقي لبعض النظم العربية المنتجة غربياً من خلال انتفاضة عربية حقيقية تعيد تصحيح التاريخ على اسس الالتزام بالقضايا العربية ومواجهة العدو الاسرائيلي و تحرير القرار العربي وتأميم مقدرات وثروات تلك النظم ووجوب ان تكون عملية الاصلاح تلك ثمرة جهود ونضال عربي خالص تحاكي اماني وتطلعات الشعب العربي في تحرير فلسطين كل فلسطين من البحر الى النهر، وليس نتاج اتفاق بين دول غربية معادية لمصالح الامة اوجدت ونصبت حراساً بهدف تأمين مصالح الغرب المتماهية مع مصالح “اسرائيل” و بقاء الكيان الصهيوني غاصباً محتلاً لفلسطين.

 

*مستشار وباحث في الشؤون الاقليمية

قد يعجبك ايضا