المشروع القرآني.. حصانة لنا أمام الفتن، وسلاح لمواجهة المشاريع الاستعمارية

عندما نعود إلى أنفسنا وإلى واقعنا وإلى الناس من حولنا، عندما نتأمل في الأحداث، المتغيرات، الظروف، المُلابسات القائمة، ندرك أن الأُمّة أحوج ما تكون إلى المشروع القرآني وهذا شيء يتعلق بنا، ويتعلق بكل الناس، جميعاً نحن جميعاً أحوج ما نحتاج إليه التقوى والهدى.

وكلما تعاظمت الفتن والزلازل والأحداث الكبيرة والهائلة، وكلما تعاظم الطغيان وزاد الظلال وتطور الباطل، ونشط أولياء الشيطان بضلالهم وظلماتهم كلما تحتم علينا وكنا محتاجين إلى أن يتعاظم ارتباطنا بهدى الله سبحانه وتعالى، أن نزداد وعياً، بصيرة، هداية. أن تتعزز في واقعنا حالة التقوى.

ولذلك؛ هذه المرحلة، هذه الظروف أمام التحديات الكبيرة والأخطار المهولة على أمتنا نرى في الهدى والتقوى حصناً حصيناً، وملاذاً أميناً، ودرعاً واقياً. فعلاً؛ يمثل حلاً، يمثل ملاذاً، يمثل مخرجاً، يمثل حصناً للأمة. ليس هناك في ظل هذه الموجة الهائلة الكبيرة من الأحداث المتسارعة المتلاحقة من الباطل، الظلم، الفساد الذي تتسارع وتيرته، والذي يتحرك مستنفداً وباذلاً أقصى جهوده وأكبر طاقاته، ليس هناك من ملاذ لا لنا ولا للأمة من حولنا، ولا نجاة ولا فوز ولا سعادة ولا خير إلا بالعودة إلى الله سبحانه وتعالى وبالتقوى، وبالتقوى.

بالتالي؛ فهدى الله بشكل عام: يعتبر ضرورة، ملاذ، مفر للأُمّة، حِصن للأمة، خير للأمة، الحل في المرحلة التي الأمة أحوج ما تكون فيها إلى الحل.

 

المشروع القرآني ثروة عظيمة وعطاء إلهي كبير

في مسيرتنا القرآنية حبانا الله وأولانا وأعظم نعمته علينا بأن وفقنا لهذا المشروع القرآني العظيم حينما منَّ علينا بهذه الثقافة القرآنية العظيمة، هذا العطاء الإلهي العظيم الذي منَّ الله به علينا من خلال وليِّه وعبده الصالح الشهيد القائد السيد / حسين بدر الدين الحوثي- رضوان الله عليه – أصبح لدينا ما لا يوجد لدى سائر الناس.

فنجن في ظل المسيرة القرآنية ، لدينا مشروع قرآني، لدينا رصيد عظيم من الهدى، ثروة عظيمة من الهدى الإلهي موجود بين أيدينا، قَبَسٌ من نور القرآن الكريم، يمثل الحل، يمثل المخرج، يمثل – فعلاً – منطلقاً حقيقياً يبني الأمة، يغير واقع الأمة، يُصلح واقع الأمة، يحقق للأمة أن تتحرك في الاتجاه الصحيح الذي ترتبط من خلاله بربِّها فتنال معيِّتَهُ ورعايته وتأييده ونصره وعونه.

نستطيع القول – والفضل لله علينا -: أنه يوجد لدينا من خلال هذا الهدى المتمثل بالثقافة القرآنية، المتمثل بالمحاضرات والدروس التي قدمها الشهيد القائد – رضوان الله عليه – من خلال القرآن الكريم متناولاً بها، واقع الأمة في كل ما يحيط به في أسبابه، في نتائجه، في ملابساته، وضمن تقييم قرآني دقيق، وتشخيص قرآني دقيق، بالفرقان؛ بالفرقان الذي يَفْرُق ما بين الحق والباطل، والخطأ والصحيح.. وما إلى ذلك، ويُقدِّم الحلول، ثم يصحح المفاهيم التي ضربت الأمة، نستطيع القول أن لدينا ما لا يوجد لدى أي فئة ولا أي فرقة أخرى، لا من فئات الضلال، ولا من فئات الهدى؛ هناك فئات مهتدية لكن على مستوى معيّن، على مستوى أُسس معيّنة، في مستوى مجالات عملية معيّنة بينما تعاني من مفاهيم كثيرة خاطئة مغلوطة. أما نحن فبمقدار هذا العطاء الإلهي، وهذه النعمة الإلهية بمقدار ما نتمحَّل مسؤولية كبيرة تجاه أنفسنا وتجاه الأمة من حولنا.

