خفايا اضطهاد مسلمي ميانمار؛ جرح الأمة النازف منذ القرن السادس عشر

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||  الوقت التحليلي

تقع جمهورية اتحاد ميانمار بالبورمية في جنوب شرق آسيا، وانفصلت في الأول من أبريل عام 1937  عن حكومة الهند البريطانية لتصبح مستعمرة بريطانية منفصلة. وفي 1940 أسست ميليشيا “الرفاق الثلاثون” جيش الاستقلال البورمي لطرد الاحتلال البريطاني، وقد نال قادة هذا الجيش التدريب العسكري في اليابان، وعادوا مع الغزو الياباني في 1941 مما جعل ميانمار خطا للمواجهة في الحرب العالمية الثانية بين بريطانيا واليابان، وفي يوليو 1945، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لصالح الحلفاء أعادت بريطانيا ضمها كمستعمرة، واستعر صراع داخلي بين البورميين أنفسهم بين موال لبريطانيا وموال لليابان ومعارض للطرفين، وفي النهاية نالت البلاد استقلالها سنة 1948  وانفصلت عن بريطانيا.

 

ويختلف سكان بورما من حيث التركيب العرقي واللغوي فيتحدث أغلب سكانها اللغة البورمية ويطلق على هؤلاء (البورمان) وباقي السكان يتحدثون لغات متعددة، ومن بين الجماعات المتعددة جماعات الأركان، ويعيشون في القسم الجنوبي من مرتفعات أركان بوما وجماعات الكاشين وينتشر الإسلام بين هذه الجماعات.

 

دخول الاسلام الى ميانمار

 

يعود دخول الإسلام في بورما عن طريق اقليم “اراكان” بواسطه التجار المسلمين، ويقول المؤرخ الشهير “أر. بي. اسمارت” صاحب كتاب: ” Burma Gazetteer”:  كان للتجار العرب صلة وثيقة مع أهل أراكان منذ قبل 788م، وكانوا قاموا في ذاك الوقت بتعريف الإسلام أمامهم بأسرع ما يمكن، وكانت ميناء جزيرة رحمبري في جنوب أراكان اسما مألوفا لدى البحارة العرب.

 

بداية الاضطهاد الديني للمسلمين

 

كان أول ظهور للإضطهاد الديني للمسلمين في عهد الملك “باينوانغ” 1550-1589 م، فبعد أن استولى على باغو في 1559 حظر ممارسة الذبح الحلال للمسلمين، وسبب ذلك هو التعصب الديني، وأجبر بعض الرعايا للاستماع إلى الخطب والمواعظ البوذية مما يجبرهم لتغيير دينهم بالقوة، ومنع أيضا عيد الأضحى وذبح الأضاحي من الماشية، وقد منع أيضا الملك “الاينجبايا” الأكل الحلال في القرن الثامن عشر.

 

وفي عهد الملك “بوداوبايا” (1782-1819) قبض على أربعة أشهر أئمة ميانمار المسلمين في “مييدو” وتم قتلهم في العاصمة أفا بعد رفضهم أكل لحم الخنزير.

 

المسلمون في ظل الحكم البريطاني

 

ساهمت الضغوط الاقتصادية وكراهية الأجانب إلى زيادة المشاعر المناهضة للهنود ومن ثم المسلمين، ففي أعقاب أعمال شغب مناهضة للهنود سنة 1930، اندلعت توترات عنصرية بين العرقية البورمية وبين المهاجرين الهنود والسلطة البريطانية، وتحولت المشاعر البورمية ضد هؤلاء بأنهم أجانب وشملت المسلمين من كافة الأعراق، وبعدها في سنة 1938 اندلعت اعمال شغب ضد المسلمين متأثرة بأقوال الصحف.

