ثقافة الشهادة وروحية الاستشهاد صنعت طوفان الأقصى الغزاوي واليماني

  • أهمية هذه الثقافة وأثر غيابها في واقع الأمة
  • الفرز والتمييز وأهميته في تنمية الوعي
  • ثقافة الشهادة مشروع لتعزيز الروح الثورية الجهادية
  • أجيالنا ومستقبل الثورة الجهادية

تزامن الذكرى السنوية للشهيد هذا العام مع عملية طوفان الأقصى التاريخية والمباركة التي مثلت هزيمة نكراء لصهاينة تل أبيب، وصهاينة العرب والأعراب المسارعين في التولي المكشوف والمفضوح لأمريكا و”إسرائيل” طلبا للأمن والأمان فإذا بعملية طوفان الأقصى تسقط الأمن عن الكيان الصهيوني نفسه وتكشف مستوى هشاشته، وضعف تقنياته وتؤكد أن تاريخه الأمني والعسكري والاستخباراتي ليس سوى هالة إعلامية، ومسرحية صهيونية وغربية صدقها العرب وآمنت بها الأنظمة أكثر وأشد من إيمانها بالله المحيط بكل شيء، وبرهنت عملية طوفان الأقصى على أن ثقافة الجهاد والاستشهاد والاستعداد العالي للتضحية هي الثقافة الإيمانية القرآنية التي تسقط أمامها كل التحديات وتتلاشى معها كل التقنيات، وتنهزم أمامها كل جيوش الباطل، ويمكن من خلال التثقف بها صناعة المستحيلات، وكسر هيبة أئمة الكفر، ومحاصرة وإذلال أنظمة النفاق والارتزاق التي تخون الأقصى وفلسطين.

وتزامنا مع عملية طوفان الأقصى التي أولاها السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي اهتماما عاليا واستحقت أن يتخذ موقفا متقدما تمثل في ظهور السيد القائد الذي ألقى كلمة تاريخية تليق بعملية طوفان الأقصى التاريخية بعد انطلاق العملية بثلاثة أيام بتاريخ:25-ربيع الأول-1445هــ 10-أكتوبر-2023م.

|| تقرير |  خالد موسى – عضو رابطة علماء اليمن

 

وبعد الكلمة بأيام تأتي المفاجآت الكبرى من اليمن ويكون العالم وعلى رأسه أمريكا على موعد جديد، ويوم تاريخي جديد مع اليمن، ويثبت السيد القائد أنه بحق سيد القول والفعل، وسيد الموقف القوي والمتقدم المتمثل في توجيه القوة الصاروخية والطيران المسير بضرب الكيان المحتل في سابقة تاريخية وقرار حكيم من قائد شجاع اختار التوقيت المناسب والهدف المناسب ولم يبال بتهديد ولا وعيد أمريكا ليقدم درسا تاريخيا وليقيم حجة على كل الأنظمة الإسلامية، درسا في الثقة بالله والتوكل على الله والنصرة للمستضعفين في غزة بحسب الإمكانيات التي هيأها الله، وسخرها.

 والأهم من ذلك هو الدرس الإيماني والبعد الروحي للقرار الإيماني الشجاع وهذا البعد يتمثل في مدى ارتباط القيادة بالله، وحرصها على رضاه من خلال نصرة المستضعفين في غزة، وكذلك في الاستعداد العالي للتضحية وعشقها الكبير للشهادة في سبيل الله، فلا يمكن أن يصدر هكذا قرار مرعب للعالم بكله وفي مقدمته رأس الكفر أمريكا إلا من قائد وطّن نفسه للتداعيات والخيارات التي قد يتخذها الأعداء وهذا ما يحير الأعداء ويقلقهم ويجعلهم مرعوبين من كل قائد ومجاهد على حد سواء، ويجعل تهديداتهم تحت قدم أصغر مجاهد فكيف بقائد ربّى رجالا على أن ينظروا إلى أمريكا كقشة.

