رمضان هبة الله لنا
من خطبة الرسول الأعظم -صلوات الله عليه وعلى آله وسلم- (أيها الناس إنه قد أظلكم شهرٌ فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، وهو شهر رمضان، فرض الله -عز وجل- صيامه، وجعل قيام ليلةٍ منه بتطوع صلاة كمن تطوع سبعين ليلةً فيما سواه من الشهور، وجعل لمن تطوع فيه بخَصلةٍ من خصال الخير والبر كأجر من أدى فريضةً من فرائض الله -عز وجل- فيما سواه، ومن أدى فريضةً من فرائض الله -عز وجل- فيه كمن أدى سبعين فريضةً من فرائض الله -عز وجل- فيما سواه من الشهور، وهو شهر الصبر، وإن الصبر ثوابه الجنة، وهو شهر المواساة، وهو شهرٌ يزيد الله تعالى فيه في رزق المؤمن، ومن فطَّر فيه مؤمناً صائماً كان له عند الله -عز وجل- بذلك عتق رقبة، فقيل له : يا رسول الله ليس كلنا يقدر على أن يفطر صائماً فقال: إن الله تعالى كريم يعطي هذا الثواب من لا يقدر إلا على مَذقةٍ من لبنٍ يفطَّر بها صائماً، أو بشربةٍ من ماء عذبٍ، أو تميراتٍ لا يقدر على أكثر من ذلك.. إلى أن قال: فهو شهرٌ أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره إجابة وعتق من النار)
كيف نستقبل رمضان
1. نحرص أولا على التوجه الصادق إلى الله والاستقامة له والتخلص من المظاهر السيئة والذنوب والمعاصي بتوبة نصوح واستغفار وعزم صادق للإقلاع عن المعاصي واحترام حدود الله والحذر من الحرام.
2. الحرص على أداء الفرائض والواجبات الدينية والعملية مع الدعاء والتضرع إلى الله بالعون والتوفيق.
3. الاهتمام بالقرآن الكريم تلاوة وتدبرا وتفهما وحفظا واهتداء لأنه شهر القرآن قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}[البقرة: من الآية 185]
4. العناية بالاستجابة لله ومناجاته -سبحانه وتعالى- والدعاء له بقلوب مقبلة إليه لأنه من أفضل العبادات قال تعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة: من الآية 186]
5. العناية بالإحسان بكل أشكاله لأنه من أهم القرب إلى الله -سبحانه وتعالى- والتركيزعلى تزكية النفس والالتفات إلى واقعها وتقييِّم أدائها وتصرفاتها وغرائزها واستذكار جوانب القصور لديها، والسلبيات والأعمال السيئة التي تصدر منها، ثم يحاول الإنسان أن يستعين بالله، ويلتجئ إلى الله أن يوفقه للخلاص من تلك السلبيات، ويحرص على العودة إلى القرآن، والاستفادة من الصيام، كتوجه عملي على ضوء هدى الله للخلاص من تلك السلبيات.
6. الحذر في هذا الشهر الكريم مما يساهم في ضياع أوقتنا، كالسهر على المسلسلات التلفزيونية، ومواقع التواصل الاجتماعي في جوٍ بعيد عن هدى الله، وعن الذكر لله، وعن تلاوة القرآن الكريم.
7. الحرص على سلامة صيامنا من كل المبطلات التي تسلبنا أجر ذلك الصيام لقول رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-: (رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر والتعب) فلا تكن أنت ذلك الصائم الخاسر.
8. التركيز على الاستعانة بالله والتضرع له بالدعاء بأن يوفقنا من استثمار هذا الشهر المبارك، في الأعمال الصالحة وفي كل ما يزيدنا هدى وتقوى.
9. التوجه نحو ميادين الجهاد التي هي الأرفع فضلاً، والأعلى قيمةً، والأكثر قربا إلى الله -سبحانه وتعالى- وأن نركِّز فيها على الإكثار من ذكر الله والاهتمام بالقرآن الكريم، والدعاء لله والالتجاء إليه، والاهتمام بالأعمال الجهادية، سواءً على المستوى الدفاعي، أوالهجومي، أو المرابطة، فهي كلها أعمال عظيمة ومهمة.
