نأتي إلى الحديث أيضاً عن المظالم الكبرى، هناك مظلمة شعب بأكمله، كما يجري على شعبنا اليمني اليوم في ظل هذا العدوان الأمريكي السعودي عليه، مثل ما هو حال الشعب الفلسطيني... شعوب أمتنا الإسلامية كلها مظلومة، تتفاوت نسبة الظلم من شعبٍ إلى آخر، من أخطر الأشياء على الإنسان أن يشترك في ظلمٍ كهذا، أن يشارك في ظلم شعب، في ظلم أمة، وهذا النوع من الجرائم، وهذا النوع من الظلم يمكن للإنسان أن يتورط فيه، وقد لا يشعر أنه بات متورطاً فيه.

مما يجعل الإنسان على هذا المستوى: متورطاً في جرائم كبيرة للغاية بكل ما فيها هو عدة عوامل، منها: الولاء، قال الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[المائدة: الآية 51]، نجد هذه الآية المباركة التي حرم الله فيها تحريماً قاطعاً اتخاذ اليهود والنصارى أولياء، وذكر أنهم يوالون بعضهم البعض، ويتوحدون في مواقف ظالمة، ثم أكد هذا التحريم بقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، وختم هذه الآية المباركة بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، ظلم.

هذا الجرم الفظيع، الشنيع، الكبير، الخطير، تورطت فيه حكومات وأنظمة وزعماء بأكملهم، وتورط معهم الكثير من الناس الذين اتجهوا على نحو ما هم عليه، عندما تجد ما وقع فيه النظام السعودي، النظام الإماراتي، ومن يشبههم، ومن على شاكلتهم، ومن يواليهم ويتجه معهم من أبناء الأمة، وقعوا في هذا الذنب العظيم الفظيع، الله "جلَّ شأنه" قال: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ}، يعني لا يزال يعتبر نفسه من الذين آمنوا، ولربما لا يزال يصلي، ولربما لا يزال يصوم شهر رمضان، ولربما لا يزال ينفق ويقدم الصدقات، لربما يعمل بعض الأعمال، لربما يتظاهر بالتدين، المهم أنه لا يزال يحسب نفسه من الذين آمنوا، {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ}: هو لا يزال يحسب نفسه من الذين آمنوا، يعني: لم يعلن بعد ارتداده عن الإسلام، لا يزال يشهد الشهادتين، ولا يزال يصلي، ولا يزال يحسب نفسه من المسلمين، {فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، يعني: فإنه وهو على نفس هذا الحال الذي لا يزال يحسب فيه نفسه من المسلمين، قد أصبح عند الله من أولئك الذين اتخذهم أولياء، حكمه عند الله حكمهم، يحشره الله يوم القيامة معهم، يعتبره الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" شريكاً لهم في كل جرائمهم وفي كل ظلمهم.

هذا الظلم العظيم؛ لأن ظلم اليهود ظلم رهيب جدًّا، اليوم ظلم اليهود الصهاينة- لربما- هو في أعلى مستوى في الأرض، ظلم رهيب جدًّا، وظلمهم يمتد إلى الواقع البشري في كل أنحاء العالم، من خلال نفوذهم، وسيطرتهم، وتأثيرهم في السياسات والمواقف العالمية، ومن خلال تأثيرهم في كبريات الدول، وتأثيرهم على قراراتها، ومواقفها، وسياساتها، وتوجهاتها، ومن خلال مؤامراتهم الشاملة التي تمتد إلى بقية ومختلف الشعوب والأمم، ظلمهم رهيب جدًّا، من أفظع الأشياء، ومن أكبر الخسارة أن يورط الإنسان نفسه ليكون شريكاً لهم في ظلمهم العالمي، ظلمهم هو ظلم عالمي.

تنبه.. قد تكون متولياً لأمريكا وإسرائيل!

