السيدُ عبدالملك الحوثي وضع تحالُفَ العدوان أمام خيارَين إما السلام أو الضربات الفتّاكة

|| صحافة محلية || صحيفة المسيرة

لا تنتظرْ من خصمك، وبالأخص عدوك، أن يعترفَ بثورتك أَو يشهدَ لها، بل إن وقوفَ خصومك وأعدائك ضد ثورتك ووصفهم لها بالانقلاب أَو غير ذلك، هو ما يجبُ أن يدفعَك أكثرَ للإيمان بثورتك والتمسُّــك بها، وبين الثائر والخصم ثَمَّةَ محطةٌ من البشر هي التي عليك مخاطبتُها وتعريفُها بثورتك كوسيلة من وسائل الدفاع عنها في مواجهتك لحملات التضليل والتشويه. من هذا المنطلق، ربما، جاء بيان قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي بمناسبة العيد الخامس لثورة 21 سبتمبر وحديثه عنها وتذكيره بالقيم التي تمسكت بها.

 

في بيانه الذي يمكن وصفُه بالتاريخي؛ لما تضمّنه من توجّـهات حاسمةٍ في إطار مواجهة العدوان، يؤكّـد قائدُ الثورة السيد عَبدالملك الحوثي أن أكبر وأهم إنجازات ثورة 21 سبتمبر أنها حرّرت الشعبَ اليمني “من الوصاية الخارجية واستعادت حقَّه في الاستقلال والسيادة والحرية”، مستعرضاً باختصارٍ طبيعةَ مشكلةِ قوى الهيمنة وعملائها المتمثلة في استكثارها، أي تلك القوى، على بلدنا اليمن أن يكون مستقلاً في قراره السياسي بعيداً عن التدخل الخارجي الذي جعل اليمنَ في مرحلة من المراحل يدارُ من داخل السفارة الأمريكية.

 

والحقيقةُ أن ما يتعلقُ بوقوع اليمن تحت الهيمنة في المرحلة السابقة لثورة 21 سبتمبر هي الحقيقةُ التي كان يعترفُ بها خصومُ الثورة عندما ركبوا موجةَ ثورة الشباب؛ ولكونهم قد فقدوا حياءَهم لا يهُمُّهم أن اعترافَهم هذا ما يزالُ موثقاً بالصوت والصورة وكتاباتهم التي يمكن لأي أحد الاطلاع عليها والتي تتيحُها شبكة الانترنت على عكس الماضي قبل ثورة المعلومات عندما كان ممكناً للبعض أن يتنصل من مواقفه السابقة التي يقل فيها الشهود.

 

لكن عادةً ما يُطرَحُ سؤالٌ متكرّر كلما حلت الذكرى السنوية لثورة 21 سبتمبر وهو السؤال الذي يقول: كيف حرّرت ثورة 21 سبتمبر اليمن من الهيمنة الخارجية فيما يقبع نصفُ اليمن تحت الاحتلال؟. صحيحٌ أن مثلَ هذا السؤال لا يمكنُ أن يُطرَحَ على مستوى النخب ذات الوعي العالي غير أن ثورة الانترنت ومواقع التواصل أتاحت للجميع بمن فيهم العامة طرح مثل هذا السؤال الذي يُطرح أَيْـضاً من بعض من يوصفون بالنخبة من المعادين للثورة؛ بغرض التضليل والتشويه.

 

وللإجابة على هذا السؤال لنعد إلى اليوم الأول من ثورة 21 سبتمبر إذَا أمكن تجميد اللحظة التاريخية، فما حصل في ذلك اليوم أنه تم القضاء على كُـلّ أذرع الهيمنة الخارجية المرتبطة تاريخياً بالنظام السعودي والإدارة الأمريكية، وبالتالي كان التخلص من الهيمنة، ثم عبرت الثورة عن إرادتها بأن يكون القرار السياسي اليمني حراً بشكل مطلق ورفضت كُـلّ أشكال انتهاك سيادة اليمن، وبالتالي أعلنت استعادة القرار والسيادة.

