ثورة الإمام زيد عليه السلام ضد الطغيان الأموي
التعريف بالإمام زيد
هو الإمام زيدٌ بنُ علي (زين العابدين) بن سبط رسول الله الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب وابن فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله وسلم عليه وعلى آله، ولد في المدينة المنورة في بيت النبوة والوحي نشأ في كنف والده ثم في رعاية أخوه الباقر، أحب القرآن الكريم فحفظه عن ظهر قلب وهو في الثانية عشر من عمره وسبر أغواره حتى سمي حليف القرآن فلم يكن في الناس من هو أعلم بالقرآن منه وهو القائل (والله لا يدعني كتاب الله أن أسكت).
نهل من علوم آل البيت حتى فاق أقرانه حلماً وعلماً لم يرق لزيد مهادنة الظالمين من بني أمية لما رآه من شدة ظلمهم وما سمعه من غلظتهم ووحشيتهم بحق آل البيت خاصة والأمة عامة فحمل على عاتقه استنهاض الأمة لمواجهتهم فبدأ جهاده من مجلس طاغيتهم هشام بن عبد الملك وصولا إلى إعلان خروجه عليهم في 22/من محرم حاملا سيفه في ساحات المعركة بكل صدق وصبر وشجاعة كآبائه عليهم السلام حتى ختم الله له بالشهادة في سبيله وبعد أن دفن سرا عمد بنو أمية إلى إخراج جسده وقطع رأسه والطواف به في البلاد ثم صلبوا جثته عارية بكناسة الكوفة مدة أربع سنوات وبعد أن أنزلوها أحرقوها وذروا بعضا منها في الفرات والبعض الآخر في الرياح لكي ينساه الناس لكنه ظل خالدا في قلوب المسلمين إلى يومنا هذا وسيبقى كذلك إلى ما شاء الله.
تحرك الإمام زيد
وحينما فتح الإمام زيد (عليه السلام) عينيه على واقع الأمة المليء بالظلم والقهر والاستبداد، فوجد أمة مستذلة مستعبدة من قبل بني أمية وديناً منبوذا ودماً مستباحا وأعراضا مهتوكة، لم يطق ذلك السكوت الذي ران على الأمة بل تحرك بدافع المسئولية الدينية من منطلق القرآن واثقا بالله، مدركا أن انتماؤه لهذا الدين، وأن تمسكه بكتاب الله عز وجل، وأن اقتفاءه لأثر نبي الإسلام محمد يفرض عليه حتماً أن يتحرك، وأن يصدع بكلمة الحق في وجه السلطان الجائر، ليقيم الحق في أمة جده حتى ولو كان في ذلك هلاكه (والله لوددت أن يدي ملصقةٌ بالثريا ثم أقع من حيث أقع فأتقطع قطعةً قطعة وأن يُصلح الله بذلك أمر أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم) .
فبدأ جهاده بالنصح للوالي (أتق الله يا هشام) لكنه لم يلق منه إلا تعنتا واستكبارا فسعى نحو تحريك الأمة للجهاد وكاتب العلماء وغيرهم فبايعه الكثير وحينما رأى الرايات تخفق فوق رأسه قال: (الحمد لله الذي أكمل لي ديني, والله ما يسرني أني لقيت جدي محمد يوم القيامة ولم آمر في أمته بمعروف ولم أنهى عن منكر, اللهم لك خرجت وإياك أردت ورضوانك طلبت، ولعدوك نصبت، فانتصر لنفسك ولدينك ولكتابك ولنبيك ولأهل بيت نبيك ولأوليائك من المؤمنين، اللهم هذا الجهد مني وأنت المستعان).
