هتاف الحرية في مواجهة مواقف الانحراف والعمالة
على الرغم من أنها مجرد كلمات معدودة إلا أنها تركت تأثيراً بالغ الأهمية وتأتي هذه الأهمية من أنها عرت السياسة الأمريكية وسلوكها تجاه قضايا أمتنا فهي في الظاهر تلبس قناع إنساني مدجج بالكثير من المصطلحات الناعمة كحقوق الإنسان والمرأة والديمقراطية لكنها من وراء الستار تستخدم هذه المصطلحات كوسائل ناعمة للهيمنة والاستحواذ والنهب المنضم للثروات والاستيلاء على المؤسسات الثقافية وتعميم الثقافة والنمط الذي تريده أمريكا والذي غايته تمجيد الرجل الأمريكي واعتباره صانع معجزات وجدير بالاحتذاء ليس في العلم والمعرفة وامتلاك التكنولوجيا بل في تقليد القشور التي هي في حد ذاتها حرب تدمر وعي الإنسان وتجعله منقاداً نحو هذه المظاهر الهدامة..
إن قيمة الصرخة، وأهمية الشعار: أنه مثَّل في أول نتائجه وثماره نقلةً عملية من حالةٍ سائدة تتعاطى الأمة فيها مع الأحداث الكبيرة، والتحديات الخطيرة، والمؤامرات الرهيبة التي تستهدفها، تتعاطى تعاطياً لا مسؤولاً، السائد في الحالة العامة لدى الكثير من الناس- وبالذات في الواقع الشعبي- هو الحديث عن تلك الأحداث، وما يستجد فيها من جانب أمريكا وإسرائيل، ومن جانب حلفاء أمريكا، الحديث بمجرد التناول بالتحاليل الخاطئة، والحديث الذي لا ينطلق من رؤيةٍ صحيحةٍ، ولا ينطلق على أساس موقفٍ من هذه الأحداث
فيأتي الحديث سواءً في بلدنا أو في غيره، في مقايل القات، في الاجتماعات، في المناسبات، بمجرد التحليل الإعلامي، والحديث العادي، وبفهمٍ ونظرةٍ خاطئة، وتقييمٍ خاطئ لطبيعة تلك الأحداث والمؤامرات والمستجدات التي تستهدف هذه الأمة، وأيضاً بدون روحٍ مسؤولة، بدون وعي، بدون استشعارٍ للمسؤولية، وكأنها أحداثٌ لا تعنينا نحن،
وعندما أتت هذه الصرخة مثَّلت نقلةً لكل الذين استجابوا وانطلقوا في هذا التوجه، إلى التعامل بطريقةٍ مختلفة: إلى التعامل بروحٍ مسؤولة، ومن خلال موقفٍ عملي، ومن خلال رؤيةٍ قرآنيةٍ وواقعية، ومن موقع المسؤولية، من موقع من يدرك ويعي أنه معنيٌ بهذه الأحداث، وأنَّ عليه مسؤولية تجاه ما يجري، وأنه ليس من الصحيح أن نكون مجرد متفرجين على ما يجري من أحداث، أو مجرد محللين وإخباريين نتعاطى مع الأحداث بالاقتصار على التحليلات والكلام الذي لا يتحرك معه أي موقف، ولا ينطلق معه أي تحركٍ عملي، فكانت هذه النقلة العملية: من مجرد التعاطي العادي مع الأحداث والتحليلات العادية، إلى موقع المسؤولية والموقف العملي، الذي يعبِّر عنه هذا الشعار، وما ترافق معه أيضاً من دعوة لمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، ومن نشاطٍ توعوي وخطوات عملية تالية كثيرة.
الشعار عنوان لمشروع توعوي نهضوي
ومن قيمة هذا الشعار، ومن أهمية هذه الصرخة أيضاً: أنه أصبح عنواناً وشعاراً لمشروعٍ توعويٍ وتنويريٍ وعمليٍ نهضويٍ بنَّاء، الأمة في أمسِّ الحاجة إليه في مواجهة هذه التحديات، وهذه الأخطار، وهذه الهجمة الأمريكية الإسرائيلية الرهيبة على أمتنا، وهذه مسألة مهمة جدًّا.
