الإيمان ومبادئه المهمة

 الإيمان له مبادئ مهمة وعظيمة، كلها تمثل عاملاً مهماً في أن تكون قوياً في هذه الحياة، في أن تكون متماسكاً، كفرد وكشعب وكأمة، تعزز هذه الحالة من المنعة والقوة والصمود، وتساعد على الموقف المطلوب، الموقف الصحيح، الموقف الذي يبنى عليه النصر.

  ومن مبادئ الإيمان المهمة ما يلي:

المبدأ الإيماني.. ضمانة التحرر

أول هذه المبادئ التي يقوم عليها الإيمان مبدأٌ عظيمٌ مهمٌ ومقدس ، هذا المبدأ العظيم هو: مبدأ التحرر من العبودية للطاغوت، ومن العبودية لغير الله «سبحانه وتعالى»: وهذا مبدأ رئيسي جدًّا؛ لأن الذي يهدف إليه أعداؤنا، سواءً الأمريكيون، الإسرائيليون، عملاؤهم، هم يهدفون إلى السيطرة علينا على نحو الاستعباد، يسيطر عليك تماماً، لا يبقى لك لا قرار، لا رؤية، لا مبدأ، وهذه الحالة من السيطرة والاستعباد تتنافى مع الإيمان بالله -سبحانه وتعالى- الذي يحررك من كل أشكال العبودية،

 ونجد أن الله -سبحانه وتعالى- قال في كتابه الكريم: ﴿وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: الآية80]، الملائكة، الكائنات المقدسة والعظيمة، الأنبياء كذلك، وهم صفوة البشر، وخيرة البشر، وأزكى البشر، وأعظم البشر، وأرقى البشر… ليس المطلوب أن نتخذهم أرباباً، ولا أن نكون عبيداً لهم، ولا أن يكونوا هم المعنيون بالتحكم فينا في هذه الحياة والسيطرة علينا في هذه الحياة وِفق ما يريدونه هم، من عندهم هم.

|لا|، ولم يريدوا ذلك هم أساساً، ولا يبتغون ذلك، ولا يطلبون ذلك، ولا يسعون لذلك، ما بالك عندما يأتي شرّ البرية، الأطغى والأظلم والأشرّ والأسوأ من الناس فيريدون هم أن يكونوا هم الأرباب، أن يرسموا لنا مسار حياتنا، أن يتحكموا فينا في هذه الحياة، فلا يبقى لنا قرار ولا إرادة ولا أي شيء إلا كما يريدون، أن نخضع بالمطلق لإملاءاتهم علينا في كل شأن من شؤون حياتنا،

هذه مصيبة، هذه كارثة، إذا كان الله شرّفنا وكرّمنا حتى من أن نكون عبيداً لملائكته المقدسين ولأنبيائه المكرّمين، فكيف نرضى لأنفسنا أن يستعبدنا من لا يمتلكون ذرةً من القداسة، من لا يمتلكون أقل نسبة من الخير والشرف، من لا ينظرون إلينا بمثقال ذرة من عين الرحمة والخير وإرادة الخير، من هم ينظرون إلينا بكل عِداء، بكل حقد.

ولذلك نجد أن هذا المبدأ العظيم، مبدأ التحرر من العبودية للطاغوت، من العبودية لغير الله «سبحانه وتعالى» مبدأٌ يضمن لنا من خلال تمسكنا به، إيماننا به، قناعتنا به، ترسّخه في أنفسنا ووجداننا ومشاعرنا وواقع حياتنا، يمثّل مَنَعة وحصانة وقوة في التصدي لكل مساعي أولئك في الاستعباد لنا، والسيطرة التامة علينا في أنفسنا، في حياتنا، في قراراتنا، في مواقفنا، في سلوكنا في هذه الحياة، وفي مسارات حياتنا هذه.

