الذكرى السنوية للشهيد .. قداسة التضحية وعظمة العطاء
أهمية إحياء الذكرى السنوية للشهيد
تأتي الذكرى السنوية للشهيد لهذا العام 1443هـ ــ والتي هي من أهم المناسبات بدلالتها وبـمضمونها وبما يتعلق به وبما تحتاج الأمة إليه، سيما ونحن في مرحلة مهمة وحساسة – تأتي وبلدنا اليمن يـمر للعام السابع على التوالي بـمرحلة صعبة وحساسة للغاية، وهو يواجه عدواناً أمريكياً سعودياً إماراتياً ظالـماً، ارتكبت فيه أبشع الـجرائم والانتهاكات بـحق شعبنا العزيز الصامد الـمجاهد، هذا العدوان الذي يهدف إلى احتلال بلدنا وإذلال أمتنا وفرض خيار العمالة إلى أن وصل الأمر هذه الأيام بأن يفرض خيار التطبيع مع العدو الإسرائيلي الغاصب والـمحتل لأرض فلسطين الذي بدأ يسير في منحدره الخطير بعض أنظمة الخليج المتصهينة كالنظام الإماراتي والنظام البحريني وكما هو شأن حكم العسكر في السودان، والسعي من قبل قوى الاستكبار العالـمي وعلى رأسها الشيطان الأكبر أمريكا لفرض ذلك على سائر الـحكومات العميلة وعلى رأسها النظام السعودي، ولن يقف الأمر عند هذا الـحد إذا لـم يكن هناك تحرك جاد وموحد وصادق – وعند مستوى الـتحدي والخطر- من قبل أحرار أمتنا لـمواجهة هذه الـمسارعة والـهرولة، وإلا فإنه في النهاية سيشمل الكثير حتى من شعوب أمتنا، لذلك يقول السيد/يحفظه الله في كلمته بـمناسبة الذكرى السنوية للشهيد 1439هـ [نـحن في أمس الـحاجة في ظل أوضاع ومواجهة تـحديات كهذه إلى هذه الذكرى المعطاءة بالدروس والـمهمة التي نتزود منها قوة العزم والإرادة الفولاذية، وقوة الـتحمل والاستعداد العالي للتضحية في مواجهة هذه التحديات مهما كان مستوى التضحيات].
ويقول في الذكرى السنوية للشهيد 1440هـ:[عندما نأتي لنستذكر الشهداء، نستفيد من هذه الـمناسبة كمحطة غنية بالدروس والعبر، ومـحطة نتزود منها قوة العزم والإرادة، ونستشعر فيها قداسة الـمسؤولية، ونستشعر فيها مسؤوليتنا ونـحن نسير في هذا الطريق، الذي قدمنا فيه هذه التضحيات، والذي قدم فيه أخيارنا وصفوتنا وأعزاؤنا وأحباؤنا أرواحهم وحياتهم، وأغلى ما يـمتلكونه في سبيل الله –سبحانه وتعالى- ودفاعاً عن الأرض، والعرض، والشعب، والحرية، والاستقلال، الكرامة، وللحيلولة دون أن يـتمكن الأعداء من قوى الشر والطاغوت والاستكبار من الوصول إلى أهدافهم بالسيطرة علينا].
