خروج الإمام الهادي (ع) إلى اليمن .. الأسباب والنتائج

في السادس من شهر صفر لعام (280هـ) أقام الله الدين في أرض اليمن بقدوم أحد أبرز رموز الأمة وأعلامها الميامين مؤسس الدولة الزيدية ومحيي رسوم الفرائض والسنن الإمام الهادي إلى الحق المبين يحيى بن الحسين عليهما السلام.

“أطيعوني ما أطعت الله فيكم، والله ما يغيب عنكم من رسول الله إلا شخصه إن اطعتموني”… قسم أقسم به الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم الرسي عليهم السلام لأهل اليمن بعد قدومه إليهم في السادس من شهر صفر لعام مائتين وثمانين للهجرة حيث أحيا الله به على يد اليمنيين رسوم الفرائض والسنن ومجددا لآثار جده المصطفى صلوات الله عليهم أجميعن.

ولد عليه السلام في المدينة المنورة عام 245للهجرة وذاع صيت علمه وعدله فيها وانتشرت فضائله وبلغت النواحي والأقطار مما جعل وفداً من أهل اليمن يقدمون عليه ويطلبون منه إنقاذهم من الفتن التي حلت بينهم.

استجاب لهم الإمام الهادي وخرج معهم في المرة الأولى قبل عودته إلى المدينة المنورة ومنها عاد إلى اليمن للمرة الثانية سنة 284 للهجرة رغبة في إقامة الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فحكم بين اليمنيين بحكم الله وحدد قبائلهم فعم العدل والسلام محل الظلم والاقتتال مؤسساً في هذا البلد الدولة الزيدية والتي تعاقب حكمها مئات السنين.

عرف الإمام الهادي إلى الحق ببأسه وقوته وورعه وزهده، جاهد بعلمه وسيفه ونشر العلم وتصدى للقرامطة الذين استباحوا صنعاء وأهلها بزعامة علي بن الفضل الذي أدعى النبوة واستجاب لمناظرة دعاه إليها أعيان وعلماء من أهل الجبر في صنعاء فهزمهم فاستسلموا له واتبعوه.

نسبه الشريف

هو الإمام الهادي إلى الحق المبين أمير المؤمنين يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب عليهم السلام.

مولده: ولد-عليه السلام-بالمدينة المنورة سنة (245هـ)، وعندما حُمل إلى جده (وارث علم آل محمد) الإمام القاسم عليه السلام-، وضعه في حجره المبارك، وعوَّذه ودعا له، ثم قال لابنه: ما سمّيته؟ قال: “يحيى”. فقال: “والله هو يحيى صاحب اليمن”.

بعض ما ورد فيه

روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((يخرج في هذا النهج -وأشار بيده إلى اليمن- رجل من ولدي اسمه يحيى الهادي، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، يحيي به الله الحق ويميت به الباطل)).

وروي عن الإمام علي -عليه السلام-أنه قال: (يا أيها الناس، سلوني قبل أن تفقدوني، أيها الناس إنا أحلم الناس صغاراً، وأعلمهم كباراً، أيها الناس، إن الله تعالى بنا فتح، وبنا ختم. أيها الناس، ما تمر فتنة إلا وأنا أعرف سائقها وناعقها، ثم ذكر فتنة بين الثمانين ومائتين، قال: فيخرج رجل من عترتي اسمه اسم نبي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، يميز بين الحق والباطل، ويؤلف الله بين قلوب المؤمنين على يديه كما تتألف قزع الخريف، انتظروه في الأربع والثمانين ومائتين في أول سنة واردة وأخرى صادرة).

وقال عنه الإمام الناصر الأطروش عليه السلام وهو يحث الناس على نصرة الإمام الهادي يحيى بن الحسين: ((من يمكنه أن ينصره، وقرب منه؛ فنصرته واجبة عليه، ومن تمكّن من نصرتي وقرب منّي فلينصرني)).

خروجه إلى اليمن:

نظرا لما أصاب أهل اليمن من جور الجائرين من حكام الدولة العباسية، شاعت الفتن والاضطرابات والاقتتال، وعم الانحراف والضلال، على يد القرامطة والباطنية الذين نشروا الغواية والانحلال، وشرعوا كل مجالات الانحراف، فأحلوا الحرام وحرموا الحلال.

