اليمن يواجه التهديد بالتصعيد، والعدو يخشى الوقوع في فخ الاستنزاف
موقع أنصار الله . تقرير
تنهك الحروب الدول والشعوب، ويصبح مجرد توقف صوت النار ودمار الاستهداف أقصى الأماني.
في اليمن يختلف هذا الأمر، إذ يتم ليّ عنق المؤامرات والتحالفات الإقليمية والتدخلات الدولية، وتحويل التحديات إلى فرص للنجاح، اليمن -الذي لا يزال يعيش الصراعات والمؤامرات- لا تنهكه هذه المحطات المتعمدة للسيطرة عليه، بقدر ما تكسبه قدرة استثنائية، وتجعله أيقونة الصمود والثبات على الموقف، ويبقى صاحب إرادة، فلا يفرط في الثوابت ولا تهزمه العواصف أو تتقاذفه أمواج المطامع، وفي مواجهة الصراع العربي الصهيوني يبرز بهذا الاقتدار في صياغة المعادلات وفي انتزاع موقف الإعجاب.
يعبر اليمن في جولة الصراع مع العدو عن كل وجدان الأمة المجبولة بفعل هيمنة الإرادة الأمريكية على الأنظمة لأن تغرق في همومها اليومية وتنفصل عن قضية الأمة المركزية، ورغم أن اليمن يبدو منفردا في المواجهة المباشرة اليوم إلا أنه من الواضح جدا أن عملياته ولّدت حالة من الأرق لدى الأعداء، فالظروف الموضوعية لإجبار صنعاء على التوقف عن عمليات الإسناد تبدو مستحيلة، الأمر الذي يكاد يُوقع الكيان الإسرائيلي والكائن الأمريكي في فخ الاستنزاف، وهي مسألة بات الجميع هناك يدركها ويخشى منها، فيؤكد المسؤول الصهيوني السابق في “مجلس الأمن القومي” الإسرائيلي “يوئيل جوزانسكي” أنّ القوات اليمنية قادرة على الانتصار في معركة الاستنزاف ضد “إسرائيل”.
الأثر العكسي للتهديد الصهيوأمريكي
الحديث عن الضربات اليمنية ضد كيان الاحتلال انتقل من طور الاقتدار على استهداف أي منطقة داخل الكيان إلى طور الحقيقة بأن فاعلية هذه الضربات تجاوزت منطقة المفاجأة إلى منطقة فرض الإرادة وإجبار العدو على التعامل مع المطالب الإنسانية بإيقاف المجازر ورفع الحصار عن غزة بمسؤولية وتعقل، والأمر لا يعني -وحسب- اللحظة التي تسبب بها العدوان الصهيوني على غزة أو العدوان على اليمن، وإنما يعني أيضا المدى القريب والبعيد، فاليمن لا تعنيه فقط فلسطين وإنما كل الأمة الإسلامية، بالتالي فالأرض العربية والإسلامية لأبنائها، وعلى العدو بوجوهه الثلاثة (الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي) أن يكفّ أذاه عن الآخرين، وأن يتوقف عن فرض إرادته ونهب مقدرات شعوب المنطقة.
وإلى ذلك فإن مجيئ التصعيد في استهداف الكيان وكذا الحضور الأمريكي في البحر له مدلولاته ورسائله، أبسطها أن التهويل الأمريكي والإسرائيلي بالعدوان على اليمن قد أعطى نتائج عكسية، ولم يخلق حالة خوف لدى القوات المسلحة، وهو ما كانوا ينتظرونه، وفي هذا تأكيد على تكلس القدرات العقلية لدى الأعداء بحيث لا يزالون -معها- يعيشون حالة من عدم الإدراك وصعوبة التقدير، لذلك أطلقوا مثل تلك التهديدات التي قد تؤثر -بطبيعية الحال- على من يقاتل لأهداف سياسية أو عسكرية، فيما القيادة الثورية قد قالتها بوضوح، أن أصل تحركنا مبدأ ديني وأخلاقي وإنساني. ولو أن الأعداء قرأوا ذلك بذهنية صافية بعيدا عن تأثيرات الغرور والغطرسة، لأدركوا أن الرد بالعنف لن يؤدي إلا إلى مزيد من استنفار الطاقات والقدرات إلى أن يفهموا.
