رسول الله "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ" عندما تحرك بالرسالة الإلهية، بما فيها من مبادئ، وقيم، وتعليمات، وتوجيهات، وإرشادات، حقق في الواقع نقلةً هائلةً جدًّا، مع أنه واجه الصعوبات الكبيرة، وعمِل في واقع معقد، فيه الكثير من التعقيدات، وفي ظروف بالغة الصعوبة، وواجه مشاكل كبيرة جدًّا، وبدون إمكانات مادية، تحرك بدون إمكانات مادية، وتحرك بمن؟ تحرك منذ البداية بمن تحركوا معه، آمنوا به، استجابوا له، آمنوا بهذه الرسالة، أكثرهم؛ وهم قلة من حيث المجموع، أكثر تلك القلة من المستضعفين، ومع ذلك حقق نقلةً كبيرةً جدًّا، نقلةً هائلة، أحدثت تغييرًا لا مثيل له في أي تجربة من تجارب البشر في ماضي التاريخ الذي وصل إلينا.

 المتغيرات العجيبة التي صنعها، التأثير الكبير الذي صنعه: تأثير عظيم جدًّا، والنجاح الكبير الذي حققه أيضًا: مسألة واضحة جدًّا، وأضف إلى ذلك: أنه بقي أثر ذلك تلك النتائج ممتدًا في المجتمع البشري، ويبقى ممتدًا إلى قيام الساعة.

 التجربة تلك الناجحة، التي عالجت مشكلات متنوعة، مشكلات سياسية، مشكلات اجتماعية، مشكلات أخلاقية، مشكلات اقتصادية، مختلف المشاكل التي كانت موجودة في واقع المجتمع آنذاك، في مختلف المناطق والبلدان. فكان للإسلام أثره في أن يغيِّر إلى حدٍّ كبير، ولو في ظروف معينة محدودة، لكن قد حصل ما يشهد بوضوح للإيجابية الكبيرة لذلك المنهج الإلهي، وللنجاح الكبير الذي حققه رسول الله "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ" عندما تحرك على أساس ذلك المنهج.

 فما أحوجنا اليوم، وما أحوج النُّخَب من أبناء أمتنا، إلى أن يلحظوا هذه العبارة: ((فَارْضَ بِهِ رَائِدًا))، اِرضَ. عندما تتأمل، عندما تفهم، سترضى، قد تكون بعيدًا عن الرضا بذلك، وأنت تبحث عن البدائل هنا وهناك؛ لأنك لم تستبعد بالشكل المطلوب.

 ((فَإِنِّي لَمْ آلُكَ نَصِيحَةً))، يعني لم أقصِّر في نصحك. ((وَإِنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ فِي النَّظَرِ لِنَفْسِكَ- وَإِنِ اجْتَهَدْتَ- مَبْلَغَ نَظَرِي لَكَ))، قد يفكر الإنسان ويقول: [أنا سأنظر لنفسي]، وقد تكون منطلقاتك وأنت تنظر لنفسك إما منطلقات محدودة، ومشوشة، وغير صحيحة، وإما قد تكون أيضًا من زاوية ضيقة، أو من منظور محدود.

 ما قدَّمه لنا أمير المؤمنين "عَلَيهِ السَّلَامُ" في هذه الوصية من نصائح، من إرشادات، من تعليمات، قدمها من واقع تجربته العظيمة، وعيه العالي، معرفته الكبيرة، علمه العظيم، إخلاصه، استيعابه للواقع، فهمه العميق. ولذلك مهما كان مبلغ نظرنا لأنفسنا؛ بمعرفتنا المحدودة، بالمؤثرات التي تؤثر علينا في أنفسنا، في اهتماماتنا، في حساباتنا، في تقديراتنا للأمور، فسيبقى ما لدينا محدودًا، محدودًا بشكلٍ كبير. أمّا ما قدَّمه أمير المؤمنين، فلن نبلغ- مهما نظرنا لأنفسنا- مبلغ نظره لنا، هذه نقطة مهمة؛ لأن الإنسان قد يغتر بنفسه، البعض من الناس عنده بعض مشاعر الغرور، لا يعرف قدر نفسه، فهو يتَّكِل على نفسه، فيقول: [أنا سأنظر إلى لنفسي بنفسي، لن أحتاج إلى هذه النصائح، ولا إلى هذه التعليمات، ولا إلى غير ذلك].

 

 السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي

من محاضرة: الدرس العاشر من وصية الإمام علي لابنه الحسن عليهما السلام

 16-12-1444ه 4-يوليو-2023م