وعندما وافته الشهادة قال (عليه السلام) مستبشرا بها كجده عليا:- (الشهادة الشهادة الحمد لله الذي رزقنيها). وبعد استشهاده نبش الأعداء قبره ثم قطعوا رأسه الشريف وطافوا به في البلاد ، وصلبوا جسده عاريا، لأربع سنوات, بعد ذلك قاموا بإحراقه بالنار، وذروا جزء منه في “نهر الفرات” وجزء جعلوه في مهب الريح لكي يضيع. وفي ذلك يقول الصاحب بن عباد
قام الإمام بحق الله تنهضه محبة الدين إن الدين مرمـوق
يدعو إلى ما دعا آباؤه زمنا إليه وهـو بعـيـن الله مرمـوق
ابن النبي نعم وابن الوصي نعم وابن الشهيد نعم والقول تحقيق
لم يشفهم قتله حتى تعاوره قتل وصلب وإحـراق وتغـريق
ثورةً في وجه الطغيان
الإمام زيد عليه السلام سطّر لكل الأجيال المتعاقبة – بقوله والفعل، بتضحيته والعطاء، بدمه وبروحه وبموقفه – سطّر للأمة درساً عظيماً ومهماً في المجد وفي الإباء وفي العزة وفي الحرية.. درساً تحتاجه الأُمَّـة لتستفيدَ منه روحاً وعزماً وبصيرةً في مواجهة التحديات والأخطار و مواجهة قوى الشر والإجْــرَام والطغيان إلى يوم القيامة.
لقد كانت ثورةُ الإمام زيد عليه السلام ثورةً في وجه الطغيان، الطغيان الذي شمل الأُمَّـة الإسلامية وعانت منه الأُمَّـة الإسلامية، الطغيان الأُموي الذي استحكمت قبضته آنذاك؛ ليستبد وينهبَ ثروات الأُمَّـة ويعمل على إذْلَالها وقهرها، ويستعبدها ويخضعها ويمارس بحقها كُلّ أصناف الظلم.
الحق هو من يجب أن نضحي من أجله
وخاطب الإمام زيد الناس فيقول :- (إنا ندعوكم أيها الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وإلى جهاد الظالمين، والدفع عن المستضعفين وقَسْمِ الفيء بين أهله، ورد المظالم، ونصرنا أهل البيت على من نصب لنا الحرب فسارعوا عباد الله إلى الحق فبالحق يكبت عدوكم وتمنع حريمكم وتأمن ساحتكم ننزع الجائرين عن الجنود والخزائن والمدائن- والفيء والغنائم، ونثبّت الأمين المؤتمن- اللائق بالمسؤولية غير الراشي والمرتشي الناقض للعهد فإن نظهر فهذا عهدنا وإن نُستشهد فقد نصحنا لربنا وأدينا الحق إليه من أنفسنا فالجنة مثوانا ومنقلبنا، فأي هذا يكره المسلم وفي أي هذا يرهب المسلم.
الوقوف في وجه الظالمين واجب ديني
الطغاة الذين يستهترون بالأمة ويصبحون وبالاً وشراً عليها من واجباتنا الدينية أن نتحرك ضدهم وأن لا نبيح أنفسنا لهم، و لا نمكنهم مننا ومن أمتنا ليفسدوا ويظلموا ويمارسوا هوايتهم بالجبروت والإثم والعدوان، هذا جانب أساسي فيما أكد عليه الإمام زيد عليه السلام وتحرك بمقتضاه في أوساط الأمة وخاطب الأمة به وعمل على استنهاضها من خلاله، أن يا هذه الأمة دينكم مبادئكم قيمكم أخلاقكم تفرض عليكم أن تنهضوا أن تتحركوا أن لا تبقوا في حالة الإذعان والاستسلام والخنوع للظالمين, فيفسدوا قيمكم وينهبوا أموالكم ويسوموكم سوء العذاب ليس لكم عندهم أي قيمة ولا لرموزكم ولا لمقدساتكم، وهذا جانب يجب أن يترسخ في أوساط الأمة لأنه غُيّب في حالة التثقيف الديني والخطاب الديني والتعليم الديني حتى أصبح غريبا عند الكثير من المسلمين،
بمعنى أن اليوم الكثير من المسلمين لا يفهمون أن المسؤولية جانب أساسي في الإسلام, ويرون الإسلام أنه مجرد الجانب العبادي الروحي، يصلي ويصوم وماله حاجة من الباقي، لو يذبحوا كل الأمة لو امتلأت الساحة الإسلامية ظلماً وجورا وطغيانا وفسادا وضلالا، لو حصل ما حصل يعتبر نفسه غير معني، لا، لا يصح ذلك أبدا في دين الإسلام، إذا أنت تنتمي إلى هذا الإسلام اقرأ قرآنه، اقرأ نوره وتعاليمه، كيف أنه يفرض عليك جانب المسؤولية، كونوا قوامين بالقسط، أن تسعى دائما لإقامة العدل، الانتماء إلى هذا الإسلام انتماء تعرف فيه تعاليم هذا الإسلام تلتزم بها تعمل لإقامتها وتتصدى لأولئك الذين يحاربونه، يسعون لإبعاد الأمة عنه وإحلال ظلمهم وباطلهم وطغيانهم بديلا عنها.
