بدأ الإسلام غريبًا.. ماذا تعني الغربة؟
وعندما نأتي مثلًا: إلى نص عن رسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَـيْهِ وَعَلى آلِه” روي عنه أنَّه قال فيما معناه: ((بَدَأ الإِسلَامُ غَرِيَبًا، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأ، فَطُوبَى لِلغُرَبَاء)).
تلاحظ أنَّ غربة الإسلام هذه ليست غربته في صلاته، ولا في صيامه، وليست غربته في عناوينه العامة الأولى، هذه يمكن أن تكون قائمة، ويمكن أن تكون موجودة، ويمكن أن تكون غير مستغربة، فليس غريبًا أن يدعو إنسانٌ ما إلى الصلاة، أو أن يُشَاهَد إنسانٌ يصلي، وليس غريبًا أن يأتي من يحث الناس على صيام شهر رمضان، أو أن يجد الناس إنسانًا يصومه… وأمور كثيرة يعني ليست غريبة في الساحة.
لكن هناك- فعلًا- غربة للإسلام في معالمه الرئيسية، الإسلام الذي يستنقذ الناس من العبودية لغير الله، ويحررهم من الطاغوت، ويستقل بهم في شؤون حياتهم من التبعية للمستكبرين، هذا إسلام غريب، وهذا خطاب غريب، وهذا منطق غريب لدى كثيرٍ من الناس، لدى فئات واسع من أبناء الأمة، الإسلام الذي يربط الأمة بمصادر الهداية، ويعطي لمسألة الوعي أهمية كبيرة جدًّا، ويركِّز على تنوير الناس بالقرآن الكريم، وتبصيرهم ببصائره،
وأن يحملوا الوعي تجاه حياتهم، والواقع من حولهم، وأعدائهم، وما يتصل بذلك من مسؤولياتهم…الخ. هذا خطاب غريب، غير مألوف، وغير مرغوب فيه لدى فئات كثيرة من أبناء الأمة، والإسلام الذي يلزم بإقامة العدل، ودفع الظلم، ومواجهة الطغاة والطغيان، وإصلاح واقع الحياة بناءً على توجيهات الله وأوامره وهديه، كذلك غير مرغوب وغريب جدًّا، الإسلام الذي فيه جهاد- بمفهومه الصحيح- في مواجهة العدوان على الأمة، في دفع الأخطار عن الأمة، عن المستضعفين… غريب وغير مألوف، والبعض لا يعرفه أصلا، مثلما يشاهد مسألة لا يعرف ما هي نهائيًا، مجهولة نهائيًا، وليس فقط مستغربة، والإسلام في هذه المعالم الرئيسية هو الذي شهد الغربة في واقع الساحة الإسلامية، وبات الكثير من الناس ينظرون باستغراب، ويعتبرون المسألة هذه ليست مسألة مهمة، ولا يريدون أن تكون حاضرة وأن تكون موجودة، يريدون لها أن تُقصى، أن تُبعد، أن تُحذف، أن تُشطب، أن لا يسمعوها، وأن لا يشاهدوا شيئًا عنها، غربة الإسلام في هذه، غربته في هذه.
ولهذا حينما قال رسول الله: ((فَطُوبَى لِلغُرَبَاء، قيل: من هم يا رسول الله، قال: الذين يصلحون عند فساد الناس))، يصبحون- كما يقال- عكس التيار، الاتجاه والمزاج العام مزاج يعيش حالة التبعية التي ينتج عنها الفساد: التبعية للطغاة، والمجرمين، والمنافقين، والضالين، والفاسدين؛ فيفسدون الآخرين بفسادهم، هؤلاء يأتون- كما يقال- ليسبحوا عكس التيار، لديهم اتجاه مختلف عن المزاج العام الذي لدى كثيرٍ من الناس.
فنحن نتحدث عن أنَّ من أهم الأسباب في غياب هذه المعالم الرئيسية، وهذه المسألة المهمة للغاية، هو:
1- فصلها عن الاهتمام التعليمي في: (المناهج، والأنشطة، والبرامج، والخطاب الديني)، وعن التثقيف، وعن الإعلام في زمن الإعلام.
2- فصلها عن برنامج واجبات الأمة والتزاماتها الدينية: دائمًا في الخطاب الديني والتعليم الديني يقال للناس: [واجباتكم هي التالي: أن تصلوا خمسكم، أن تزكوا مالكم، أن تصوموا شهركم، أن تحجوا إلى بيت ربكم]، واكتملت المسألة، كمل الدين، نفدت بقية الالتزامات، يأتي البعض ليضيف قسطًا يسيرًا من الالتزامات الأخلاقية في المعاملة،
وفي المحرمات كذلك، جزءًا محدود منها، وتنتهي المسألة، ثم لا تذكر ضمن هذه القائمة من الالتزامات الدينية والواجبات: لا أن تجاهدوا، ولا أن تأمروا بمعروف وتنهوا عن منكر، وطبعًا بالمفهوم الصحيح القرآني، وليس بالمفهوم الداعشي، ولا بمفهوم الجامدين الذين يجمِّدون كل النصوص القرآنية بتحيُّلاتهم، ولا- كذلك- يقال للناس: (وأن تقيموا العدل في حياتكم)، هذا يحذف: إقامة العدل في الحياة، الأمر بالمعروف، الجهاد، الإنفاق في سبيل الله … إلخ، تحذف في كثير من المناطق، في كثير من المدارس، في كثير من الأنشطة التثقيفية والتعليمية، في الخطاب الديني لدى الكثير من الناس، تحذف هذه، وكأنها ليست من الواجبات، لا وردت بشأنها نصوص قرآنية، ولا كان لها حضور ولا وجود في حركة رسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَـيْهِ وَعَلى آلِه”
حتى بات البعض ينظر إلى المسألة أنَّها فقط بهذا المستوى: واجباتنا الدينية والتزاماتنا الدينية هي: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة… تلك الأشياء الاعتيادية الروتينية، قد تم سقوطه بأساليب وحيل جعلت منه أمرًا غير إلزامي، وغير واجب، ولم يعد مطلوبًا، وهو كان حالة استثنائية للعصر الأول، وكأنَّه لا حاجة إلى العدل، ولا حاجة إلى العزة، ولا حاجة إلى الخير، ولا حاجة إلى المَنَعَة، ولا حاجة إلى القوة؛ إِلَّا للمسلمين الأوائل في عصر رسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَـيْهِ وَعَلى آلِه” هم فقط من كانوا يحتاجون إلى العدل، إلى الخير، إلى العزة، إلى الكرامة، إلى الاستقلال، إلى الحرية، بقية المسلمين- في كل عصر وجيل- ليسوا بحاجة لا إلى عدالة، ولا إلى حرية، ولا إلى استقلال، ولا إلى كرامة، ولا إلى عزة، ولا إلى أي شيء من هذه، وطبيعي أن يكونوا ضحية ضعفهم، وشتاتهم، وتفرقهم، وانعدام كل عوامل النهوض بالمسؤولية لديهم! |لا|، المسألة كل البشرية بحاجة إلى العدل، بحاجة إلى الكرامة، بحاجة إلى هذه المبادئ العظيمة والمهمة.
فعلى كلِّ حال، في الذهنية العامة فيما يقدَّم للناس على أنه يمثِّل العناوين من واجباتهم والتزاماتهم الدينية، كان يشطب منه عند كثير من الناس مثل هذه المسائل.
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام
السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
المحاضرة السابعة من محاضرات الهجرة النبوية 1440 هـ