حتمية الصراع مع قوى الطاغوت
فبعد هجرة النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- إلى المدينة بدأ بتكوين هذه الأمة، وبدأ الأعداء تحركاتهم في الساحة لاستهدافه، وعدم السماح لهذه الأمة الناشئة بالاستمرار، ولهذا الدين بالاستمرار، وكانت لهم تحركاتهم الواسعة، واستعداداتهم الواسعة، تحركات لمضايقة النبي -صلوات الله عليه وعلى آله-، تحركات لحصار النبي وعزله في المدينة، والتحالف مع مختلف القبائل والمناطق، لتشكيل حركة واسعة لاستهداف النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- والحرب عليه، فكانت من الخطوات الأولى التي عملوها: الاتفاق مع كثيرٍ من القبائل على المقاطعة الاقتصادية للنبي -صلوات الله عليه وعلى آله-، ثم بدأوا ترتيباتهم واستعداداتهم العسكرية بهدف الزحف باتجاه المدينة.
رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- كان يدرك طبيعة هذه التحركات، وكان يتحرك بتوجيهات الله -سبحانه وتعالى- وتعليماته للتصدي لكل هذه التحديات والمخاطر، والله -سبحانه وتعالى- هو العليم بالواقع البشري، وهو -جلَّ شأنه- المدبر لشؤون السماوات والأرض، والصراع في هذه الحياة هو جزءٌ من واقع هذه الحياة، ولذلك كان الصراع مع أعداء هذا الإسلام، مع أعداء النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- والمسلمين، كان حتمياً، كان لا بدَّ منه، وهذا هو درسٌ مهمٌ نحرص دائماً على ترسيخه، وعلى التذكير به؛ لأن البعض أحياناً ينشرون مفاهيم خاطئة جدًّا، وخطيرة على الناس جدًّا، عندما يتجهون ويحاولون أن يروِّجوا في الساحة أنَّ الأمة ليست بحاجة إلى الجهاد، وأنَّ الجهاد لا ضرورة له، وأنه يمثل- بحد ذاته- مشكلة أمام الناس، وأنَّ بالإمكان أن يكون الناس مؤمنين، وصالحين، وطيبين، ومسلمين، ومن دون أن يواجهوا هذه المخاطر وهذه التحديات، وأن يستقر حالهم على ذلك ومن دون أي مشاكل.
نحن طالما كررنا التذكير بأن مثل هذه الأفكار هي ضالة، وساذجة، وغبية، وغير واقعية، وأنها- في نفس الوقت- خطيرة على الناس؛ لأنها تترك الناس في حالة من الجمود، وبعيداً عن الاستعداد، وتُعطِّل- في نفس الوقت- فريضةً من أهم الفرائض في الدين الإسلامي، وهي فريضة الجهاد في سبيل الله -سبحانه وتعالى-، وهي كذلك تدجِّن الناس وتخضعهم لصالح أعدائهم، وهذا ظلمٌ للناس، أنا أُوقن بأنَّ من أظلم الناس من يدجِّن الناس للأعداء، هذا ظلوم، ظالم، أي عالم، أي مثقف، أي أكاديمي، أي شخصية تتجه إلى الناس وتجعل من الجمود والركود والقعود والتخاذل ثقافةً، وسلوكاً دينياً، والتزاماً إيمانياً، وحالةً إيجابية، فهي تظلمهم بذلك، هي تضل وتظلم، لو كان ذلك متاحاً لكان أولى الناس بذلك هو رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-، لكان أولى الناس بأن تتحقق له في واقع هذه الحياة يتحقق له استقرار الإسلام، وأمر الإسلام بدون مشاكل، بدون تحديات، بدون تضحية، بدون عناء… بدون أي شيء. مجرد دعوة ويستقر ويجلس، وتنتشر هذه الدعوة، وتستمر هذه الدعوة، وتنجح هذه الدعوة، وتقوم هذه الدعوة، ومن دون أي جهاد، ولا أي عناء، ولا أي تضحية، ولا أي مشاكل.
ما الذي كان ينقصه بنظر مثل هذا النوع من الناس، الذين لديهم هذه الفكرة؟ ما الذي كان ينقص رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-؟ هل كانوا يتصورون أنها تنقصه الحكمة، أنهم كانوا حكماء، فابتكروا طريقةً يحافظون بها على الإسلام، ويقيمون بها الإسلام، وتلتزم الأمة بالإسلام، من دون أي صدام مع أي أحد، من دون أي مشكلة مع أي أحد، لكن الرسول لم يمتلك هذه الحكمة التي امتلكوها هم؟! هل يتصورون هكذا؟! هل كان ينقصه الكمال والرشد وحسن التدبير؟ هل كان ينقصه السلوك الجذَّاب؟ هل كانت جاذبية الدعوة الإسلامية، وهي جذابة في واقعها وفي جوهرها،
أو جاذبية الرسول في كماله وأخلاقه وسلوكه العظيم، وخلقه العظيم، فيه نقص؟ ما الذي كان ينقص؟ أم أنَّ الزمن فقط هو الفارق، فذلك زمنٌ كان فيه أعداء ألدَّاء يعارضون الإسلام، ومبادئه، وقيمه، ولا يسمحون للأمة الإسلامية أن تنشأ وتبني نفسها كأمة مستقلة، تتحرك في واقع حياتها وفي مسيرة حياتها على أساس تعاليم هذا الدين العظيم؟ أمَّا هذا الزمن فأصبحنا في ظروف مختلفة، وأصبحنا أمام واقع لا نواجه فيه التحديات، ولا الأعداء الخطيرين، والكل من حولنا يفتحوا لنا المجال أن ننشأ أمةً مستقلةً تبني مسيرة حياتها على أساس هذا الدين؟! لو قلنا أنهم يفكِّرون هذا التفكير فهذا مضحك؛ لأننا نعلم أنَّ المخاطر في هذا الزمن وأن التحديات كبيرة جدًّا، وأنَّ الواقع يشهد أن الأعداء يسعون بكل جهدهم إلى السيطرة على الأمة الإسلامية، والتحكم بها في كل شؤونها: على المستوى السياسي، على المستوى الاقتصادي… على كل المستويات، بل حتى على مستوى الخطاب الديني، والتثقيف، والتعليم، والمناهج، يتدخلون في كل شيء، وواقع المسلمين في هذا الزمن واقعٌ معروف، هناك أمريكا، وهناك إسرائيل تسعى بكل جهدها لضرب هذه الأمة، واستهداف هذه الأمة، وهناك الكثير معهم ممن يتحالفون معهم ويُناصِرَهم.
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام
السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
سلسلة المحاضرات الرمضانية المحاضرة الثامنة عشر (يوم الفرقان- 1) 1441هـ يوم الفرقان (1)