من أعان ظالما أغري به
الله سبحانه وتعالى توعد الظالمين بالعذاب، وأمر عبادَه بجهادهم بل مقتهم ولعنهم، قال تعالى: (ألا لعنة الله على الظالمين)، وهذا الموقف يجبُ أن يتبنّاه كل مسلم، وأن يعيَ حقيقة هؤلاء وخطورتهم في واقع الحياة لأَن غيابَ الوعي بها جعل الكثير من المسلمين لا يتورعون ولا يتحاشون عن نصرة الظالمين كما هو حال المرتزقة اليوم الذين وقفوا إلى جانب الظالمين والطغاة من يهود ونصارى وعرب فقدموا لهم كل الخدمات وفدوهم بالأرواح لكن جزائهم كما قال الله تعالى (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) وقد مستهم نار الظالمين فعلا في الدنيا كما نسمع ونلاحظ كل وقت من ضربات يتلقاها مرتزقة العدوان سواء ما كان منها على أيدي المجاهدين أو ما على أيدي تحالف العدوان نفسه، كالضربات و النيران الصديقة التي تأتي من وراء الظهر خاصة عندما ينكسروا في الزحوفات أو ما كان منها على شكل تعذيب في سجون الظالمين ومعتقلاتهم كما يحدث في سجون الإمارات والسعودية بعدن وهي أيضاً ستمسهم في الأخرة فمن أعان ظالماً أغري به.
مشكلة الأمة هما سلاطين الجور وعلماء السوء
الإمام زيد عليه السلام برؤيته القُـرْآنية وبهدى من الله ، واستقراء للواقع أدرك أن المشكلة الحقيقية للأمة: هما سلاطين الجور، وعلماء السوء الذين يعملون معهم لتدجين الأُمَّـة، وثقيفها الثقافات المغلوطة، فقدموا مبدأ غريباً متناقضاً مع الإسلام كمشروع للحياة، وافتروا حتى على رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله حينما قالوا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه “أمر بطاعة الحاكم الظالم وإن قصم ظهرك وأخذ مالك”، حينها دجنوا الأُمَّـة للظالمين، فكان الواقع أنه وعلى مدى أجيال على مدى قرون من الزمن استحكمت هذه الثقافة وأثّرت في وعي الأُمَّـة في وجدان الأُمَّـة في فهم الأُمَّـة لمشروعها في الحياة وهيأة الأمة للغزو الأجنبي، ولذلك أدرك عليه السلام أنه طالما هناك سلطة ظالمة فإنه لا يمكن أن يتحقق العدل في الواقع، وأن على الأُمَّـة مسئولية في الثورة على الظالمين فلا يمكن أن يتحقق العدل في الحياة إلا من خلال حكومة عادلة تقيم العدل في الحياة وهذا ما يشهد به واقعنا اليوم حيث نجد أن الشر الكبير الذي تعاني منه الأمة هي تلك الحكومات المتجبرة والظالمة سواء في منطقتنا كالحكومات العميلة كما هو حال النظامين السعودي والإماراتي أو تلك الدول المستكبرة في بقية العالم كالنظامين الأمريكي والبريطاني.