الأمة بحاجة إلى أن تمتلك مشروعاً، وأن يتسم هذا المشروع بهذه السمات والمميزات المهمة: أن يكون مشروعاً توعوياً؛ لأن أول ما نحتاجه في هذه المعركة هو الوعي، أن يكون مشروعاً تنويرياً، الأمة بحاجة إلى النور، إلى البصيرة في مواجهة الحملة التضليلية الرهيبة جدًّا التي يتحرك بها أعداء هذه الأمة، ويستهدفونها بها، والأمة بحاجة إلى أن يكون هذا المشروع ذو طابعٍ عمليٍ، وأن يكون فيه خطوات عملية، وليس مجرد كلام توعوي لا يترافق معه خطوات عملية، وأن يكون أيضاً بنَّاءً، بحيث يبني الأمة في مستوى وعيها، وفي مستوى أعمالها… وفي مستوى كل المجالات؛ لتكون في مستوى مواجهة هذه التحديات والأخطار، ولتكون في مستوى المسؤولية التي عليها، وهذا ما تحرَّك به السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه”، فمع هذا الشعار، ومع هذه الصرخة، ومع الدعوة لمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، قدَّم مشروعاً يتسم ويحمل كل هذه السمات والمميزات، وأعلنه وقدَّمه إلى الأمة، وتحرك على أساسه.
وأهمية أيضاً وقيمة هذا الشعار وهذه الصرخة: أنه تحركٌ في اتجاه الموقف، في أن يكون للأمة موقف، في مقابل ما عليه الآخرون، في مقابل حالة اللا موقف التي تمسك بها البعض، والتزم بها البعض، وأصر عليها البعض، بكل ما لها من سلبيات خطيرة جدًّا؛ لأن حالة اللا موقف تعني: الصمت، والسكوت، والقعود، والجمود، والاستسلام، تعني: افساح المجال للعدو ليتحرك في ساحتنا الإسلامية في كل بلداننا بما يشاء ويريد
الشعار يمثل موقفاً مضاداً لمواقف الانحراف والعمالة
وأهمية وقيمة هذا الشعار وهذه الصرخة بكل ما يترافق معها، وبكل ما يأتي معها أيضاً في مسارٍ عمليٍ مهمٍ وواسع: أنه موقف في مقابل خطورة من يتجه الموقف الآخر، موقف الانحراف، موقف العمالة والخيانة؛ لأن البعض من أبناء الأمة لم يكتفوا بالسكوت، ولم يكتفوا بالقعود، لم يكتفوا بالتنصل عن المسؤولية، وفي الابتعاد عن الموقف الصحيح؛ إنما اتجهوا اتجاهاً منحرفاً وخاطئاً: اتجاه الخيانة والعمالة، والوقوف في صف أمريكا وإسرائيل، وموالاة أمريكا، والتحرك مع أمريكا
فأن يأتي البعض ليتجه هذا التوجه من أبناء الأمة على مستوى أنظمة وحكومات، وعلى مستوى حركات وتيارات وشخصيات، وأن يكون للبعض الآخر اتجاهٌ آخر يتمثل بالسكوت، والقعود، والجمود، والتنصل عن المسؤولية، والتخاذل، والتفريط، وإفساح المجال للعدو ليدخل ويعمل ما يشاء ويريد، نرى قيمة هذا الموقف الذي يتمثل بهذه الصرخة، بهذا الشعار، بهذا التوجه الإيجابي والصحيح، الذي ينسجم مع القرآن الكريم، الذي يتجه اتجاه التحمل للمسؤولية التي يفرضها علينا ديننا وانتماؤنا للإسلام، ومسؤوليتنا أيضاً تجاه أنفسنا، تجاه أمتنا، تجاه شعوبنا،
ندرك أيضاً أهمية وقيمة هذا الموقف وهذه الصرخة، وما يترافق أيضاً معها من مشروعٍ عملي: بحساب طبيعة هذا الصراع، وطبيعة مؤامرات العدو، هذا العدو الأمريكي والإسرائيلي الذي يستهدفنا كأمةٍ مسلمة بكل الأساليب، ويستهدفنا في كل المجالات، ويتجه بشكلٍ كبير إلى اختراقنا من الداخل، إلى أن يحوِّل هذه المعركة معركةً واسعةً وشاملة بعناوين متعددة،
طبيعة هذا الصراع الشامل والواسع الذي يتحرك فيه العدو على المستوى السياسي، وعلى المستوى الاقتصادي، وعلى المستوى الإعلامي، وعلى المستوى الفكري والثقافي والتعليمي… وعلى كل المستويات وفي كل المجالات، تستدعي أن يقابل هذا التحرك تحركٌ واعٍ، شامل وواسع، ويتجه إلى ما يسد هذه الثغرة على العدو، إلى ما يحصن هذه الأمة من الداخل، ويحميها من الاختراق.
