الأزماتُ السعوديّة في ظل استمرار عدوانها على اليمن

|| صحافة ||

منذ تولي الملك سلمان الحُكمَ في السعوديّة مطلع العام 2015م، انخرطَ النظامُ السعوديُّ بتخطيطٍ ومشاركةٍ من الإدارة الأمريكية في العدوان على اليمن وبدأت معها فصول من الأزمات التي ضربت النظام السعوديّ في اقتصاده واستقراره السياسي والاجتماعي.

تعددت أوجه الأزمات التي شهدها النظام السعوديّ وإن كان أبرزها هو الأزمة الاقتصادية؛ بسَببِ تكاليف الحرب العدوانية المتمثلة في صفقات الأسلحة الهائلة التي تفوق الاحتياج العسكريّ قطعاً، وهو ما يعني اضطرار النظام السعوديّ للدفع لعدد كبير من الدول والمنظمات الدولية والحقوقية والمؤسّسات الإعلامية للتغطية على جرائمها المرتكبة في هذه الحرب العدوانية، إضافة إلى الأزمات الناشئة على خلفية الحرب أَو من خارج سياقها كالضغوط الدولية على النظام السعوديّ في المجال الحقوقي وتشوه سُمعتها سياسياً في العالم، وتدخلها في صراعات وحروب إقليمية تمويلاً ودعماً، وبالتالي اكتساب المزيد من الخصوم والأعداء، والمزيد من المشاكل خَاصَّة في محيطها العربي والإسلامي من قطر إلى المغرب ومن إيران إلى ماليزيا.

 

يمكن تعدادُ الأزمات التي تمر بها السعوديّة حالياً كالتالي:

الأزمة الاقتصادية.

الأزمة السياسية والاجتماعية.

الأزمة العسكريّة.

أزمة ضغوط دولية وحقوقية.

 

أولاً: الأزمة الاقتصادية:

تظهر الأزمةُ الاقتصادية كأبرز أزمة تلقي بظلالها وتأثيرها المباشر على قوة الأداء السياسي والعسكريّ والتأثير على الدول والفاعلين، حيث اعتمدت السعوديّة في عهد ما قبل سلمان على المال كقوة ناعمة للسيطرة والتأثير والابتعاد عن الظهور المباشر في الصراعات التي تديرها وتمولها.

منذ انطلاق العدوان على اليمن بدأت ملامح الأزمة في الظهور سريعاً ففي العام الأول للعدوان (2015) تم إلغاء العديد من المشاريع الاستثمارية وإيقاف المخصصات لكثير من المؤسّسات والهيئات والنفقات الحكومية والإعانات… إلخ.

وعند الحديث عن أَهَـمّ أسباب الأزمة الاقتصادية تبرز الحرب العدوانية على اليمن كأهم سبب لتلك الأزمة، إضافةً إلى السياسات الاقتصادية غير المدروسة لولي العهد بن سلمان، وتكلفة رغبته في العرش بما يتطلب ذلك من أموال تدفع لواشنطن تحت عناوين ومبرّرات مختلفة.

 

ويمكن تلخيص أوجه الأزمة الاقتصادية للمملكة في الجوانب التالية:

 

الركود الاقتصادي العالمي:

ركود اقتصادي عالمي قادمُ متزامناً مع انتشار فيروس كورونا، وهو ما سينعكس على السعوديّة التي تعتمد على النفط في موازنتها بأكثر من 70% وفق الأسعار المثبتة في موازنة 2020، وبالتالي تراجع الطلب على النفط خَاصَّة السعوديّ؛ بسَببِ ارتفاع كلفة الشحن (على خلفية الحرب النفطية مع روسيا)؛ وبسبب ارتفاع التأمين (على خلفية ضربة أرامكو وتفجير الناقلات في الخليج)، وهو ما دفع بعض الشركات الأمريكية والأُورُوبية والصينية للتوقف عن شراء النفط السعوديّ لارتفاع تكاليفه.

 

الدفع المتكرّر والباهض لترامب:

في كُـلّ مناسبة يأمر ترامب النظام السعوديّ بالدفع ويضطر لذلك دون رفض.