 

أما ما يتعلق بوقوع ما يقارب نصف الأراضي اليمنية تحت الاحتلال الأجنبي، وبالتالي عودة الهيمنة إلى المناطق المحتلّة، فثمةَ فرقٌ بين أن تكون تلك الهيمنة مقبولة من قبل الثورة وبين كون الثورة تناضل اليوم في مواجهة العدوان والاحتلال الذي قدم للقضاء عليها بوصفها “انقلاباً”. وخلال العقود الماضية من حكم صالح وحاشيته وهادي وحاشيته لم يتعرض اليمن لعدوان خارجي فرض على صالح وهادي الهيمنةَ، بل إنهما ونظاميهما صعدا واستحوذا على السلطة بناءً على قبولهما بالوصاية الخارجية والهيمنة؛ وباعتبارهما أدوات صُنعت أمريكياً وسعودياً. وعلى سبيل المثال هل يمكن القول إن المقاومة الفلسطينية واقعة تحت الهيمنة الإسرائيلية التي تحتل فلسطين؟ بالتأكيد لا؛ لأَنَّ المقاومة لم تقبل الاحتلال الصهيوني الذي فُرض عليها وتواصل مقاومتها له كما يواصل اليمن اليوم نضاله الثوري والوطني لمجابهة قوى العدوان والاحتلال ولم يحدث أن قبلت ثورة 21 سبتمبر بالخضوع وعودة الهيمنة.

 

 

 

الشعبوية.. مفتاحُ الثورة وصفتُها

 

منذُ بدءِ مرحلة التصعيد الثوري وصولاً إلى بيانه الأخير، ركّز قائدُ الثورة السيد عبدُالملك الحوثي على شعبيّة الثورة، مؤكّـداً أن “التحَرُّكَ الشعبي من كُـلّ التيارات ومختلف المذاهب والمناطق في اليمن منح الثورةَ العظمةَ والنقاءَ الخالص والخالي من أي استغلال خارجي، وهو ما يتوافقُ مع الواقع والمراحل التي عاشتها الثورةُ، فقد كان الإجماعُ الشعبي على التخلص من الوصاية الخارجية وإنهاء عقود من الفساد والفشل في إدارة الثورة هو مفتاحَ نجاحِ الثورة؛ نظراً للتوافق الشعبي على أهدافها، وَإذَا كان مكونُ أنصار الله قد تصدَّر مشهدَ الثورة؛ نظراً لحجم المشاركة فإن ذلك لا يعني ادعاءَ مكون أنصار الله احتكارَ التأييد الشعبي له، فشعبيّةُ الثورة تختلفُ عن شعبيّة المكونات، فالأولى يحكُمُها الالتفافُ الشعبي حول الثورة وعددُ المكونات المشاركة فيها والثانية تحكُمُها الانتخابات، وبالتالي كانت الثورةُ ممثِّلةً للشعب اليمني الذي كان أَسَاسَها ومفتاحَ نجاحها.

 

كما إن ما يؤكّـدُ أن ما حدث كان ثورةً وكانت الثورةُ شعبيّةً وليس انقلاباً؛ لأَنَّ الانقلابَ يأتي من داخل النظام نفسِه، ولا يعني أن مفردة “انقلاب” ذات معنى سلبي، فالعبرة بالهدف والنتيجة، فثمة انقلاب سلبي وآخر إيجابي إذَا أفضى إلى نتائجَ إيجابية، أما الثورة متصل بصفتها الشعبيّة، وَإذَا نظرنا لما حدث في 21 سبتمبر فلا يمكن القول إن قوةً مسلحة مهما كان حجمُها قادرةٌ على إشعال ثورة وإنجاحها ثم حمايتها رغم تعرضها لعدوان خارجي واسع إذَا لم تكن مرتكزةً للثورة، وفي ثورة 21 سبتمبر كان العملُ المسلح على نطاق محدود منبثقاً من الحالة الشعبيّة، فمَن كانوا معتصمين في الساحات بمرحلة التصعيد الثوري هم مَن انبثق عنهم اللجانُ الشعبيّة التي تشكّلت انطلاقاً من الحاجة المُلِحَّةِ لحماية الثورة التي تعرضت للقمع الوحشي.

 

إن هُـوِيَّةَ الأطراف الدولية المشاركة في العدوان على اليمن وهو هنا يمنُ الثورة، تكفي للحكم على طبيعة العدوان، فمعروفٌ على مستوى العالم عداوةُ أمريكا وأتباعها من دول الخليج للإرادات الشعبيّة التي تتصادمُ مع مشروع الهيمنة الأمريكية وتثيرُ مخاوفَ الأنظمة العائلية لدول البترول الخليجية من تمدد الثورات الشعبيّة؛ كونها أكبرَ تهديد للعروش التي صنعتها بريطانيا وحمتها أمريكا؛ للإبقاءِ على أمراء النفط بما يمثلونه من خيارٍ لا أفضلَ منه لقوى الهيمنة.

