منزلةُ الشهداء وفضلُ الشهادة في سبيل الله
|| صحافة ||
لقد اقتضت سُنَّةُ الله عز وجل أن يصطفيَ من عباده من يشاء، فيرفع درجاتِهم، ويعلي من شأنهم، ويمُدُّهم بعطاياه، ونحن في هذه الأيّام الخالدة والمباركة نعيش الذكرى السنوية للشهيد والشعب اليمني يعيش الانتصارات الأُسطورية التي يسطرها المجاهدون في جبهات العزة والكرامة، وبهذه المناسبة نقف مع فضل الشهادة ومكانة شهدائنا الأبرار عند الله سبحانه وتعالى، ومما لا شك فيه فَـإنَّ منزلة الشهداء ومقام الشهادة في سبيل الله من أغلى مقامات الاصطفاء التي يختص بها الله سبحانه وتعالى على من يشاء من عبادة فشهداؤنا هم عزتنا وروح كرامتنا الشامخة.
وهذا من عظيم كرم الله تعالى لهؤلاء الشهداء الذين باعوا أنفسهم؛ مِن أجلِ الله وتساموا على ما يحبون وتغلبوا على شهواتهم واسترخصوا الحياة في سبيل إعلاء كلمة الله ونيل رضاه، فالله سبحانه وتعالى اختار لهم مكانة رفيعة في العلو والسمو وتلك المكانة السامية لا يصل إليها إلا الأنبياء والمرسلون وأولياء الله وعباده الصالحون، وقد سمي الشهداء بذلك؛ لأَنَّ أرواحهم شاهدة حاضرة وتشهد ما أعده الله تعالى لهم من كرامة وعزة ورفعة.. وقيل: لأَنَّ الشهيد جاد بنفسه وهي أغلى ما يملك في الوجود؛ مِن أجلِ الله والجهاد في سبيله فكانت هذه الشهادة دليلاً حياً على أن إرضاء ربه عز وجل أعز إليه من نفسه التي يملكها؛ مِن أجلِ نيل رضا الله وجعل كلمته هي العليا وحفاظاً على الدين والوطن والدفاع عن الحق وإزهاق الباطل.
وللشهداء فضل عظيم لا تحتويه العبارات، ويكفيهم فضلاً أنهم دخلوا إلى السعادة من أبواب الله وحازوا الطمأنينة بجواره؛ لأَنَّ الشهادة في سبيل الله درجة عالية لا يهبها الله تعالى إلا لمن يستحقها، فهي اختيار من الله جل جلاله للصفوة من البشر ليعيشوا مع الملأ الأعلى؛ لأَنَّ الشهيد لما بذل حياته لله أعطاه الله حياة أفضل وأكمل منها فكان ارتقاءُ الشهيد حياة له وكان حياةً للأُمَّـة من بعده والشهيد بهذه التضحية أصاب الفردوس الأعلى والأجر العظيم والفوز المبين والكرامة العليا وهي الطريق المباشر إلى جنة عرضها السماوات والأرض، حَيثُ جعل الله تعالى الشهداء المَثَلَ الأعلى في الإخلاص والدرجات العُلى وجعلهم من أصحاب التجارة الرابحة فقد ربحوا بيعَ نفوسهم لمولاهم، وَأَيْـضاً جعل الله سبحانه وتعالى الشهداء في مأمن فلا يفزعون حين يفزع الناس ولا يخافون حين يخافُ الناس وهذا فضل كبير من الله سبحانه وتعالى.
ولله الحمد والشكر الذي كتب للشهداء أعلى الجنان وللمجاهدين في سبيل الله والمدافعين عن أوطانهم النصر والرضوان، حَيثُ إِن الشهادةَ في سبيل الله لا يحصرها قلم ولا يصفها لسان ولا يحيط بها بيان وهي الصفقة الرابحة بين العبد وربه قال تعالى (إن اللهَ اشترى من المؤمنين أنفسَهم وأموالَهم بأن لهم الجنة)، فالمشتري هو الله سبحانه وتعالى والذي باع نفسَه من الله تعالى هو الشهيد فإذا كان الثمن الجنة، حَيثُ فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فَـإنَّه لا يجتهد في هذه الصفقة إلا واحد ممن عرف الثمن والعوض من الله سبحانه وتعالى.