أسباب ثورة الإمام زيد ودوافعها
- واقع الأمة المليء بالظلم والقهر
- الاساءة إلى مقدسات الإسلام ورموزه
- الشفقة والرحمة بالمستضعفين من الأمة
- الامتثال لله والتسليم له والعمل والالتزتم بتوجيهاته
- استشعار المسؤولية العظيمة تجاه الله وتجاه دينه وعباده
- الحرص على عزة الأمة وكرامتها
- الحرص على إحياء مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ثورات الحق في وجه الطاغوت
إن من يتابع ثورات أعلام الهدى في وجوه المستكبرين بدءً من الإمام علي عليه السلام وانتهاءً بقائد المسيرة القرآنية السيد حسين بدرالدين الحوثي يجد أن الدافع واحد هو استشعار المسؤولية الدينية كما قال الإمام زيد عليه السلام (والله ما يدعني كتاب الله أن أسكت)وأن السبب واحد هو استحكام قبضة الظالمين وجبروتهم على رقاب الأمة واستئثارهم بخيراتها وتحويلهم عباد الله خولا ودينه دغلا وماله دولا ولهذا فإن هذه الثورات لم تأتي طمعا في مال ولا رغبة في سلطة وهذا ما أكده الإمام الحسين عليه السلام في قوله: ((والله ما خرجت أشِراً ولا بطِراً ولا متكبراً ولا ظالماً إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر)).
ولأن ثورة الإمام زيد عليه السلام تعتبر من أبرز هذه الثورات فلأنها جاءت في وقت هو من أشد وأصعب الأوقات ظلماً واضطهادا مرت بها أمة الإسلام بعد تذوقها لحلاوة العدل والحرية وشعورها بالعزة والكرامة في عهد رسول الله وفترة ولاية الإمام علي إلا أن بني أمية فرضوا عليها واقعا هو أسوء بكثير من الواقع الجاهلي نفسه فانتهكوا حرمة بيت الله واحرقوه وقتلوا أولاد نبيه وشتموه وذبحوا أصحابه على قبره وأباحوا أعراضهم ونهبوا أموالهم في ما يسمى بوقعة الحرة وساموا هذه الأمة سوء العذاب بدءً بمعاوية ويزيد ووصولاً إلى هشام بن عبد الملك الذي غضب ليهودي سب رسول الله في مجلسه فنهره الإمام زيد ولم يغضب لرسول الله.
هذه الغلظة وهذا الاضطهاد فرض على الناس حالة من الصمت رهيبة وصفة من الاذلال عجيبة حتى أنه لم يعد هناك من يستطيع أن يقدم لهم النصيحة ما بالك بالمواجهة ومن خضم هذه المعاناة ومن أوساط ذلك القهر نهض الإمام زيد حاملا مشعل التغيير ورافعا لواء الجهاد في 22/ محرم في يوم الأربعاء نادى بشعار جده رسول الله (يا منصور أمت) وقاتل حتى كتب الله له الشهادة وهكذا نجد أعلام الهدى يبذلون أنفسهم رحمة منهم بأمة جدهم أن تقهر وتستذل وحرصاً عليها من الشتات والضياع واستشعارا منهم للمسؤولية تجاه دين الله وعباد الله حتى وإن خذلهم من خذل وعاندهم من عاند وحاربهم من حارب حتى وإن كان في ذلك سفك دمائهم وقتل أولادهم وهدم ديارهم وتشريد أسرهم وهو ما لاحضناه في شخص الشهيد القائد الذي ثبت كأجداده العظماء وما نلاحظه في سيرة السيد القائد من صلابة في الموقف على الحق وشجاعة في مواجهة الباطل رغم كثرته وقوته حتى وإن كان رأس عبد الملك بدر الدين الحوثي فهو حاضر لأن يقدمه في سبيل الله ودفاعاً عن المستضعفين
ما يربطنا بأعلام الهدى
