موقع أنصار الله . تقرير | أنس القاضي
عُقد مؤتمر "الأمن البحري" في الرياض (16 سبتمبر 2025م) برعاية سعودية-بريطانية، وبمشاركة أكثر من 40 دولة، وُصِف إعلامياً بأنه لتعزيز قدرات خفر السواحل وتأمين الملاحة. واقعياً، يمثل المؤتمر خطوة عملية في مسعى إعادة تشكيل الوجود البحري على السواحل اليمنية عبر وكلاء محليين، وذلك بعد فشل الحرب الأمريكية البريطانية والإسرائيلية في تحييد القدرات البحرية اليمنية.
الهدف الغربي-الخليجي هو خفض الكلفة المباشرة، بإعادة توزيعها على الدول المشاركة في المؤتمر، ومحلياً بالاعتماد على الوكلاء من المرتزقة مع دعم لوجسيتي كبير استخبارياً ومالياً، بينما يسعى الاحتلال لحماية خطوطه البحرية ومصالحه الاقتصادية.
الإعلان عن تمويلات وتدشين "أمانة الشراكة" يوفّر غطاءً دبلوماسياً لتحريك قوات المرتزقة (الانتقالي، طارق عفاش، العليمي)، وتفتيت الساحل إلى مربعات نفوذ. هذا التحرك يتقاطع مع مخاطر إضافية (عقوبات اقتصادية، استهداف البنية التحتية لموانئ الحديدة، وإمكانية تحريك المرتزقة برّاً) ما يجعل من المحتمل الانزلاق إلى مواجهة بحرية–اقتصادية–ميدانية خطرة.
التقدير الختامي، المؤتمر ليس مجرد بيان دبلوماسي، بل جزء من مشروع عدواني متعدد المحاور، يشمل الحرب الاقتصادية، واستهداف البنية التحتية في الحديدة، وتشديد الحصار، وبناء عدن "كعاصمة بديلة" مع تقوية موقعها الاقتصادي والدبلوماسي، ومن ذلك مؤخراً نقل أحد مكاتب الأمم المتحدة مقره من صنعاء إلى عدن.
عُقد مؤتمر "الأمن البحري" في الرياض يوم 16 سبتمبر 2025م بمشاركة أكثر من أربعين دولة ومنظمة دولية، وبرعاية سعودية بريطانية، في إطار ما وُصف بأنه مبادرة لتعزيز قدرات خفر السواحل اليمنية، و"تأمين الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن ومضيق باب المندب".
غير أن القراءة الموضوعية تكشف أن المؤتمر يمثل حلقة جديدة في مسار إعادة صياغة الحضور العسكري الغربي والإقليمي على الشواطئ والجزر اليمنية تحت غطاء "دعم القدرات المحلية"، في محاولة لتقليل الكلفة المباشرة التي تحملتها الولايات المتحدة وبريطانيا خلال الحرب البحرية مع اليمن منذ أكثر من عام ونصف.
فشل الأساطيل الغربية في ردع العمليات البحرية اليمنية، وعدم قدرتها على حماية السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني، جعل خيار الوكلاء المحليين هو البديل المطروح، انسجاماً مع توصيات مراكز الأبحاث الغربية والإسرائيلية التي دعت إلى إنشاء قوات ساحلية يمنية تابعة، تعمل بالنيابة عن الوجود المباشر، مع بقاء الدعم الفني والاستخباراتي الغربي حاضراً.
توقيت المؤتمر يعكس هواجس الغرب والخليج من تطور معادلة البحر الأحمر، بعد أن فرضت صنعاء حصاراً فعلياً على السفن المتجهة إلى موانئ الاحتلال، وهو ما كشف هشاشة المصالح الاقتصادية الصهيونية، وممرات الطاقة التي تعتمد عليها أوروبا.
والقوى الفاعلة في هذا التحالف هي بدرجة أولى بريطانيا والسعودية والإمارات، ومن المُلاحظ أن الاهتمام البريطاني بهذا التحالف يتفوق على الاهتمام الأمريكي، ويظل العدو الصهيوني أحد أبرز الفاعلين، ولكن من خلف الستار.
جاء الإعلان السعودي عن تقديم دعم مالي مباشر بقيمة أربعة ملايين دولار لخفر السواحل، وتدشين "الأمانة العامة للشراكة الدولية"، ليمنح غطاء دبلوماسياً لحركة قوات المرتزقة في الساحل الغربي، حيث توزعت الأدوار بين قوات المجلس الانتقالي في البحر العربي، وقوات طارق عفاش في الساحل الغربي، وخفر السواحل التابع لحكومة العليمي في جزيرة ميون بباب المندب. هذا التوزيع يعكس محاولة تقسيم السواحل اليمنية إلى مناطق نفوذ، لضمان السيطرة الأجنبية، ومنع نشوء قوة بحرية موحدة ومستقلة.
