الشهادة في سبيل الله… انتصار على الموت وبداية حياة أبديَّة
تقرير |
تمكن الشهيد القائد (رضوان الله عليه) من خلال فهمه العميق للقرآن الكريم أن يعيد إحياء الروحية الجهادية وترسيخ الوعي بمفهوم [في سبيل الله] من خلال الدروس والمحاضرات التي ألقاها خلال نشاطه الثقافي بين أوساط المجتمع وقد استطاع أن يبني أمة قرآنية انطلقت بكل عطاء واستبسال في مقارعة الطاغوت وما تزال تقدم الكثير من الشهداء والعظماء في سبيل الله ..
وعن قضية الموت والشهادة في سبيل الله قدم الشهيد القائد رؤية عن [الموت] مختلفة عما قُدم في مختلف وسائل التثقيف ومن مختلف التيارات والمذاهب التي قدمت موضوع الموت كوسيلة للترغيب والترهيب وأحيط بهالة كبيرة من الرهبة والرعب لمستوى دفع الكثير من الناس للعزوف عن الجهاد في سبيل الله والتنصل عن المسؤولية وتقبل عيشة الذل والتبعية العمياء للطاغوت وفي هذا التقرير سنتناول بعضاً مما تحدث به الشهيد القائد (رضوان الله عليه) حول موضوع الموت والشهادة في سبيل الله.
الموت قضية حتمية لابد منها
في الدرس العاشر من دروس رمضان يتناول الشهيد القائد (رضوان الله عليه) على ضوء الآيات القرآنية حتمية الموت باعتباره قضية لا بد منها ولا بد لإنسان أن يموت لكن القرآن الكريم لم يقدم الموت كوسيلة تخويف بل في مقامات معينة:
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ}(آل عمران : من الآية185) جاء بالكلمة هذه بعد الكلام عن اليهود، اليهود عندهم حساسية من الموت بشكل رهيب تجد حتى كتبهم أو اليهود والنصارى بشكل عام حتى كتبهم كتب العهد القديم والعهد الجديد] لا يوجد فيها حديث عن الآخرة تقريباً لا يوجد نادر جداً لا يوجد حديث عن الموت والآخرة عندهم حساسية منه لا يسمع كلمة موت نهائياً هنا جاء في هذا الموضوع { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْت} (آل عمران : من الآية185) أيضاً في موضع آخر تجد أكثر ما وردت كلمة موت في مقامات إما بعد الحديث عن الكافرين أو بعد الحديث عن اليهود وغالباً ما يأتي الكلام عبارة عن ماذا؟ عن إشعار بمصير معين، ولهذا ما يأتي حتى الحديث عن الموت عبارة عن وسيلة تخويف أبداً إلا أن معناه بداية مرحلة أخرى، ويتحدث عن الآخرة .
{وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ} (آل عمران : من الآي 185) لا يخوف من مسألة الموت نهائياً يذكر بأنه عبارة عن قضية الإنسان سيصل إليها لكن المسألة الخطيرة جداً هي قضية الآخرة، تجدها في أكثر ما ورد ما أذكر أنه قد جاء بكلمة موت لوحدها على طريقة التخويف أبداً بنفس الموت وإنما بما بعد الموت {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ المَوْتِ الَّذِي وَكِّلَ بِكُمْ}(السجدة : من الآية(11) جاءت بعد الكلام عن الكافرين {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ المَوْتِ الَّذِي وَكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} (السجدة : الآية(11) هذا الانتقال تجده بسرعة تقريباً في كل الآيات التي يرد فيها حديث عن الموت.
هنا يبين بالنسبة للناس بشكل عام بعد الحديث عن الجهاد وعن قتلى في سبيل الله وعن جرحى وأشياء من هذه، بأن يفهم كل إنسان بأنه سيموت، لتعرف بعد بأنه نعمة عظيمة كبيرة عليك أن يفتح لك باب جهاد في سبيل الله فتستغل موتك، تستثمر موتك فتحظى بالشهادة، وإلا كل واحد سيموت وإذا أنت ستموت لا شك، فأين أفضل لك تموت هكذا، أو يكون موتك له فائدة بالنسبة لك، أليس أفضل للإنسان أن يكون موته يكون فيه فضل عظيم ودرجة رفيعة له؟ بل يقهر الموت نفسه؛ لأن الشهيد عندما يقول الله: {وَلاَ تَقُولُوا لِمْن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ} (البقرة : من الآية 154) لا تسموهم أمواتاً، وليسوا بأموات إنما هي نقلة بسرعة أليس هؤلاء استطاعوا أن يقهروا الموت وأن لا يكونوا أمواتاً؟.[ سلسلة دروس رمضان ـ السادس عشر].