 

استيعاب المشروع القرآني والمحافظة عليه مسؤولية كبيرة على عوتقنا

تجاه هذه الهدى علينا مسؤولية كبيرة، كيف نكون تجاهه؟.

أولاً: كيف نقدِّره، كيف ندرك قيمته، كيف ندرك عظمته، كيف ندرك أهميته، كيف ندرك الحاجة إليه، كيف نحمل في مشاعرنا وفي إحساسنا الشعور بقداسة هذا الهدى، بعظمة هذا الهدى، بفضل هذا الهدى؟ فندرك كم كانت نعمة الله علينا عظيمة: أن منَّ علينا بهذا الهدى.

ثم كيف نتفاعل مع هذا الهدى بدءاً من العمل الجاد، الحرص الكبير، الحرص الحقيقي على تفهم هذا الهدى، واستيعاب هذا الهدى، مستعينين بالله أولاً طالبين منه أن يهدينا بهداه، أن يبصرنا بنوره، أن يوفقنا لأن نهتدي بهديه.

ثم متوجهين على مستوى التأمل والتفهم والاستيعاب والتدّبر إلى هذا الهدى لنتعاطى معه على هذا الأساس بعيداً عن التعاطي الروتيني الممل غير المفيد، وإن أفاد ففائدته محدودة، فائدة محدودة. لا؛ نتعامل مع هدى الله تعامل المتفهم وليس الفاهم.

التعامل مع هدى الله على أساس التفهم لا الفهم

كيف هو تعامل الفاهم؟ الذي يعتبر نفسه أنه أصبح فاهماً مكتفياً مستغنياً، حينما يتعاطى مع هدى الله هو يبتعد عن حالة التفهم والتأمل، ولا يحرص على الاستيعاب، ولا يركز على أن يستفيد، فلو قرأ الملزمة يقرأ قراءة عابر ة، قراءة عابر بعيدً عن التأمل؛ لأنه يعتبر نفسه أنه قد فهم الموضوع بما فيه الكفاية، وبالتالي لا يتأمل. هذا غلط، خطأ، هذا سبب للحرمان لأن تحرم نفسك أنت بنفسك الاستفادة المستمرة المتجددة لهدى الله سبحانه وتعالى. أخطر من ذلك أنه يؤسس لعلاقة غير سليمة ما بينك وبين هدى الله سبحانه و تعالى.

ولكن؛ الإنسان الذي يتعامل على أساس التفهم، يعني: يدرك أنه قاصر، أن وعيه محدود، أن معرفته محدود، أنه لا بُدّ وأن يسعى للحصول على المزيد والمزيد من المعرفة والهدى، حريص على أن يهتدي أن يستبصر، يتعامل من واقع الحرص والشعور بالحاجة، وبتقدير وبتقدير لهدى الله لأنه كما قال الإمام القاسم بن إبراهيم، وأكد على ذلك السيد حسين بدر الدين الحوثي – رضوان الله عليه – أن مفتاح الاهتداء بالقرآن: تعظيمه. أن تتعامل مع الهدى من هذا المنطلق وأنت تعظمه ولا تحقره، تقدره ولا تستخف به.