والشهادة في سبيل الله مكرمةٌ جليلةٌ، فدرجة الشهداء كبيرة ومنزلتهم رفيعة فهم أحياءٌ عند ربهم يُرزقون، وبركة الشهيد لا تقتصر عليه بل تتعداه إلى أهله وذويه وأقاربه، والشهداء قدموا أرواحهم فداء لنصرة كلمة الله واستقرار أوطانهم وكي يعيش أبناؤهم وأهلهم وجميع أبناء الشعب اليمني حياة العزة والكرامة والسيادة وفي سبيل استقلال الوطن والقرار السياسي، وما نلاحظه اليوم من استقرار وأمان والحياة والعيش بعزه وشموخ لم نلاقِ لها مثيلاً على مدار عقود سابقة وذلك بفضل شهدائنا الذين قدموا حياتهم رخيصة في سبيل عزة ورفعة هذا الوطن الغالي، ووقفوا أمام الترسانة الحربية التي تحطمت تحت أقدام أبطال الرجال من الجيش واللجان الشعبيّة وتصدوا للعدوان الغاشم والحصار الجائر على مدى سبع سنوات، كُـلّ ذلك بفضل شهدائنا العظماء الذين ضحوا بأنفسهم لننعم بهذه الحياة ولتكون دماؤهم الزكية والطاهرة هي الوقود والأَسَاس لبناء اليمن الحديث بدون أية وصاية خارجية الذي يتطلع له جميع أبناء الشعب اليمني وينعمون بخيراته وثرواته الاقتصادية.
فالآيات الكثيرة التي تتحدث عن فضل الشهادة ومنزلة الشهداء تُعبر أجملَ تعبير عن منزلة الشهيد وعلو مقامه، ويظهر من خلالها أن الشهيد وصل إلى أعلى المقامات الإلهية وتحوطه العناية والرحمة الربانية بأعلى مراتبها، ولذلك فَـإنَّ الشهادة في سبيل الله مظهر من مظاهر رحمة الله ووسام وشرف لا يهديه الله سبحانه وتعالى إلا إلى خَاصَّة أوليائه وذلك بعد اجتياز العديد من العقبات التي تحول بينه وبين ذلك المقام الرفيع؛ لأَنَّ الناس تموت والشهيد حي يرزق عند مليك مقتدر فما هي إلا ثوان معدودة ويجتاز الشهيد قيودَ الحياة فينطلق حرا بروحه الطاهرة إلى الحياة الأُخرى فيرى النعيم ما هو فوق البيان فتفتح له الجنان وترحّب به ملائكةُ الرحمن.
ومن خلال هذه المناسبة الغالية والعظيمة على قلوبنا أكتب عن الشهيد والشهادة في هذه المناسبة العظيمة فالشهيد هو من يشهد على عظمة المنهج وحكمة القيادة والمسيرة والمنهج القرآني التي انطلق فيها، فالشهداء العظماء هم من شهدوا على عظمة المسيرة وعدالة القضية والشهادة هي وسام وشرف يمنحه الله لأوليائه الصالحين، فالشهيد يقدم حياته وهي أغلى ما يملكه رخيصة في سبيل الله ليحظى ويُكافَأ بأعلى المراتب في الجنة ويفوز فوزا عظيما وليس هناك كلمة يمكن لها أن تصف الشهيد ولكن قد تتجرأ بعض الكلمات لتحاول وصفه فهو شمعة تحترق ليحيا الآخرون وهو إنسان يجعل من عظامه ودمائه جسرا ليعبر عليه الآخرون إلى الحرية وهو الشمس التي تشرق إن حَـلّ الظلام والحرمان والاضطهاد وتبقى الكلمات تحاول أن تصفه ولكن هيهات.
كيف يمكن لنا أن لا نخصص شيئاً لهذا العظيم، فأيام الدنيا كلها تنادي بأسماء الشهداء وتلهج بذكر وصاياهم ويجب على كُـلّ واحد منا قد أنعم الله عليه باستشهاد واحد أَو أكثر من أقربائه فكان ممن عايَش الشهداء أن يتحدَّثَ عنهم عن أخلاقهم وصفاتهم الرائعة وكلماتهم النيرة، فهذا بنظري أمانة في أعناقنا علينا أن نؤديَها فإذا كنا نحن من أنعم علينا الشهداء بمعايشتهم لا نتحدث عنهم فمن الذي سينقل عنهم صفاتهم ومحاسنهم ويذكر كلماتهم الطيبة وسماتهم الصالحة إلى الآخرين الذين حرموا من معرفتهم أَو إلى الأجيال الأُخرى القادمة التي لا تعرف بأن على هذه الأرض مشى أناس عظماء كرماء شامخون أوفياء من أفضل من كانوا في عصرهم؛ لأَنَّ الأُمَّــةَ التي تنسى عظماءها لا تستحقهم ولا تستحق الحياة والعيش الكريم.