المبدأ الإيماني.. القيمة الإنسانية

مبدأٌ آخر من المبادئ الرئيسية الإيمانية، مبدأ عظيم ومبدأ مهم، هو: القيمة الإنسانية والقيمة الأخلاقية: من أهم ما في الإيمان أنك إنسان لا تعيش حالة الاستهتار بهذه الحياة، بكل ما فيها، فلا تمتلك تفسيراً لهذا الوجود إلا تفسيراً مادياً، وترى هذا الإنسان ووجوده كما هو حال أي حيوان آخر، هذا التفسير موجود عند الكثير من الأطراف، من الدول، من الشعوب، من الثقافات، أنها لا تمتلك إلا التفسير المادي للوجود البشري،

 فلا يختلف وجود هذا الإنسان عن وجود جمل- مثلاً– أو ثور، أو عنز، أو قرد، أو أي حيوان آخر… كائن موجود، الغاية من موجوده، الهدف من وجوده أن يأكل ليعيش ويعيش ليأكل، يأكل، يشرب، يتزاوج، يعيش في ظل هذا الجو، يعني: كل الاهتمامات تتفرع عن هذا، ما به شيء آخر أبداً، وليس له أي قيمة، ولا لوجوده أي قيمة، ولا أي هدف سامٍ، ولا كرامة. |لا|، في الإيمان، في المبادئ الإيمانية الحقة، التي هي حق، صدق، وحقيقية، وعظيمة، ومقدسة،

 تفسر الوجود الإنساني هذا بوجودٍ مسؤول أتى ليتحمل مسؤولية في هذه الحياة وله كرامة وله قيمة، الله «سبحانه وتعالى» هو القائل في كتابه الكريم: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: من الآية70]، القيمة الإنسانية قيمة عظيمة في الإسلام، في الهوية الإيمانية، هذا الإنسان هو كائن عظيم عليه أن يحترم هو وإلا هان،

 إذا لم يكن هو مستعداً أن يحترم دوره، مسؤوليته، أن يتفاعل إيجابياً مع تكريم الله له؛ يهون هو، يهين نفسه، يسقط نفسه، يدنس نفسه، يسقط اعتباره، لكن إذا هو تفاعل مع إنسانيته بكل ما تعنيه هذه الإنسانية، بكل خصائصها وفطرتها ودورها ووجودها العظيم والمقدس والمسؤول والمهم وفق التعليمات الإلهية؛ سما بأعظم وبأشرف وبأعلى من المستوى الاعتيادي يعني الإنسان كرامته كإنسان لو بقي بالحد الأدنى من فطرته، فما بالك إذا تكامل، إذا سما، إذا ارتقى في مدارج الكمال فهو يسمو أعظم وأعظم وأعظم، حتى يصبح له شأن عظيم حتى عند الله -سبحانه وتعالى-.

 المبدأ الإيماني.. الوعي والبصيرة

 

واحدٌ من المبادئ المهمة والأسس والركائز المتينة في الهوية الإيمانية والانتماء الإيماني: الوعي والبصيرة، وأن يكون الإنسان مستنيراً بنور الله: إنساناً ذكياً، إنساناً واعياً، إنساناً لا يعيش حالة السذاجة في هذه الحياة، فيخدع بكل بساطة من قوى الطاغوت التي تعتمد على الخداع والتضليل كأسلوب رئيسي في السيطرة على

أفكار الناس ومفاهيمهم، اليوم هناك ما يعرف بصناعة الرأي العام، هناك اليوم سعي للاستحواذ على المفاهيم، للسيطرة على الأفكار، بل على عملية التفكير نفسها وتوجيهها والتحكم بها وفق مسارات ترسم.

الحالة الإيمانية تمثل منعة وحصانة وتغلق عند الإنسان هذه الثغرة، لا يبقى إنساناً ساذجاً، غبياً، مستحمراً، متقبلاً لكل شيء، منخدعاً لقوى الطاغوت. |لا|، عندهُ حالة من الوعي، من التصنيف، من التقييم، من التقييم حتى للواقع البشري ليس مجرد إنسان ساذج وأحمق وغبي يسمع من كل البشر، من جاء كلمه وضحك عليه ضحك عليه، ويتقبل من أي طرف.

