حقيقة الانسحاب الإماراتي من اليمن
|| صحافة ||
ليس هي المرة الأولى التي تعلن فيها الامارات بشكل رسمي الانسحاب من اليمن، لكن اعلان الانسحاب هذه المرة يحمل في طياته هذه المرة الكثير من الرسائل العسكرية والاستراتيجية والسياسية لليمن والسعودية والامارات نفسها وحتى دول المنطقة، ولاشك بأن هناك مخاوف مباشرة لدى الاماراتيين لكي يعلنوا مطلع الاسبوع الحالي الانسحاب من اليمن بالتزامن مع تنظيم حفل استقبال للجنود القادمين من هناك وكأنهم أبطال قاموا بطرد العدو الصهيوني من داخل فلسطين، وغرد أمراء الامارات فرحين بهذه العودة وانتشر وسم على تويتر تحت عنوان “الصقور المخلصين العائدين”، وعلى رأس هؤلاء كان ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، الذي تفاخر بما سمّاه “دورهم الوطني والإنساني (الذي) أوقد شعلة الأمل لأشقائنا في اليمن”، مؤكداً أن “الإمارات ستبقى عضيداً للشقيق وجسراً للسلام”.
ويعتبر تنظيم مثل هذه الاحتفالية أمراً مستغربا للجميع في الداخل والشرق والغرب، اذ ان الامارات لاتزال تحتفظ بجميع قواعدها العسكرية هناك، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى مع انسحاب معظم القوات الإماراتية سيبقى على الأراضي اليمنية قرابة 90 ألف مقاتل يمني مُدرّب على يد أبوظبي من الانفصاليين، إضافة إلى مرتزقة أجانب تستخدمهم بين الحين والآخر لتنفيذ مهمات توصف بـ”القذرة” في البلاد، من بينها الاغتيالات، اذاً لماذا كل هذه الجعجعة ولماذا هي مطلوبة في هذا الوقت بالتحديد؟.
أولاً: هناك صراع صامت وخفي بين السعودية والامارات في اليمن، وقد برز هذا الخلاف في عدة مناسبات، لاسيما في صيف العام الماضي عندما سيطر أتباع الامارات والذي يملون اسم “المجلس الانتقالي الجنوبي” على مراكز سيطرة “الشرعية” في جنوب اليمن وطردوهم منها، لتمتص الامارات غضب السعودية عبر “اتفاق الرياض” الذي بموجبه تم شرعنة مليشيا “المجلس الانتقالي” التي لاتزال تنشر الفوضى في اليمن لتحقيق غايات الامارات الهادفة الى تقسيم اليمن والسيطرة على موانئه، وحاليا تعبث هذه المليشيا في امن سقطرى وشبوة ما أثار حفيظة القوات التابعة لسعودية، وحاليا تعمل الامارات على تهدئة الاوضاع من جديد عبر تبرئة نفسها واعلان الانسحاب الذي هو في الحقيقة “انسحاب وهمي” لن يغير شيء على الارض سوى حفظ ماء وجه الامارات.
ثانياً:هناك خشية اماراتية من أن ينتقم “انصار الله” من الامارات على خلفية الانتهاكات التي تسببها الامارات في اليمن والقصف الجوي الذي تنفذه قواتها على السكان المدنيين، وتعلم الامارات جيدا أن بإمكان “انصار الله” تنفيذ تهديداتها في حال ارادت ذلك، لذلك هي تعمد اليوم لكي تنسحب من الواجهة تداركا لأي تصعيد ممكن ان يحصل.
ثالثاً: يتحدث الخبراء أن إعلان الانسحاب هو مجرد أمر شكلي، بعد أن زرعت مليشيات تابعة لها، ويستهدف الهروب من الاستحقاقات أمام المجتمع الدولي، بعد ارتكاب أبوظبي انتهاكات جسيمة. وما عزّز تلك التكهنات المتباينة هو طريقة الإعلان، إذ جاء عبر استعراض عسكري، مترافق مع تغريد كبار رجالات الدولة وأمرائها وقياداتها العسكرية والسياسية عبر وسم موحّد هو “الصقور المخلصين العائدين”. كما أن صنعاء ترى، إلى الآن، أن مزاعم الانسحاب الإماراتية المتكرر هي إعلانات مخادعة وكاذبة، وأنه ما دامت الإمارات لم تنسحب بشكل رسمي من “التحالف”، وبشكل عملي من أرض المعركة، فهي شريكة فعلية في العدوان.
