الدروس والعبر المهمة لقصة آدم “عَلَيْهِ السَّلَام” في سورة الأعراف
في المحاضرة الرمضانية العاشرة يواصل السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي “حفظه الله” الحديث على ضوء الآيات المباركة في القصص القرآني، وذلك من قصة آدم “عَلَيْهِ السَّلَام”، التي وردت في سورة البقرة، أنَّ هذه القصة ذكرت سياقات معينة، ويبين أن القصة أيضاً وردت في سورة الأعراف، ولها سياقها المهم جداً لنا، والذي نحتاج إلى أن نستفيد منه، ويبين أن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ذكر جوانب معينة من القصة لم تُذكر في سورة البقرة.
وكما وردت قصة آدم “عَلَيْهِ السَّلَام” في القرآن الكريم، وتكررت فيه من جوانب متعددة، وقدَّمت الدروس والعبر، يبين السيد القائد أنها ذُكرت في كتب الله السابقة إلى رسله وأنبيائه، وأن فيها الدروس والعبر المهمة، التي لو استوعبها البشر في كل المراحل الماضية؛ لكان واقعهم مختلفاً تماماً عمَّا هو عليه؛ وذلك لأنها دروس مهمة جداً، واستيعابها يقي الناس من الكثير من الشقاء والخسران في الدنيا وفي الآخرة، والعياذ بالله.
ومن قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في سورة الأعراف: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ يبين السيد القائد أنه قبل البدء بالقصة مباشرةً يأتي الحديث عن نعمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” على البشر بهذه الأرض، وما جعل لهم فيها وخلق لهم فيها من النعم الوافرة، الكثيرة، التي لا تحصى ولا تعد، وأن هذا مدخلٌ مهمٌ بالنسبة للإنسان؛ ليعرف أن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو مصدر النعم للإنسان؛ ولذلك يؤكد السيد القائد أنه لا يليق بالإنسان أن يستخدم نعم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بالإساءة إلى الله “جَلَّ شَأنُهُ”، وأن المفترض بالإنسان، واللائق به، وواجبه هو الشكر إلى الإحسان العظيم.
ومن قوله تعالى: {ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ}، يبين السيد القائد أن السجود كان تكريماً لآدم “عَلَيْهِ السَّلَام”، وأن هذا التكريم يمتد إلى البشر بأن كرَّم الله الإنسان بسجود الملائكة له، وأن إبليس امتنع من السجود، وامتنع عن ذلك أشد الامتناع، ورفض ذلك، وكان موقفه مختلفاً عن بقية الملائكة، وهو ما سيتبين في هذه الآيات المباركة بشكلٍ أوسع مما في سورة البقرة، عن عداوة إبليس للإنسان، عن عداوة الشيطان للبشر، وعن أساليبه، وعن حقده.
ويؤكد السيد القائد أن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” كشف لنا السبب في امتناع إبليس من السجود، وذلك باعترافٍ مباشرٍ من إبليس نفسه حينما سأل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” إبليس:{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ}ويبين أن الله “جَلَّ شَأنُهُ” أراد أن يوثِّق لنا نحن (بني آدم) اعترافاً مباشراً من إبليس نفسه، عن السبب الحقيقي في امتناعه من السجود لآدم “عَلَيْهِ السَّلَام”/ ولهذا فإن السؤال لإبليس ليس للاستفسار عن مبرر؛ لأنه لا مبرر أصلاً؛ وإنما هو سؤال عن السبب الذي ليس مبرراً مشروعاً له؛ وإنما هو سببٌ آخر، يريد الله أن يكشفه لبني آدم باعترافٍ مباشرٍ من إبليس.
ومن قوله تعالى:{قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[الأعراف: من الآية12]، يؤكد السيد القائد أن امتناع إبليس من السجود هي أول معصية عصى الله بها، وأنَّ وراء هذه المعصية ما هو أخطر، وأسوأ، وأنها تشعَّبت وتفرَّعت عن عقدة الكبر، ويعتقد أنه خيرٌ من آدم، وأنه لا ينبغي السجود لآدم، ويبين السيد القائد أن ابليس هنا يتَّهم الله في عدله وحكمته، ويصرِّح بهذا الاتهام لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في عدله وحكمته.