الموت عبادة.. لكن متى؟
في محاضرة [محياي ومماتي لله] اعتبر الشهيد القائد (رضوان الله عليه) أن الموت عبادة لكن عندما تتوفر بعض الشروط التي من أهمها أن ينذر الإنسان موته لله ولن يتحقق ذلك إلا بمعرفة الله سبحانه وتعالى وتعبيد النفس لله يقول (رضوان الله عليه) متناولاً الآية الكريمة{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام:163:162).
{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} عبادتي بكلها {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي}حياتي هي {لِلَّهِ} كما أن صلاتي لله، ونسكي: عباداتي كلها لله، كذلك حياتي هي لله ومماتي أيضاً هو لله.
ومعنى أن حياتي لله: أنني نذرت حياتي لله في سبيله
في طاعته، ومماتي أيضا لله، كيف يمكن أن يكون موت الإنسان لله؟ من الذي يستشعر أن بالإمكان أن يكون الموت عبادة؟ وأن يكون الموت عبادة عظيمة لله سبحانه وتعالى يجب أن تكون أيضاً خالصة كما قال: {لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ}(الأنعام: من الآية163).
كنا ننظر للموت كنهاية بينما هنا الله سبحانه وتعالى الله سبحانه وتعالى يقول لرسوله: {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} سأنذر موتي لله، فحياتي كلها لله، فسأحيا لله، وسأموت لله {وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} لاحظوا هذه: {وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}(الأنعام: من الآية163) فكل المسلمين الذين يقتدون برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) لا بد أن يحملوا هذا الشعور، لا بد أن تكون عبادتهم لله على هذا النحو: فتكون حياتهم لله، ويكون موتهم أيضاً لله.
لا يتحقق للإنسان أن تكون حياته لله إلا إذا عرف الله أولاً، وعبَّد نفسه لله ثانياً، حينها سيرى أن هناك ما يشده إلى أن تكون حياته كلها لله، سيرى بأنه فخر له: أن ينذر حياته كلها لله، سيرى نفسه ينطلق في هذا الميدان برغبة وارتياح أن ينذر حياته لله فتكون حركته في الحياة، تقلباته في الحياة مسيرته في الحياة كلها من أجل الله وعلى هدي الله وإلى ما يحقق رضى الله سبحانه وتعالى.
استثمار الموت
ويرى الشهيد القائد (رضوان الله عليه) من وحي الرؤية القرآنية بأن من نعمة الله على الإنسان أن يفتح أمامه المجال لأن يستثمر موته يقول:
((من رحمة الله سبحانه وتعالى الواسعة بعباده – وهو يفتح أمامهم المجالات الواسعة والمتعددة لما يحصلون من ورائه على رضوانه وعلى ما وعد به أولياءه – فتح أمام الإنسان إمكانية أن يستثمر حتى موته الذي هو حتمية لا بد منها، قضية لا بد منها لكل إنسان سواء كان براً أو فاجراً كبيراً أو صغيراً لا بد أن يموت، فإن الله لرحمته بعباده فتح أمام الإنسان هذا الباب العظيم هو: إمكانية أن يستثمر موته على أعلى وأرقى درجة، أعلى وأرقى درجة.
فعندما يكون لدى الإنسان هذا الشعور: نذر حياته لله ونذر موته لله فهو فعلا من استثمر حياته، استثمر موته، استفاد من حياته، استفاد من موته، جعل حياته وموته كلها عملاً في سبيل تحقيق رضوان الله سبحانه وتعالى وأن يحظى بالقرب منه وأن يفوز بالنعيم الذي أعده لأوليائه.
((أمرت أن يكون مماتي لله أن يكون موت الإنسان لله هو عندما يجند نفسه لله سبحانه وتعالى، عندما يطلب الشهادة في سبيل الله، عندما يستعد للشهادة في سبيل الله، عندما يكون موطنا لنفسه أن يموت في سبيل الله..
لا أتصور معنى آخر يمكن أن يحقق للإنسان أن يكون موته لله إلا على هذا النحو وليس فقط أن يكون مستعدا، بل يسعى لأن يكون موته في سبيل الله، بأن يحظى بالشهادة في سبيل الله، وهذه هي صفة القرآن الكريم جعلها من الصفات اللازمة للمؤمنين أن لديهم هذا الشعور هو الشعور نفسه الذي نتهرب منه، هو الشعور نفسه الذي قد ينصحنا حتى بعض المتدينين به [بطِّل ما لك حاجة إمش على شغلك وعملك…] إلى آخره.
تجارة مع الله
” إن الجهاد باب من أبواب الجنة” هكذا روي في الأثر عن الإمام علي (عليه السلام) وهذا المقولة المهمة تلخص الرؤية القرآنية لموضوع الجهاد في سبيل الله كميدان مرابحة مع الله سبحانه وتعالى وهذا ما أكده الشهيد القائد (رضوان الله عليه) في [الدرس الرابع من دروس معرفة الله] على ضوء الآيات القرآنية:
{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}(التوبة: من الآية111) من منا الذي سيبيع نفسه وماله؟، نحن نراها بعيدة هناك، من هو هذا المجنون الذي سيبيع نفسه وماله!.