 أهمية ثقافة الشهادة وأثر غيابها في واقع الأمة

يقول السيد القائد عبدالملك الحوثي” حفظه الله ” في سياق حديثه عن أهمية ثقافة الشهادة: من المهم جدا الاهتمام بهذه الثقافة التي تحيي فينا العزة والإباء في زمن نحن أحوج ما نكون فيه إلى أن ترسخ في أنفسنا العزة، وأن نحيي في وجداننا الإباء، في زمن سعت قوى الطغيان بكل إمكانياتها وبكل الوسائل والأساليب بالبطش والجبروت بالغزو الثقافي والفكري، والنشاط الإعلامي المضلل إلى أن ترسخ في نفوس الشعوب ثقافة الهزيمة وروح اليأس والهزيمة والاستكانة، وكذلك حالة الإذلال والقبول بالهوان، لأنها ترى ذلك السبيل الميسر للهيمنة على المستضعفين والتحكم بشؤونهم وبمصائرهم.

ويستمر السيد القائد في الكلام عن أهمية ثقافة الشهادة والاستشهاد وآثارها النفسية والعملية المباركة قائلا: ولذلك نحن اليوم بثقافتنا القرآنية كشعوب مستضعفة مسلمة نحيي في أنفسنا كل عوامل الثبات، وكل عوامل الصمود، وكل العوامل التي تمدنا بالأمل في مواجهة اليأس، وبالقوة في مواجهة الضعف، وبالعزة في مواجهة المذلة، لنكون-فعلا- بمستوى مواجهة التحديات، ولنكون بالاستعانة بالله تعالى والاعتماد عليه والتوكل عليه واكتشاف كل عناصر القوة التي نختزنها فيما وهبنا الله كشعوب مستضعفة من إمكانات ومقدرات نفسية ومعنوية ومادية وثقافية وفكرية، نستفيد منها، فتكون-فعلا-نعم عوامل القوة والثبات والصمود.

الشهادة كلمة قرآنية مقدسة، وكرامة إلهية يكرم الله بها المجاهدين في سبيل الله، واصطفاء إلهي لرجال الله المخلصين له، والصادقين معه في العهد الذي قطعوه على أنفسهم، وأهلوها إيمانيا وتربويا وعسكريا وميدانيا لنيل إحدى الحسنيين قال تعالى: (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ).

الشهادة في سبيل الله هي أمنية يتمناها البائعون أرواحهم من الله ويتطلع للفوز بها الناصرون لدين الله بعد أمنية تحقيق النصر على أعداء الله والتنكيل بهم في ميدان المواجهة مع المستكبرين وجنودهم المتجندين في صفهم والمتواجدين في جبهاتهم ومعسكراتهم لإذلال الشعوب، وتركيع الناس لأهواء ومطامع الطغاة والظلمة والفسقة الأشرار الذين يتسلطون على رقاب الأمم والشعوب بسبب غياب دور الأخيار، وتجاهل الصالحين لمسؤولياتهم الدينية، وإماتة النخب الدينية لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى رأسها وفي مقدمتها الجهاد في سبيل الله، والتحرك لإعلاء كلمة الله.

إن أهمية الشهادة لا تخفى على ذوي الفطرة والقلوب السليمة، ويستوعب أهميتها الكبرى المرتلون للقرآن حق ترتيله، ويتدبرون آياته التدبر الأمثل واللائق بوعوده الإلهية للمجاهدين والشهداء بعظيم المكرمات، وأشرف المنازل في الجنة التي اشتراها الشهداء قبيل استشهادهم من الله ليربحوا الخلود الأبدي، والنعيم السرمدي مع صفوة الصفوة من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

 لا يمكن أن تغيب أهمية ثقافة الشهادة عن التواقين لإقامة دين الله، والساعلين لإعلاء كلمة الله، والمتحركين لتحرير المستضعفين من هيمنة وتسلط المستكبرين والحريصين على هداية عباد الله، والحاملين للواء الإرشاد الذين يتسلحون بسلاح الوعي والإرشاد، وسلاح الحديد والنار ويقدمون دين الله التقديم الكامل المتكامل الذي تتجلى فيه رحمة الإسلام وعدالته لمن وعاه واستمع إلى إرشاداته ومواعظه الهادية إلى الصراط المستقيم،

 تبرز أهمية ثقافة الشهادة و الاستشهاد وعشقها في العزة الإيمانية، والقوة الجهادية، والبأس العسكري في منازلة الأعداء، ومبارزة الطغاة، وإخزاء المنافقين المسارعين في تولي اليهود والنصارى الذين يسعون لإطفاء نور الله، والتسلط على عباد الله، وحرف الناس عن مسار الحق والعبودية لله، قال الإمام الحسين عليه السلام: (إن هذه الدنيا قد تنكرت، وأدبر معروفها، فلم يبق إلاَّ صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى، ألا ترون أن الحق لا يعمل به، وأن الباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المرء في لقاء ربِّه، فإني لا أرى الموت إلاَّ سعادة، ولا الحياة مع الظالمين إلا شقاوة.