ويقول السيد (يـحفظه الله) في كلمته بـمناسبة الذكرى السنوية للشهيد عام 1441هـ:[تأتي هذه الذكرى السنوية للشهيد في هذا العام مع كثير من التطورات والأحداث والـمتغيرات، وخلال كل الـمراحل الـماضية في كل عامٍ منها كانت تأتي هذه الذكرى وقد أتت الكثير من التطورات في الأحداث، ومن الـمتغيرات في الواقع، ومنذ أول فعاليةٍ أقمناها –آنذاك- في شِعْبٍ من شِعاب مَطْرَة، في منطقة صغير مـحاصرة، وفي مرحلة كُنّا نعيش فيها واقع الـمظلومية إلى حدٍ كبير، مع التضحية في سبيل الله –سبحانه وتعالى- وإلى اليوم، في كل مـحطةٍ سنوية كانت الـمتغيرات فيها والأحداث تكْبُر، والتطورات تكْبُر، لكن الـمتغيرات فيها كانت تأتي دائـماً في مسارٍ تصاعديٍ لصالـح عباد الله المستضعفين والـمظلومين، سواءً عندنا في الداخل اليمني، أو في بقية الـمنطقة، كما في فلسطين، كما في لبنان، كما في العراق… كما في مناطق أخرى، هذا يُقدّم بـحد ذاته شاهداً واضحاً على قيمة الشهادة، وأثر الشهادة، وعطاء الشهادة، وما يكتبه الله لعباده الـمستضعفين في جهادهـم، وفي صبرهم، وفي تضحياتـهم، في عطائـهم، في صمودهم، في توكلهم عليه، في ثقتهم به، في تـمسكهم بالـموقف الـحق، وأصبحت هذه الـمحطة السنوية مـحطةً مـهمة لاستلهام الدروس والعبر، وللتزود منها طاقةً معنويةً تـتـمثل بقوة الإرادة للتصميم والعزم بالثبات في هذا الطريق].
أهداف إحياء الذكرى السنوية للشهيد
هناك أهدافا متعددة من وراء إحياء هذه الذكرى أهمها وفي مقدمتها التعظيم والتبجيل والتقديس لأسـمى عطاء وأشرف تضحية وهو عطاء وتضحية الشهداء بأنفسهم في سبيل الله والـمستضعفين من عباد الله فهو عطاء عظيم وتضحية عظيمة، جديرة بالتقديس والتبجيل والتعظيم وجديرة بالاحتفاء بها والإشادة بها، والافتخار بـها.
فشهداؤنا هم تاج رؤوسنا وهم فخر أمتنا، وهم عنوان عزتنا وصمودنا وكرامتنا كما قال السيد (يحفظه الله)، يُضاف إلى ذلك كما سبق استلهام معاني العزة، وكل ما يساعد على الصمود والثبات في مواجهة التحديات والطغاة والظالمين والمستكبرين وأيضاً فيها دروس كثير مثل لَفْت النظر إلى أُسرِ الشُهداء ومسؤولية الأمّة تـجاههم وغير ذلك من الفوائد الكثيرة لإحياءِ هذه الذكرى.
الشهادة.. أول عناوينها هو الصدق مع الله
المؤمنون عندما يتحركون في سبيل الله أول عنوان لـتحركهم هو الصدق مع الله ﴿ مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾ [الأحزاب آية: (23)] وتـحركهم وراءه الكثير من القيم الإيمانية ومكارم الأخلاق فـهم رجال العطاء ورجال مواقف وشجاعة وعزة وثبات وصدق مع الله واستعداد عالٍ للبذل والتضحية والإيثار وحاضرون للشهادة في سبيل الله بكل حب وشوق ورغبة وقناعة، وبنفوس زاكية وقلوب طاهرة وتسليم مطلق لله سبحانه وتعالى.
وحينما يتحركون بـهذه الروحية يكونون في مستوى المسؤولية، فهم ثابتون على مبادئهم لا يتغيرون أبداً ولا يغيرون ولا يبدلون ﴿وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ فاختارهم الله ومنحهم هذا الوسام العظيم ﴿رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ علاوة على وسام الشرف ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ﴾ يعني فحظوا بلقاء الله شهداء في سبيله كما قال سبحانه ﴿وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ فنالوا ذلك الوسام العظيم وصاروا أحياء سعداء عند ربهم يرزقون ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران آية: (169)].
وأصبحوا في صُحْبةِ من سبقهم من الشهداء وبرفقة (النبيين والصديقين)، ومشاعرهم تفيض بالفرح والسرور لـما صاروا فيه من النعيم والتكريم ﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ ومستبشرين بالذين لـم يلحقوا بـهم من إخوانهم ورفاق درب مسيرتهم ﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [آل عمران آية: (170)] ولديهم مشاعر الحرص على نـجاة قومهم في تـمنياتـهم لـهم بالتوفيق لـما حظوا به هم من الكرامة العظيمة كما حكى الله سبحانه وتعالى في مشهد آخر من مشاهد التكريم ﴿يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ [يس آية: (26)].