 

انخفاض أسعار النفط:

بسبب تراجع الطلب متأثراً بكورونا والحرب النفطية مع روسيا.

ارتفاع عجز الميزانية السعوديّة:

(131 مليار ريال نهاية 2019) وقد اشترط صندوق النقد الدولي سعر التعادل بالميزانية السعوديّة في 2020 عند 86 دولاراً للبرميل في السعوديّة، بينما هو اليوم أقل من 20 دولاراً للبرميل. وستضطر الحكومة إلى خفض في الميزانية يتعلق بالنفقات والبدلات والإعانات، وهو ما يتسبب في سخط مجتمعي، حيث أن العقد الاجتماعي بين الأسرة المالكة والشعب هي: الرفاهية مقابل التنازل عن الحقوق السياسية والمدنية.

 

انخفاض الاحتياطي النقدي:

في الصناديق السيادية للمملكة (من 579 عام 2017 إلى 496 مليار ريال عام 2019) كما تنبأت وكالة بلومبيرغ بجفاف الثروات الخليجية وإفلاس السعوديّة خلال 3 سنوات، وهو ما صرح به نائب وزير المالية السعوديّ السابق التويجري في أكتوبر 2016 أن الإفلاس قادم خلال أربع سنوات أي في العام 2020 إن لم تتخذ الحكومة خطوات لتغيير صرف الريال. ([1])

 

انخفاض نمو الناتج المحلي:

للسعوديّة إلى 2. 2% (مقابل 2 لليمن في العام 2019).

 

انخفاض الاستثمار الأجنبي:

المباشر من 1.2% من إجمالي الناتج المحلي في العام 2017إلى 0.2% العام 2019، (أكثر من 90مليار$ هروب الاستثمار الأجنبي).

وحسب تقرير منظمة الأونكتاد التابعة للأمم المتحدة فإن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي دخلت السعوديّة عام 2017 لم تتجاوز 1.4 مليار دولار، زاد من ذلك تخوف المستثمرين الجانب والمحليين بعد جريمة خاشقجي واحتجاز الأمراء وكبار التجار في فندق الريتز كارلتون وسلب 100 مليار $ منهم.

 

ارتفاع الدين الخارجي:

من 28.9% من إجمالي الناتج المحلي في العام 2017إلى 36.5% العام 019. ([2]((سيصل الدين العام نهاية 2020 إلى 754 مليار ريال).

 

خسائر فادحة في البورصات الخليجية:

وصلت إلى 20% من قيمتها. ([3])

 

خسارة أسهم شركة أرامكو

فقد خسرت الشركة 2.4 % من قيمتها.

 

تحذير مرتفع للسعوديّة:

في مؤشر الدول الفاشلة. ([4]).

 

ارتفاع عدد الشركات المفلسة:

أكثر من 500 قضية خلال 2019.

 

تراجع عائدات الحج والعمرة:

حيث بلغ العائدات أكثر من 12 مليار دولار، وقد صرحت السلطات السعوديّة بضرورة تريث الدول في الإعداد لموسم الحج الحالي. ([5])

وبعد ذلك كله يجب التذكير بقانون جاستا الذي يهدّد ثروة السعوديّة بأكملها.

هذه بعض مظاهر الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مملكة آل سعود في خضم النفقات الهائلة على العدوان على اليمن (725 مليار$ حسب تقديرات فورين بوليسي)[6] سواء المباشرة في السلاح والذخائر والنفقات العسكريّة أَو غير مباشرة لاستمرار العدوان والتغطية على الجرائم المرتكبة في هذا العدوان.

 

ثانياً: الأزمة السياسية والاجتماعية:

وتتعلقُ بالصراع على العرش الذي يخوضه بن سلمان مع المنافسين المحتملين من الأُسرة سواء من أبناء المؤسّس أَو أحفاده، يعتمد بن سلمان على علاقته الشخصية والوثيقة مع الإدارة الأمريكية وخصوصاً جاريد كوشنر صهر ومستشار ترامب.