وفي هذا الواقع المخزي فزع أهل اليمن إلى رجل ذاع صيته علما وورعا وشجاعة من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو “الإمام الهادي عليه السلام”، فتوجه وفد من مشائخ ووجهاء أهل اليمن إلى ذلك الإمام العظيم، وطلبوا منه أن يتوجه معهم إلى اليمن لإصلاح أحوالهم، وأعطوه العهود والمواثيق على نصرته، فلبى الإمام الهادي طلبهم، وتوجه عليه السلام مع أولئك الوجهاء إلى اليمن.

وقد كان خروجه إلى اليمن في المرة الأولى في عام 280هـ فقضى معهم وقتا قصيرا فلما امتنع بعض جيشه من تنفيذ ما أمر الله، ولما لم يجد من يعينه على القيام بالحق، تركهم وعاد إلى موطنه في الحجاز في الرس.

وفي تلك الفترة اضطربت الأحوال في اليمن، وهاجت الفتن وانتشر القتل والتناحر والاقتتال.

حتى عاد إليه أهل اليمن مرة ثانية عام 284هـ وأعطوه العهود والمواثيق على النصرة في الحق، والقيام بما أوجب الله فخرج معهم مرة أخرى .

وقد كان قدوم الإمام الهادي يحيى بن الحسين إلى اليمن بداية بالوصول إلى صعدة في السادس من شهر صفر سنة 284هـ، ليكون هذا التاريخ محطة يقف عندها اليمنيون، ويوماً فارقاً في مسار التاريخ الإسلامي في اليمن خاصة، فهو اليوم الذي وصل فيه الهدى والنور والأمن والإيمان.

أخلاقه وشمائله

كان الإمام الهادي يتمثل أخلاق رسول الله-صلوات الله عليه وآله-ويسير في الناس بسيرته، فهو القائل (والله لئن أطعتموني لا فقدتم من رسول الله صلوات الله عليه وآله إلا شخصه إن شاء الله تعالى). ويكشف لنا مؤلف سيرته عن جوانب من أخلاق الإمام الهادي نذكر منها بإيجاز.

-علمه: وتكشف لنا مؤلفاته التي تنضح بالعلم والرصانة، وبالرغم من اشتغاله بالجهاد إلا أنه ترك تراثاً علمياً عظيماً، وقد فاقت مؤلفاته 40 مؤلفاً، فضلا عن الرسائل والردود على المسائل.

عدله وإنصافه: كان عليه السلام لا يقاتل قوماً إلا بعد دعوتهم وإقامة الحجة عليهم، كما كان كثير الصفح والعفو ممن يتكرر منهم النكث والغدر.

سرعة البديهة والقدرة على الإقناع: فكما كان عليه السلام عالماً موسوعياً، فقد آتاه الله سرعة البديهة، واستحضار الجواب المقنع والملزم.

زهده وورعه: فقد كان عليه السلام من أورع وأزهد من جاد بهم الزمان، فهو القائل: “والله الذي لا إله إلا هو ما أكلت مما جبيت من اليمن شيئاً، ولا شربت منه الماء إلا من شيء جئت به من الحجاز”.

عبادته : كان عليه السلام صوَّاماً قوَّاماً، يصوم أكثر أيامه، ويحيى أكثر لياليه تهجداً وصلاة، ويسهر ليله ركوعاً وسجوداً حتى يسمع وقع دموعه على الأرض.

قوته وشجاعته في جهاده: فكان يباشر المعركة بنفسه مع العدو ويتقدم الصفوف، (وأتقدم عليكم عند لقاء عدوي وعدوكم).

القيادة القرآنية: فمن منطلق قوله “والله لا يغيب عنكم من محمد إلا شخصه” وقوله: “إن هي إلا سيرة محمد أو النار” مثلت حكومته كل معالم العدالة، فكانت دولته مثالاً للدولة الرشيدة، القائمة على العدل والإنصاف والمساواة.