وفي ضوء ذلك، يؤكد السيد القائد أن الكبر ذنبٌ عظيم، وعقدة خطيرة جداً وحالة خطيرة جداً، وهو من الأسباب التي تدفع الكثير من الناس ويقودهم الى حالة الكفر والطغيان، وهو من أكبر الأسباب التي تدفع البعض من الناس إلى أن يقودوا هم حالة العناد، والتصدي للرسالة الإلهية، ومواجهة الأنبياء، والهداة، والصالحين من عباد الله ولهذا يأتي التحذير منه كثيرًا في القرآن الكريم.
كما يؤكد السيد القائد أن نتيجة ذلك التكبر تكون معاكسة، في أن المتكبر يهبط، ويسقط، ويخسر القيمة المعنوية؛ لأنه يريد لنفسه أن يكون له شأنٌ رفيع، وأهمية ومكانة عالية، ولكن أول ما يخسره المتكبر هو أن لا يكون وزن له، ولا مكانة له، ولا يبقى له شأنٌ رفيع، وأهمية ومكانة عالية، وهذا ما يتضح من قوله تعالى: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا}، بأن الهبوط: هو طردٌ من ذلك المكان المقدَّس، وطردٌ من المكانة التي هو فيها، والمنزلة التي كان قد وصل إليها، فخسر كل شيء، وهذا تأكيد للطرد بغضبٍ من الله، وسخطٍ من الله، ومقتٍ من الله والعياذ بالله، فطُرِد وحُكِمَ عليه أن يكون من الصاغرين، والصَّغَار هو: الذلة والهوان.
كما يبين السيد القائد أن ابليس بعد كل ذلك قد بقي على عناده، وبقي مصراً على إجرامه، وذنبه، وعصيانه، لم يرجع إلى الله بالتوبة، أو الإنابة، أو يراجع حساباته، وينتبه إلى خسرانه، أنه يخسر ويخسر أكثر وأكثر، وطلب من الله أن يُنظِرَه، أي أن يؤخِّر عنه الموت والهلاك، فيبقى على قيد الحياة طول الفترة التي يعيش فيها البشر في هذه الدنيا، وإلى يوم القيامة.
ولذلك، يبين السيد القائد أن من أخطر نتائج المعاصي الناتجة عن الكبر أنَّها تخبث بها النفوس، ويفقد المخلوق- سواءً من الإنس، أو الجن- طيب نفسه، وزكاء نفسه، وعنصر الخير في نفسه؛ فيكبر الشر ويتعاظم في واقعه النفسي، وكيانه الداخلي، ويتعاظم الخبث فيطغى، يطغى عن المخلوق (من الإنس، أو الجن)، وهي حالة خطيرة، مخيفة؛ ولهذا يحث القرآن الكريم على المبادرة إلى التوبة عند الزلل؛ لأن للمعاصي أضرارها وآثارها الخطيرة جداً على الجانب النفسي، بما تتركه من الخبث في النفوس.
ويؤكد السيد القائد أن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” كشف للبشر خطة الشيطان، وطبيعة الحرب التي سيشنها عليهم؛ لأنها ليست حرباً من النوع الآخر، بل هي الحرب التي تستهدفهم لإغوائهم، والسعي لصدهم عن الصراط المستقيم، الموصل إلى الغايات والنتائج العظيمة، التي تسمو بالإنسان، ويصل الإنسان إلى الفلاح، إلى الخير، إلى الفوز العظيم.
ومن قوله تعالى: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} يبين السيد القائد أن ابليس يعترف بأن صراط الله مستقيم، يوصل إلى النتائج العظيمة، والغايات الكبرى، من الفوز العظيم، والفلاح، وأنه يريد أن يصرفهم ليخسروا؛ لأنه يرى نفسه أنه قد خسر كل شيء، ويريد أن يخسروا معه، وأن يوقعهم معه في الخسارة، والشقاء، والخذلان، والضلال، والغواية؛ ثم إلى نار جهنم، ليكونوا من أصحاب السعير، وأن يحرمهم من جنة الخلد في الآخرة.
ويؤكد السيد القائد أن ابليس سيبذل كل جهده، ويستخدم كل الوسائل والأساليب في العمل على إغوائهم، وسيأتي الإنسان من كل جهة، ليبحث عما هو الذي يمكن أن يؤثِّر به على نفسية الإنسان لإغوائه؛ وذلك لأن نفسيات الناس تختلف، فالبعض قد تؤثِّر فيه الشهوات، والبعض قد تؤثِّر فيه الأطماع، والبعض قد تؤثِّر فيه المقامات المعنوية، والبعض قد تؤثِّر فيه المخاوف.