’وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم’… من رجال الله

موقع أنصار الله  || صحافة عربية ودولية || جهاد حيدر / العهد الاخباري

 

تتجاوز الرسائل الكامنة في قرار قيادة العدو انشاء جدار اسمنتي على الحدود مع لبنان، البعدين الدفاعي والوقائي. فالكيان الاسرائيلي لم يجد نفسه مضطرا لهذا الخيار، طوال العقود التي اقامته قبل نحو 70 عاما. أما الان، وبعدما بات أكثر قوة وتطورا على المستويات العسكرية والتكنوجية والاقتصادية.. وجد نفسه في مواجهة المقاومة مضطرا للانكفاء إلى داخل حدود كيانه استعداداً لمواجهة سيناريو محاولات توغل مفترضة في أي مواجهة مقبلة.. وهو خيار يقع على النقيض تماماً من الاستراتيجية العسكرية التي اعتمدها منذ ما بعد قيام الكيان عام 1948.

 

رغم الطابع الدفاعي الذي تتسم به إقامة الجدران على طول حدود الكيان، إلا أن ذلك لا يلغي إمكانية وسيناريو الاعتداء الذي يتسم بطابع هجومي في هذه الساحة أو تلك.

 

 

 

من جهة اخرى، تؤكد الجدر التي قرر العدو إقامتها، على حقيقة موازية مفادها أن “اسرائيل” التي لم تعد تثق بقدرة جيشها على حماية حدودها ولا عمقها من توغل رجال المقاومة، كيف ستستطيع أن توفر احتلالا امنا في حال فكرت العودة إلى خيار التوسع الذي اعتمدته طوال عقود تلت قرار تقسيم فلسطين عام 1947.

 

وهكذا تتضح بشكل جلي حقيقة الرسالة الأهم التي تنطوي عليها هذه الجدران، وهي سقوط مشروع “اسرائيل الكبرى”، وما يعزز هذه الدلالة أن الانكفاء الاسرائيلي تم في مقابل طرفين (لبنان وغزة)، تتفوق عليهما “اسرائيل” في الجغرافيا والديمغرافيا والامكانيات..

 

اما عن علاقة بناء هذه الجدران بسقوط مشروع “اسرائيل العظمى”، فهو يعود إلى أن بناء هذه الجدران، يعني أن “اسرائيل” باتت تسلّم بفشل استراتيجيتها العسكرية، التي اعتمدتها منذ ما بعد اقامتها عام 1948،  في مواجهة تلويح حزب الله بالرد على أي عدوان واسع ضد لبنان باقتحام الجليل. وتستند مبادئ هذه الاستراتيجية على الردع والانذار والحسم. لكن بناء هذه الجدران يعني أنها تدرك بأن ردعها غير مجدي لثني حزب الله عن خيار اقتحام الجليل في مقابل أي عدوان اسرائيلي ضد لبنان.. وأن قدراتها المتطورة في توفير الإنذار المبكر، والذي عادة ما يكون مقدمة لتوجيه ضربات وقائية أو استباقية، لم يعد بالإمكان الركون اليها لتوفير الأمن للعمق الاسرائيلي، ليس فقط في مقابل صواريخ حزب الله، وانما ايضا في مواجهة رجاله المتربصين والجاهزين للانتقال الفوري الى مرحلة الهجوم..

 

 

في ضوء ما تقدم، وجدت “تل أبيب” نفسها مضطرة لدراسة خيارات بديلة، لتوفير قدر من الأمن للعمق الاسرائيلي، ونتيجة ذلك، وقع الخيار على بناء حصون ظنا منهم أنها قد تمنعهم من رجال الله، والتي عكست أيضاً حقيقة تراجع الخيارات العملانية للكيان الغاصب، من مبدأ نقل المعركة إلى أراضي العدو وتدمير قدراته واحتلال أرضه، إلى تبني منظومة عقائد دفاعية، من ضمنها حصون وجدران، ووضع عراقيل طبيعية واصطناعية للحؤول دون نجاح مجموعات حزب الله بالتوغل إلى الداخل الإسرائيلي.

 

وهكذا تتجلى على الحدود اللبنانية الفلسطينية، معالم قصة التحول في معادلات الصراع.. وكيف أن “اسرائيل” التي تملك قدرات تدميرية وتكنولوجية وعسكرية هائلة، باتت مضطرة إلى الرضوخ لمعادلة ردع متبادل، تقيد حركتها عن المبادرات العملانية المفتوحة الافاق والادوات.. وتُخضعها للتحرك تحت سقف الخطوط الحمراء للطرف المقابل، (حزب الله). والمعطى الأكثر كشفاً لحقيقة مردوعية “اسرائيل”، أنها تدرك بأن معادلة الردع التي فرضها حزب الله وفرت له مظلة سمحت له بتطوير قدرات استراتيجية باتت قادرة على نقل أي معركة إلى العمق الاستراتيجي للكيان الاسرائيلي وهو ما لم تشهده “اسرائيل” طوال الحروب العربية الاسرائيلية، منذ ما بعد حرب العام 1948.

 

الى ذلك، ينبغي تسجيل ملاحظة، أن خيار اقتحام الجليل، بات عنصر قوة اضافية يعزّز قدرة ردع حزب الله، عبر حضوره في وعي وحسابات صناع القرار السياسي والامني في تل أبيب، الذين لم يعد بامكانهم تجاهل دراسة خيارات رد حزب الله، على أي عدوان واسع ضد لبنان، ومن ضمنهم خيار اقتحام الحدود والتوغل الى عمق الجليل.

قد يعجبك ايضا