امتداد مدرسة الشهادة من يوم الفرقان إلى معركة يمن الإيمان

التربية الإيمانية على الشهادة والاستشهاد هي التي جعلت من غزوة بدر مدرسة لها امتدادها الحيوي والمتجدد عبر القرون ويوم فرقان بين الحق والباطل وبين المستضعفين والمستكبرين في أول معركة خاضها الإسلام، والتقى فيها الجمعان الجمع الذي يمثل هدى الله، ونور الله، ويحمل مشروع الله الهادي إلى الصراط المستقيم ، ذلك الجمع الذي أصر على السير في مسار الجاهلية، وعبادة الأصنام والذي يمثل الغرب الكافر اليوم امتدادا له ومنذ ذلك اليوم وإلى معركة يمن الإيمان اليوم ويوم الفرقان حاضر كتاريخ يذكر بثقافة الشهادة ويحيي في الأجيال والشعوب روحية الاستشهاد كيوم تاريخي جهادي وإيماني أسس لكل فرقان بين الإسلام الذي لا يقبل الهزيمة وبين الكفر وأئمته حتى قيام الساعة، ومن يوم الفرقان نستلهم دروس التضحية والفداء التي هي ثمرة من ثمار عشق الشهادة في سبيل الله.

الآثار السيئة والكارثية لغياب ثقافة الشهادة

إن غياب التربية الإيمانية على الشهادة والاستشهاد له آثاره السيئة وتداعياته الكارثية والمأساوية على الأمة الإسلامية التي أراد الله لها أن تكون خير أمة أخرجت للناس تحمل لواء الحق وتقدم مشعل الهدى للبشرية، وتقودها إلى سعادة الدنيا والآخرة، وتقيم النموذج الحضاري اللائق بالإنسانية وحياة بني آدم النموذج الحضاري القرآني العزيز الذي لا يقبل الذل، والعادل الذي يأبى الضيم، والنور الذي يبدد كل الظلمات.

لولا ثقافة الشهادة وروحية الاستشهاد المستوحاة من وحي القرآن، والمستقاة من حركة أعلام الهدى لاستفحل الباطل واستحكم الشر، واستمرت شرعية الفراعنة، واقتنع المستضعفون غير الواعين بشرعية معاوية ويزيد وهشام وعفاش وبن سلمان وزايد ولأصبحت ولاية المتغلبين والمتسلطين على رقاب الأمة سارية المفعول تنخر في جسد الأمة ولذا فقد أدرك الرسول الأعظم، والإمام علي والإمام الحسين والإمام زيد والشهيد القائد تداعيات التجاهل والتغييب لهذه الثقافة على مستقبل المسلمين فأحيوها دروسا وإرشادا وسلوكا وممارسة وحافظوا على حيويتها بأرواحهم ودمائهم الزاكية التي مثلت وقودا للوعي الثوري والتحرك الجهادي في وجه المستكبرين.

 فثقافة الشهادة مشروع لتعزيز الروح الثورية الجهادية عبر مراحل التاريخ، ولقد كانت الشهادة في سبيل الله بالنسبة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمنية عبر عنها بقوله: والذي نفسي بيده لولا أن رجالاً من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني ولا أجد ما أحملهم عليه ما تخلفت عن سريةٍ تغزو في سبيل الله والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل “.

وحتى يكون عشق الشهادة حاضرا بقوة في ذاكرة المؤمنين فقد أخبر الرسول الأكرم عن أمر غيبي خاص بالشهداء فقال صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: ((مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَيُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنَّ لَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ إلاّ الشَّهِيدُ فَإنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلُ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنَ الكَرَامَةِ).

ونجد الإمام عليا عليه السلام يعزز أهمية الشهادة والقتل في سبيل الله بقوله: إِنَّ أَكْرَمَ الْمَوْتِ الْقَتْلُ وَالَّذِي نَفْسُ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ بِيَدِهِ لَأَلْفُ ضَرْبَةٍ بِالسَّيْفِ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ مِيتَةٍ عَلَى الْفِرَاشِ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكُمْ تَكِشُّونَ كَشِيشَ الضِّبَابِ لَا تَأْخُذُونَ حَقّاً وَلَا تَمْنَعُونَ ضَيْماً قَدْ خُلِّيتُمْ وَالطَّرِيقَ فَالنَّجَاةُ لِلْمُقْتَحِمِ وَالْهَلَكَةُ لِلْمُتَلَوِّمِ.

