هل تستطيع السعودية تحمّل فاتورة مجابهة كندا؟!
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
انتفضت السعودية في وجه كندا “على غير العادة” بعد أن طالبتها الأخيرة بإطلاق سراح ناشطين معتقلين في السجون السعودية، وما كان من السعودية سوى أن أعلنت استدعاء سفيرها في كندا على الفور واعتبرت السفير الكندي لديها غير مرغوب فيه، كما جمّدت جميع التعاملات التجارية والاستثمارية الجديدة مع كندا، واحتفظت بحقها في اتخاذ إجراءات أخرى.
الموقف جاء صادماً للكنديين ومن تصريحاتهم ظهر أنهم لم يتوقعوا أن تكون ردة الفعل بهذه الحدّة، وقالت المتحدثة باسم الحكومة الكندية ماري بير باريل في بيان أصدرته اليوم الاثنين، إن كندا “قلقة بشدة” من الإجراءات التي اتخذتها السعودية، وأضافت: “كندا ستقف دائماً دفاعاً عن حقوق الإنسان، بما فيها حقوق المرأة وحرية التعبير، في كل أنحاء العالم”، وتابعت: “إن حكومتنا لن تتردد أبداً في نشر هذه القيم كما تعتبر أن الحوار يحظى بأهمية حيوية بالنسبة للدبلوماسية الدولية”.
استعراض أم خارطة سياسية جديدة
كان تصرّف السعودية مع كندا يحمل طابعاً ازدواجياً ولم يكن مقنعاً للكثيرين بأن السعودية تصرفت على هذا النحو فقط لأن كندا دافعت عن حرية التعبير في السعودية، لأن الموقف نفسه تعرّضت له الرياض من قبل “حامي الحمى” السيد الأمريكي الذي عبّر عن غضبه إزاء الانتهاكات السعودية بحق النشطاء داخل السعودية، وقالت متحدثة باسم الخارجية الأمريكية حينها إن “واشنطن قلقة بشأن سجن واعتقال عدة ناشطين وناشطات في السعودية”، مؤكدة أن “إدارة البيت الأبيض تتابع الأمر عن كثب”، وأضافت المتحدثة: “ندعم فسح المجال لمنظمات المجتمع المدني وحرية التعبير في السعودية”، حسب “رويترز”.
ورغم تدخل أمريكا بشؤون السعودية قبل شهرين إلا أنها لم تبدِ أي اعتراض على ذلك، وهذا لم يكن مستغرباً بالنسبة لنا لكونها لا تستطيع الاعتراض على أي فعل أو كلام أو تصرّف يصدر من أمريكا تجاهها، فقد اعتدنا على السعودية في تعاملها خارجياً وداخلياً أن تنظر إلى من قال وليس إلى ما قال، وهذا دليل إضافي على الخنوع السلماني لأمريكا ترامب، ولاسيما أن إيعاز ترامب لتشكيل الناتو العربي، أو حتى رفع مستوى إنتاجها من النفط حصل دون مشاورة مع السعودية.
ويقول الإعلامي البارز عبد الباري عطوان عن هذا بأن: هذا الرجل، أي ترامب، لا يستأسد إلا على العرب، وفي منطقة الخليج فقط، حيث يرضخون لإملاءاته، ويطيعون أوامره، ويلبون كل مطالبه المالية الابتزازية، ومعايراته بالحماية دون أي مقابل، إيثاراً للسلامة فقط، وتطبيقاً لنظريته بأنهم لن يستمروا أسبوعاً في الحكم دون الحماية الأمريكية.
ومن هنا وجدت السعودية ضالتها في كندا للتعبير عن حنقها تجاه التدخلات الخارجية في بلادها، وأرادت أن توصل رسالة للجميع بأن السعودية لن نسمح لأحد بالتدخل بشؤونها الداخلية، وربما أرادت أن توصل الرسالة بشكل غير مباشر إلى أمريكا عبر كندا، ولكن قد لا تستطيع السعودية تحمّل نتائج هذا التسرّع في معاداة كندا، خاصة أن الأخيرة أعلنت رسمياً عدم تراجعها أمام قرارات السعودية، حيث أصدرت وزارة الخارجية الكندية بياناً بعد ظهر الاثنين، ردّت فيه على القرار السعودي بتجميد العلاقات التجارية الجديدة، مؤكدة أنها تتطلع إلى مزيد من التوضيحات حول بيان السعودية الأخير، وقالت الخارجية الكندية في بيان لها: إنها “تريد الحصول على مزيد من الوضوح حول قرار السعودية تجميد العلاقات التجارية معها، مؤكدة أنها ستواصل جهودها لحماية حقوق الإنسان في العالم”.
وبالتالي قد يكلّف هذا الاستعراض السياسي ابن سلمان الكثير، وقد تتمدد نتائجه إلى أماكن لا تحمد عقباها، وهذا لن يكون في مصلحة الأمير الشاب لكونه يبحث عن غطاء دولي في حربه على اليمن وانتهاكه لحقوق الإنسان هناك، ناهيك عن معاداة قطر والتدخل في شؤون دول الجوار، وبالتالي قد تذهب كندا في عنادها إلى أبعد من ذلك وقد تشحن الرأي العام العالمي ضد ابن سلمان، وهذا آخر ما كان ينتظره ولي العهد الذي لم يصل حتى اللحظة إلى كرسي العرش.
حاولت السعودية إظهار يد عليا في هذا الخلاف، ولكن لماذا؟
الهدف الرئيسي هو عرض عضلات، فقد أرادت السعوديّة إظهار مواقف شجاعة كتلك التي قدّمتها إيران، ولاحقاً تركيا في مواجهة تصرّفات الرئيسي الأمريكي ترامب، وذلك بغية إسكات الأصوات التي اتهمت النظام السعودي بالخنوع لترامب بعد مسألة “الناتو العربي”، وقبل ابتزاز ترامب، فما كان لها إلا أن تهاجم كندا.
كلام السفارة الكندية جاء بمثابة الضالة التي يبحث عنها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وبالفعل بدأت وسائل الإعلام السعودية بالترويج للأمر بصورة الحزم من قبيل الاحتفاظ بحق الرد وإجراءات عقابية، فضلاً عن ترويج البعض لأخبار عن هبوط الدولار الكندي بعد الإجراءات السعودية.
بعد تغريدة السفارة الكندية اعتبرت الخارجية السعودية أن الموقف الكندي “تدخل صريح وسافر في الشؤون الداخلية للمملكة ومخالف لأبسط الأعراف الدولية، وتجاوز كبير وغير مقبول لأنظمة المملكة وإخلال لمبدأ السيادة وهجوم على المملكة”.
كلام الخارجية كان مقصوداً وكأنه معدّ سابقاً وغايته قطع الطريق على أي دولة أخرى تريد توجيه الانتقاد لها، لذلك عمدت إلى التأكيد على أن الموضوع داخلي.
ابن سلمان الذي حاول تلميع صورة السعودية يرى نفسه أمام انتقادات مماثلة تقضي على كل طموحاته، نتكلم عن حربه على اليمن والآن اعتقال النشطاء، وكأن كل ما حاول بناءه انهدم بين ليلة وضحاها.