لكن لا، من يعرف الله سبحانه وتعالى، من يعرف الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، من يعرف القرآن الكريم، من يعرف هذا الدين، عظمة هذا الدين، سيرى بأنه قليل أن يقدم في سبيله أن يبذل نفسه وماله، ومن لا يعرف إلا مجرد عناوين، لا يقدم حتى ولا القليل من ماله، ولا الجهد البسيط من أعماله، لا يبذل شيئاً من هذا.
كما يقول (رضوان الله عليه) في الدرس الرابع من دروس [المائدة]: ((ففيما تَجَسُّد هذا البيع؟ تجسد في قتالهم في سبيل الله، ذلك الميدان الذي يتطلب بذل النفس والمال، فهاهنا يكون البيع، وهاهنا يكون الشراء من الله سبحانه وتعالى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}(التوبة: من الآية111) وعندما ينطلقون للقتال في سبيل الله لا يتصورون بأن مجرد البيع هو أن يحضروا ميدان المواجهة بل ينطلقون في خوض الصفوف في غَمَرَات الأهْوال يقاتلون، وليس فقط يتفرجون كما كان بعض أولئك ممن يوصفون بأنهم عظماء فيقال عنهم بأنهم كانوا يحرسون رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في معركة بدر ومعارك أخرى فنراهم عندما تصول الصولة من جانب الكافرين يكونون هم من أوائل من ينهزمون فيتركون النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)، فليسوا هم من قاتل في الميدان، وليسوا هم من حافظ على النبي في وقت الخطر، هذا ليس بيعاً. ))
عندما تسقط شهيداً
كما يتناول السيد حسين (رضوان الله عليه) في ملزمة [معنى التسبيح] شخصية الإنسان المؤمن والهدف الذي يتطلع إليه مؤكداً أن النصر الحقيقي هو نصر القضية وأن على الإنسان أن يكون هدفه رضى الله ومهما كانت النتائج حتى لو سقط الإنسان شهيداً فقد انتصر شخصياً وانتصر للقضية التي يدافع عنها يقو ل: ((المؤمن هدفه هو أن يحصل على رضى الله، وأن يكسب رضى الله، وأن يكون في أعماله ما يحقق رضا الله، وأن النصر الذي يريده، النصر الذي ينشده هو نصر القضية التي يتحرك من أجلها، هي تلك القضية التي تتطلب منه أن يبذل نفسه وماله، فإذا كان مطلوب منك أن تبذل نفسك ومالك فهل ذلك يعني بالنسبة لك نصراً مادياً شخصياً؟ الذي يبذل ماله ونفسه فيقتل في سبيل الله، هل حصل نصر مادي له شخصي؟ هو انتصر للقضية، هو حصل على الغاية التي ينشدها، حتى وإن كان صريعاً فوق الرمضاء، ألم يصبح شهيداً؟ حظي بتلك الكرامة العظيمة التي وعد الله بها الشهداء، دمه ودم أمثاله، روحه وروح أمثاله، أليست هي الوسيلة المهمة لتحقيق النصر للقضية؟.
المؤمن لا ينظر إلى نفسه، النصر الشخصي، المقصد الشخصي، قضيته الخاصة، خِطته المعينة، موقفه الخاص. المسيرة هي المسيرة الطويلة: العمل على إعلاء كلمة الله، النصر لدين الله، في هذه المرة أو في المرة الثانية أو في المرة الثالثة، إن لم يكن على يديك أنت فقد يكون على يد آخرين ممن هيأتهم أنت، وهكذا.. حتى تنتصر، ولا بد أن يتحقق النصر.
وأنت منتصر أيضاَ عندما تسقط شهيداً في سبيل الله، أنت منتصر أيضاً، أنت عملت ما عليك أن تعمله فبذلت نفسك ومالك في سبيل الله. فأن يرى المسلمون، أو يرى المؤمنون بعضهم صرعى في ميادين الجهاد، كما حصل في يوم أحد، ألم يتألم رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) عندما رأى حمزة صريعاً؟ وصرع كثير من المجاهدين، ولكن هل توقف بعدها؟ لم يتوقف أبدأً، وإن كانت تلك خسارة أن يفقد أشخاصا مهمّين كحمزة لكنه نصر للمسيرة، نصر لحركة الرسالة بكلها.. ولا بد في هذه المسيرة أن يسقط شهداء، وإن كانوا على أرفع مستوى، مثل هذا النوع كحمزة سيد الشهداء.