|| صحافة ||
من جديد، يخلط اليمن الأوراق في منطقة الشرق الأوسط، بمخالفته تقديرات صناع القرار في كل من واشنطن وتل أبيب، وإفشاله مخطّطاتهما. وبعد الصاروخ على مطار «بن غوريون»، بات السؤال الأكثر إلحاحاً لدى إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وهو نفسه الذي فشل سلفه جو بايدن، وقبله السعوديون والإماراتيون، في الإجابة عنه: كيف يمكن القضاء على حركة «أنصار الله» ومنع اليمن من الاستثمار في قوته وموقعه الطبيعي نصرة لقطاع غزة وفلسطين أو القضايا العربية الأخرى، من دون الاضطرار إلى الزجّ بالقوات البرية الأميركية والخليجية في المعركة؟
إذ إنه في حال قرّرت الولايات المتحدة خوض الحرب البرية، سيكون عليها إجراء حسابات إستراتيجية وسياسية وقانونية، ويُرجح أن لا تتوافر الشروط اللازمة لخطوة كهذه من جانبها في الوقت الراهن، كما إن هذا الخيار يخالف «وعد» الإدارة بوقف الحروب في الشرق الأوسط. وتتجلى تلك الحقيقة فيما لا يفتأ يزداد الحرج الأميركي في كل مرة تُسقط فيها طائرة «إم كيو 9» أو مقاتلة «إف 18» أو ينفجر صاروخ في إسرائيل، الأمر الذي يقوّض المزاعم الأميركية حول تقليص قدرات صنعاء، ويعزّز التصوّرات بأن التهديد القادم من اليمن أصبح عصياً على الحل.
وفور سقوط الصاروخ في مطار «بن غوريون»، هدّد وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بالرد «بسبعة أضعاف»، غير أن المستوى الأمني الإسرائيلي، وكذلك وسائل الإعلام، أكدوا أن أي ضربة إسرائيلية لن تحقّق ردعاً مع «أنصار الله». ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مسؤول في حكومة العدو قوله إن «الولايات المتحدة نفّذت في كل يوم من الأسابيع الستة الماضية، ضربات تفوق ما يُمكننا تنفيذه في اليمن خلال عام كامل بعشرة أضعاف». ويأتي استمرار سقوط الصواريخ على "تل أبيب" في وقت يقرّ فيه المسؤولون الأميركيون بأنهم لم يلحظوا أي إشارات ضعف أو تراجع في اليمن، لا بل يبدو كثيرون منهم في حيرة من أمرهم لناحية استكشاف حسابات «أنصار الله».
وفي ظل غياب رؤية إستراتيجية واضحة للتعامل مع الصمود اليمني، والاستمرار في توجيه الضربات الجوية المعزّزة والتي زادت عن 1000 غارة في مدة تُعتبر قياسية في علم الحروب، واقتربت من عدد تلك التي شُنّت في الجولة الأولى التي استغرقت أكثر من عام، فإن واشنطن تواجه محدودية في الخيارات المتاحة، خصوصاً بعدما ثبت فشل خطة ترامب الراهنة، وتأكد للمسؤولين في «القيادة المركزية الأميركية» بأن الضربات الجوية ليس في مقدورها وحدها الحسم مهما كانت كثيفة.
وفي هذا الإطار، أشارت شبكة «دويتشه فيله» الألمانية، في تقرير، إلى أن «أميركا تخوض أغلى حروبها مع اليمنيين وتفشل في كسرهم»، قائلة إن «العمليات العسكرية الأميركية المتواصلة ضد الحوثيين لم تفضِ إلى تراجع قدراتهم. بل على العكس، أظهرت قواتهم قدرة عالية على التكيّف والتطوير، سواء من حيث تكتيكات الهجوم أو منظومات السلاح المستخدمة، فضلاً عن استمرار تدفّق الإمدادات إليهم من مصادر متعددة».