العدل والإنصاف: حيث كانت القرابة والمناصب لا تجد لها مكاناً خارج الإنصاف في ميزان الهادي(ع) فكان يعامل الضعيف والقائد بالسواء، على مبدأ ” القوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه” كما عرف بعدم احتجابه عن الناس، وبتعامله بالعدل حتى مع أهل الذمة.

أسس الحكم الرشيد عند الإمام الهادي (عليه السلام)

وحين حط رحاله في اليمن؛ بدأ في إرساء قواعد الحكم الرشيد، ووضع أسس الولاية العادلة؛ إذ أعلن عند وصوله تلك القواعد، وطلب من الناس البيعة عليها، وتلك القواعد تمثل برنامج تحديد ((الواجبات والحقوق)) المتبادلة بين الوالي والرعية

أولاً /تحديد الحقوق:

ألزم الإمام الهادي عليه السلام نفسه بالتزامات تضمن حقوق الرعية، أكثر مما طلب من الرعية الالتزام به؛ فقال عليه السلام:” أيها الناس إني أشترط لكم أربعاً على نفسي:-

1- الحكم بكتاب الله وسنة نبيه.

2- والأثرة لكم على نفسي فيما جعلته بيني وبينكم، أوثركم فلا أتفضل عليكم.

3- وأتقدم عليكم عند لقاء عدوي وعدوكم.

4- وأقدّمكم عند العطاء قبلي.

ثانياً : الواجبات

وفي مقابل تلك الالتزامات التي الزم بها الإمام عليه السلام نفسه كحقوق للرعية، لم يشترط عليهم إلا شرطين فقط، قال عليه السلام:-

“وأشترط لنفسي عليكم اثنتين:

1-“النصيحة لله سبحانه وتعالى في السر والعلانية”.

2-والطاعة لأمري على كل حالاتكم ما أطعت الله، فإن خالفت فلا طاعة لي عليكم، وإن ملت وعدلت عن كتاب الله وسنة نبيه فلا حجة لي عليكم، فهذه هي سبيلي (أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني).

وفي الشرط الأخير نجد الإمام عليه السلام يحدد صلاحياته ووجوب طاعته بمدى التزامه هو بأوامر الله، وبمدى اتباعه لكتاب الله، في معيار لا نجده عند عشاق المناصب، ومحبي السلطة، ليجعل بذلك المبدأ الإيماني سببا لصلاح الحاكم، ومعيارا لاتباعه، وبوصلة للحكم الرشيد.

وهذا ما سار عليه أعلام الهدى من بعده على مدى 1200 عام، وهذا أيضا مما ضمن استمرارية الدولة الزيدية في اليمن لأكثر من 12 قرنا من الزمان، وبهذا سجلت الدولة الزيدية في اليمن الرقم القياسي في تاريخ الدول في التاريخ الإسلامي، في مختلف بقاع العالم الإسلامي.

أساليب تربوية في بيعة الإمام الهادي

ومما يدل على حرصه الشديد على إصلاح الأمة والرقي بها نحو الكمال في كل الجوانب ما ورد في سياق بيعته من أساليب تربوية راقية حيث كان للإمام الهادي عليه السلام بيعتان بيعة عامة يأخذها من كل الناس استخدم فيها أساليب تربوية عامة شملت كل من تقدم ليبايعه من أبناء المجتمع اليمني، وبيعة خاصة سميت ببيعة الصبر يستوثق فيها على المخلصين من أتباعه العهود والمواثيق المغلظة على الثبات والصبر في كل الظروف والأحوال مهما كانت النتائج وأن يبقوا على السمع والطاعة والنصح والنصرة لا تغيرهم الأهوال ولا تتبدل بهم الأحوال باقين على بيعتهم تلك ما بقي ملتزما بدين الله فإن حال عنه أو مال فلا بيعة له عليهم وهما كما يلي.

أولاً: البيعة العامة

هدفت هذه البيعة إلى إصلاح المجتمع، ودمجه ضمن مسيرة جهادية عامة من خلال الإيمان الواعي بمفاهيم المسؤولية الفردية في إطار المسؤولية الجماعية، بما يؤهل الفرد لأن ينطلق في هذه المسيرة المباركة دون تقاعس أو بحث عن مبررات مهما كانت الصعوبات.