لعلكم تتقون
التقوى من أهم المسائل التي يحتاج إليها الإنْسَـان في واقع حياته، ولذلك وجه الله -سبحانه وتعالى- البشرية كلها نحو التقوى قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) [الحج آية 1] لأن التقوى تمثّل ضابطا مهما في واقع الإنْسَـان، في سلوكه وتوجُّهاته ومواقفه؛ كي تكون في الاتجاه الصحيح والسليم بعيداً عن حالة الانفلات واللا مسؤولية بعيدا، عن آثار الذنوب ومساوئ التقصير.
والبشرية في هذا الزمن أحوجَ ما تكون إلى التقوى، خاصة واقعنا الإسْـلَامي، لأن التقوى ضابط مهم كي يستقيمُ الإنْسَـان في حياته وسلوكه وأعماله ومواقفه وتصرفاته وهذه الحاجة ملحة جداً خاصة مع الانفجار السكاني في كل أقطار العالم ونقص البركات والخيرات جراء الفساد المستشري في أقطار الأرض وكثرة المفسدين وتطور أساليبهم.
كيف نحقق التقوى في واقعنا
أولا: يحتاج الإنسانإلى القدرة على ضبط نوازع النفس وتوجُّهاتها ورغباتها وانفعالاتها فبقدر ما يتمكن الإنْسَـان من التحكم بحالاته الانفعالية بغرائزه برغباته بشهواته بقدر ما يستطيع أن يكونَ في واقع الحياة مسئولاً يتعاطى بمسئولية عالية بعيداً عن النزَق والطمع والأهواء التي جرّت الويلات والمصائب على الإنْسَـان نفسه، وعلى الواقع من حوله، فعملية الصيام بكل التزاماتها تساعد الإنْسَـان على أن يكونَ قويَّ الإرَادَة والسيطرة والتحكم بنفسه، والتحمل لكل ما يحتاج إليه في أدائه لمسؤولياته في الحياة، لأن عملية التقوى فيها حالة انضباط والتزام واستقامة من جانب وفيها ترويضٌ على قوة التحمل وقوة الصبر وقوة الإرَادَة من جانب آخر.
ثانيا: يحتاج إلى الهدى كي يتحقق له التقوى لأن التقوى لن تستقيم بدون هدى فقد يدخل الإنسان في باطل وهو يظن أنه الصح ولهذا فرض الله الصيام الذي جعل أهم غاياته هو [لعلكم تتقون] في الشهر الذي أنزل الله فيه الهدى ليدلنا على خاصية التلازم بين التقوى والهدى ولهذا يعتبر شهر رمضان المبارك فرصة ثمينة لتحقيقهما في واقع النفس لكي يستعيد الإنسان من جديد عزمَه وقوة إرادته وتوجهه الصالح في الاتجاه الإيْجَابي الذي يُرضي اللهَ سبحانه وتعالى.
ما يعنينا في شهر رمضان
1. أن نراجعَ حساباتنا وأن نَزِنَ مواقفنا وقراراتنا وتصرفاتنا على أَساس من التقوى والهدى لكي نزداد إيْمَـانا ووعياً وقوةً وإرَادَةً وإحساساً بالمسؤولية وتترسخ فينا إرَادَة الخير والقيم العظيمة والنبيلة لنستطيع أن نواجه التحديات مهما كانت.
2. أن نستعين بالله لينصرنا على أولئك المتكبرين والمتجبرين والمعتدين المصرين على عدوانهم وأن نكتسب من طاقة هذا الشهر الكريم ما يساعدنا على الصبر والصمود والثبات.
3. أن نكثَّفَ جهودنا في هذا الشهر الكريم، على كُلّ المستويات، ثقافيا وعسكريا وأمنيا واجتماعيا ووفي كل المجالات وأن نكون في المستوى الإيماني بالشكل الذي نحظى معه بتأييد الله وتوفيقه وعونه حتى نحقق نتائجا عظيمة وكبيرة تؤهلنا لتحقيق التقوى والهدى في واقعنا العام
4. أن نستفيد من هذا الشهر الكريم لنكسب منه الطاقة الإيْمَـانية اللازمة التي تزيدنا وعياً وقوةً وإرَادَةً وبصيرة وإحساساً بالمسئولية وسمو للروح والوجدان
5. نحن معنيون في هذا الشهر المبارك أن نقوي بيننا روابط الأخوة الإيمانية والتكافل الأسري والمجتمعي وأن نلتفت إلى جيراننا و فقرائنا ونتفقد أحوالهم ونبذل لهم معروفنا وعطاءنا اقتداء برسولنا الكريم -صلوات الله عليه وعلى آله- الذي كان في رمضان أجود من الريح المرسلة.