لذلك جاء هذا التصعيد اليمني ليؤكد على هذه الحقيقة، ولذلك أيضا قال المحلل الصهيوني العميد الاحتياط عيران أورتال إنّه “كلما تعمّقت صنعاء في المعركة ضد “إسرائيل”، أصبحوا أقوى على عدة مستويات”.
أورتال يرى أن القصف الجوي على اليمن أمر عبثي ولن يحقق نصرا للكيان، وأن الأمر يتطلب محاربة من أسماهم بـ”الحوثيين” على الأرض، وهذه مسألة تكاد تكون مستحيلة، لذلك يرى أورتال أن “إسرائيل” لن تفعلها.
انتزاع اعتراف الصهيوني
مثّل ضرب الكيان الصهيوني بالطائرات والصواريخ، وتكرار مشهد فرار المستوطنين الغاصبين إلى ملاجئ الحماية تحوُّلاً كبيراً في المسار الوجودي للكيان الغاصب، ودمر هذا التحول المعتقد الراسخ لدى المستوطنين بأن كيانهم غير القانوني يبلغ من القوة ما يمكن ان يرد عنهم أي محاولة لإرباك أمنهم، وهذا الإنجاز هو بداية قاصمة للانحدار إلى هاوية التهديد الوجودي. حتى مع إجراءات الأحمق الأمريكي دفاعا عن الكيان، فإن ذلك لم يعد بمقدوره استعادة ذاك الوقع الذي لم يكن في متخيلهم أن يربكه أي شكل من الهجمات والاستهداف.
وشهر ديسمبر 2024 شهد ارتفاعا ملحوظا لمستوى التهديد القادم إلى العدو الصهيوني من أقصى جنوب شبه الجزيرة العربية، ليتصدر اليمن مشهد الرفض والمقاومة، ويضرب بتهديدات الأعداء عرض الحائط. الهوية الإيمانية هنا ترفض القبول بأن تكون كلمة أعداء الأمة هي العليا أو سيفا على رقاب العرب والمسلمين، والهوية الإيمانية ترفض رؤية كل هذا الظلم الذي يمارس ضد الشعب الفلسطيني بلا أي سبب إلا أنهم يريدون استعادة أرضهم، ثم تسكت. والهوية الإيمانية هنا كانت المحرك لامتلاك القوة ورباط الخيل، ولهذا تأتي نتائج الأفعال بمستوى صدق النوايا والتوجه العملي، حيث صار العدو تحت طائلة القصف، وصار اليمن بتوفيق الله جديرا بانتزاع اعتراف الصهيوني نفسه بأن اليمن يبدو أقوى مما هو في الحُسبان. يقول مسؤول صهيوني لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، لم تكشف عن اسمه: إنّ “القوات اليمنية في صنعاء أكثر تقدماً من الناحية التكنولوجية مما يتصوره الكثيرون، ويجب عدم التقليل من شأنها”.
ولا يزال في السياق من يشككون في جدوائية الصواريخ اليمنية، تحركت حاملات الطائرات إلى المنطقة بسبب الضربات اليمنية وهؤلاء يشككون، يواصل الكيان الصهيوني في رصد تداعيات الحصار البحري المفروض عليه من اليمن، وهؤلاء يشككون، شنت الكائنات الأمريكية والبريطانية عدوانها على اليمن لرده عن مواصلة ضرب الكيان وحصاره، وهؤلاء لا يزالون يشككون، وسيظلون يشككون، والسبب معروف؛ فهم ليس بمقدورهم إلا ممارسة هذا الدور.