ما يربطنا بأعلام الهدى أنبياء الله أولاً ومن بعد أنبياء الله خط الهدى من أعلام الهدى ، خط الهداية الممتد عبر الأجيال لكل زمن ولكل جيل ولكل أمة وحتى نهاية التكليف وانقضاء الحياة ، ما يربطنا بهم هو الشيء الكثير والشيء المهم جداً ، ليست فقط مجرد ذكريات ، ذكريات فرحٍ أو ذكريات حزن ، ليس فقط الحديث عن مولدهم او الحديث عن استشهاد أيٍ منهم ، ما يربطنا بهم هو أعظم الروابط بعد ارتباطنا بالله سبحانه وتعالى ، بل هو جزءٌ من ارتباطنا بالله سبحانه وتعالى ، يربطنا بهم الإقتداء والإتباع والاهتداء والتمسك ، هم لنا القدوة وهم لنا القادة وهم لنا الرموز ، هم لنا النور الذي نستضيء به في ظل ظلمات الجهل والباطل والطغيان ، هم صلةٌ مع الله سبحانه وتعالى مع هديه ، ولذلك يجب أن نحرص أن يكون لدينا اهتمام في أن يكون جزءٌ من ثقافتنا ، من حديثنا ، من نشاطنا التعليمي ونشاطنا الثقافي ، من خطب الجمعة ، خطب المناسبات ، المحاضرات ، المجالس الثقافية ، نستذكر في كل مناسبة ليست فقط مناسبة مولد أو مناسبة استشهاد ، عند كل حدث يمكن أن نستفيد منهم من خلال ذكرياتهم ذكريات الهدى، ذكريات الهداية ، مواقف العزة ، مواقف الشرف ، المواقف والأخلاق والسلوكيات والأقوال والحكم التي نستفيد منها فيما يزيدنا وعياً ، فيما يزيدنا يقيناً ، فيما يزيدنا بصيرة ً ، فيما نزداد به ثباتاً وعزماً وقوة إرادة ، فالارتباط بهم ارتباط بالدين ، صلةٌ مع الله سبحانه وتعالى .
أهمية المناسبة ودور العظماء في التغيير
إن إحياءنا لهذه الذكرى وسابقتها ذكرى استشهاد الإمام الحسين وغيرها من المناسبات المهمة المرتبطة بديننا هو لاعتبارات متعددة فهي في المقام الأول مناسباتٌ مرتبطة بأعلامنا، برموزنا، حملة الحق والنور، القائمين بالقسط، والدعاة إلى الله، الذين حملوا الإسلام منهجاً وجسّدوا أخلاقه وقيمه وحملوه مسئولية يتحركون بها في واقع الأمة.
وهذه المناسبات ارتباطنا بها هو ارتباط القضية الواحدة فقضية “الحسين” هي قضية أبيه “علي” وأخيه “الحسن” وهي قبلهم قضية “الرسول، قضية “زيد” هي نفس القضية، قضية غيره من أعلام الحق والهدى في تاريخ الأمة هي نفسها القضية الواحدة، والهمُّ الواحد، والمبدأ ، والمسار، والاتجاه الواحد في مواجهة العدو الواحد الذي له منهجٌ واحد، وطريقةٌ واحدة، ومسارٌ واحد.
لأن الواقع المعاصر والحال الحاضر هو مرتبطٌ بالماضي فحاضر الأمة المليء بالمآسي، المليء بالمظالم، المليء بالمعاناة المشحون بالبؤس هو وليد ذلك الماضي، وأثرٌ من آثار طغيان طغاة التاريخ وطغاة الحاضر.
أيضاً إحياؤنا لهذه المناسبات هو أيضاً لشحذ الهمم وإحياء الشعور بالمسئولية، فحينما نتأمل في تاريخ أعلامنا وعظمائنا وهداتنا نجوم العترة وأعلام الأمة، كيف كان اهتمامهم بالمسئولية. كيف كانوا على مستوى عالٍ من الصبر، والثبات، والبذل، والعطاء، والهمة العالية، وما قدموه في سبيل الله سبحانه وتعالى وفي سبيل المستضعفين من عباده، وما واجهوه من طغيان هذا وتخاذل ذاك، هذا يزيدنا عزماً إلى عزمنا، وهمةً إلى همتنا، وصبراً إلى صبرنا، واستعداداً للبذل والعطاء، فلهذه المناسبات أهميتها الكبرى ومردودها المهم على المستوى النفسي وعلى المستوى الثقافي والفكري وعلى المستوى العملي .