 

قاتلو البقر

 

ساءت أحوال المسلمون بعد انقلاب الجنرال ني وين عام 1962، فقد طردوا من الجيش وتعرضت تلك الأقلية للتهميش والإقصاء، ووصفت الأغلبية البوذية المسلمين بأنهم “قاتلي بقر” حيث هي ذبائحهم من الماشية في عيد الأضحى، واستخدموا ضدهم كلمة “كالا” وهي كلمة عنصرية مهينة تعني الأسود، ووزعت اتهامات بالإرهاب ضد المنظمات الإسلامية مثل اتحاد مسلمي بورما.

 

من هم الروهينجا؟

 

الروهينجا اسم قومية عرقية تنتمي الى عائلة الشعوب الهندية وتقطن في ولاية أراكان غربي ميانمار. وحسب التقديرات الرسمية لسنة 2012 يوجد 800,000 روهينجي في أراكان بعد أن كان عددهم حوالي 5.000.000، وتعتبرهم الأمم المتحدة بأنهم أكثر الأقليات إضطهادا في العالم، وهناك العديد منهم قد فر ويعيشون كلاجئين في مخيمات في بنغلادش المجاورة وعدة مناطق داخل تايلاند على الحدود مع بورما.

 

يعترف دستور ميانمار بـ 135 قومية في البلاد، إلا أن قومية الروهينجا ليست ضمن هؤلاء، وفي عام 1948 أي بعد استقلال ميانمار، منحت جنسية البلاد لكل من شخص عاش جيلان من أبنائه على أراضي ميانمار، وقد دخل بعض هؤلاء الحاصلين على الجنسية في عام 1948 الى البرلمان.

 

وبعد الانقلاب العسكري في عام 1962، تم اعتبار مسلمي الروهينجا من الاجانب، وتم منعهم من الحصول على الكثير من الوظائف وحرمانهم من التعليم العالي ودخول الجامعات، وفي عام 1982 أطلقت حكومة ميانمار رصاصة الرحمة على موضوع تجنيس المسلمين باقرارها قانونا جديدا للتجنيس ومنذ ذلك الحين تعرض المسلمون للاضطهاد، القتل، والعنف مما دفع الكثيرون منهم الى النزوح او الفرار من البلاد. ومن يذهب للخارج يطُوى قيده من سجلات القرية، أما إذا عاد فيُعتقل عند عودته، ويرمى به في غياهب السجون

 

حياة المسلمين في ميانمار في القرن الحادي والعشرين

 

يتعرض المسلمون في ميانمار وخصوصاً في أراكان لحملات قمع منظمة من قبل مليشيات وجماعات بوذية من دون تدخل السلطات لحمايتهم؛ حيث يتجول العكسر، وهيئات التنفيذ القضائي وسفاحو “الماغ” (البوذيين) بأنحاء القرى المسلمة ويعتدون على أملاك المسلمين وحرماتهم، فيما يُجبر المسلمون على تقديم خدمات مختلفة للسلطات على مدى العام من دون مقابل.

 

وتمنع السلطات المسلمين من استضافة أحد في بيوتهم ولو كانوا أشقاء أو أقارب إلا بإذن مسبق، أما المَبيت فيُمنع منعاً باتاً، ويعتبر جريمة كبرى ربما يعاقَبُ عليها بهدم منزله أو اعتقاله أو طرده من البلاد هو وأسرته.

 

لا تسمح الحكومة بطباعة الكتب الدينية وإصدار المطبوعات الإسلامية إلا بعد إجازتها من الجهات الحكومية وهذا أمر صعب جداً، فيما تصادر الحكومة ممتلكات الأوقاف والمقابر المخصصة لدفن المسلمين وتُوزّعها على غيرهم أو وتحوّلها إلى مراحيض عامة أو حظائر للخنازير والمواشي، بينما يتعرّض كبار رجال الدين للامتهان والضرب ويتم إرغامهم على العمل في معسكرات الاعتقال.

