مشاهد الاحتفال بالمحرّرين انتصار فلسطيني على طريق وعد التحرير
موقع أنصار الله . تقرير | يحيى الشامي
يتجدد المشهد مع كل عملية تسليم للأسرى مؤكدا إدارة واحدة لفصائل المقاومة: السرايا والكتائب مسنودةً بإرادةٍ موحّدة للشعب الفلسطيني. ساحتا التسليم والاستلام تحولتا -عفوياً- إلى ساحتي تظاهرات شعبية تكرّس صورة انتصار المقاومة، وتعزز قناعة أن ما جرى هزيمة لكيان العدو، وفي مجريات التسليم وإجراءاته تثبتُ المقاومةُ قدرتها على التحكّم بالمشهد عبر عملياتِ تسليم منظّمة في ساحتين، مصحوبة بعرض عسكري للمقاومة، بينما ينصاع العدو لشروط المقاومة مرغماً، بعد أن مرّغت أنفه في تراب غزة.
مظاهر الاحتشاد الفلسطيني أثارت غضب قادة كيان العدو، المجرم نتنياهو وصفها بالمروّعة، وطالب الوسطاء بضمان عدم تكرّرها، بينما اعتبر بن غفير (المستقيل) أن “المشاهد تؤكّدُ أنّ ما جرى ليس نصراً كاملا بل فشل كامل”.
ودعى سموتريتش إلى عدم اعتياد المشاهد القادمة من غزة، مطالباً بمواصلة القتال حتى تدمير المقاومة.
إجماع صهيوني بالفشل
إقرارٌ صهيوني بفشل تحقق أهداف الحرب على غزة، وإجماعٌ على انتصار الفلسطينيين في إسقاط شعار النصر المطلق الذي أعلنه قادة الكيان، والمتمثل في تدمير حماس وفصائل المقاومة. يحتدم النقاش على ضوء مشاهد احتفال الفلسطينيين بالإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين من سجون العدو،
فقد رافق عملية تسليم المعتقلين الفلسطينيين لطواقم الصليب الأحمر في خان يونس وميناء غزة اليوم السبت، ضمن دفعة التبادل الرابعة في اتفاق وقف إطلاق النار، حشود من عناصر القسام التي انتشرت على طول الطرقات المؤدية إلى منصتي التسليم، وظهرت تشكيلات عسكرية مختلفة من كتائب القسام في الحشود الضخمة التي أمّنت عملية إطلاق الأسرى، وشاركت فيها كتيبة الزيتون وكتيبة الشجاعية وكتيبة الشاطئ وكتيبة التفاح، بالإضافة إلى دور وحدة الظل المكلفة بتأمين الأسرى “الإسرائيليين”، فقد شاركت وحدات المشاة والقنص والدروع في الحشد العسكري، ما يُظهر احتفاظ القسام بوحداتها المتنوعة.
وظهر جنود القسام بكامل عتادهم العسكري، وكانت بندقية الغول حاضرة، وهي التي استخدمتها القسام في قنص ضباط العدو الإسرائيلي وجنوده أثناء العدوان على غزة، بالإضافة إلى سلاح “التافور” الإسرائيلي الذي استولت عليه المقاومة من جنود العدو.
واستخدمت كتائب القسام في عملية الإفراج عن الأسيرين (ياردن بيباس وعوفر كالدرون) في خان يونس مركبة إسرائيلية استولت عليها المقاومة من مستوطنات غلاف غزة في عملية طوفان الأقصى.
يعلّق محلل صهيوني على المشاهد في إحدى القنوات العبرية وهو نداف هتسعني بالقول:
“لقد رأيت صور هذا الأسبوع من غزة بشكل عام، وكذلك مع الأسف عند الحدود الشمالية. وأنا أرى هنا، وفي كل الاحتفالات التي رأيناها، الانتصار المطلق لحماس والجهاد والعدو، وأنا أذكر ان الحكومة الإسرائيلية تعهدت بعد السابع من أكتوبر أننا سندمر القدرات السلطوية للعدو حماس والتي هاجمت واختطفت المختطفين. لكن ما تلقيناه بشكل أو بآخر هو أنهم لا يزالون في السلطة. وهنا نحن عدنا إلى السادس من أكتوبر، مع ما ترسخ في الوعي أننا لم نتمكن من هزيمتهم، وكلام نتنياهو هو كلام فارغ، حيث قتل مئات الجنود في المرحلة الأخيرة، وعشرات في الأسبوعين الأخيرين فهذا فشل مطلق”. حسب هتسعني.