الشعار وآثاره المهمة في تحصين الأمة
ولأهمية هذه المسألة، كانت هي المسألة الرئيسية التي ركَّز عليها القرآن الكريم وهو يعلِّمنا، وهو يوعينا، وهو يهدينا فيما نفهم به طبيعة الخطورة التي علينا من العدو الأمريكي والإسرائيلي، يتحدث عن فريقٍ من أهل الكتاب يمثل شراً كبيراً وخطراً رهيباً على هذه الأمة، بطبيعة أساليبه وخطواته ومؤامراته التي تستهدف هذه الأمة للتأثير عليها من داخلها، وتفكيكها من داخلها، واختراقها من داخلها.
فيأتي هذا الشعار، هذا الهتاف، هذه الصرخة بكل ما لها من نتائج، بكل ما لها من آثار، بطبيعة مفرداتها وما تصنعه من وعي، لتسد هذه الثغرة، لتسد حالة الاختراق، لتساعد على عملية التحصين من الداخل.
هذه المعركة، لا يكفي فيها موقفٌ رسمي، تطلقه حكومة معينة، ولا موقفٌ نخبوي، تطلقه فئات معينة من أبناء الشعب أو من أبناء الأمة، على مستوى مثلاً أحزاب في موقفها السياسي، أو في تصريحاتها الإعلامية، أو في بياناتها، ولا يكفي فيه أيضاً مواقف محدودة وبسيطة عابرة ومنتهية؛
يتطلب مواقف مستمرة، ومساراتٍ عمليةً مستمرة،
يتطلب مساراً توعوياً يصنع الوعي، يعزز الوعي، يقدِّم صورة متكاملة عن الأحداث، عن العدو، وعن أهدافه، عن مؤامراته،
ويتطلب أيضاً مساراً عملياً يحرِّك الأمة في خطوات عملية في كل المجالات،
ويتطلب أن يكون الجميع في هذا الموقف، ضمن هذا التحرك، ضمن هذه المسيرة في مواجهتهم لهذا الخطر، لا يكفي أن يتحرك فيه النخب، ولا أن يكون فيه فقط الجانب الرسمي في مواقف محدودة؛ لأنه يتجه إلى الجميع، طبيعة الأنشطة التي يتحرك فيها أعداء الأمة هي تستهدف الجميع بلا استثناء، هي تستهدفنا كأمةٍ مسلمة، هي تستهدفنا رجالاً ونساءً، وكباراً وصغاراً، يستهدفنا في كل المجالات: يستهدفنا ثقافياً، وفكرياً، وسياسياً، وإعلامياً، واقتصادياً، وعسكرياً، وأمنياً، لا يدع مجالاً إلَّا ويتحرك فيه، وفق سياسات وخطوات مرسومة ومحددة ومدروسة.
في ظل توجهٍ كهذا، كيف نجعل من الجميع منا كأمة في موقع المسؤولية؟ كيف نقدِّم مشروعاً يتيح لكل فردٍ من أبناء الأمة أن يكون في موقع المسؤولية، وأن يكون في الموقع الذي يحظى فيه بالتحصن من هذا الخطر، بما يحميه من هذا الاستهداف، يحميه على المستوى الفكري، يحميه على المستوى الثقافي، يحميه على المستوى الاقتصادي، يحميه على المستوى العسكري، على المستوى الأمني؟
كل فردٍ من أبناء الأمة في هذه المعركة يحتاج إلى أن يتسلح بالوعي والبصيرة والفهم، ولا بدَّ له أيضاً أن يتاح له أن يكون في موقع المسؤولية والفعل والموقف، بمعنى: لا بدَّ لنا جميعاً من موقف، إذا كنا خارج إطار أن يكون لنا موقف؛ لن نكون بمأمن من حالة الاستقطاب، من حالة الاندفاع في الموقف الخاطئ في الموقف المنحرف، من حالة الاستغلال تحت عناوين أخرى،
لا بدَّ لك أن تدرك أن طبيعة هذه المعركة خطيرة جدًّا، وأنها تحتاج إلى وعيٍ عالٍ، نحتاج فيها إلى القرآن الكريم، نحتاج فيها إلى النظرة الموضوعية والواسعة، نحتاج فيها إلى المنطلق الصحيح الذي يجعل منها أولوية.