 

وهدمت السلطات عدد من المساجد وحولتها إلى خمّارات ودُور سَكَن أو إلى مستودعات وثكنات عسكرية ومتنزّهات عامة، وفي هذا الصدد قال نائب رئيس اتحاد الطلاب المسلمين في إقليم أراكان “إبراهي محمد عتيق الرحمن في تصريح سابق له: إنّ حكومة ميانمار قامت خلال عام 2001 م بتدمير نحو 72 مسجداً وذلك بموجب قانون أصدرته منعتْ بموجبه بناء المساجد الجديدة أو ترميم وإصلاح المساجد القديمة، كما أن هذا القانون ينص على هدم أي مسجد بُنِيَ خلال العشر سنوات الأخيرة.

 

المرأة المسلمة في ميانمار

 

يتم حقنْ النساء المسلمات في حالات كثيرة بحقن مانعة للحمل، وتم رفع سن الزواج للفتيات الى 25 عاماً والرجال 30 عاماً، كما يتمنع عقود النكاح إلا بعد إجراءات طويلة وإذن من السلطات، ومنع الزواج مرة أخرى للمطلق أو الأرمل إلا بعد مرور سنة، ومن يخالف ذلك يعُرّض نفسه للسجن والغرامات الباهظة أو الطرد من البلد. والهدف من كل ذلك هو القضاء عليهم أو تقليل أعدادهم.

 

إذا حَمَلَت الزوجة فلا بدّ من ذهابها طِبْقاً لقرار السلطات الحاكمة إلى إدارة قوّات الأمن الحدودية “ناساكا ” لأخذ صورتها الملوّنة كاشفة بطنها بعد مرور كلّ شهر حتّى تضع حملها، وفي كلّ مرة لا بدّ من دفع الرسوم بمبلغ كبير، وذلك للتأكّد كما تدّعي السلطة من سلامة الجنين، ولتسهيل إحصائية المولود بعد الولادة.

 

مذابح عام 2012

 

يتبع اكثر من 87 في المائة من مواطني ميانمار التعاليم البوذية، وفي عام 20112 ادعت مجموعة بوذية تعرض امرأة للاغتصاب والقتل على يد مسلمين، فكان هذا الادعاء حجة للمتطرفين البوذيين لشن هجوم ضد المسلمين أدى الى مقتل أكثر من 200 مسلم ونزوح الآلاف. ومنذ ذلك الحين تكررت الجرائم ضد المسلمين بنفس الحجج الواهية، فيما وقفت القوات الحكومية موقف المتفرج، وشيئا فشيئا تحول الصمت الحكومي الى مجاراة، فأصبحت القوات الحكومية تشارك في المجازر، الاغتصاب، التمثيل بجثث المسلمين وتهجيريهم الى درجة أن اكثر من مليون مسلم يعيشون اليوم مطاردين في ظل ارهاب البوذيين المدعوم من الدولة.

 

ويستمر الصمت العالمي تجاه قضية المسلمين في بورما، وإن كانت منظمة التعاون الإسلامي بذلت جهودا في هذا الصدد، ومنها مؤخرا إنشاء المركز العالمي للروهينجا بهدف نشر الوعي إعلاميا بقضيتهم والمساهمة في تسييسها، إلا صمت اللاعبين الكبار والمؤثرين يبقى مثارا للجدل وفي هذا الصدد أدانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية الأحداث في ميانمار وطالبت بايقاف المجازر ومد يد العون للمسلمين هناك، وكذلك ادان الأزهر وبشدة ما يتعرض له مسلمي ميانمار، من اضطهاد وتهجير.

 

ورغم أن حرمان الروهينجا من الجنسية يعد سببا لسهولة استباحة دمائهم واعراضهم وأموالهم من قبل المتطرفين والحكومة في ظل فقدانهم الحماية الدستورية لهم، إلا أن جذور هذه الجرائم تعود الى الحقد القومي والديني الذي يحمله البوذيون تجاه المسلمين  وهو ما يتجسد اليوم بجرائم وحشية تنفذ بسلاح من كيان الاحتلال الصهيوني وتعتيم اعلامي عالمي.

قد يعجبك ايضا