فكان إذا جاءه الرجل يريد بيعته؛ تكون صيغة البيعة أشبه ما تكون بدورة تأهيلية ترفع من مستواه، ويتضح ذلك من خلال نص البيعة التي تذكر الفرد بمسؤولياته؛ إذ كان -سلام الله عليه-“يأخذ بيد الرجل فيستتيبه قبل أن يبايعه، فيقول له (قل: والله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، وإلا فعليك عهد الله ميثاق أشد ما أخذ الله تعالى على النبيين من عهد أو عقد أو ميثاق لَتَنْصُرَنّني ولتقومن بالحق معي، ولتأمرن بالمعروف ولتنهين عن المنكر، ولتأخذن الحق ممن وجب عليه من قريب أو بعيد أو شريف أو دنيء، لا تأخذك في الله لومة لائم، ولتطيعني ما أطعت الله، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليك).

فالبداية تكون في تطهير النفوس، وذلك من خلال التوبة قبل كل شيء، والتخلص من أدران الذنوب لما لها من أثر سلبي على النفس وزكائها، ولما لها من نتائج سلبية تمنع المعية الإلهية، فتحرم الفرد من التأييد الإلهي، ويكون أبعد ما يكون عن النصر الإلهي.

بعد أخذ العهود بالنصرة، وبالقيام بالحق، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ يأتي ضمن نص البيعة شرط الوفاء من الطرفين (ولتطيعني ما أطعت الله، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليك) وهذا معناه أن الفرد ملزم بالسمع والطاعة للإمام ما دام الإمام في إطار الشرع الإلهي، فإذا صدر من ولي الأمر أو من الحاكم ما يخالف أوامر الله فلا طاعة له.

ثانياً: بيعة الصبر

أما بيعة الصبر فقد كانت بيعة خاصة للنخبة من الرجال المؤمنين من أصحابه والتي يحدث الرواة أن هؤلاء النخبة من المؤمنين الصادقين الصابرين كانوا “يصبرون على الجوع والجهاد والضرر” هذه النخبة المؤمنة يربيها الإمام الهادي تربية خاصة في ظروف خاصة ليؤهلهم لمواجهة النوائب، وللقيام بالمهمات الصعبة، وخوض الأهوال والشدائد بكل اقتدار.

صيغة بيعة الصبر

يقول صاحب السيرة “كنت عنده جالسا فأتاه رجلان، فقالا له : يا ابن رسول الله نريد نبايعك بيعة الصبر، فقال لهما:(اجلسا على بركة الله، ثم ابتدأ فوعظ موعظة بليغة، وقال لهما: إني ناظرت نفسي فأحببت أن أختص إخوانا مؤمنين، يصبرون معي على ما أقول لهم، وإن الأمر عظيم صعب، والناس قد بايعوني وأنتما بايعتماني، ولكن هذا شيء أريد أن أختص به إخوانا يصبرون معي على الجوع والجهد والضرر، حتى يقتسم كل أربعة ثوبا فيأخذ كل واحد منهم خرقا يتوارى بها للصلاة، فإن كنتما تصبران على هذا فتقدما). فقالا: (نصبر معك على هذا. فتقدما فأخذ عليهما العهد، وزاد فيه: لتصبران معي على البأساء والضراء، والشدة والرخاء، والجوع، حتى يحكم الله بيننا وبين عدونا بالحق وهو خير الحاكمين).

