بين خطاب قائد الثورة الأخير وشواهد الاستهداف.. التحَرّكات الأمريكية المبكرة للسيطرة على اليمن

|| صحافة ||

تطرّق قائدُ المسيرة القرآنية، السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، في خطابه الأربعاء الماضي في الذكرى السنوية للشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي –رِضْــوَانُ اللهِ عَلَـيْهِ- إلى جُملةٍ من المراحلِ التي بدأت منذُ انطلاق شرارةِ الاستهداف الأمريكي لليمن، والتي استند فيها إلى أحداثِ الماضي وشواهد الحاضر التي عاصرها الشعبُ اليمني بعد سنوات من التحذيرات التي أطلقها حاملُ المشروع القرآني الذي لطالما تحدّث كَثيراً عن النوايا الأمريكية التي تحوّلت إلى أحداثٍ واقعية.

صحيفةُ المسيرة وقفت عندَ خِطابِ قائدِ الثورة الأخير وما تحدّث فيه عن التحَرُّكات الأمريكية للسيطرة على اليمن أرضاً وإنساناً وبكل الوسائل المتعددة، وَتستعرض عدداً من الشواهد التي تؤكّـدُ تحَرُّكاتِ واشنطن المبكِّرةِ ضمن خُطَّتِها الاستعمارية.

 

بدايةُ الاستهداف

يقولُ قائدُ الثورة في خطابه الأخير: إنَّ “اليمنَ من البُلدانِ المستهدَفةِ في مقدمة المخطّط الأمريكي، وذلك بشهادةِ قادةٍ أمريكيين وضعوا اليمن بعد أفغانستان والعراق على لائحة الاستهداف”، مُضيفاً “موقعُ اليمن الاستراتيجي وشعبُه وثرواتُه دفعت الأمريكيين لوضع اليمن في مقدمة المستهدَفين في أمتنا”.

واستناداً إلى خِطابِ قائد الثورة، فَـإنَّ التحَرُّكاتِ الأمريكية بدأت مع بدء تكثيف الزيارات الأمريكية إلى اليمن، وما قابلها من زيارات مكثّـفة لقيادات النظام السابق إلى واشنطن.

وفي سياق ذلك، يقولُ الأُستاذ صبري الدرواني في كتابِه “صعدة.. الحرب الأولى”: إنه في 6 إبريل قام “رئيسُ الجمهورية” ويقصُدُ به آنذاك (علي عبد الله صالح) بزيارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية والتقى برئيسِها بيل كلينتون، وتحدث صالح أنه خلال زيارته لمس أن هناك رغبةً لدى الولايات المتحدة الأمريكية في تعزيز علاقاتها مع اليمن، وفي اللقاء تم بحثُ موضوع الدعم الأمريكي واستئناف برنامج المساعدات.

ومنذ ذلك الحين بدأت الخطواتُ الواضحةُ لواشنطن في مسار السيطرة على اليمن، وبدأت في اختلاق المبرّرات بشتى أنواعها وبكل عناوينها الزائفة، كمكافحة الإرهاب ودعم اليمن عسكريًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا… إلخ.

 

مبرّراتُ وذرائعُ واشنطن لاحتلال اليمن

ويؤكّـدُ قائدُ الثورة أن “التكفيريين بمختلف تشكيلاتهم كانوا الأدَاةَ الرئيسةَ لتنفيذِ المشروعِ الأمريكي الغربي الإسرائيلي، كما حصل في 11 سبتمبر”، منوِّهًا إلى أن “التكفيريين أنموذجٌ مصنوعٌ لتحقيقِ السيطرة الأمريكية، وهم يتحَرّكون وفق الأهداف التي وضعتها أمريكا”.