الخطاب الدعائي المصاحب للمؤتمر جاء منسجماً مع الهدف السياسي؛ إذ تحدث السفير السعودي عن "حماية المجتمعات الساحلية، وتوسيع الفرص الاقتصادية"، في مسعى لتجميل عسكرة البحر الأحمر، وإظهار الرياض بمظهر القائد الإقليمي الحريص على التنمية، بينما كان الموقف الأمريكي أكثر صراحة بربط المؤتمر بـ"الإرهاب الحوثي" و"الأنشطة الإيرانية الخبيثة"، وهي عبارات تكشف الطابع العدواني المباشر للتحرك، وتضعه في سياق المواجهة الشاملة مع اليمن ومحور المقاومة. أما بريطانيا فقدمت مشاركتها بوصفها التزاماً بدعم قدرات محلية لتقليل تكاليف الانخراط العسكري المباشر، بما يعكس إدراكاً استراتيجياً لضرورة البقاء في المشهد عبر الإشراف المؤسسي والفني، دون تحمل الأعباء القتالية.
انعكاسات المؤتمر تحمل أبعاداً متعددة؛ فمن جهة الهدنة القائمة (خفض التصعيد) بين صنعاء والرياض فإن رعاية السعودية لمثل هذا التحرك تمثل خرقاً جوهرياً، إذ يجري تشكيل جبهة جديدة على السواحل اليمنية قد تتحول إلى منصة لمواجهة مباشرة مع القوات المسلحة اليمنية.
وعلى المستوى الجيوسياسي، يسعى المشروع إلى إعادة تشكيل المعادلة الأمنية في البحر الأحمر لصالح الغرب والكيان الصهيوني، في وقت يتصاعد فيه التنافس مع قوى دولية أخرى كإيران والصين وروسيا التي تراقب الممرات البحرية، وتدرك أهميتها الاستراتيجية. وعلى الصعيد الأوروبي، فإن كثيراً من الدول المشاركة في المؤتمر كانت قد انسحبت أو قلصت انخراطها في التحالفات البحرية السابقة، نتيجة إدراكها خطورة الانخراط المباشر في القتال ضد صنعاء، ولذلك فإن حضورها في الرياض أقرب إلى الحضور الرمزي الذي يهدف إلى تسجيل موقف سياسي دون التورط في مغامرة عسكرية، باستثناء بريطانيا المهتمة -من قبل العدوان- بالملف البحري اليمني كإرث استعماري، وكذلك فرنسا التي تعتمد على البحر الأحمر للوصول إلى مستعمراتها القديمة في منطقة الهند الصينية، والتي لا تزال ملحقة بالاقتصاد الفرنسي. وهناك مؤشرات لا زالت محدودة حول طموح اليونان للعب دور عسكري أكبر في إطار الناتو، وهو ما يجعلها أميل إلى الانخراط في مشاريع عدوانية غربية.
في التقدير العام، يمثل مؤتمر الرياض أكثر من مجرد لقاء دبلوماسي ودعاية أمنية؛ إذ يتقاطع مع مسار عدواني واسع يستهدف السلطة الوطنية في صنعاء من عدة اتجاهات متوازية: الضغوط الاقتصادية عبر العقوبات والحصار، والاستهداف الإسرائيلي المباشر للبنية التحتية في الحديدة وموانئ البحر الأحمر، ومحاولة إعادة تفعيل أدوات المرتزقة محلياً على الساحل الغربي.
هذا التداخل يجعل من المؤتمر غطاءً لإعادة صياغة استراتيجية عدوانية تهدف إلى نقل المعركة إلى جبهة جديدة بحرية–اقتصادية–ميدانية، بما يحوّل البحر الأحمر إلى ساحة اختبار مفتوحة لاستنزاف صنعاء وقدراتها.
رهان التحالف اليوم لا يقتصر على إظهار صورة "تحالف دولي"، بل يتجاوز ذلك إلى محاولة خلق وقائع ميدانية على الساحل الغربي، عبر تحريك المرتزقة تحت شعار "خفر السواحل"، مع استهداف الكيان للموانئ.
وعليه، فإن مؤتمر "الأمن البحري" خطوة خطرة في سياق مشروع متكامل يسعى لإضعاف اليمن عبر تطويق عسكري واقتصادي، واستهداف مباشر للبنية التحتية، ما يجعل احتمالات المواجهة كبيرة.