رابعاً: الإمارات دخلت الحرب في اليمن لهدفين رئيسيين، الأول هو السيطرة على الموانئ للحفاظ على ريادة موانئها، وعلى رأسها جبل علي، والثاني هو القضاء على الإسلام السياسي في اليمن، والمتمثل في (حزب) التجمع اليمني للإصلاح، ولطالما ان مليشاتها آلاف الجنود الذين دربتهم هناك يقومون بهذه المهمة فما هي الحاجة لبقائها هناك، ويجب أن نذكر هنا أن قوات الامارات لم تشارك في المعارك، واكتفت بالبقاء في مواقع القيادة والسيطرة، ورغم سقوط قتلى وجرحى من تلك القوات فإن جميعهم قتلوا في أماكن بعيدة عن المواجهات، كما حدث في مأرب، حين قتل أكثر من 50 جندياً إماراتياً في 4 سبتمبر 2015، في قصف صاروخي استهدف قاعدة عسكرية تبعد عشرات الكيلومترات عن مناطق القتال، ويتمثل دور القوات الإماراتية في القيادة والسيطرة على التشكيلات المسلحة التي أنشأتها، حيث غدت هذه القوات ركيزة أساسية للاستراتيجية الأمنية الإماراتية في اليمن.
مرتزقة الامارات في اليمن
أنشأت أبوظبي تشكيلات أمنية جنوبية تنتشر في محافظات عدن، ولحج، وأبين، والضالع، وانقلبت على الشرعية في أغسطس 2019، وسيطرت على مدن جنوبية، فيما يشارك عدد منها في النسق الثاني للقوات المهاجمة في الساحل الغربي، مثل اللواء 20، واللواء الثالث دعم وإسناد.
وتعد “قوات الإسناد والدعم” الكيان الجامع لقوات الحزام الأمني وغيرها من ألوية الدعم والإسناد، إلا أن تسمية “قوات الحزام الأمني” طغت على تسمية “قوات الإسناد والدعم”؛ من جراء النشاط الميداني البارز لقوات الحزام.
وهناك تشكيلات يطلق عليها اسم “النخبة”، ينتشر منها في محافظة حضرموت الساحل “النخبة الحضرمية”، وفي محافظة شبوة “النخبة الشبوانية”. وقد فشلت محاولات تشكيل قوات النخبة بمحافظة المهرة وجزيرة سقطرى.
أما القوات المشتركة فتتألف من وحدات مستقلة، وهي- في الأساس- مليشيات جنوبية وشمالية، تضم كلاً من: ألوية العمالقة، وألوية المقاومة التهامية، وألوية حراس الجمهورية التابعة لطارق نجل شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
ثمة قوات أخرى يطلق عليها اسم “كتائب أبي العباس”، نسبة إلى مؤسسها وقائدها “أبي العباس”، عادل عبده فارع، وكانت حتى أواخر أبريل 2019 تسيطر على أحياء من مدينة تعز، وتمارس أدواراً سلطوية موازية لسلطات الحكومة الشرعية.
واستخدمت الإمارات إلى جانب ذلك مرتزقة أجانب، ونشرت صحفٌ- بينها “التايمز البريطانية”- في 2017، تجنيد أبوظبي مقاتلين من القبائل العربية في أفريقيا، بتشاد والنيجر.
كما استعانت الإمارات بمرتزقة من كولومبيا منذ عام 2014، حيث أشارت وسائل إعلام إلى أن عدد المرتزقة الكولومبيين باليمن 800 مقاتل، تم نشرهم في الخطوط الأمامية باليمن، و100 منهم تم نشرهم في ميناء عدن الخاضع لسيطرة التحالف.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل استأجرت الإمارات مرتزقة أجانب لتنفيذ عمليات اغتيال لصالحها، حيث نشر تحقيق وثائقي لقناة “الجزيرة” صورة من عقد لشركة “سبير أوبريشن” الأمريكية، حصلت بموجبه على 1.5 مليون دولار، إضافة إلى علاوات عند تنفيذ أي عملية بنجاح.
الوقت التحليلي