صنعاءُ تثبِّتُ موقعَها المتقدم في معسكر “غزة”: نحو المزيدِ من الخيارات العسكرية الضاغطة

||صحافة||

تثبيتًا لدور اليمن في المعركة مع العدوّ الصهيوني، وفي معادلة الإسناد الإقليمي المباشِرِ للمقاومة الفلسطينية، وهو الدور الذي دفعت به القيادةُ الوطنية إلى مستوىً متقدمٍ جِـدًّا خلال الأسابيع الماضية، أعلنت القوات المسلحة استعدادها لاستئناف عملياتها العسكرية ضد كيان العدوّ وتوسيعها إلى أهداف لا يتوقعها العدوّ بَرًّا وبحرًا، في رسالة واضحة بأن اليمن لا يزال يمتلكُ العديدَ من الخيارات الرادعة التي ستضاعف خسائر العدوّ على الجبهة اليمنية وتضيفها إلى خسائره الإجمالية لمضاعفة الضغط عليه حتى وقف عدوانه والرضوخ لشروط عزة التي أكّـدت صنعاء أَيْـضاً حرصها على تعزيزها من خلال رهن مصير السفينة “غالاكسي ليدر” بخيارات المقاومة وبما يحقّق أهدافَها.

وقبل ساعات من انتهاء الهدنة في قطاع غزة واستئناف العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني، أصدر المتحدث باسم القوات المسلحة العميد يحيى سريع بيانًا جاء فيه: “تنفيذاً لتوجيهات السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- واستجابةً لمطالب شعبنا اليمني العظيم ولنداءات أحرار أمتنا العربية والإسلامية في الوقوف الكامل مع خيارات الشعب الفلسطيني ومقاومته الأبية؛ فَــإنَّ القوات المسلحة اليمنية تؤكّـدُ على استعدادَها الكاملَ لاستئناف عملياتها العسكرية ضد العدوّ الإسرائيلي في حال قرّر استئناف عدوانه على غزة”.

وأضاف: “إن القوات المسلحة اليمنية لن تتردّد في توسيع عملياتها العسكرية ضد الكيان الإسرائيلي؛ لتشملَ أهدافاً قد لا يتوقعها في البر أَو البحر”.

وأكّـد أن “القوات المسلحة اليمنية مُستمرّة في منع السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر وسوف تتخذ المزيد من الإجراءات لضمان التنفيذ الكامل لهذا القرار”.

وأشَارَ إلى أن “العملياتِ العسكريةَ اليمنية سوف تتوقف فور توقف العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة”، داعياً “كافة أحرار الأُمَّــة العربية والإسلامية وأحرار العالم باتِّخاذ المواقفِ المشرِّفةِ تجاه القضية الفلسطينية ودعماً وإسناداً لمقاومته الحرة”.

وحمل البيانُ رسائلَ ودلالاتٍ مهمة متعددة، أبرزُها: تجديد التأكيد على أن انخراط اليمن في المعركة ضد العدوّ الصهيوني ليس مُجَـرّد تفاعل لحظي بل موقف ثابت ومبدئي وتوجّـه مُستمرّ لدى القيادة الوطنية والقوات المسلحة، وهو تذكير جديد للعدو بأن اليمن بعد “طُـوفان الأقصى” أصبح جبهة أَسَاسية في الصراع بشكل عام، وليس في هذه الجولة فقط.

كما حمل توقيت البيان دلالة مهمة، حَيثُ أوضح بشكل جلي حرص القيادة اليمنية على وضع العدوّ أمام مخاوفه التي أصبحت معلنة بشأن خطر الجبهة اليمنية؛ مِن أجل تذكيره بأن هذا الخطر سيكون دائماً حاضرا بطبيعته القابلة للتصاعد في كُـلّ المعادلات المتعلقة بغزة، بما في ذلك المعادلات التفاوضية، فمجيء البيان وما تضمّنه من إعلان عن الاستعداد لتصعيد العمليات قبل انتهاء الهدنة بساعات، ترجم بوضوح إدراك القيادة اليمنية لطبيعة سلوك العدوّ وخياراته، وحرصها على تذكيره بأن العودة إلى ارتكاب الجرائم ستكون كلفته مضاعفة على الجبهة اليمنية، وأن الطريق الوحيد للتخلص من هذه الكلفة هو الرضوخ لشروط المقاومة، وعلى رأسها إنهاء العدوان والإفراج عن الأسرى.