لولا ثقافة الشهادة التي آمن بها رجال الرجال لكان الفسق والفجور والرقص والعهر والترفيه النجدي الشيطاني مشاهدا في الأرض الطيبة كما هو مشاهد في بلاد الحرمين، ولكانت الدياثة باسم الترفيه والسياحة في كل بيت وأسرة ومحافظة من محافظات اليمن الميمون لكن التربية الجهادية على الشهادة حمت اليمن وحصنت الشباب من السقوط في مستنقع إشاعة الفاحشة، ونشر الرذيلة، والسير وراء الشهوات واجتراح السيئات والاستهانة بالمحرمات، وتعاطي المحظورات الذي تضرب الروح الجهادية وتشطب ثقافة الشهادة من قلوب المؤمنين والمؤمنات.

الفرز والتمييز وأهميته في تنمية الوعي

ثقافة الجهاد والشهادة من أهم انعكاساتها في ميدان الحياة والتحدي والصراع مع الأعداء من الكافرين والمنافقين أنها تصنع حالة فرز بين المؤمنين والمنافقين، وتشكل حالة  تمييز بين الأعزاء المعتزين بعزة الإيمان بالله، وبين الجبناء الحريصين على الحياة القابلين بحياة العبيد و الأنعام، والراضين بحياة الأغنام التي تساق من وإلى حظائرها، وتورد إلى مرعاها، ويقدم لها مأكلها ومشربها حتى يأتي دورها للذبح أو الموت، وشعوب المسلمين اليوم البعيدة عن الثقافة القرآنية والثقلين والمؤمنة بشرعية الأنظمة الطاغوتية المحسوبة على الإسلام، والحاكمة باسم الإسلام هذه الشعوب -مع الأسف-تؤمن بشرعية من لم ينالوا عهد الولاية من الله ممن قال الله عنهم(لا ينال عهدي الظالمين) تلك الأنظمة التي تشعل الحروب والفتن وتقدم القتلى خدمة لليهود والنصارى، وفي الجبهة التي ترضى عنها اليهود والنصارى لا في الجبهة التي يرضى عنها الله.

 وهذه الحقيقة المرة تكشف للمستضعفين الواعين حقيقة المعركة وصوابية التحرك تحت راية الأعلام والهداة من آل محمد في معركة الوجود والمصير في هذه المعركة والمرحلة التاريخية الفاصلة بين فسطاط الإيمان الخالص من النفاق، وفسطاط النفاق المكشوف المنسلخ من الإيمان، وصدق الله القائل: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ.

وقال سبحانه: الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا.

إن القرآن الكريم ببصائره وبيانه ونور آياته الهادية إلى الصراط المستقيم وإلى سواء السبيل يمثل الزاد الإيماني لكل المجاهدين الذين يطلبون إحدى الحسنيين ويخوضون الغمرات، ويأنسون بالموت ولا يمكن أن يضعف إيمانهم، ويقل وعيهم مهما كانت الدعايات والأراجيف بل إن وصايا الشهداء، ومشاهد تضحياتهم واقتحاماتهم، وعباراتهم الخالدة كفيلة بصناعة وعي عال وقوي تسقط أمامه كل العوائق والأكاذيب وتتلاشى معه وساوس شياطين الإنس والجن قال تعالى: قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ.

إن حالة الفرز تتجلى أكثر عند احتدام المواجهة بين الحق والباطل، وبين قوى الخير والشر، وبين المستضعفين الواعين والمستكبرين المضلين الذين يزينون طغيانهم بعناوين براقة، وشعارات زائفة، ويقدمون أنفسهم كمصلحين حريصين على مصالح الناس كما يفعل طغاة وفراعنة اليوم سيرا على خطى فرعون بني إسرائيل الذي وثق الله موقفه الكاذب في القرآن ليكون درسا مهما لمعرفة خطاب الفراعنة: وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ.