عملية التفهم مرتبطة بعملية المعايشة للواقع

فبدءً  من هذا: عملية التفهم، الاستيعاب، التأمل، مع الاهتمام بالواقع، مع المعايشة للواقع، مع الالتفات إلى الواقع، وكما يقول الشهيد القائد: ((عين على القرآن، وعين على الحدث))، مع الالتزام في الواقع العملي، مع التسليم لله سبحانه وتعالى، مع التحرك العملي الجاد وِفْق هدى الله سبحانه وتعالى هنا يزيدك الله هداية، يزيدك بصيرة، يشرح صدرك، ينور قلبك، يزكي نفسك، يمنحك المزيد والمزيد من الهداية، {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} (محمد:17).

يمنحك البركة.. بركة، بركة حتى في الحصيلة الثقافية، بركة في النفس، بركة في العمل، بركة في التأثير؛ لأن القرآن الكريم من أهم ما يمتاز به هو هذه الميزة العظيمة.

الله سبحانه وتعالى في أربع آيات في القرآن الكريم أو أكثر يؤكد على أنه جعل القرآن الكريم كتاباً مباركاً، كما قال جلّ شأنه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} (ص: من الآية29)، وقال جلّ شأنه: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الأنعام:155).

ولذلك؛ التعاطي مع هذا الهدى، من هذا المنطلق، من واقع الحرص على أن يهتدي الإنسان، أن ينتفع، أن يستبصر، يؤسس لعلاقة متجددة حيّة مع القرآن الكريم علاقة قائمة على التفهم والاهتداء والعمل والالتزام، فعطاء هذا الكتاب وما جعل الله فيه من سر وبركة وأثر وهداية وبصيرة ونور وشفاء لما في الصدور، كل ذلك سيتجلى في واقعك أنت، سيصل إليك.

 فالأثر العظيم في القرآن الكريم في أخلاقك، في روحيتك، في عملك، في موقفك، في سلوكك، في تصرفاتك، في نشاطك وعملك وتحركك سيميز.. سيميزك – فعلاً – في واقعك العملي، ويتجلى من خلال ذلك عظمة القرآن، أهمية القرآن، وفاعلية هذا الكتاب العظيم.

 

الهدى حصانة للجميع أمام تسارع الأحداث والمتغيرات

أمام الواقع الذي نعيشه، وأمام التحديات والأخطار التي نواجهها نرى أنفسنا دائماً ودائماً ودائماً في أمس الحاجة إلى أن تعظم علاقتنا بالله ومن خلال هديه العظيم، كلما كبرت الأحداث كلما كبرت المسؤولية، كلما تعاظمت التطورات، وتسارعت المتغيرات كلما وجدنا أنفسنا أحوج، ووجدنا مجتمعنا من حولنا كذلك، ووجدنا الجميع بحاجة إلى المزيد من الهدى.

الهدى بعطائه العظيم أولاً في تحصين الأمة، في تحصين الناس؛ حصانة لهم من الضلال.

أكبر وأخطر و أسواء ما يعتمد عليه العدو في ضرب الأمة هو: التضليل. وواقع الأمة السيء الضعيف حالة الشتات والضعف والعجز والغباء التي تعيشها الأمة ما هي إلا أثر من آثار الضلال الموجود لدى الأمة.

ما وصلت إليه الأمة الإسلامية مئات الملايين من المسلمين لديهم مقومات مادية ضخمة وعوامل للقوة والبناء ومع ذلك لم يستفيدوا من أي شيء، ولم يبقوا حتى كسائر البشر في حالة طبيعية، إنما ذلك أثر من آثار الضلال الذي ضيع الأمة – فعلاً -.

فعندما نأتي إلى المشكلة؛ المشكلة: ثقافية. المشكلة الثقافية ما أوصل الأمة إلى ما وصلت إليه إلا الضلال، والضلال نزل ثقافة فكر دين، نزل الضلال لابساً ثوب الهدى، ونزل أيضاً يحمل قميصاً ذو عناوين جذابة: عناوين دينية، وعناوين غير دينية. عناوين دينية، عناوين وطنية، عناوين أخرى. وترك أثره السيء السيء في واقع الأمة فوصلت إلى ما وصلت إليه.