 

 

 

مواجهةُ العدوان امتدادٌ لخيار الثورة وتمسُّكٌ بأهدافها

 

مجدداً لا نحتاجُ لإثبات أن العدوان جاء للقضاء على يمن الثورة وكسر إرادتها؛ كون الأمر معترفاً به من قبل دول العدوان، باستثناء أن ما يؤمن به الشعبُ اليمني أنه ثورة يوصفُ من قبل العدوان بأنه انقلابٌ. وفي بيان قائد الثورة يذكِّرُ بمساعي الأمريكي وأدواته الإقليمية؛ للنيل من الثورة “فكان أن وقف الشعبُ بحزم وأسقط كُـلّ المؤامرات، فاتّجهوا إلى شنٍّ عدوان شاملٍ حمل وِزرَه وتولَّـى كِبَرَه وتقلَّد عارَه النظامُ السعودي ومعه النظامُ الإماراتي ومن تحالف معهم تحت إشراف أمريكا وشراكة مع إسرائيل”.

 

كما ينطلقُ قائدُ الثورة من تجذر الثورة شعبياً للتأكيد على أن ذلك سببَ فشل العدوان وانهيار أماني الأمريكي وأدواته الذين ظنوا “أنهم سيحسمون المعركة خلال أسبوعَين بالحد الأدنى أَو شهرين بالحد الأقصـى، واعتمدوا في تكتيكِهم في هذا العدوان على التدمير الشامل والإبادة الجماعية والحصار الخانق، وفعلوا كُـلّ ما يستطيعون؛ بهَدفِ كسر إرادة شعبنا”، وهو ما يقودُنا إلى أن العدوان بوضوح كان توجُّـهاً لكسر الإرادة الشعبيّة، وبالمقابل أَيْـضاً أن نجاح التصدي للعدوان وإفشاله كان امتداداً لزخم الثورة القائم دائماً على الشعب، وهنا يجدد قائد الثورة التأكيد على أن هدف العدوان ومن يقف وراءه كان النيل من إرادة الشعب “إلَّا أن أحرار هذا البلد من مختلف مكوناته الاجتماعية والقبلية والقوى السياسية وقفوا الموقفَ المشرِّفَ بالاستعانةِ بالله تعالى والتوكلِ عليه للتصدِّي لهذا العدوان، وكانت ثمرةُ الاعتمادِ على الله تعالى والرهانِ عليه والثقةِ به والتوكلِ عليه هي ما نرى عليه الواقعَ الآن في العام الخامسِ منذُ بدايةِ العدوان بتماسك شعبنا وثباته واتّجاهه لبناء قدراته والعناية بكل عوامل الصمود وأسباب القوة”.

 

من جانبٍ آخرَ لم يعتد الشعبُ اليمني وخصوصاً الثوار من قائد الثورة أن يرفعَ معنوياتهم بناءً على معلوماتٍ وقراءات تختلفُ عن الواقع، ففي بداية مراحل العدوان كان السيد عبدالملك الحوثي يؤكّـد للشعب أن العدوانَ يهدفُ لاحتلال كُـلّ شبر في اليمن وأن إرادتَه قويةٌ لتحقيقِ ذلك، ومن الناحية الموضوعية فإنَّ هذا التقديمَ لا يمكنُ أن يُسهِمَ في رفعِ المعنوياتِ، لكن قائد الثورة كان يعوِّضُ ذلك بالتأكيد على أن الإرادة الشعبيّة والثقةَ بالله قادرةٌ على مجابهة إرادة العدوان وكسرها، وبالتالي حين يقدم قائد الثورة في المراحل اللاحقة توصيفاً لمرور العدوان بمرحلة الضعف فإنه يفعلُ ذلك انطلاقاً من موقعه المطلع على المعلومات الميدانية والسياسية سواءً لجبهة مواجهة العدوان أَو لجبهة العدوان ذاته.

 

من هنا يزُفُّ قائدُ الثورة في بيانه الأخير بُشْرىً للشعب اليمني من نتاج صموده عندما أكّـد أنه قد “أثمرت تضحياتُ شعبنا وصبرُه وصمودُه نصرًا وقوةً، والعدوّ اليوم أكثر تراجعًا وضعفًا من أي وقتٍ مضـى”. وبناءً على ما الصدق الذي اعتاد عليه قائدُ الثورة واعتاده الشعبُ منه فإن مسألةَ أن العدوان اليوم أكثرُ تراجعاً وضعفاً من أي وقت مضى باتت حقيقةً لا جدالَ فيها بناءً على معطيات الميدان بالإضافة إلى أن قائد الثورة لا يمكن أن يرفعَ معنوياتِ الشعب بمعلومات غير واقعية أَو مبالَغٍ فيها؛ لإدراكه النتائج السلبية لذلك الذي قد يتسبّب بتراخي الجبهة الداخلية.