|لا|، أنت تعرف هويتك: من أنت؟ وما هي ارتباطاتك حتى في ثقافتك، في تفكيرك، في نظرتك، في مفاهيمك، لديك قنوات مأمونة وسليمة تتزود منها بقناعاتك، بعقائدك، بأفكارك، بثقافتك، بتقييمك، ولديك وعي تجاه الآخر من هو هذا الآخر؟ تعرف من هي قوى الطاغوت؟ ماهي أهدافها؟ ماهي مشاريعها؟ ما الذي تسعى له؟ ما الذي تريده منك؟

البعض اليوم مثلاً حين ينظر إلى أمريكا بكل سذاجة أن أمريكا تعني الحرية، تعني حقوق الإنسان، تعني الرقي والحضارة، تعني الديمقراطية، وآتية إلينا بكل هذا، نظرة سذاجة ونظرة استحمار بكل ما تعنيه الكلمة.

من أهم ما في الإيمان، الإيمان الواعي، الإيمان الصحيح، وليس الإيمان الذي صنعه آخرون ليكون وسيلةً من وسائل التطويع والاستحمار. |لا|، ذاك إيمان مزيف، الإيمان على الشكل التكفيري، على الطريقة التكفيرية هو مزيف، هو وسيلة للتطويع والاستغلال ليس أكثر، هُندِس خصيصاً ليكون وسيلة معينة من وسائل التطويع ومآرب أخرى، منها عملية التشويه للإسلام في شكله الحقيقي والحضاري والراقي والعظيم والتحرري.

من الجوانب المهمة جدًّا في الإيمان: الإحساس بالمسؤولية تجاه الآخرين وتجاه الواقع:- أنت لا تعيش كمؤمن في هذه الحياة حالة من عدم الإحساس بالمسؤولية، يعني ترى أنك غير معني بشيء، مالك دخل من شيء، مالك هم بشيء،

 يحصل ما يحصل في الواقع من حولك ظلم، إجرام، طغيان، مشاكل، حتى استهداف يطالك أنت، ما تشعر بمسؤولية تجاه ذلك. |لا|، الحالة الإيمانية هي: حالة يترسخ فيها بعمق الشعور بالمسؤولية تجاه نفسك وتجاه الواقع من حولك وتجاه الأمة، بل وتجاه البشرية والإنسانية، وهذه مسألة مهمة جدًّا؛ لأن البعض يعيش حالة الاستهتار وعدم الإحساس بالمسؤولية ولا يبالي بشيء،

والبعض يعتبر نفسه مسلماً عظيماً، الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- يقول في نصٍ مشهور بين الأمة ومعروف بين الأمة: ((مَنْ أَصْبَحَ لاَ يَهْتَمُّ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ سَمِعَ مُسْلِماً يُنَادِي: يَا لَلْمُسْلِمِينَ، فَلَمْ يُجِبْهُ فَلَيْسَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)) من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، الانتماء هذا يجعلك تعيش الإحساس؛ لأنه يربطك بهذه الأمة كل شيء: مصيرك، حياتك، الخير والشر، البؤس والنعيم، الضر والنفع، مصيرك مرتبط بهذه الأمة وبهذا الواقع،

 إذا تنكرت، إذا كنت تتهرب من هذه المسؤولية، لن يعفيك ذلك عما سيطالك نتيجة هذا التنصل عن المسؤولية؛ ستسحقك الأحداث، وستطالك الأحداث إما بشرها أو بأخطارها، ولن يعفيك التنصل عن المسؤولية ولن ينفعك، لن يجديك شيئاً ولن ينفعك بشيء، أنت واحد من هذه الأمة، إذا كلٌ منا في هذه الأمة تنصل عن مسؤوليته وتفرج على الآخرين، إنما هو يهيئ الظروف لأن يأتي عليه الدور وهو في حالةٍ من الانفراد والعجز والضعف ليسحق بكل بساطة وبكل سهولة، إذا كلٌ منا أحس بالمسؤولية تجاه الآخر، فتعاونا، وتكاتفنا، وتظافرت جهودنا؛ كنا في منعة، كنا أقوياء، كان موقفنا قوياً ومجدياً وفعالاً ووصلنا إلى نتيجة عظيمة، لكن إذا كلٌ منا تنصل عن المسؤولية هيأنا الظروف لأن نسحق- في النهاية- بكل بساطة.