وكانت صنعاء قد أوصلت هذه الرسالة للعدو ورعاته الغربيين بوضوح على لسان رئيس الوفد الوطني، ناطق أنصار الله، محمد عبد السلام، الذي أكّـد يوم الأربعاء أن مصير السفينة الصهيونية غالاكسي ليدر “مرتبط بخيارات المقاومة الفلسطينية وبما يخدم أهدافها في مواجهة العدوان الإسرائيلي”؛ وهو ما يعني أن اليمن قد وجّه تأثيرَ معادلته البحرية الاستراتيجية في مسار خدمة موقف المقاومة على الميدان وعلى طاولة التفاوض أَيْـضاً، وبالتالي فَــإنَّ السبيل الوحيد أمام العدوّ -لتفادي تداعيات هذه المعادلة التي زالت تنطوي على العديد من الخيارات الكبرى كما يوحي بيان القوات المسلحة- هو التجاوب مع شروط المقاومة.

وقد جاء تصريحُ عبد السلام في إطار رد على بيان كانت مجموعة الدول الصناعية السبع أصدرته وطالبت فيه صنعاء بوقف “تهديد الملاحة” حسب زعمها، والإفراج عن السفينة، حَيثُ قال عبد السلام: إن “اليمن حريصة على الأمن البحري وسلامة الممرات المائية، وإن القوات البحرية اليمنية ملتزمة بحماية المياه اليمنية بموجب صلاحياتها السيادية”، موضحًا أن “العملية التي تمت في الآونة الأخيرة هي منحصرة بالسفن الإسرائيلية وقد أعلنت القوات البحرية ذلك عبر تحذيراتها المتكرّرة للسفن التابعة للعدو الإسرائيلي أَو التي تعمل معه بأنها ستكون عرضة للاستهداف نتيجة العدوان الغاشم والحصار الجائر على قطاع غزة والشعب الفلسطيني”.

وَأَضَـافَ رئيس الوفد الوطني أن صنعاء تتصرف وفقًا لقناعة بأن “تصرفات الكيان الإجرامية تهديد للأمن والسلم الإقليميَّين والدوليَّين، وأن التصدي لها ولأنشطتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني والمنطقة أمر مهم لأمن وسلام المنطقة والعالم”.

وأوضح أنه “تم التعاملُ مع طاقم السفينة المحتجزة وفقًا للأخلاق الإسلامية والأعراف الإنسانية كما تم السماح لهم بالتواصل بأهاليهم” لافتاً إلى أن “إعطاء مجموعة الدول الصناعية السبع مشروعية الدفاع عن النفس للكيان الصهيوني مخالفة للقانون الدولي؛ كونه احتلالا باطلا لفلسطين، ويمارس عدوانا وحشيا ضد غزة، وأن المشروعية الحقيقية هي للشعب الفلسطيني في مقاومة ومواجهة ما يتعرض له من عدوان وحصار واحتلال من قبل كيان العدوّ الإسرائيلي المدعوم أمريكيا وغربيا”.

ويوجه هذا الرد رسالةً واضحة للأعداء والأصدقاء بأن صنعاء لن تتراجع عن موقفها ولن تكتفي به عند هذا المستوى استجابة لأية ضغوط أَو تهديد، بل ستسعى باستمرار لتثبيت دورها الضاغط على العدوّ والمساند للمقاومة وللشعب الفلسطيني بكل الخيارات المتاحة وبما يضمن انتصار غزة في نهاية هذه الجولة، وهزيمة الكيان الصهيوني في نهاية الصراع.

ولا شك أن العدوّ الصهيوني أصبح يدرك جيِّدًا قيمة ما تعلنه صنعاء والقوات المسلحة من مواقفَ؛ فطيلة الأيّام الماضية، سلطت العديد من وسائل الإعلام العبرية وبالذات تلك المتخصصة بالشأن الاقتصادي، الضوء على تداعيات العمليات اليمنية البحرية والصاروخية والجوية وآثارها على الاقتصاد في كيان العدوّ، خُصُوصاً بعد إعلان شركات شحن صهيونية عن تحويل مسار سفنها بعيدًا عن البحر الأحمر وإعلان شركات أجنبية أُخرى مثل “ميرسك” الدنماركية عن تحويل مسار سفنها المرتبطة بكيان الاحتلال؛ الأمر الذي سيترتب عليه أزمة كبيرة في سلاسل التوريد بين الكيان وقارة آسيا بأكملها وسيرفع أسعار كافة البضائع القادمة عبر هذا الخط التجاري، هذا إن لم يؤدِّ إلى جفافِ أسواق العدوّ من هذه البضائع في النهاية؛ لعدم القدرة على تغطية تكاليفها.

وبالتالي فَــإنَّ تأثيرَ الدور اليمني في المعركة قد بات واضحًا بالأرقام وملموسًا على واقع حركة الشحن؛ الأمر الذي يعني أن خيارَ مواصلة العدوان سيكون دائمًا خاضعًا في جزء كبير من حساباته لهذا التأثير الذي لا يحتمل استمراره.

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا