معادلة المقاومة: ردع فاستنزاف.. فتحرير
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || جهاد حيدر/ العهد الاخباري
كُتب الكثير عن تحرير العام 2000، وقد تناولوا مختلف جوانب وأبعاد هذا الانتصار التاريخي. فمن الكتابات ما تناول المحطات التي مهدت لهذا التحول المفصلي في حركة الصراع مع العدو… وأخرى تناولت المجريات الميدانية التي سبقت وواكبت هذا الحدث الذي كان ومازال حاضراً في الوعي والوجدان. ولا يخفى أن كلاً من هذه الجوانب يمكن الاسهاب في تفاصيله بما لا يسع المقام.
مع ذلك، تبقى حقيقة موازية أن الكثير من هذه الابعاد والرسائل التي ينطوي عليها هذا الحدث، وما تلاه وما سبقه، من المطلوب اعادة استحضارها وتسليط الاضواء عليها، في كل مناسبة ومع كل محطة تستوجب ذلك، وبشكل أخص عندما تكون هذه المناسبة والمحطة ذكرى التحرير نفسه.
لم يتبلور الانتصار التاريخي الذي تجلى عبر تحرير العام 2000، إلا تتويجاً لمسار من الانتصارات المتوالية والممهدة التي امتدت على سنوات مرت خلالها المقاومة بمحطات شكلت كل منها معركة قائمة بذاتها، انتهت الى نصر مدوٍّ ومؤسِّس لانجاز “فاتح زمن الانتصارات”.
من أبرز هذه المحطات التي تحوّل كل منها الى منعطف مفصلي في حركة الصراع مع العدو، بفعل الرهانات التي اسقطتها والمعادلات التي أسست لها وأرستها… اغتيال امين عام حزب الله السيد عباس الموسوي، في شباط العام 1992.. وعدوان “تصفية الحساب” في تموز 1993، وعدوان “عناقيد الغضب” نيسان 1996.. اضافة الى خيارات عملانية هجومية ودفاعية لجأ اليها العدو في سياق المعركة مع حزب الله..
إن ما يميز فعل المقاومة عن الحروب النظامية، أنها جهد تراكمي يهدف إلى استنزاف الاحتلال على المستويات كافة. وعادة ما تتعدد وتتدرج مفاعيل استمرار المقاومة على إرادة صانع القرار للعدو. من هنا كان استمرار المقاومة الجادة والفاعلة يشكل تحدياً مفصلياً وحاسماً في تحقيق النصر. خصوصاً أن تحقيق هدف التحرير كان دائماً مشروطًا باستمرار المقاومة كمسار تصاعدي إلى حين نضوج ظروف التحرير.
إن نجاح حزب الله في استمرار الاستنزاف الدموي لقوات الاحتلال في الحزام الامني، واستمرار الاستنزاف المعنوي والأمني في شمال فلسطين المحتلة رداً على كل اعتداء يستهدف المدنيين، أدى الى وضع القيادة الاسرائيلية أمام استحقاق مفصلي يفرض عليها اختيار أحد خيارين: إما التكيف مع استمرار النزف الدموي نتيجة الخسائر البشرية المتواصلة. أو اتخاذ قرار بالاندحار غير المشروط من لبنان، وخاصة بعدما فشلت كل محاولات اجتراح خيارات بديلة.. توفِّر احتلالًا آمنًا ومستقرًّا.
لم يكن نجاح حزب الله في مواصلة استنزاف العدو، ليتحقق لولا مظلة الحماية التي فرضها بفعل معادلة الردع المتبادل القائم على أساس ضرب مستوطنات الشمال في مواجهة أي محاولة اسرائيلية لتوسيع دائرة المواجهة واستهداف العمق المدني.. نتيجة ذلك، استطاع حزب الله قلب مفاعيل المعادلة التي عمد الى الترويج لها في الداخل الاسرائيلي. وتقوم هذه المعادلة، على أن “اسرائيل” تحتاج الى استمرار احتلال “الحزام الامني” لحماية شمالها، حتى لو أدى ذلك الى استنزاف بشري في صفوف جنوده.
في المقابل، حوَّلت المعادلة الصاروخية التي فرضها حزب الله على صانع القرار السياسي والامني في تل أبيب، احتلال هذه المنطقة اللبنانية، الى سبب لتدهور أمن مستوطنات الشمال (التي يفترض أن الجيش كان يحمي أمنها من خلال احتلاله اراض لبنانية) عبر استهدافها بالصليات الصاروخية ردا على أي استهداف يطال المناطق المدنية اللبنانية.
في الوقت نفسه، حولت المعادلة الصاروخية التي فرضها حزب الله، المستوطنات الشمالية إلى قيد على حركة جيش الاحتلال الذي بات مضطراً إلى أن يأخذ بالحسبان إمكانية استهدافها لدى دراسة خيارات توسيع نطاق العدوان إلى العمق اللبناني.
نتيجة الاستراتيجية التي أبدعها حزب الله، تحوَّل هذا الواقع المركب الى عامل ضغط إضافي على كيان الاحتلال يُعمِّق خسائره واستنزافه. ومن أبرز من أقرّ بشكل صريح ومباشر بهذه المعادلة التي فرضها حزب الله على الكيان الاسرائيلي، الرئيس الحالي لهيئة أركان جيش العدو غادي ايزنكوت، في محاضرة له عندما كان يتولى قيادة المنطقة الشمالية، تناول خلالها المرحلة التي كان يحتل فيها العدو الشريط الحدودي، بالقول “حرص حزب الله جداً على ألا يطلق الصواريخ على بلدات إسرائيلية، إلا أن يكون ذلك رداً على عمليات إسرائيلية… وإذا لم تخنّي الذاكرة، فإن كل إطلاق الصواريخ على البلدات الإسرائيلية كان إثر عمليات للجيش الإسرائيلي اعتبرها حزب الله تجاوزاً لخط ما” (معهد أبحاث الأمن القومي/ نشرة الجيش والاستراتيجية / المجلد ــ 2 / حزيران 2010).