وعلينا أن نستذكر كُـلّ شهيد في هذا الوطن كذكرى أَيَّـام ولادتهم واستشهادهم وبسكوتنا نحن عن إحياء ذكرى استشهادهم سنحقّق أهدافَ من قتلهم من الطغاة المجرمين والمحتلّين ومرتزِقتهم وهو أن يمحوَ أثرهم من هذه الدنيا ولكن إن شاء الله القيادة والشعب والأجيال القادمة ستبقى دائماً وفيه لهؤلاء الأبطال وأن تبقى على العهد وفي نفس الطريق يسير ونتذكر كيف استطاع الشهداء أن يثبتوا ويتغلبوا على الرعب من الموت والخوف من الرصاص ومواجهة أحدث الأسلحة العسكرية في العالم.
فأي روح قدسية تملكتهم في تلك اللحظة عند استشهادهم وأي بطولة عظيمة يعجز عن وصفها اللسان؟! وَإذَا نظرنا وتفكرنا في ظاهر الأمر فإذا كنا نحن أمواتا وهم أحياء سنصل إلى حقيقة واقعية وأكيدة فنحن نعيش حياة الموت نولول على صفقاتنا البائسة، نتشاجر على حطام الدنيا نتفاخر نحيا كما الأنعام تداهمنا الرغبة واللذة والانشغال في توافه الأشياء، والشهداء يعيشون الحياة الأبدية الخالدة بجوار ربهم فرحين بما آتاهم الله أحياءً يُرزقون، هذا ما ذكره الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم يا أيها الشهيد يا من ضربت لنا المثال مضحياً وأريتنا صور الجهاد الأولى وصبرت صبر الأنبياء وأبيت إلا أن تموت أصيلا، فهؤلاء هم قاداتنا وعظماؤنا شهداء بما قدموه من عطاء ليكونوا بحق في مصاف الأنبياء والصديقين والصالحين وحسن أُولئك رفيقا.
ومما لا شك فيه فَـإنَّ فضل الشهداء كبير لا يعد ولا يحصى، حَيثُ جعل الله سبحانه وتعالى الشهيد شفيعا لسبعين من أهل بيته وأكرمه الله بأن كتب له المغفرة من ذنوبه ومعاصيه عند استشهاده وكذلك الفضل الكبير الذي يناله الشهيد وهو الحياة الأبدية والرزق من الله والفرح بما أعطاهم الله ويستبشرون بإخوانهم القادمين عليهم، ولذلك فَـإنَّ من طلب الشهادة صادقا بلّغه الله تعالى منازلَ الشهداء، فعلينا أن نجتهد ونخلص في طلب الشهادة حتى يعطينا الله أجرها.
وَإذَا كان الشهيد قد ضحى بنفسه لنعيش ونأمن ونسعد ومن أجل إعلاء كلمة الله والدفاع عن الأرض والعرض وسيادة وكرامة بلادنا فَـإنَّه من الواجب علينا جميعاً أن نظل على عهدهم ونحتفل بذكراهم ونستخلص منها الحكمة والعبرة ونسير على دربهم.
ومن الواجب علينا رعاية أسر الشهداء وزيارتهم وتفقد أحوالهم وتلمس احتياجاتهم والإنفاق عليهم.
هنيئاً لكم أيها الأبطال الأبرار هذه الشهادة العظيمة التي مَنَّ الله تعالى عليكم بها وهنيئاً لكم هذه المنزلة العالية الرفيعة في الجنة التي حصلتم عليها وأنتم تجاهدون في سبيل الله؛ مِن أجلِ حرية وسيادة وكرامة وطنكم من شر الطغاة والمتكبرين والمحتلّين ومرتزِقتهم الذين باعوا أنفسهم للشيطان وباعوا آخرتهم بدنياهم.
صحيفة المسيرة