وقد أشار قائدُ الثورة إلى أنه “يوازي تحَرُّكَ التكفيريين تحَرُّكٌ أمريكيٌّ غربيٌّ لخداع الشعوب تحت عنوان مكافحة الإرهاب”، وهو ما يستندُ إلى سعي أمريكا لإخضاع النظام السابق لإملاءاتها المطلقة ومن ثَمَّ التحكُّم بالقرارِ السياسي والتواجُد الفعلي، وخُصُوصاً في سواحله متى ما لزم ذلك، فكان تفجيرُ المدمّـرة كول هو الذريعة المطلوبة، حَيثُ يقولُ الدرواني في كتابه: “لم تمضِ أَيَّـامٌ على الزيارةِ الأخيرةِ للوفد العسكري الأمريكي برئاسة الفريق أول توماس فرانكس -قائد القيادة المركزية في القيادة الأمريكية- حتى تم تفجيرُ المدمّـرة البحرية (USS Cole) التي كانت راسيةً في شواطئ عدن اليمنية؛ لغرض التزوُّد بالوقود في 12 من أُكتوبر 2000م، الأمر الذي اعتبره الرئيسُ الأمريكي كلينتون ليس هجوماً على أمريكا فقط، بل هجومٌ على العلاقات بين البلدين”.

ويشيرُ الدرواني في كتاب “صعدة.. الحرب الأولى”، إلى أن “ضابطةَ الاستخبارات الأمريكية، سوزان لينداور، أكّـدت في لقاءٍ لها على (قناة روسيا) حقيقةَ حادثة تفجير المدمّـرة كول بقولها: (في الليلة التي سبقت تفجيرَ (USS Cole) سحب الأمريكيون الحِراسةَ عند هذه السفينة، أي أنهم تركوا السفينةَ بدون حماية!، رغم أنهم علموا مسبقًا بالإعداد لتنفيذِ عملٍ إرهابي في ميناء عدن، وكانوا على علمٍ بأن الهدفَ هو مدمِّـرةٌ عسكرية أمريكية، وبالطبع كانت (USS Cole) هي الهدفَ رقم (1)، كما تقولُ، فقد بلّغت (السي آي أيه) ووكالةُ الأمن القومي الوحداتِ الأمريكيةَ في اليمن بالهجوم المرتقَب، فقام هؤلاءِ بسحبِ الحراسة؛ لأَنَّهم -أي الأمريكيين- كانوا يريدون إرسالَ قواتِهم إلى السواحل اليمنية، فهم يحتاجون إلى ذريعةٍ؛ لذا فقد سمحوا بأن يتمَّ تفجيرُ (USS Cole)”.

وقد تبع تلك الحادثةَ المدبَّرةَ الكثيرُ من التحَرُّكات والزيارات الأمريكية لليمن والعكس، منها زيارة “صالح” لواشنطن في يناير 2001م بعد الحادثة بشهرين، وبالتالي فَـإنَّ حادثة كول خلفت الكثير من التداعيات السلبية على اليمن والتي كانت ترمي إليها الإدارة الأمريكية، حَيثُ تمثل الجزء الأكبر منها في انبطاح النظام للإدارة الأمريكية ومخطّطاتها.

في المقابل، أتت أحداثُ الحادي عشر من سبتمبر لتدشِّـنَ بذلك الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ مشروعَها (الشرق الأوسط الجديد)، والذي يتمثلُ في إعادة صياغة خارطة المنطقة وإعادةِ ترتيبها وفقَ المصالح الأمريكية والإسرائيلية تحتَ ذريعةِ مكافحة ما يسمى بـ (الإرهاب)، فكانت أفغانستانُ الضحيةَ الأولى لهذا المشروع وتبعها غزوُ العراق، اللذان تم احتلالُهما على مرأى ومسمع من العالم، وخُصُوصاً تلك الأنظمة العربية الإسلامية التي تماهى معظمُها مع ذلك المشروع وخضعت للهيمنة الأمريكية.

وبحسبِ الدرواني، فقد “طالبت الولاياتُ المتحدةُ بالمشاركة في عملية مطارَدةِ المشتبَهِ بهم في الأراضي اليمنية، وقد نشرت وكالةُ أسوشيتد برس نقلاً عن ما أسمته مصدراً دبلوماسياً غربياً حول تلقِّي اليمن طلباً أمريكياً بمشاركة قواتٍ من مُشاةِ البحرية (المارينز)؛ لمساعدة قواتِ الأمن اليمنية على تعقُّبِ المتهمين بانتمائهم إلى (تنظيم القاعدة)”، في حين أكّـدَ الجنرالُ تومي فرانكس -قائدُ القوات المركزية الأمريكية في مجال مكافحة الإرهاب- في 9 مايو 2002م أن “رئيسَ الجمهورية” قد أبدى استعدادَه لتقديمِ تسهيلات في ميناء عدن للسفن الأمريكية مقابلَ التعاون اليمني-الأمريكي في مجال مكافحة الإرهاب، وهو ما يؤكّـدُ تماهيَ النظام السابق مع كُـلّ التحَرُّكات الأمريكية خطوةً بخطوة.