أليس المسلمون في العالم بأكثر من مليار مسلم، يعني: أمة كبيرة جدًّا من حيث العدد، من حيث الجغرافيا، من حيث الإمكانات والقدرات المادية، من حيث الوفرة البشرية، لكنها ضعيفة، أمة ضعيفة، لا تعيش في واقعها اليوم في الساحة العالمية ولا تحضر في الساحة العالمية بثقل، مشتتة، شيءٌ منها مرتبطٌ في تبعيةٍ عمياء بالأعداء هناك، وشيءٌ منها بالأعداء هناك، وشيءٌ منها بآخرين هناك ممن ليس لهم اهتمام بأمر هذه الأمة ولا يفكرون فيها، وقسم كبير باقون هكذا في حالة من الفراغ، في حالة من الشتات، في حالة من الاستسلام، في حالة من الانتظار السلبي لمآلات الأمور أين تتجه، وأين ستصل بهذه الأمة.

الإسلام والإيمان والهوية الإيمانية ننطلق فيها نحس بالمسؤولية تجاه الآخرين، بل نحمل إرادة الخير تجاه الآخرين، الإحساس الإنساني تجاه الآخرين، سيما من تجمعنا بهم هذه الهوية، الإحساس بالأخوة الإيمانية ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: من الآية10]، تصل حالة الإحساس بالآخر من حولك الذي تجمعك به هذه الهوية إلى هذه الدرجة من الإحساس (الإخوة بكل ما تعنيه الأخوة)، الإحساس بالمسؤولية تجاه الآخرين والواقع، تحس بدورك في هذه الحياة، عليك مسؤولية في إقامة الحق والعدل، في مواجهة الظلم والطغيان، في الرحمة، والخير…الخ.

من الركائز المهمة: الوعي بطبيعة الوجود البشري، وأننا نعيش في هذه الحياة في ميدان مسؤوليةٍ واختبار، في مقام الاختبار الإلهي:- الله يختبرنا، ما نواجه من تحديات هي اختبار، ما نواجه- أيضاً– في هذه الحياة، ما يعطينا الله ويمكننا فيه نعيش حالة المسؤولية والاختبار كيف سنعمل، كيف سنفعل؟ هل سنطيع الله -سبحانه وتعالى- هل سنتعامل بمسؤولية، هل سنلتزم بأخلاقنا وقيمنا تلك التي ننتمي إليها؟

 هذه المجموعة من المبادئ، وهناك الكثير من المبادئ الأخرى لا يتسع الوقت للحديث عنها، من القيّم، حتى القيّم العملية، مثلاً: قيمة الصبر، من أعظم القيم الصبر العملي، الصبر في مقام العمل، في مقام التضحية، في مقام العطاء، في مقام التحمل للمسؤولية، في إطار النهوض بالمسؤولية، من أعظم القيم العملية، وكم هناك من قيّم ومبادئ إيمانية ليس المقام يتسع للاستيعاب لها والحديث عنها بكلها.

كلٌ منا عندما يعود إلى القرآن الكريم، عندما يتذكر، عندما يعود إلى قيمنا الدينية، إلى تعاليمنا الإسلامية التي علمنا الله بها كأمة يعرفها، كلها قيم عظيمة، تضمن لنا النجاح والفلاح والقوة والعزة والمنعة والترابط والتكاتف، وتجعل منا أمة قوية، منتجة، حاضرة بفاعلية كبيرة في الساحة العالمية، كلها تشكل منظومة تصنع تماسكاً، قوةً، صموداً، حضوراً فاعلاً في هذه الحياة، حضوراً ناجحاً في هذه الحياة، صلاحاً وإصلاحاً في واقع هذه الحياة، خيراً في هذه الحياة.

ولكن كلما فرطنا بها، أو ابتعدنا عنها، أو بحثنا عن البديل الذي يقدمه الآخرون لنا وهو بديل لا ينسجم بأي حالٍ من الأحوال مع هذه القيّم والمبادئ والأخلاق، كلما خسرنا، كلما ضعفنا، كلما تلاشى كياننا كأمة، كلما تمكن الآخرون من السيطرة التامة علينا والاستعباد لنا والاستغلال لنا.

 

قد يعجبك ايضا