ونـجد هذه النوعية من الرجال الأوفياء الصادقين في عصرنا هم صفوة رجالنا في هذه المسيرة القرآنية وأولـهم مؤسس هذه المسيرة المباركة الشهيد القائد/السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) والذين لولا تضحياتهم لكنا نعيش حالة الهوان والاستعباد والذلة واستحكام قبضة الشريرين من أعداء الدين المتعدين والذين وصف الله سبحانه وتعالى نزعتهم العدوانية والإجرامية في القرآن الكريم ﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾ [التوبة آية: (10)]. معتدون يعيشون النزعة العدوانية.
فتلك النوعية من رجالنا الصادقين الذين اختاروا طريق التضحية والشهادة هم ذخرنا وعزنا ورهاننا بعد الله، وسلاحنا القوي في مواجهة الأعداء الشريرين ودفع شرهم، وهم وحدهم المؤمنون الصادقون دون سواهم كما حكى الله في كتابه الكريم ﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾ [التوبة آية: (10)].
فليس كل من ادعى الإيمان صادق في دعواه؛ لأن دعوى الإيمان تـحتاج إلى دليل، وأعظم دلالات الإيمان هو الجهاد والتضحية والاستشهاد في سبيل الله.
ومسك الختام ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب آية: (23)] اللهم اختم لنا بهذه الحسنى أن نكون من الصادقين ومع الصادقين واحشرنا في زمرة الصادقين من أخوتنا المجاهدين المرابطين إنك سميعٌ مجيبُ دعوة المضطرين، وآخر دعوانا أَنِ الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمـد وعلى آله الطاهرين.
مكاسـب الشهادة في سبيل الله
الشهادة في سبيل الله أمنية المؤمنين الواعين شأنهم شأن رجل الجهاد الأول الرسول الأعظم محمـد (صلوات الله عليه وآله)، الذي قال: ((وَدَدتُ أَني قُتِلتُ فِي سَبيلِ اللهِ ثُـم عُدتُّ ثُم قُتِلتُ ثُـم عُدتُّ ألفَ مَرة))، كان يتمنى أن لو استشهد ألف مرة؛ لأن الشهادة أولاً:-
استثمار لـحياة حقيقية وسعادة أبدية عند الله كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران آية: (169)]، وكما قال سبحانه: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [البقرة آية: (154)]، وقال سبحانه: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام آية: (162)].
ثانياً: الشهادة في سبيل الله إلى جانب أنها استثمار لحياة طيبة عند الله هي بالتالي بالنسبة للشهيد نفسه نصر شخصي عاجل وعطاء كما قال السيد (يحفظه الله) يقابله الله بعطاء، وعطاء الله لا حدود له أبداً إن على المستوى المعنوي من فرح وسرور وراحة نفسية وطمأنينة وسكنية وإن على مستوى النعم المادية قال الله تعالى ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)﴾ [الليل آية:7].
ثالثاً: الشهادة في سبيل الله ضمانة حقيقية من عذاب الله، فالشهيد قد أمن عذاب جهنم واطمأن من هذه الناحية وصار في أمان الله لا يخاف دركاً ولا هضماً ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة آية: (38)].
رابعاً: الشهادة في سبيل الله فوز بجنة الله التي عرضها السماوات والأرض، وموضع سوط فيها خير من الدنيا وما فيها، وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وغيرها من الأوصاف التي امتلأت بها صفحات القرآن الكريم، وما وصفها بها الرسول الأعظم (صلوات الله عليه وآله)، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة آية: (111)].
خامساً: الشهادة في سبيل الله هبة واصطفاء لأهل الفضل والكرامة من أولياء الله ولها قداستها وامتيازها وهي وسام تكريم من الله لا يمنحه إلا لمن ينال هذه الرتبة العالية وهي الشهادة في سبيله كما قال سبحانه: ﴿وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ [آل عمران آية: (140)].
