موقع أنصار الله . تقرير 

 

بعد عدة أسابيع من المفاوضات الأخيرة التي خاضتها حركة المقاومة الإسلامية حماس مع العدو الصهيوني  برعاية مصرية قطرية وتحت مظلة أمريكية داعمة للعدو الإسرائيلي، أصدرت الإدارة الأمريكية تصريحات تفيد بانهيار المفاوضات نهائيَا، والانتقال إلى مرحلة أكثر تصعيدًا ضد المقاومة وسكان غزة.

جاء ذلك على لسان كل من المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الذي وصف موقف حركة حماس بـ”الأناني”، مهددًا بالبدء ببحث استعادة الأسرى بطرق أخرى غير المفاوضات، فيما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الجمعة، انسحاب وفد الوساطة الأمريكي من المفاوضات، مضيفًا أنهم يتجهون "للقتال من أجل القضاء على حماس”، حسب تعبيره.

يكاد لا يسمع العربي والفلسطيني اسم أي رئيس أمريكي أو "الولايات المتحدة الأمريكية" حتى يعود ذهنه سريعاً إلى المجازر التي ارتكبها العدو الإسرائيلي طوال عقود، برعاية أمريكية وسلاح ودعم عسكري ودبلوماسي وسياسي أمريكي، حتى صارت المتلازمة في العقل العربي والفلسطيني أن "إسرائيل" هي أمريكا.

عرفت الولايات المتحدة الأمريكية منذ قيام الكيان الإسرائيلي بعد نكبة الشعب الفلسطيني، في 1948، عدة رؤساء، لكن ما اجتمعوا عليه -رغم اختلاف أيديلوجياتهم وعقائدهم السياسية والاجتماعية- هو الاستمرار في دعم "إسرائيل".

خلال 21 شهرا من العدوان الإسرائيلي على غزة، كانت الإدارة الأمريكية -سواء في عهد بايدن أو ترامب- هي الحامي الأول للإجرام الصهيوني، فتحت واشنطن مخازن أسلحتها، حركت أساطيلها البحرية، سخّرت أجهزتها الاستخباراتية لتأمين المعلومات للعدو، ضغطت سياسيا على الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وحالت دون إصدار قرار يمنع إيقاف العدوان على غزة. ضغطت على الدول وأرغمتها على السكوت أمام ما يجرى في غزة، بل وشكلت تحالفات دولية للوقوف في وجه من يسند الشعب الفلسطيني، فشنت عدوانا على اليمن، وضربت المنشآت النووية الإيرانية، ولا زالت حتى اللحظة تقود العمليات العدوانية على غزة.

أتقن المجرم ترامب لعبة "شد الحبل"، فما إن تصل الأزمة في غزة إلى ذروتها ويبدأ السخط العالمي يتعالى، والضغوط الدولية تشتد، حتى يسارع ترامب وإدارته في تبني جولة جديدة من المفاوضات، في ظاهرها الرأفة بغزة، وباطنها تحقيق ما عجزت عنه "إسرائيل" عسكريا بطرق دبلوماسية.

استهداف المقاومة عبر "تجويع الشعب"

في خضم التطورات المتسارعة التي تشهدها الساحة الفلسطينية، يأتي صوت ترامب ليُلقي بظلاله، مُقدِّماً رؤية لا تُبقي مجالاً للالتباس حول موقفه مما يجري في غزة، وتحديداً من المقاومة الفلسطينية. فقد حملت تصريحاته الأخيرة رسائل بدلالات عميقة، موجهة بالأساس إلى الشعب الفلسطيني في غزة، وتحمل في طياتها دعوة صريحة للتمرد على المقاومة.

لقد أعلن ترامب بوضوح، وبما لا يدع مجالاً للشك، أن "الحرب لن تتوقف لا باتفاق ولا بصفقة، بل فقط بالقضاء على حماس". هذا التصريح يكشف عن استراتيجية خبيثة لا تستهدف المقاومة بشكل مباشر فحسب، بل تسعى إلى مخاطبة أهل غزة أنفسهم. إنها محاولة مكشوفة لتحويل سكان القطاع المحاصر إلى أداة ضغط داخلية ضد من يحملون السلاح دفاعاً عنهم.

غزة تباد بالسلاح الأمريكي

حصيلة الإبادة الجماعية التي يرتكبها العدو الإسرائيلي هي بقنابل أمريكية الصنع وغطاء سياسي، وبالتالي فأهل غزة باتوا جميعا على قناعة أن أمريكا هي "إسرائيل"، وهما شريكان في الجريمة والعدو الأول لغزة وللقضية الفلسطينية، وهذه حقائق لا يمكن إنكارها أو تجاهلها.