أمة لا تهاب الموت
تجربة السنوات العشر من العدوان ومحاولة إخضاع اليمن لم تضف شيئا يذكر إلى إنجازات الأعداء على طريقة إعادة تشكيل “الشرق الأوسط الجديد”، في المقابل استفاد منها اليمن لجهة تطوير قدرات المواجهة، وهو اليوم يبدو الأقوى بالنظر الى تحليل واقع هذه المواجهة وظروفها. لا يذهب الحديث في هذا السياق إلى حجم الاستهداف والتدمير وتداعيات الحصار الذي تعرض له وعاشه الشعب اليمني خلال العشرة الأعوام الماضية، وإنما إلى معطى بسيط في طرحه عظيم في دلالته وأثره، فاليمن يواجه ويضرب من يرى فيه العرب “بُعبُع” لا يمكن التجرؤ عليه، واليمن يواجه ويضرب من يرى فيه العالم القوه العظمة وهي أمريكا، بلطجي العالم، في المقابل فإن البُعبُع الإسرائيلي يستعين بالكائن الأمريكي للعدوان على اليمن، والأمريكي يستعين بالبريطاني، كما من قبل تشكلت التحالفات على مستوى البر والبحر من أجل استهداف اليمن، مع ذلك اليمن لا يزال واقفا وبقوة ويناطح هذه الكائنات ويتفوق عليها ويجبرها على الفرار.
لا شك بأن الغطرسة والمكابرة لا تزال تعمي الأعداء عن استيعاب هذه الحقيقة، والأصل فيها أن الاقتدار اليمني يستند على القيمة الأخلاقية التي تجعل من موقفه المساند للمظلومين في غزة فعلا تلقائيا.
تداعيات تدجين الأمة
في هذا الوقت لا تزال الأمة العربية تعيش وضعية المتفرّج، كأثر صريح لحالة التدجين الثقافي الذي مورس عليها طيلة العقود الماضية، ومعها تراجع وعي الأمة القومي والإسلامي تجاه قضيتها المركزية وتجاه المقدسات الإسلامية. وحين يقوم الأعداء بتحديث أسلحتهم لاستهداف قُطر جديد، تشيح الأمة بنظرها وتجعل ضميرها في ثلاجة الموتى.
واقع الحال يبين بأن الجميع ربما يدرك أنه يوما ما بشكل أو بآخر سيأتيهم الدور، ولكنهم يمارسون فن التأجيل والرهان على الزمن، وهو التجاء عقيم يأتي نتاجاً طبيعياً لضعف الإيمان وتشوُّه الهوية الإيمانية، ومتى كان هذا هو السائد، تضعضع واقع الأمة وانعدمت وسيلتها للتحرر من هيمنة الاعداء وسيطرتهم. واليوم اليمن يأخذ مكان مركز المقاومة للمشروع الاستعماري الجديد الذي تقوده أمريكا ويمثله الكيان الصهيوني دون ارتخاء أو تخفٍّ وراء عنوان ضعف القدرات والخبرات في مقابل كيان مدعوم من دول المال والسلاح، إذ تحرك اليمن بصدق الإرادة، وها هو العدو الصهيوني يحصي عدد الصواريخ والطائرات التي تتساقط على رأسه فتكسر قاعدة “أمان المستوطنين”.