سادساً: والشهيد في سبيل الله ينال بشهادته رضوان الله سبحانه وتعالى، والذي هو أعظم غايات المؤمنين، كما قال الله سبحانه وزتعالى: ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [التوبة آية: (72)]، قال السيد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي(رضوان الله عليه) وهو يتحدث عن مكانة الشهداء في كلمته بمناسبة ذكرى الشهيد عام 1434هـ: [هُم أحبّاءُ الله وأولياءُ الله الذينَ رَضيَ اللهُ عَنهُم وَأَرضَاهُم وَمنحهم هذا الشرف الكبير الذي هو وسامٌ عظيمٌ لأولياء الله سبحانه وتعالى].
سابعاً: من مكاسب الشهادة في سبيل الله أنها تكون سبباً للنصر وقوة وعزة وتمكيناً للمستضعفين كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)﴾ [الأنفال آية: (26)] يقول السيد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه): أنا أذكُر بعض الأخوة المؤمنين استُشهِد في الحربِ الأولى، حينما كُنّا نتحدث ونتذاكر في ظروفٍ شديدةٍ جداً في الحرب الأولى، قال السيد إنّ الشهيد قال: سَوفَ يَقولُ لنَا الله في المُستقبل ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ﴾ [الأنفال آية: (26)]، يعني قصده: أن هذه الآية سوف تتحقق وتنطبق على واقعنا بعد التمكين في المستقبل، ثم قال السيد (رضوان الله عليه): نتذكر كيف قد تغير ذا الواقع إلى واقع آخر يعني: أصبحنا بفضل تضحيات الشهداء نعيش واقع تلك الآية، حيث مكننا الله سبحانه وتعالى في أرضه ونصرنا على أعدائه وأعزّنا بعِزّه وصَدَقَ اللهُ القائل: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ(5)﴾ [القصص آية: (5)]، والقائل سبحانه: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور آية: (55)].
ثامناً: بركة الشهداء كسرت حاجز الخوف لدى الأمة المستضعفة وحررتهم من الذلة والمسكنة بل ونقلتهم إلى أن يتسابقوا إلى ميادين الجهاد والاستشهاد في سبيل الله بكل شغف وشوف وحب للقاء الله وفي نفس الوقت لمواجهة الـمجرمين من أعداء الله والتنكيل بهم بهذه الروحية الجهادية ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)﴾ [البقرة آية: (190)]، ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾ [البقرة آية: (193)]، ﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ(57)﴾ [الأنفال آية: (57)] ، وأصبح الكثير من مجاهدينا يستقبلون الشهادة بتلك المقولة الخالدة للإمام عليه (عليه السلام) لحظة استشهاده [فِزْتُ وَرَبِّ الكعبة].
ويحملون تلك الروحية التي حملها الإمام علي (عليه السلام) جُندي الإسلام العظيم، الإنسان الكامل في إيمانه، والذي كان على مستوى عظيم متحرراً من هذه القيود نهائياً، والذي كان يقول: [مَا أُبالي أَوقعتُ عَلى الموتِ أَمْ وَقعَ الموت عَليَّ]، بل أكثر من هذه كان يقول: [والله لابنِ أَبي طَالِب آنس بالموت مِن الطِفلِ الرّضيع بثدي أُمّهِ]. إلى هذا المستوى الموت لا يمثل لديه أي خوف ولا قلق نهائياً، بل يأنس به، منتظراً تلك اللحظة بتلهف، وهكذا الكثير من عظماء تلاميذه في هذه المدرسة العظيمة في عصرنا هذا وفي هذه المسيرة المقدسة بقيادة أعلام الهدى الشهيد القائد السيد/حسين بدر الدين الحوثي، والسيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليهما) ﴿ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ﴾ [المائدة من آية: (54)] ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا(23)﴾ [الأحزاب آية: (23)].