مؤسف أن يتحرك الضالون ويطورون قدراتهم ونحن راقدين وباهتين

من المؤسف جداً جداً: أن يتحرك الضالون والمبطلون من أولياء الشيطان، من حملة الضلال والباطل، من المحرفين لهدى الله ولدين الله أن يتحركوا بكل جهد ليصلوا إلى كثير من المناطق ـ يحاولون أن يصلوا حتى إلى قرى نائية إلى مناطق بعيدة، وبكل الوسائل والأساليب ليوصلوا ضلالهم، ليوصلوا باطلهم، ليوصلوا ما حرفوه من مفاهيم الدين، ومبادئ الدين، ليوصلوها إلى الناس، ويضلوا بها الناس، ثم نقصر نحن بأن نوصل هذا النور، هذا الهدى المُقدّس، هذا العطاء الإلهي العظيم الذي فيه الخير للأمة أن نوصله إلى الناس !!.

قصور في وعينا، قصور في أيماننا، قصور في عزيمتنا، أن لا يكون نشاطنا ومستوى اهتمامنا بقدر أولئك.. بقدر أولئك من حملة الضلال والباطل!!

كيف يحرصون هم أولاً على تطوير قدراتهم ومهاراتهم التضليلية، يخرِّجون الآلاف من الخطباء، ويحاولون أن يتقنوا الخطابة ليكونوا بزخرف القول، بالأساليب الخطابية مؤثرين على السُّذَّج من الناس، يحاولون أن يتقنوا ويستوعبوا الأساليب التضليلية المؤثرة على الناس لخداع الناس وتضليل الناس.

غياب الهدى ساهم في انتشار الباطل

حينما نعود إلى تقييم الواقع، لماذا للباطل في داخل أُمتنا الإسلامية صولة وجولة وتأثير كبير؟!!

إنه بقدر ما فقدته الأمة من الهدى بقدر ما تمكن الباطل وأهل الباطل ودُعاة الشر وأئمة الكفر ومنافقو المسلمين من التأثير داخل هذه الأمة، كلما كانوا أقدر على التأثر.

بقدر ما يغيب في الساحة من الهدى بقدر ما يكون أولئك أقدر على التأثير وأكثر تأثيراً.

وبقدر ما يتفعّل هذا الهدى في الأوساط في أوساط الناس في الواقع فإنه يعطّل قدرة أولئك على التأثير الناس.

بقدر ما يستبصر الناس بقدر ما تنقشع الظلمات ويزاح ظلام الباطل، ظلام الجهل، ظلام الضلال.

كلما توسعت دائرة هذا النور الإلهي العظيم في أوساط كلما استبصروا وأبصروا كلما صلحوا كلما غيروا كلما تحركوا كلما استجابوا.

 

هدى الله مفتاح التغيير وسر صمود المجاهدين هو (القرآن الكريم)

إخوتي الأعزاء: هذا الهدى عظيم، هذا الهدى عظيم، هو مفتاح التغيير لواقع الأمة، ما إن يصل هذا الهدى إلى قوم إلى أمة إلى منطقة إلى قرية إلى فئة إلى مجموعة ويرتبطون به يتفهونه إلا وغيّر واقعهم تماماً مسارهم في الحياة دورهم في الحياة.

أثر هذا النور هو الذي جعل من أولئك الشباب الذين كانوا في بيئة مستضعفة من أكثر البلدان استضعافاً في بلادنا في اليمن جعلهم على هذا المستوى العظيم من الصمود والثبات. كان القرآن سر صمودهم.

هو الذي يحفظ لمجتمعنا أن يكون عظيم التماسك عظيم الثبات في مواجهة أي تحديات.

هو الذي يجعلنا ويجعل مجتمعنا على درجة عالية من مكارم الأخلاق، على مستوى عظيم من العطاء والبذل والصمود، لنكون في مستوى المسؤولية تجاه كل الأخطار والتحديات.

فينبغي أن نحرص على أن نتفاعل نحن مع هذا الهدى لنُفعِّل هذا الهدى في أوساط الناس، ونتحرك به نحمل روحيته، نستوعبه، في نفس الوقت نعمل على أن نوصله إلى الآخرين بالبيان بالوضوح بالتحرك بالشكل الصحيح كما ينبغي.

 

قد يعجبك ايضا