 

ويوضح قائدُ الثورة أسبابَ تراجع وضعف العدوان بأنها نتيجةٌ لتلقيه “الضربات الموجعة والقوية، وكان منها الضربة الموجهة لأرامكو والمصنّفةُ بأنها الضربة الأكبر التي شهدتها الساحةُ العالمية منذ أربعين عامًا”. تلك الضرباتُ التي تحدث عنها قائد الثورة ليست على سبيل استعراضِ القوة أَو نتيجة غرور ولا حباً في تدمير مقدرات الآخرين الاقتصادية بل في سبيل إجبار المعتدين على وقف عدوانهم، وهنا يؤكّـدُ قائدُ الثورة “إن كُـلَّ ما يقوم به شعبنا في الدفاع عن نفسه وأرضِه واستقلاله وحريَّته يستند فيه إلى الموقف الحقِّ والقضية العادلة والمظلومية التي لا مثيلَ لها والمعاناة الإنسانية التي يعترف بها كُـلّ العالم”.

 

 

 

صناعةُ السلام: من موقعِ القوة تسقط الخطوط الحمراء

 

بالمقابل فإن المبادراتِ التي يطلقُها اليمنُ وفقاً لمضامين قائد الثورة ليست ناتجةً عن حالة ضعف بل العكس، كما إنها تؤكّـدُ أن استخدامَ اليمن للقوة الصاروخية والجوية التي صنعها دافعُها تحقيقُ السلام للشعب اليمني والمنطقة، وعبرَ عن هذه المعادلة بتوجيهه “النصح لتحالف العدوان بالتوقف عن عدوانهم والاعتبار بما قد وصلوا إليه من الفشل الذريع” وتأكيده أنه “من مصلحة تحالف العدوان الاستفادة من المبادرة التي قدَّمها رئيس المجلس السياسي الأعلى، إذ بوقف عدوانهم وقصفهم وحصارهم سيوقف الجيشُ واللجانُ الشعبيّة الضرباتِ التي يوجهها إلى العمق بالطائرات المسيَّرة والصاروخية”.

 

وإلى جانب تعزيزه لمبادرة الرئيس مهدي المشَّـاط فإن بيانَ قائد الثورة قدّم المعادلةَ الجديدة للعدوان، حيث تؤكّـدُ مضامينُه أن عملية توازن الردع الثانية لا بد أن تقودَ لنتيجة من اثنتين إما وقف العدوان وهو هدفُ الضربات وهدفُ المبادرة أَو استمرارُ الضربات الأشدِّ القادرة على زعزعة عروش المعتدين وتهديد مصالح الدول المستكبرة التي وجدت في العدوان مصدراً للحصول على الأموال، وبالتالي يُسقِطُ بيانُ قائد الثورة كُـلَّ محاولات التهويل والتهديد الأمريكي الغربي ودول العدوان والخطوط الحمراء التي يسعَون لوضعها لإثناء الجيش واللجان الشعبيّة عن مواصلة مسارِ الضربات الاستراتيجية، حيث أكّـد السيد عبدالملك الحوثي أنه في حال “استمرار القصف والحصار والعدوان فإن الضرباتِ الأكثرَ إيلامًا والأشدَّ فتكًا والأكبر تأثيرًا ستصلُ إلى عمق مناطقهم وإلى أهم منشآتهم الاقتصادية والنفطية والحيوية، ولا خطوط حمراء في هذا السياق”.

 

وانطلاقاً من كُـلِّ ما سَبق يكونُ بيانُ قائد الثورة تاريخياً بامتياز وتأكيداً على إرادة ثورة 21 سبتمبر المرتكِزة على الشعب كمصدر لتعزيز الصمود الميداني والاجتماعي والاقتصادي، كما أنه يضعُ حَدّاً لمسار الجُمُود في مواجهة العدوان وينقل المواجهة إلى مرحلة الفاعلية التي مع كُـلِّ خطوة منها لا بد أن يكونَ لها نتيجةٌ تؤدي في نهاية المطاف إلى انتصار يمنِ الثورة وتحقيق الاستقلال الكامل واستعادة السيادة وانتقال اليمن من “ملعب” إلى “لاعب” فاعل في محيطه الإقليمي والدولي.

قد يعجبك ايضا