السلاح الأكثر تنكيلا
شاء من شاء أو أبى من أبى فإن صدق الإيمان هو السلاح الأوجع للعدو والأكثر تنكيلا به، فمعه تتساقط عناوين المعادلات القائمة على ذل ضعفاء الإيمان ومهانتهم، وليس قوة السلاح. ولا غرابة أن تعيد أمريكا النظر في تحركاتها فتسحب حاملة الطائرات “ترومان” إلى مساحة آمنة بعيدا عن متناول السلاح اليمني، وهذه النتيجة -التي سيشهدها العالم بتعجب- هي ناتج هذا الإيمان بالله أولا ثم بصدق القضية التي يقاتل لأجلها اليمنيون. لكن العجيب أنه في الوقت الذي يسجل فيه كثير من الغرب إعجابهم بهذه الثقة اليمنية في مواجهة أعتى أنظمة التاريخ سلاحا وشرّا متمثلة بأمريكا و”إسرائيل”، نجد تجاهلا عربيا، حتى الإعلام العربي يحاول تجاهل هذه الإنجازات اليمنية المشهودة، ليس كرها في اليمن وإنما خنوعا لأمريكا وقبولا بهذا الخنوع. الإعلام الدولي يتناول هذه المواجهة ويفرد لها الملفات، فيما الإعلام العربي إذا اراد التعرض لهذا الأمر فإن يكتفي في تناوله بتسليط الضوء على الموقف الأمريكي وتبني رواية واشنطن والاصطفاف مع الأصوات التي تحاول النيل من الموقف اليمني الأخلاقي.
استمرار الانحدار
الأسبوع الماضي أكّـدت تقارير إسرائيلية ارتفاع نسبة الفقر في الوسط الصهيوني وتصاعد أزمة النقل الجوي، مع استمرار سلسلة الهبوط الاقتصادي وانخفاض الصادرات والواردات بفعل الحصار البحري اليمني، وأوردت وسائل إعلام العدوّ الإسرائيلي تقارير أكّـدت من خلالها استمرار هروب المستثمرين إلى دول أُورُوبية وشرق أسيوية، وذلك بسبب العمليات اليمنية التي تقصف بشكل متواصل أهدافاً حيوية وعسكرية حساسة في مختلف مدن فلسطين المحتلّة.
ونقلت صحيفة “معاريف” العبرية الشهر الجاري عن الرئيس التنفيذي لميناء “إيلات” غدعون غولبر قوله: إن “العمل في الميناء توقف كليا لعجز السفن عن الوصول إلى الميناء بسبب هجمات “الحوثيين” في البحر الأحمر”.
فيما ذكرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أن هجمات “الحوثيين” في البحار أدت إلى تعطيل التجارة القادمة من البحر الأحمر، فأسهم ذلك في رفع تكاليف الشحن مع استخدام طرق بديلة أطول.
ويذكر الخبير في الشؤون الإسرائيلية أحمد البهنسي أن من أهم القطاعات الإسرائيلية المتضررة بسبب الهجمات اليمنية قطاع الشركات الناشئة؛ إذ يعد القطاع الرئيس الثاني الذي سيتضرر من اتساع المواجهات، في وقت تشير فيه بيانات رسمية إلى أن 44% من الشركات الناشئة هربت من “إسرائيل”. وقال البهنسي “لا نبالغ إذا قلنا إن قطاع الشركات الناشئة يمثل عصب الاقتصاد الإسرائيلي بعد التسهيلات التي قدمتها “إسرائيل” خلال العقود الماضية لجذب عدد كبير من الشركات الناشئة الأوروبية والأميركية وحتى الآسيوية”.
السعودية تترقب
في الأثناء السعودية تترقب وكلها أمل في زلزال يُحدث تغييرا لصالح إنهاء حالة الأرق التي تتسبب بها الهجمات اليمنية، لجهة المخاوف من أن يدفع أي تصعيد أمريكي ضد اليمن القوات اليمنية لاستهداف المصالح الأمريكية بما فيها تلك التي على الأراضي السعودية، خصوصا واليمن وقواته المسلحة أثبتوا أنهم عند مستوى الكلمة وعند مستوى المسؤولية ولا يقبلون الضيم.
لذلك قالت قناة “كان” العبرية الأربعاء: إن السعودية تتابع عن كثب تبادل الضربات بين “الحوثيين” و”إسرائيل”، لكنها لا تنوي التدخل، وتنتظر بشكل أساسي إدارة ترامب في هذا السياق أيضا.