حبه للجهاد في سبيل الله ومقارعة الظالمين

لقد أفنى الإمام الهادي (عليه السلام) حياته جهادا في سبيل الله، ومناجزة لأعداء الله، متنقلا من منطقة إلى أخرى، غير آبه بما كان يتلقاه من عناء السفر، وغدر العدو، فهو ذلك الذي يرى في الجهاد قرة عينه وسعادة نفسه، وراحة باله، لما يعلمه من فضل الجهاد، وأجر المجاهد في سبيل الله، وكرامته عند الله، ولحرصة على نصرة دين الله، وهزيمة أعداء الله، وصلاح أمة جده(صلوات الله عليهم أجمعين) فيقول معبرا عن ذلك الحب: ((والله لو أطاعني الناس ما تركت قتال هؤلاء الظلمة يوما واحدا في حرّ ولا برد، حتى ألحق بالله، أو ينصرني الله عليهم، وودت أني لا أنزل عن سرجي ليلا ولا نهارا إلا لوقت صلاة، حتى يظهر الله الحق بي أو ألحق به سبحانه، فالله المستعان على عجز الناس، وقلة ثباتهم، وضعفهم عن إقامة الحق))

ويقول في فضل الجهاد في سبيل الله (إن أفضل ما افترض الله على عباده الجهاد في سبيله، جعله حجة مؤكدة فيهم وفضيلة شرعها عليهم قال تعالى {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا يُنال إلا بالإقدام والتصميم، والنية والاعتزام الكريم على الجهاد في سبيل الله، وتوطين الأنفس على ملاقاة أهل الظلم والطغيان، فحينئذ ينال ذلك، ويؤدي فرض الله من كان كذلك، وفي ذلك يقول في واضح التنزيل: {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِّنْهُ َمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} وقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وإن اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} ولفضل الجهاد أمر الله نبيه بالتحريض للمؤمنين عليه قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ}.

وما ذكر الله من تفضيل الجهاد فأكثر من أن يحيط به كتاب، وهو معروف عند من رزق فهمه من ذوي الألباب وكيف لا يكون للجهاد في سبيل الله فضل على جميع أعمال المؤمنين، وبه يحيا الكتاب المنير، ويطاع اللطيف الخبير، وتقوم الأحكام، ويعز الإسلام، ويأمن الأنام، وينصر المظلوم، ويتنفس المهموم، وتنفى الفاحشات، ويعلو الحق والمحقون، ويخمل الباطل والمبطلون، ويعز أهل التقوى، ويذل أهل الردى، وتشبع البطون الجائعة، وتكسى الظهور العارية، وتقضى غرامات الغارمين، وينهج سبيل المتقين، وينكح الأعزاب، ويقتدى بالكتاب، وترد الأموال إلى أهلها، وتفرق فيما جعل الله من وجوهها، ويأمن الناس في الآفاق، وتفرق عليهم الأرزاق).

حظر الجهاد إلا مع من اصطفاه الله

وفي هذا السياق يقول الإمام الهادي عليه السلام (ثم إن الله، جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله، حظر الجهاد مع جميع مَن خَلَق من العباد إلا من اصطفى، وأؤتمن على وحيه من عترة رسوله صلى الله عليه وعليهم، الذين هدى بهم الأمة من الضلالة والهلكة، لما في الجهاد من القتل والقتال، وسفك الدماء وأخذ الأموال، وهتك  الحريم، وغير ذلك من الأحكام، وذلك فلا يكون إلا بإمام مفترض الطاعة، ولا يكون إلا من آل محمد صلى الله عليه وعليهم، الذين استنقذ الله بهم الأمة من شفا الحفرة، وجمع بهم كلمتها، وألف بين قلوبهم من بعد الافتراق والاختلاف، والتشاجر وقلة الائتلاف، فأصبحوا بنعمة الله على الحق مؤتلفين، ولما كانوا عليه من الكفر مجانبين، يعبدون الرحمن من بعد عبادة الأوثان، ويقرون بمحمد عليه السلام، داخلين في النور والإسلام، ناجين من عبادة الشيطان، تالين لآيات القرآن، يتلونه آناء الليل وأطراف النهار، ويقرون بالربوبية للواحد الجبار.