ثورة الإمام زيد ودوافعها وتأثيرها
كان الإمام زيد قد حدد مع أصحابه موعدا للخروج في أخر شهر صفر إلا أنه أضطر لإعلان ثورته في يوم الأربعاء الثاني والعشرين من محرم وكان شعاره فيها هو شعار رسول الله في بدر (يا منصور أمت) ورغم أنه لم يجتمع له من أصحابه إلا ما يقارب الثلاث مائة رجل في مقابل 12 ألف من جيش بنو أمية إلا أنه قرر الثبات والمواجهة وعنما رأى الرايات تخفق فوق رأسه قال (الحمد لله الذي أكمل لي ديني والله ما يسرني أني لقيت جدي محمد يوم القيامة ولم آمر في أمته بمعروف ولمن أنه عن منكر) وكان خروجه بدافع المسؤولية ورغبته في التغيير وإصلاح أمر الأمة فهو حليف القرآن، ولذلك كان يقول:- (والله ما يدعني كتاب الله أن أسكت) وهذه الثورة تعتبر إمتدادا لثورة جده الحسين بن علي كما أنها تمثل القدوة لكل الثورات التي أتت بعدها كثورة ابنه يحيى وغيرها من ثورات أعلام الهدى ضد المفسدين والمستكبرين منذ ذلك الحين وإلى اليوم فكل ثائر يرى في الإمام زيد قدوة وأسوة ونموذجا يحتذى به.
مواقف الإمام زيد.
كل موقف من مواقفه المشرفة يدل دلالة واضحة على مدى ثقته بالله واجلاله لله، وارتباطه بالله سبحانه وتعالى، واحتقاره للطغاة والمتجبرين المنحرفين عن منهج الله سبحانه وتعالى، ومن أبرز تلك المواقف ما يلي:
جرأته في وجه الطاغوت
“اتقي الله يا هشام” كلمة حق في وجه سلطان جائر انطلقت من فم زيد بن علي لتصك مسامع طاغية بني أمية هشام بن عبد الملك الذي قال :- والله لو قال لي أحد اتقي الله لضربت عنقه. ولكن الإمام زيد قالها له مباشرة ولم يخف ولم يرهب ولم يتهرب من تقديم مثل هذا الأمر والنصح له فرد عليه عدو الله غاضباً مستكبراً :- أو مثلك يأمر مثلي بتقوى الله. فقال (عليه السلام) “إنه ما من أحدٍ فوق أن يؤمَرَ بتقوى الله ولا دون أن يوصي بتقوى الله”.
غضبه لرسول الله
(والله لأن مكنني الله منك لأختطفن روحك) :قالها الإمام زيد لجليس هشام اليهودي الذي كان يسب رسول الله في حضرة هشام ولم ينكر عليه هشام ذلك الأمر ولكن ما إن سمعه زيد بن علي حتى غضب لرسول الله أشد الغضب وتوعد اليهودي بالانتقام منه لرسول الله منه.
شجاعته (وفعلوها حسينية)
عندما أمر الإمام زيد عليه السلام أن ينادى بشعار المعركة [يا منصور أمت] لم يجبه من أصحابه الذين بايعوه سوى مائتين وثمانية عشر رجلا من أصل ما يقارب (خمسة عشر ألف رجل) بايعه من الكوفة وحدها، ولكن الإمام زيد (عليه السلام) وقف موقف الأبطال رغم تخاذل هؤلاء القوم مصرا على المواجهة بتلك القلة القليلة في مقابل (اثنا عشر ألف مقاتل من الجيش الأموي) فعبأ أصحابه وانطلق إلى ميدان كالأسد الضاري لا يدرك أحدا إلا وقتله حتى تحماه الجنود وفروا من أمامه وبعد يومين من المعارك أدرك القائد الأموي أن القتال بالسيف لا يجدي نفعا مع زيد واصحابه فضاعف من الرماة حتى كانت السهام تنهال كالمطر فجعلت تقتل وتجرح في جيش الإمام حتى أصابه سهم منها في جبينه الطاهر وعندها حمد الله وصاح الشهادة الشهادة الحمد لله الذي رزقنيها.