يُذكر أن ثلاثة من أعضاء هيئة البيعة لم يوافقوا على تعيين بن سلمان ولياً للعهد وهو الآن في السجن، من جهة أُخرى يقوم بن سلمان بإرهاب معارضيه من الأسرة عبر الاغتيال كما حدث لمنصور بن مقرن في 5 نوفمبر 2017، أتى ذلك بعد زيارة بن سلمان للبيت الأبيض في مارس 2017 خلف بعده أكثر من 300 مليار استثمارات وصفقات أسلحة وذلك حينما كان ولياً لولي العهد (بن نايف) ليطيح به في يونيو 2017 بعد ثلاثة أشهر من زيارته لواشنطن.

كما قام باحتجاز عدد كبير من الأمراء وأصحاب رؤوس الأموال في فندق الريتز كارلتون بحجة مكافحة الفساد ليطلق سراحهم لاحقاً بعدما جنى 100 مليار دولار من أموالهم بمن فيهم الأمير الثري الوليد بن طلال.

تطور الصراعُ على العرش ليتحول من شرخٍ أُفقي إلى شرخ عمودي أصاب الأسرةَ الحاكمة “ينطوي على “مواجهة صريحة” أقرب إلى كسر عظم ولمرة واحدة، ستختم المشهد بما يمكن أن يلحق ضررا كبيرا بالوضع الداخلي الحائر:. ([7])

يقول الكاتبُ رافيل مصطفين في صحيفة “نيزافيسيمايا غازيت” (27 مارس 2020): “إن ولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان ينتظره مستقبل مزعج؛ بسَببِ تصاعد الاستياء داخل العائلة الحاكمة”[8].

وفي الجانب الاجتماعي ينتشر السخط من تغير الوضع الاقتصادي؛ بسَببِ الحرب وانعكاسها على الرفاهية والأمن وإن لم يظهر ذلك؛ بسَببِ القمع والاعتقالات والتهديد الذي لم يسلم منه الأمراء. وهذا الوضع لا يساعد بن سلمان الواقع في مستنقع العدوان على اليمن والمواجهات السياسية في الداخل والانتقادات الدولية في الخارج؛ بسَببِ سياساته، مع التنبيه أن بن سلمان مستمر في منصبه؛ بسَببِ الدعم الصهيوني اللامحدود من قبل الإدارة الأمريكية واللوبيات الصهيونية في أُورُوبا وغيرها.

 

ثالثاً: الأزمة العسكريّة:

تتلخصُ أزمتُها العسكريّة في الفشل الذريع في عدوانها على اليمن بعد مرور خمس سنوات من حرب تقودها ضمن تحالف عدد من الدول المعادية إلى جانب قوة كبيرة من المرتزِقة اليمنيين والسودانيين والشركات الأمنية القتالية، مستخدمة أحدث أنواع الأسلحة والذخائر بما فيها الأسلحة المحرمة دولياً، وبجانب وسائل أُخرى غير عسكريّة؛ مِن أجلِ السيطرة على اليمن وفرض هيمنتها وتنصيب حكومة عميلة تابعة لها وتنفيذ أهداف ومطامع اقتصادية وجيوسياسية، وهو ما لم تتمكّن من تحقيقه بل على العكس من ذلك أصبحت في حالة من الهشاشة والانكسار لهيبتها العسكريّة التي سقطت أمام الجيش واللجان الشعبيّة وشعب محاصر قطعت عنه الموارد والمرتبات حيكت ضده العديد من المؤامرات الخطيرة التي كانت كفيلة بإسقاطه وإخضاعه.

اعتقدت السعوديّة أنها ستنهي الأمر خلال أسابيع ولكنها فوجئت بمقاومة وصمود كسر كُـلّ القواعد العسكريّة المعهودة، رسم منحنىً متصاعداً للقوة العسكريّة اليمنية مقابل منحنى متراجعاً من المكاسب لدول العدوان، فأصبح اليمن يمتلك وسائلَ دفاعية متطورة تمثلت في الطائرات لمسيّرة والصواريخ الباليستية المطورة انتهاء بمنظومات متخصصة من أسلحة الدفاع الجوي والصواريخ البحرية المناسبة، والتي حيدت الكثير من عناصر القوة العسكريّة للعدوان.