قد اختار الله لهم منهم أئمة هاد  الصَّادِقِينَ} وفيهم وفي آبائهم ما يقول سبحانه: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} فجعل الولاية لهم خاصة، وأنزل الوحي عليهم بذلك وفيهم يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتى؛ إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.)) فبين بذلك أنه من تمسك بهم نجا، ومن تخلف عنهم هوى وفيهم يقول صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما أحبنا أحد فزلت به قدم إلا ثبتته قدم حتى ينجيه الله تعالى يوم القيامة.)) وفيهم يقول: ((إن مثل أهل بيتى فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخل عنها غرق وهوى.)) وفيهم يقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} فجعل طاعتهم موصولة بطاعة رسوله، وطاعة رسوله موصولة بطاعته، ومعصيتهم مقرونة بمعصية نبيه، ومعصية نبيه مقرونة بمعصيته، فمن عصاهم فقد عصى الله سبحانه ورسوله، ومن أطاعهم فقد أطاع الله.

 

مختارات من أقواله عليه السلام

-(والله لئن أطعتموني لا فقدتم من رسول الله صلوات الله عليه وآله إلا شخصه إن شاء الله تعالى).

-(ما ينال التقوى المتقون؛ حتى يتركوا كثيرا من الحلال مخافة أن يواقعوا الحرام).

-(ويحهم ما يعجبون من ذلك! لو كان معي ألفا رجل وخمس مائة فارس مؤمنين لدوخت بهم عامة الأرض(.

-(والله لا أكون كالشمعة تضيئ لغيرها وتحرق نفسها).

)-ما هو إلا الحكم بكتاب الله أو الخروج من الإسلام).

)-أدخلوا عليّ من لا يصلني من الناس إلا بكم فإنكم إلا تفعلوا تحرقوني وتحرقون أنفسكم بالنار(.

-)والله ماهي إلا سيرة محمد أو النار(.

)-والله لوددت أن الله أصلح أمر هذه الأمة، وإني جعت يوماً وشبعت آخر( وفي رواية (وأجوع يومين وأشبع يوماً).

)-والله لو أطاعني الناس ما تركت قتال هؤلاء الظلمة يوما واحدا في حرّ ولا برد، حتى ألحق بالله، أو ينصرني الله عليهم، وودت أني لا أنزل عن سرجي ليلاً ولا نهاراً إلا لوقت صلاة، حتى يظهر الله الحق بي أو ألحق به سبحانه، فالله المستعان على عجز الناس، وقلة ثباتهم، وضعفهم عن إقامة الحق(.

ويقول في فضل الجهاد في سبيل الله  )إن أفضل ما افترض الله على عباده الجهاد في سبيله، جعله حجة مؤكدة فيهم وفضيلة شرعها عليهم قال تعالى }كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ{، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا يُنال إلا بالإقدام والتصميم، والنية والاعتزام الكريم على الجهاد في سبيل الله، وتوطين الأنفس على ملاقاة أهل الظلم.

وكيف لا يكون للجهاد في سبيل الله فضل على جميع أعمال المؤمنين، وبه يحيا الكتاب المنير، ويطاع اللطيف الخبير، وتقوم الأحكام، ويعز الإسلام، ويأمن الأنام، وينصر المظلوم، ويتنفس المهموم، وتنفى الفاحشات، ويعلو الحق والمحقون، ويخمل الباطل والمبطلون، ويعز أهل التقوى، ويذل أهل الردى، وتشبع البطون الجائعة، وتكسى الظهور العارية، وتقضى غرامات الغارمين، وينهج سبيل المتقين، وينكح الأعزاب، ويقتدى بالكتاب، وترد الأموال إلى أهلها، وتفرق فيما جعل الله من وجوهها، ويأمن الناس في الآفاق، وتفرق عليهم الأرزاق (.

استشهاده عليه السلام:

 بعد مسيرة حافلة بالجهاد في سبيل الله، ونشر العلوم، وإقامة دين الله قبضه الله إليه شهيدا بالسم، وهو في ثلاث وخمسين سنة، ليلة الأحد (20 من ذي الحجة 298هـ).

 ودفن يوم الاثنين في قبره الشريف المقابل لمحراب جامعه الذي أسسه بصعدة، وروى السيد أبو العباس عليه السلام أنه لما نُعيَ إلى الإمام الناصر الأطروش بكى بنحيب ونشيج، وقال: اليوم انهد ركن الإسلام.

فسلام الله ورحمته عليه يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يقوم الناس لرب العالمين.

 

 

قد يعجبك ايضا