مقارنة بين شهداء المسيرة وقتلى مرتزقة العدوان
ليس كل من قتل يسمى شهيداً ويدخل ضمن من وصفهم الله بالشهداء ﴿وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ كما هو شأن من يقتلون في صف الباطل مثلما هو حال المرتزقة والمنافقين الذين يُقتلون في خندق أعداء الإسلام تحت الراية الأمريكية والإسرائيلية وهم يقاتلون أمتهم وضد دينهم وشعوبهم، هؤلاء ليسوا شهداء حتى وإن زعموا ذلك، بل حكمهم حكم الأمريكي والإسرائيلي ونزعتهم واحدة: أعداء مجرمون ظالمون ومرتزقة ﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾، وهذا أمر لا لبس فيه أبداً عند من لا يزالون على فطرتهم وإنسانيتهم ورشدهم، فالشهيد هو من باع نفسه لله وقُتِل في سبيل الله كما هو شأن شهدائنا الأبرار في هذه المسيرة القرآنية المباركة.
نجد مثلاً بعض الـمحللين السياسيين الساذجين المضللين ممن يتظاهرون بالـمُحايدين يصفون مشهد الصراع في اليمن بصراع نفوذ السلطة أو صراع سياسي بين طرفين مختلفين كلاهما يسعى لإقصاء الطرف الآخر أو ما شابه، وهكذا أوصاف عائمة وغامضة تساوي في النتيجة بين طرفي النزاع –حتى فيما يتعلق بوصف قتلى الطرفين- وهذا خداع وتضليل فيساوون بين المسلمين الـمحقين والـمجرمين المبطلين وهذا أسلوب من أساليب التضليل ولبس الحق بالباطل وإثارة الشبه والبلبلة والتشويش، ولكن هيهات أن ينطلي على الواعين والمستبصرين ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [القلم آية: (36)].
وهناك محللون آخرون خبيثون ومعهم بعض المفتين من علماء السلاطين المحرفين يعكسون الحقائق 100% حينما يصفون أنصار الله ومجاهدينا من أبطال الجيش واللجان الشعبية الذين يجاهدون في سبيل الله ودفاعاً عن وطنهم –أمام عدوان غاشم فُرض عليهم- يصفونهم بالانقلابيين بينما يصفون المرتزقة والعملاء وحكومة الفنادق بالشرعيين والنتيجة عندهم أن الأخيرين محقين والآخرين مبطلين، ومن ثم يترتب على تلك الأطروحات تزييف للواقع وعرض الحقائق معكوسة وهذا أسلوب آخر من أساليب التضليل وكلاهما له آثار ونتائج ثقافية خطيرة وكارثية في واقع الأمة.
والواقع يفرض نفسه، والحكم هو الله في كتابه الكريم بما وصف به عباده المؤمنين من مواصفات لا تنطبق في واقع الصراع في اليمن اليوم إلا على أنصار الله المجاهدين، ومن تلك الأوصاف المهمة في القرآن الكريم ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾. [التوبة آية: (71)] فهم لـم يخرجوا أَشْراً ولا بطراً وإنما لغرض الإصلاح في أمة رسول الله بعد أن ظهر الفساد في البَرِّ والبحر بما كسبت أيدي المفسدين والمعتدين من الأمريكيين والإسرائيليين وعملائهم المنافقين. ومن ذلك شأنهم فهم مؤمنون محقون وعاقبتهم النصر والفوز بجنة الله ورضوانه كما قال سبحانه:
﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾، وهم من ينطبق عليهم أولاً وأخيراً أنهم شهداء في سبيل الله هذا الوسام الذي لا يمكن تزييفه أبداً فهو من الله لمن يستحقه من جنده وأوليائه الصادقين وأولئك بلا شك أنصار الله المجاهدين في سبيله المتولين لأوليائه والمتبعين لكتابه ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [المائدة آية: (56)].
أما أولئك (الطرف الآخر) الذين هم في جبهة العدوان والمعتدين فأقل ما يوصفون به في القرآن الكريم أنهم منافقون مخادعون، والمنافقون مما يصفهم به القرآن الكريم ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(67)﴾ [التوبة آية: (67)]. فهم عكس المؤمنين، وقوله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقون آية: (1)]، وهم مَن نهايتهم الدرك الأسفل من النار ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا﴾ [النساء آية: (145)].