وانتقلت الحربُ إلى عمق المملكة الجغرافي باحتلال جزء من أراضيها، كما تعرضت لضربات موجعة صاروخية ومسيرة استهدفت مواقع حساسة عسكريّة واقتصادية لم تستطع حمايتها رغم امتلاكها منظومات دفاع جوي أثبتت فشلها مراراً.

وبينما كان تحالفُ العدوان يشهد تصدعاتٍ متوقعة أَدَّت إلى خروج عدد من الدول المتحالفة كان العدوّ يحاول أن يستنسخ حالات مشابهة في الجبهة الداخلية عبر فتن داخلية تمكّن الشعب اليمني من تجاوزها محافظاً على تماسك جبهته الداخلية.

إضافةً إلى الخلاف الجوهري بينها وبين الحليف الثاني الإمارات والذي لم يعد خافياً وله أسباب لا تقتصر على الملف اليمني بل تتعلق بتخوف الأخيرة من نمو قوة السعوديّة التي تتناقض مع مصالح أبو ظبي كما سرب عن “العتيبة” سفير الإمارات لدى واشنطن([9]) وهو ما انعكس على تشظي الميليشيات المسلحة في المناطق المحتلّة وخروجها عن السيطرة وتحويلها تلك المناطق إلى فوضى أمنية تزيد من أزمة السعوديّة في اليمن.

 

رابعاً: أزمة الضغوط الخارجية:

تتمثل في تشوِّهُ صورة النظام السعوديّ أمام المجتمع الدولي وملاحظة الأصوات المتنامية ضد الجرائم التي يرتكبها النظام السعوديّ بحق اليمن سواء في المناطق الحرة أَو المحتلّة وكان آخرها انتقاد منظمة هيومن رايتس ووتش للنظام السعوديّ في المهرة ومنظمة العفو الدولية؛ بسَببِ الاعتقالات غير القانونية، ويسعى النظام السعوديّ إلى الدفع للتغطية على جرائمه.

في جانب آخر تؤدي سياسات بن سلمان المتهورة في العلاقات الدولية وتعدي الأعراف الدولية والقوانين المحلية للدول الأُخرى إلى التغطية على تلك الممارسات بالدفع كما فعل في فضائح التجسس على هواتف شخصيات رسمية ودولية مثل رئيس وزراء بريطانيا ومؤسّس ومالك موقع أمازون والكثير من السعوديّين في أمريكا وكندا وغيرهما، إضافة إلى الجريمة البشعة بحق الصحفي جمال خاشقجي والتي لاقت استنكاراً دولياً ومطالبات بمحاكمة الفاعلين سواء من قبل تركيا أَو الأمم المتحدة والمنظمات المختصة ولكن ومع ذلك دافعت الإدارة الأمريكية وبرّرت صراحة دفاعها عنه بأهميّة بن سلمان للكيان الصهيوني ولكن ذلك لا يعني عدم الدفع لترامب.

وعليه يتساءل المراقبون: ما هو التصرف الذي يتوقع من النظام السعوديّ بعد انحشاره في هذه الأزمات التي لا مؤشرات على انفراجها بل قد تزداد سوءاً في المدى القريب والبعيد؟، وهل سيقودها ذلك إلى إعادة حساباتها بشأن العدوان على اليمن والتخلي عن التبعية لأمريكا التي تسعى فيما تسعى إليه إلى حلب أموالها وتقسيمها كما هو معلن وغير خافٍ على أحد؟ وكما قال أحد المعلقين على طبيعة العلاقة مع أمريكا حين قال: “أن تكون عدواً لأمريكا فهذا أمر خطير، لكن أن تكون حليفاً لها فهذا أمر مميت”.

أم أن غرور الأمير المتهور سيدفعه للاستمرار بالحرب واستنزاف موارده وتآكل جيشه في معارك خاسرة ولو كان ذلك ثمن ذلك هو انهيار النظام السعوديّ وتلاشي ما يسمى بالمملكة العربية السعوديّة كما تنبأ لها موقع فيريل الألماني وموقع أويل برايس الأمريكية ووكالة بلومبيرغ الاقتصادية الشهيرة.

 

 

 

المسيرة: عبد العزيز أبوطالب

 

قد يعجبك ايضا