واشنطن تواجه محدودية في الخيارات المتاحة بعد فشل خطة ترامب الراهنة
وإذ دأبت الولايات المتحدة على خوض حروب متعددة بواسطة حلفائها، فإنها في الحالة اليمنية لم تجِد حلفاء جدّيين. ووفقاً لصحيفة «وول ستريت جورنال»، فإن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، رفض طلب ترامب بالتدخّل العسكري في اليمن، عازياً أزمة الملاحة في البحر الأحمر إلى الإبادة الجماعية في غزة. أما دول الخليج، ولا سيما السعودية والإمارات، فترفض الانخراط في الصراع لعدم ثقتها بواشنطن المتّهمة من قبلها بأنها لم تنصرها في حربها مع اليمن كما تفعل حالياً مع إسرائيل، فضلاً عن اختلاف الأهداف على الساحة اليمنية.
كما إن خيار الاستعانة بالفصائل التابعة لكل من الرياض وأبو ظبي في المعركة البرية، دونه عقبات أولاها أن الفصائل ليست جاهزة لذلك حتى الآن، في ظل صراع محتدم بينها؛ وثانيتها أن من شأن هكذا هجوم أن يطيح الهدنة المدعومة من الأمم المتحدة بين السعودية واليمن، والمطبقة منذ نيسان 2022.
أيضاً، أثبتت التجارب أن تلك الجماعات مهما زُوّدت بالسلاح والإمكانات، فإنها غير قادرة على الهجوم من دون مواكبة عسكرية ولوجستية ومالية من قبل السعودية والإمارات، وهذا يعني انخراط الأخيرتين في هذه المهمة، وهما غير قادرتين على تحمّل التكلفة، علماً أن القيادات العليا في كل من الرياض وأبو ظبي أُبلغت من جانب القيادة السياسية في صنعاء بأن أي هجوم بري من قبل الفصائل الموالية لهما، سيُعتبر اعتداء من قبلهما، ولن تكون هما بمنأى عن الاستهداف.
وفي هذا السياق، نقلت صحيفة «فايننشال تايمز» عن «المجلس الانتقالي الجنوبي» و«المقاومة الوطنية» بقيادة طارق صالح، القول إنهما أجريا اتصالات بالولايات المتحدة لمناقشة إستراتيجية الهجوم البري، ولكنهما أكدا عدم وجود خطط وشيكة لشن هكذا هجوم. وقال أحد المسؤولين المحليين للصحيفة: «نطلب منهم تحقيق أهدافهم؛ يجب أن يكون هناك شيء على الأرض ويجب أن تشارك المنطقة (السعودية والإمارات) لكن لا يزال هناك شك».
وأضاف المسؤول: «نحن مشلولون. الجميع ينتظر تحرّك الآخر». وتسعى الرياض منذ سنوات عدة إلى إخراج نفسها من الصراع بعد أن فشلت سنوات من القصف في كسر قبضة الحوثيين على الشمال، في حين يضرب المتمردون المملكة بوابل منتظم من الصواريخ ونيران الطائرات من دون طيار». أما الإشكالية الأخرى، فهي أن استمرار الحرب على اليمن يعني تخصيص موارد كبيرة للجيش الأميركي هناك، في حين أن هذه الموارد يفترض أن يكون مكانها الطبيعي مقابل الصين. وحذرت دانا سترول، المسؤولة السابقة في «البنتاغون»، من التكاليف والضغوط على الجيش الأميركي. وقالت «إنها أهم حملة جوية مستمرة ينفّذها الجيش الأميركي منذ ذروة الحرب على داعش، قبل أكثر من عقد من الزمان».
بالنتيجة، ما يقوم به اليمن يتعدّى الصراع مع الكيان الإسرائيلي، ويخلق معادلة ردع غير مسبوقة بوجه الهيمنة الأميركية القائمة على انتشار حاملات الطائرات في البحار والمحيطات، والسيطرة على الممرّات العالمية التي تصنّف على أنها أمن قومي أميركي. وأما المفارقة، فهي أن ذلك يصبّ، في نهاية المطاف، في كفّة كل من الصين وروسيا وإيران.
لقمان عبدالله: الأخبار اللبنانية