لقد كشف القرآن الكريم حالة الفرز، وأظهر ما تكنه صدور المنافقين ومرضى القلوب، ووثق ما سيتنطق به ألسنتهم من كلمات، وتتداوله ثقافتهم المنحطة من عبارات سيئة تقلل من عطاء الشهادة، وتطعن في ثقافة الاستشهاد قال الله تعالى: الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

وقال عنهم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ* وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ.

فحالة الفرز بين المواقف الإيمانية لعشاق الشهادة وعشاق الحياة الدنيئة قائمة والمنافقون لا يكتفون بالحياد، والسعي لإضعاف الروح المعنوية لعشاق الشهادة، والمحبين للقاء الله بل يسعون بخبث ومكر إلى لوم المجاهدين بعد عودتهم أو زيارتهم من المعركة أو الجبهة، وضرب نفسياتهم واستدراجهم والوصول بهم إلى الشعور النفسي بالندم على الجهاد في سبيل الله.

 

أجيالنا ومستقبل الثورة الجهادية

مستقبل الثورة الجهادية ومسار التحرك الثوري ضد الظلم والظالمين، والطغاة المستكبرين يجب أن يبقى خالدا وحيا وإرثا بين الأجيال تتوارثه جيلا بعد جيل إلى يوم القيامة، ولا يمكن ان يتحقق ذلك إلا من خلال الارتباط الروحي، والتمسك الواعي بالقرآن وقرناء القرآن السابقين بالخيرات الذين قدموا للأجيال إرثا جهاديا مقدسا، وتجربة ثورية عظيمة، ومنهجا نضاليا أسهم في إعادة صياغة التاريخ، وأثمر حرية للمستضعفين.

مستقبل الثورة الجهادية مرتبط بمدى ومستوى المحبة والتولي الصادق لصفوة البشرية من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين أصلحوا فساد الأمة، وأنقذوها من الهوان والذلة في المنعطفات التاريخية الحساسة وعلى رأسهم الإمام الحسين سيد شباب أهل الجنة الذي ترك للأجيال والشباب إرثا كبيرا من الإباء والشموخ والصمود والصبر والتحدي إرثا بقيت حيويته عبر القرون رغم كيد الكائدين وسعي الساعين لمحوه إلا أنه وصل إلى الأجيال كمشروع ثوري ونموذج جهادي راقٍ تستلهم منه الأجيال دروس الخلاص والانعتاق من المستكبرين كل المستكبرين على مستوى ساحة الإسلام الداخلية والخارجية، وهذا الحضور الثوري له شواهده ومصاديقه العملية في واقع اليمن والأمة، على مستوى حيوية المشروع القرآني والمسيرة القرآنية، وعلى مستوى محور المقاومة ورجالها الحسينيين الكربلائيين الذين يرفعون شعار “هيهات منا الذلة” ويتمثلون قول الشاعر في الاستهانة بالخطوب والمخاطر

وإن لم يكن إلا الأسنة مركباً **فلا يسع المضطر إلا ركوبها

تساؤلات أخيرة

كيف وصل اليمن إلى المستوى القوي والموقف المتقدم الذي يؤهله لضرب الكيان الصهيوني؟

كيف أصبح اليمن مصدر قلق ورعب للأعداء؟

بفضل من؟

وبجهود من؟

وبإعداد من؟

وبتحرك من؟

من الذي أسس لمثل هكذا مواقف وقرارات وخطوات تغيظ الأعداء؟

وماذا يعني أن تصبح اليمن وقيادتها وأنصارها قوة كبرى تهدد وتكون عند مستوى وحجم التهديد لأمريكا وإسرائيل؟

ماذا يعني ألا نبالي  بتهديد ووعيد أمريكا والغرب الكافر؟

ما هي الثقافة التي أهلت أنصار الله قادة وأفرادا وشعبا ليكون بهذه الشجاعة والجرأة والإقدام؟

الإجابة على كل التساؤلات

إنها التربية الإيمانية للثقافة القرآنية التي تربي رجالها على مائدة القرآن والتمسك به والتولي والتسليم لأعلامه الهداة الذين يربون الأمة على العزة والكرامة والتضحية والفداء وإعلاء كلمة الله وإقامة دينه.

إنها ثقافة الشهادة التي تشهد الحقائق والوقائع والأحداث على أنها الثقافة التي تجعل للحياة قيمة وقوة وفاعلية وأثرا يمتد من الحياة الدنيا إلى الحياة الأخرى وصدق الله القائل: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ.

 

قد يعجبك ايضا