تشديد المطالبات بإخراج القوات الأمريكية من العراق.. قراءة في الأسباب والمآلات

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي- تزامناً مع مساعي أمريكا لإبقاء قواتها في العراق، تصاعدت في الأيام الأخيرة دعوات العراقيين للمطالبة بإخراج هذه القوات من بلدهم، وإغلاق القواعد العسكرية الأمريكية الموجودة هناك.

 

في هذا الصدد، اعتبر وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري في ختام زيارته إلى موسكو بقاء القواعد العسكرية الأمريكية في العراق بأنها تمثل إهانة للعراقيين وللسيادة الوطنية للبلاد.

 

كما تبنّى البرلمان العراقي قراراً طالب فيه الحكومة بوضع جدول زمني واضح ومحدد لانسحاب القوات الأمريكية من البلاد.

 

وهذه ليست المرة الأولى التي يطالب فيها العراقيون بإخراج القوات الأمريكية من بلادهم، لكنها وصلت إلى الذروة في الآونة الأخيرة.

 

وتجدر الإشارة إلى أن أمريكا أدخلت قواتها العسكرية إلى العراق في مرحلتين؛ الأولى خلال غزو هذا البلد عام 2003 بحجة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل التي لم يَثبت وجودها فيما بعد. واضطرت واشنطن لسحب قواتها في نهاية عام 2011 بعد تعرّضها لخسائر كبيرة في الأرواح والمعدات نتيجة مقاومة الشعب العراقي. وقبل ذلك الوقت وتحديداً في أواخر عام 2008 استغلت الإدارة الأمريكية التي كان يتزعمها آنذاك الرئيس “جورج بوش الابن” الظروف الأمنية والسياسية المضطربة في العراق وعقدت معه اتفاقية أطلق عليها “اتفاقية الإطار الاستراتيجي” وضمّنتها فقرات تتيح لها إبقاء جزء من قواتها في العراق بذريعة تدريب القوات العسكرية والأمنية لهذا البلد.

 

ومارست الإدارة الأمريكية ضغوطاً على الحكومة العراقية طوال تلك الفترة وتدخلت في شؤون العراق في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والأمنية والثقافية والاجتماعية.

 

وبعد فوز باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية الأمريكية ودخوله البيت الأبيض في كانون الثاني/ يناير 2009 قررت واشنطن سحب قواتها من العراق، وتم ذلك فعلاً في نهاية عام 2011 كما أشرنا إلى ذلك آنفاً.

ولكن بعد دخول تنظيم “داعش” الإرهابي واحتلاله لمناطق واسعة من العراق في حزيران/ يونيو 2014 استغلت أمريكا الفرصة من جديد لإعادة قواتها العسكرية إلى هذا البلد بذريعة دعمه في مواجهة “داعش” في إطار ما يسمى “التحالف الدولي” الذي تقوده واشنطن.

 

وبعد تسلم الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” مهام عمله في كانون الثاني/ يناير 2017 تكرّس الوجود العسكري الأمريكي في العراق إلى درجة أن بدأ العراقيون يشعرون بأن هذا الوجود يشكّل تهديداً مباشراً لاستقلال وسيادة بلدهم، ولهذا أخذوا يطالبون بإخراج هذه القوات بأسرع وقت ممكن.

 

وما زاد في هذه المطالبات هو تيقّن العراقيين بأن أمريكا لم تقدم لهم الدعم في مواجهة التنظيمات الإرهابية ومن بينها “داعش”، ليس هذا فحسب؛ بل أيقنوا أيضاً ومن خلال الأدلة الموثقة والدامغة بأن واشنطن هي التي أوجدت “داعش” ودعمته لاحتلال أراضي شاسعة من العراق وسوريا، خصوصاً وأن العديد من المسؤولين الأمريكيين بينهم وزيرة الخارجية السابقة “هيلاري كلينتون” اعترفوا بأن الإدارة الأمريكية هي التي أوجدت “داعش” لتنفيذ مخططها الرامي إلى تمزيق المنطقة والاستحواذ على خيراتها والعبث بمصيرها ومقدراتها.

 

والعراق مقبل على إجراء الانتخابات البرلمانية في 12 أيار/ مايو من العام الحالي، وهذا الأمر دفع الكثير من الكيانات السياسية العراقية إلى إعلان موقفها من وجود القوات الأمريكية على أراضي بلدهم والمطالبة بخروج هذه القوات باعتبار أن ذلك يمثل مطلباً شعبياً وجماهيرياً لدى مختلف شرائح المجتمع العراقي ورموزه الدينية والاجتماعية.

 

وتنبغي الإشارة إلى أن الانتخابات البرلمانية العراقية القادمة تأتي في أعقاب نجاح القوات العراقية ومن بينها الحشد الشعبي في سحق الجماعات الإرهابية وإلحاق هزائم منكرة بها، وهذا الأمر من شأنه أن يزيد من وتيرة المطالبات الجماهيرية بإخراج القوات الأمريكية من البلد، ولهذا دعت معظم الكتل السياسية والبرلمان العراقي الحكومة إلى وضع جدول زمني محدد وواضح لتنفيذ هذا الأمر في القريب العاجل.

 

في هذا السياق هدّد القيادي في الحشد الشعبي والأمين العام لعصائب أهل الحق الشيخ “قيس الخزعلي” خلال مؤتمر عشائري، باستهداف القوات الأمريكية في العراق، مؤكداً رفض استمرار الوجود العسكري الأمريكي في البلاد بعد القضاء على تنظيم “داعش”.

 

وتوعّد الخزعلي القوات الأمريكية، قائلاً: “سنجعلها عليكم ليلة ظلماء ليس فيها دليل، وسنستهدف قواتكم في حال رفضها مغادرة العراق طوعاً.. مآربكم وأهدافكم باتت واضحة”.

 

من جانبه أعلن المتحدث العسكري باسم كتائب حزب الله العراق “جعفر الحسيني” أنه لا عراق مستقر بوجود الأمريكيين، مشيراً إلى أن المواجهة مع الأمريكيين قد تنطلق في أي لحظة.

 

وقال الحسيني في تصريحات صحفية إنّ “الوجود الأمريكي في العراق احتلال”، مبيناً أنه “لا يمكن النقاش حول تسمية وجود الأمريكيين”.

وتابع إنّ “التحالف الدولي بقيادة واشنطن تمّ تشكيله خارج إرادة العراق وأنّ القوات الأمريكية دخلت البلاد عنوة”، مشيراً إلى أنه “لا يوجد أي قرار حكومي عراقي لبقاء القوات الأمريكية، والأمريكيون يحرجون الحكومة”.

 

كما اعتبر الكثير من النواب في البرلمان العراقي بقاء القوات الأمريكية في بلدهم بأنه يأتي في إطار مخطط خطير يهدف إلى تقسيم العراق والتمدد نحو الدول المجاورة، مطالبين الحكومة العراقية بالإسراع في إخراج تلك القوات.

 

وأكد هؤلاء النواب أن الحديث عن وجود مستشارين أمريكيين في العراق هو خلط للأوراق وتغطية على بقاء هذه القوات، متسائلين في الوقت ذاته: “إذا كان هؤلاء مستشارين!، فما هو سبب وجود ناقلات عسكرية وطائرات ودبابات وهذه الأعداد الكبيرة للجنود، وما هو دورهم؟!”

قد يعجبك ايضا