عندما يتخذهم الإنسان أولياء: إما بأن تنسق مع الإسرائيلي بشكلٍ مباشر، وإما أن تكون مع من يواليه، قد لا يحتاج الأمر لتحسب معه، وتحسب في صفهم، وتحسب في موقفهم، قد لا يستدعي ذلك أن تكون على تنسيق مباشر مع الإسرائيلي، لكن عندما تنسق أنت مع من ينسق مع الإسرائيلي، أنت تنسق مع السعودي، وهو ينسق مع الإسرائيلي، أنت تنسق مع الإماراتي، وهو ينسق مع الإسرائيلي، أنت مع طرف، هذا الطرف هو بنفسه متحالف مع أمريكا؛ في هذه الحالة أنت دخلت في صفهم، أنت دخلت في معيتهم، أنت صرت من جملتهم أنت أصبحت داخلاً في هذه القاعدة القرآنية التي تقول: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، فأصبحت بذلك شريكاً لهم في ظلمهم، وظلمهم كبير، وظلمهم عظيم، ظلمهم عالمي، ظلمهم سحقوا فيه شعوباً بأكملها، ظلمهم يشمل الواقع البشري في كثيرٍ من أنحاء الأرض، في كل مجالات الحياة هم يظلمون الناس ظلماً عاماً وشاملاً، يظلمون الناس اقتصادياً، يظلمون الناس عسكرياً، وأمنياً، وسياسياً، وثقافياً... ظلمهم شامل في كل مناحي الحياة.

قد يكون الإنسان في مجتمعٍ من المجتمعات الإسلامية يعتبر نفسه أنه خفيف الظهر، لم يقتل في حياته أي أحد، ولم يباشر في حياته لارتكاب جرائم معينة في حق المجتمع مثلاً، لكنه لا يدري أنه بولائه لأولئك، بدخوله ضمن هذا الاتجاه: اتجاه الولاء لأمريكا، الولاء لإسرائيل، اتخاذ اليهود والنصارى أولياء بشكل مباشر، أو الدخول مع من يواليهم، أنه أصبح ثقيل الوزر، فظيع الذنب، عظيم الحمل والوزر والذنب، وأنه أصبح من جملة أولئك الذين هم أظلم عباد الله، ويتحملون أوزاراً رهيبةً جدًّا، وستكون حسرة هذا النوع من الناس يوم القيامة حسرةً رهيبة؛ لأنه يتوقع أنه سيأتي يوم القيامة ويقول: [أنا لم أقتل في حياتي أحداً]، فإذا هو شريك في جرائم اليهود، في جرائم الإسرائيليين، لماذا صار شريكاً معهم في جرائمهم؟ لأنه أيدهم، كيف أيدهم؟ إما أيدهم بشكلٍ مباشر، أو كان مع من يؤيدهم، وقف في صفه، ناصره، ووقف ضد من يعترض عليه، فهذا أمرٌ خطيرٌ جدًّا، ولأن معايير الناس لم تعد قرآنية؛ صارت تصنيفاتهم للأمور تصنيفات ضعيفة، وغير موفقة إلى حدٍ كبير، أكثر الناس هم على هذا النحو: لا يدرك مثلاً أن هناك بعض الأمور التي هي خطيرة جدًّا، ويستبسطها للغاية، قد يعتبرها من أبسط الأمور، من أسهل الأشياء، قد لا يعتبرها من الذنوب أصلاً، والذي يحدد لنا ما هي الذنوب هو الله، وهذا قرآنه، هذه آياته، هذه كلماته، عندما يقول: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، ويختمها بقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، فهذا من أكبر الظلم.

يجب على الناس أن يحذروا من كل أشكال التأييد لأمريكا وإسرائيل، ومن كل أشكال التأييد لمن يوالي أمريكا وإسرائيل، هذه حالة خطرة جدًّا، عندما تؤيد بالموقف، عندما تؤيد بالكلام، عندما تؤيد بالقتال، عندما تؤيد بالمال، عندما تؤيد بأي شكلٍ من أشكال التأييد أمريكا أو إسرائيل، أو من يوالي أمريكا وإسرائيل؛ فأنت تدخل بلا شك ضمن هذا الوعيد الإلهي، وأنت دخلت تحت هذا التصنيف الذي هو تصنيفٌ من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وهو أصدق القائلين، هو "جلَّ شأنه" الذي قال: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}؛ وحينها تصبح شريكاً لهم في ظلمهم، ظلم رهيب، ظلم لشعوب، ظلم لأمم، ظلم شامل في كل مجالات ومناحي الحياة، ظلم خطير جدًّا، وستورط نفسك هذه الورطة الرهيبة جدًّا؛ فتكون من الظالمين والعياذ بالله.

 

السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي

المحاضرة الرمضانية الخامسة عشرة: 14 رمضان 1441هـ 7 مايو 2020م