على ساحة الوجع الغزاوي، لم يختلف صباحُ اليوم الثلاثاء 29 يوليو عن سابقه في وحشيته، استيقظ حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة على أنباء فاجعة. منزلٌ آمن تحول إلى ركام، وأفادت مصادر فلسطينية باستشهاد شخصين جراء القصف المباشر الذي استهدف مساكن المدنيين، في تكرار لسيناريو استهداف المنازل الآمنة. لم يمضِ وقت طويل حتى عادت المنطقة ذاتها لتشهد مجزرة أخرى، حيث أفادت التقارير بسقوط خمسة شهداء وعدد من الجرحى والمفقودين في قصفٍ وحشي لمنزل آخر في منطقة النديم بحي الزيتون، لتتحول أحلام قاطنيه إلى كابوسٍ من الدمار.

وبعيداً عن المنازل المدمرة، تحولت نقاط توزيع المساعدات الإنسانية إلى بؤر للموت. بالقرب من المستشفى التركي ومناطق تجمع المدنيين الباحثين عن بصيص أمل في لقمة العيش، عُثر على جثامين ثلاثة شهداء مجهولي الهوية. لم تكن هذه الحادثة الوحيدة، ففي منطقة الشاكوش شمال غرب مدينة رفح، حيث يتجمع الأهالي في انتظار المساعدات، ارتقى أربعة شهداء آخرين بنيران العدو، وارتفع عدد الجرحى، في مشهدٍ يعكس استهدافاً مباشراً للمدنيين المنتظرين.

وفي الجنوب، لم تكن مواصي خان يونس بمنأى عن هذا العنف المتصاعد. ففي منطقة "المواصي" التي لجأ إليها آلاف النازحين بحثاً عن ملاذ آمن، تحولت الخيام إلى أهداف مباشرة. أربعة شهداء ارتقوا في قصفٍ استهدف خيمة تؤوي نازحين، لتتلاشى آمالهم في الأمان تحت الركام المحترق. وبعد ساعات قليلة، استشهدت طفلة بريئة وأصيب آخرون جراء قصفٍ آخر استهدف خيمة تؤوي نازحين قرب محطة إيتا في ذات المنطقة، ما يؤكد على استهداف منهجي للوجود المدني الفلسطيني. أما في محيط مراكز المساعدات بين مدينتي خان يونس ورفح فقد شهدت الساعات الماضية ارتقاء سبعة شهداء في حصيلة صادمة تؤكد حجم الاستهداف الذي يتعرض له الباحثون عن النجاة.

أرقام تروي فصول الإبادة

إن الأرقام التي أوردتها مصادر طبية فلسطينية ووزارة الصحة في غزة ترسم لوحة قاتمة لمأساة إنسانية غير مسبوقة. فمنذ فجر اليوم. وزارة الصحة في غزة أعلنت ، اليوم الثلاثاء، ارتفاع حصيلة ضحايا الإبادة الإسرائيلية إلى 60,034 شهيدًا و145,870 إصابة منذ 7 أكتوبر/ 2023. مبينة أن 113 شهيدًا و637 جريحًا وصلوا مستشفيات قطاع غزة خلال الساعات الـ24 الماضية.

وذكرت الصحة أن حصيلة الضحايا المجوّعين الذين قضوا برصاص العدو الإسرائيلي قرب نقاط توزيع المساعدات الإنسانية المزعومة ارتفعت إلى 1,179 شهيدًا وأكثر من 7,957 جريحًا، حيث استقبلت المستشفيات خلال 24 ساعة الماضية 22 شهيداً، و199 إصابة.

وأفادت بأن حصيلة الشهداء والإصابات منذ 18 مارس 2025 بلغت 8,867 شهيدًا 33,829 إصابة، ما يرفع حصيلة ضحايا الإبادة منذ 7 أكتوبر 2023 إلى 205,904 شهيدًا وجريحًا.

ومساء اليوم قال مصدر طبي بمستشفى شهداء الأقصى، إن الطفلة مكة الغرابلي قد توفيت بسبب الجوع وسوء التغذية. ما يرفع عدد حالات الوفاة بسبب حرب التجويع إلى 148 حالة؛ بينها 89 طفلًا.

وتظهر بيانات وزارة الصحة الفلسطينية أن أكثر من 260 ألف طفل دون سن الخامسة يعانون من نقص غذائي حاد، قد يودي بحياتهم في أي لحظة.

أرض المقاومة المتجذرة

من يعرف طبيعة الشعب الفلسطيني، وتحديداً الغزاويين، يُدرك أن تهديدات ترامب وسياسة التجويع الإسرائيلية لن تجد أرضاً خصبة لتزدهر فيها. غزة ليست فصيلاً مقاوماً، بل هي بيئة مقاومة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، والمقاومة في غزة لم تكن قرار نخبة أو حزب، بل كانت خيار شعب بأكمله في وجه الاحتلال والعدوان.