واستعرضت وحدة الدروع في القسام القذائف المضادة للدروع، خاصة قذيفة الياسين، والتي كانت تضرب بها ناقلات الجند والدبابات الإسرائيلية والمدرعات وقت توغلها في أحياء غزة.
وصاحبت احتشاد الجنود عروض عسكرية وهتافات، ورفع الجنود على منصات التسليم صور قادة القسام الذين أعلن الناطق العسكري أبو عبيدة عن استشهادهم، وعلى رأسهم قائد الأركان محمد الضيف، في رسالة تؤكد أنه رغم غياب القيادات فإن وحدات الكتائب لم تتأثر، وأنهم قاتلوا في المعركة رغم غياب نصف أعضاء مجلسهم العسكري.
وفي شأن متصل حذر منتدى القادة والجنود الاحتياط بجيش العدو الإسرائيلي من أن عودة الغزيين إلى شمال قطاع غزة تعد خطوة خطيرة، وتعني “التنازل عن أصل إستراتيجي تم الحصول عليه في الحرب لصالح صفقة جزئية وخطيرة. وبدلاً من هزيمة حماس، فإن الجيش الإسرائيلي مضطر لمواجهة واقع من شأنه أن يقوض قدرته على الفوز، ويجب على الجمهور أن يفهم الثمن الباهظ لهذا القرار” بحسب المنتدى.
كما أن عودة أهالي غزة لمناطقهم في الشمال مثلت ضربة قاصمة لمخطط العدو الإسرائيلي وخطة جنرالاته بإفراغ الشمال من أهله، وأفشلته تماماً، وتسببت في انهيار كامل للسردية التي عمل عليها العدو الإسرائيلي منذ العام 1948، والتي تفضي إلى أن الفلسطيني يمكن أن يتخلى عن أرضه، إذا ما تحققت له ظروف الحياة وظروف معيشية أفضل من الظروف الحياتية، كما أن هذه المشاهد قضت بالقدر نفسه على نظرية الردع بالتدمير التي يقوم عليها العقل الصهيوني، وتسبب بهزة غير مسبوقة في أهم المرتكزات المستقبلية للمشروع الصهيوني في الضفة الغربية، وهو مبدأ الحسم الذي تبني عليه الصهيونية “الدينية” خطتها في الحسم بضم الضفة الغربية.
على وقع هذا المشهد الفلسطيني الباذخ بالدلالات يعود الجدل الصهيوني للاحتدام من جديد حول فكرة المقاومة وأصل وجود حماس وجذورها الممتدة في عمق الوجود واللاوعي الفلسطيني، الباحث الصهيوني المتخصص في حركة حماس “غاي افيعاد” يقول:
حماس متجذرة في قطاع غزة، ولا يمكن اقتلاعها بحسب رأيي على الأقل، ومن أجل فعل ذلك أنت بحاجة لحكم عسكري يسيطر بيد عليا في القطاع لسنوات طويلة، ونحن غير مهيأين لذلك لا اقتصاديا ولا اجتماعيا ولا سياسيا. من الخسارة أن يقتل جنودنا هناك، وقد حاولنا فعل ذلك في السابق منذ العام سبعة وستين حتى العام أربعة وتسعين، وهذا الأمر لم ينجح، وتحت هذا الحكم العسكري صعدت حماس والجهاد الاسلامي ونميا وازدهرا”.
ويسلط المحللون الصهاينة الضوء على الخيارات المحدودة أمام حكومة كيان العدو والتي تعكس أزمة متفاقمة، تضاعف من حدّة الخلافات الداخلية، فبين خيار العودة للحرب المرفوض أمريكياً -في الوقت الراهن على الأقل- أو قرار القبول بوقف إطلاق النار، والذي يعني القبول بحماس، يعرف الكيان أن كليهما خياران لا يخدمان الأهداف المعلنة من حرب استمرت خمسة عشر شهراً. والأسوأ -من وجهة نظر الصهاينة- أنهما ينذران بخلافات كبرى. يعبّر عن هذا الرأي مسؤول صهيوني سابق عمِل ضمن طاقم المفاوضات حول تبادل الأسرى واسمه “رامي ايغرا” بالقول:
“لقد قلت طوال العام الماضي إن هذه الحرب ستنتهي بأحد شرطين: إما أن تتخلى حماس عن سلطتها أو أن تتخلى إسرائيل عن تدمير سلطة حماس. وإذا سألتني فأنا أقول إن إسرائيل تخلت عن تدمير سلطة حماس، وما يجري الآن هو أن ترامب مصر على إنهاء هذه الحرب. وعندما يكون ترامب مصرا فإن نتنياهو سينفذ”.