 

 أمريكا تديرُ السياسة اليمنية

قائدُ الثورة، السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، أكّـد في خطابه الأخير أن “الأمريكيين أداروا العمليةَ السياسيةَ في اليمن، بما يساهمُ في صناعة وضعٍ مأزوم وجَوٍّ تنافسي على التقارُبِ من أمريكا وإسرائيل”، مُشيراً إلى أن “الجانبَ الرسمي كان منسجمًا كليًّا مع الهجمةِ الأمريكية، والكثيرُ من القوى السياسية كانت إما مستسلمةً أَو متماهيةً مع المخطّط الأمريكي”.

ويقول قائدُ الثورة: إن “الأمريكيين أنشأوا علاقاتٍ مع مختلف القوى السياسية اليمنية؛ لتتنافَسَ هذه القوة بمَن يتقرَّبُ إلى أمريكا ويستقوي بها على الآخر”، في حين يؤكّـدُ الدرواني في كتابِه أن “النظامَ اليمنيَّ كان أحدَ أبرز تلك الأنظمة التي خضعت لتلك الهيمنة، حَيثُ تحكَّمت بقرارِه السياسي ومسارِ علاقاتِه الداخلية والخارجية بما يتلاءمُ مع المصالح الأمريكية، وتزايدت التحَرُّكاتُ الأمريكية في اليمن على مختلف الأصعدة والتي تمثلت في زيارة الخائن صالح للولايات المتحدة الأمريكية في 2001، حَيثُ أشادت الولاياتُ المتحدةُ الأمريكية بتعاون اليمن في مكافحة “الإرهاب”، وقد أكّـد الرئيسُ الأمريكي بوش على حرصهم على دعم الحكومة اليمنية، مُضيفاً أن اليمن شريك في مكافحة الإرهاب ويعوَّلُ عليه دورٌ كبيرٌ في دعم الجهود المبذولة لمواجهته”.

ويضيف الدرواني: “الرئيسُ الأمريكي أشاد بجهودِ اليمن في مجال الديمقراطية ومكافحةِ الإرهاب في المنطقة، وقد ظهرت أولى مؤشراتِ هذه الزيارةِ في زيادةِ المساعداتِ الأمريكية والتي وصلت إلى 50 مليونَ دولار”، في حين فسَّرَ محللون آنذاك أن المساعداتِ الأمريكيةَ ما هي إلا رشاوى للنظام السابق للقبول بكُلِّ الخيارات الأمريكية”.

وبما كان عليه الوضعُ السياسي في اليمن بدايةَ التحَرُّكات الأمريكية، فَـإنَّ القوى السياسيةَ كانت تتسابَقُ لتقديمِ الولاءِ لواشنطن وتقدِّمَ التنازُلاتِ الكبيرةَ تلوَ التنازلاتِ كقرابينَ تمنحُ كُـلّ مكون مكانتَه الخَاصَّةَ لدى الولايات المتحدة الأمريكية، حَيثُ نشطت العلاقاتُ بين إدارة بوش وكُلٍّ من حزبَي “المؤتمر” و”الإصلاح”، وقد تمثّلت في التحَرُّكاتِ الدبلوماسيةِ التي كانت تولي كُـلَّ مكوِّنٍ جُزءًا من الخِداعِ الأمريكي المَصْحُوبِ فُتَاتاً من المساعدات ومبالغَ من الرشاوى، وهنا يقولُ قائد الثورة: إن “الوضعَ السياسيَّ الذي فيه تنازُعٌ كبيرٌ بين المكونات اليمنية أَدَّى لعدمِ نجاحِ أيِّ طرفٍ في تقديمِ خدماتٍ تَصُبُّ في مصلحةِ اليمن”، مُشيراً إلى أن “حزبَ (الإصلاح) كان يستقوي بأمريكا على (المؤتمر) والعكس، وذلك بثمنِ تقديمِ التنازلات التي تمُسُّ بالسيادةِ الوطنيةِ والهُــوِيَّةِ الإيمانيةِ”.

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا